تحليل إخباري | صراع المواقع يفضح الملايير المفقودة في حزب الأصالة والمعاصرة
8 مارس، 2019
0 7 دقائق
إعداد: سعيد الريحاني
اليعقوبي، هو الوالي الذي تم تنصيبه مؤخرا واليا على جهة الرباط سلا زمور زعير، وهو نفسه الوالي الذي اقترن اسمه بالخلاف الدائم مع إلياس العماري، الأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة، وطالما تصدرت عناوين الخلاف بين الرجلين، واجهة الصحف والمواقع الإلكترونية، لكن هذا الصراع طوي بتنقيل اليعقوبي من مكتب والي طنجة تطوان إلى الرباط، ليحل محله صديق إلياس العماري، الوالي امهيدية، الذي ترك أوراشا كبرى مفتوحة في الرباط، قبل أن ينتقل إلى مقر عمله في الشمال.
هكذا إذن، اعتقد الكثيرون أن اسم اليعقوبي، لن يلتقي من جديد مع اسم العماري في قصاصات الأخبار، لكن المفاجأة حصلت فعلا، عندما تحركت “مدام اليعقوبي” في الرباط، والتي لا يعرف أحد إذا ما كانت لها علاقة عائلية مع الوالي اليعقوبي أم أنه مجرد تشابه في الأسماء، حيث طالبت بصفتها رئيسة لجنة الافتحاص المالي بالمجلس الوطني، بإمدادها بالوثائق المحاسباتية لحزب الأصالة والمعاصرة، وعندها كتبت الصحف عنوانا مثيرا سيكون له ما بعده في الصراع “الطاحن” داخل الحزب، حيث خصصت جريدة “الأخبار” على سبيل المثال، وتبعتها عشرات المواقع الإخبارية، حيزا هاما لمتابعة ما سمته “حرب حول صرف الملايير من أموال البام”، لتكشف بناءا على مصادرها، أن غموضا كثيفا يسود تدبير أموال حزب الأصالة والمعاصرة منذ مرحلة إلياس العماري، أمينه العام السابق، وهي تقول: “أن اليعقوبي، رئيسة لجنة الافتحاص المالي بالمجلس الوطني، طالبت مرارا بإمدادها بالوثائق المحاسباتية دون أن تحصل عليها”.
الخطير في الأمر، حسب نفس المصدر، “أن ملايير السنتيمات من الأموال التي جمعها الحزب خلال الانتخابات التشريعية، مازالت تحيط بها الكثير من الشكوك، حول أوجه صرفها، والقيادات التي استفادت منها لشراء الفيلات والسيارات الفاخرة.. لذا فإن عددا من قياديي الحزب، يطالبون رجل الأعمال محمد الحموتي، الذي منحت له رئاسة المكتب الفيدرالي، بالكشف عن صرف تلك الملايير..” (المصدر: موقع الأخبار: 22 يناير 2019).
بغض النظر عن حكاية صراع محتمل بين “آل العماري” و”آل اليعقوبي”، فإن الحديث عن الملايير وأصحاب الملايير في حزب الأصالة والمعاصرة، ليس وليد اليوم، بل إن الأمين العام الحالي، حكيم بنشماس، لم يكن ليحقق هذا النجاح في الحياة السياسية، لولا لقائه ذات يوم مع الملياردير الريفي، المتهم بالانفصال، سعيد شعو، قبل أن يحصل على دعم ملياردير ريفي آخر في الرباط، كان وراء نجاح حملته في جماعة يعقوب المنصور بالعاصمة، وتلك قصة أخرى أسدل عنها الستار بعدما تمكن بنشماس من الحصول على رئاسة مجلس المستشارين، أول مرة، ليستقيل من الجماعة والبلدية(..).
ولم يصدر عن بنشماس حتى الآن أي توضيح بخصوص حديث عدة مصادر إعلامية عن اختفاء الملايير من خزينة حزب الأصالة والمعاصرة، ليطرح السؤال: كم عدد هذه الملايير المختفية؟ وأين هو الملياردير محمد الحموتي، الذي يطالبه أعضاء حزب الأصالة والمعاصرة بتقديم التوضيحات اللازمة، بعد تعيينه رئيسا للمكتب الفيدرالي للحزب؟
لا يوجد حتى الآن أي جواب رسمي من الحزب، لكن المصادر الإعلامية تتحدث عن اختفاء “أربعة ملايير ونصف”، كما تتحدث عن استقالة مفاجئة وغير معلنة للحموتي، من رئاسة المكتب الفيدرالي، وهو بالمناسبة، هيكل تنظيمي غير دستوري، وربما يتعين على وزير الداخلية، لفتيت، أن ينظر في إشكالية تأسيس مكتب فيدرالي خارج الجمع العام، بعيدا عن قانون الأحزاب، وبعيدا عن أسلوب النظام المغربي، الذي لا يعترف بـ”النظام الفيدرالي”(..).
وتقول المصادر الإعلامية، أن الأمين العام حكيم بنشماس، يواجه أزمة جديدة، تهدد بتفجير الوضع التنظيمي، بعد أن استعاد زمام المبادرة، باتفاق مع أحمد اخشيشن، المعين نائبا للأمين العام، واخشيشن أيضا، متهم بتبذير الملايير في المشروع الفاشل للمخطط الاستعجالي للتعليم(..)، لذلك يرى البعض أن الغرض من تعيينه كأمين عام بالنيابة، هو إبعاده عن المحاسبة، لأن المغرب لا يحاكم الأمناء العامين، وهي المحاسبة التي باتت جاهزة بعد صدور تقرير المجلس الأعلى للحسابات، أما عن الأزمة الجديدة داخل الحزب، فتتمثل في استقالة محمد الحموتي، دون تحديد أسباب القرار، لكن المصادر الإعلامية تقول: “إن استقالة الحموتي، تأتي بعد الاجتماع العاصف للمكتب الفيدرالي، والذي واجه خلاله هجوما قويا من قبل عدد من الأعضاء، الذين فجروا قنبلة المالية في وجه رفيق إلياس العماري، وابن الريف، الذي اختاره بنشماس ضمن الوجوه الملحقة بالمكتب السياسي، وتعيينه رئيسا للمكتب الفيدرالي، دون علم أعضائه بالقرار”.
نفس المصادر، تستغرب “صمت الأمين العام حول مصير مالية الحزب، رغم تبليغه من قبل إلياس العماري، بخبر إيداع مبلغ أربعة ملايير ونصف المليار سنتيم لدى الحموتي، وهي القضية التي فجرها القيادي عبد اللطيف وهبي في اجتماع المكتب السياسي الأخير، مطالبا بالتحقيق في الموضوع”، وتضيف بـ”أن حكيم بنشماس، ظل يتكتم عن خبر الاستقالة، في انتظار إيجاد أجوبة عن الأسباب التي أدت إليها، خاصة في ما يتعلق بمصير المبلغ المالي الذي أودعه إلياس العماري، الأمين العام السابق، لدى محمد الحموتي، والذي خصصت ثلاثة ملايير منه لمشروع بناء المقر الجديد للحزب، ومليار ونصف المليار لتدبير شؤون التنظيم وأداء أجور الموظفين والمقرات الحزبية” (المصدر: موقع الصباح 7 فبراير 2019).
ورغم الحديث عن كل هذه الملايير داخل الحزب، فإن ذلك لم ينعكس مؤخرا على وضعية المستخدمين من طرف الحزب، حيث لم يجد الحزب سوى تسريح عشرات الصحفيين من العمل بعد فشل المشروع الإعلامي لحزب الأصالة والمعاصرة، وهو بدوره مشروع ضخم كلف عدة ملايير، منذ اليوم الذي انطلق فيه على عهد الأمين العام السابق إلياس العماري، الذي ظهر رفقة عدد كبير من رجال الأعمال والسياسة وهو يطلق مشروع “آخر ساعة”، الذي لم تبق منه سوى مجلة “أفكار”(..)، حيث كان العماري قد أعلن إطلاق “آخر ساعة” بحضور مجموعة من الشخصيات السياسية، وكبار رجال الأعمال، مما جعل الأمر يبدو كحصاد سياسي، ومالي(..)، منهم القيادي في حزب الاستقلال عبد الله البقالي، والقيادي حزب الاتحاد الاشتراكي عبد الحميد الجماهيري، والحبيب المالكي، رئيس اللجنة الإدارية، وحكيم بنشماس، رئيس مجلس المستشارين، وسلفه محمد بيد الله، وأعضاء الحكومة ممثلة في وزير الفلاحة عزيز أخنوش، ووزير الجالية أنيس بيرو، والمامون بوهدود، وزير منتدب لدى وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي المكلف بالمقاولات الصغرى وإدماج القطاع غير المنظم، وعبد الحفيظ العلمي وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي، ووزير التشغيل عبد السلام الصديقي، بالإضافة رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم، وأنس الصفريوي مالك المجموعة العقارية الضحى..
لكن بغض النظر عن حكاية مشروع إعلامي كلف 6 ملايير ونصف، ولم ينجح(..)، فإن الحديث عن حزب الأصالة والمعاصرة، ارتبط في السنوات الأخيرة، بالحديث عن أعضائه ضمن صفقات كبرى بالملايير، مثل حديث الصحافة عن كون رئيس مجلس المستشارين، حكيم بنشماس، حصل على أراض سلالية بقيمة 5 مليارات سنتيم بضاحية “راس الما” قيادة عين الشقف بإقليم مولاي يعقوب، بـ300 درهم للمترالمربع الواحد، بينما سعرها الحقيقي لا يقل عن 1000 درهم لكونها داخل المدار الحضري بضاحية فاس(..).
وليست هذه المرة الأولى التي يطرح فيها اسم بنشماس ارتباطا بصفقة عقارية ضخمة، بعد الحديث عن اسمه كمشتر لفيلا فخمة بالعاصمة الرباط، حيث طرح عليه سؤال من أين لك هذا؟ قبل أن يهدد بجر الصحفيين الذين كتبوا الخبر إلى المحاكمة، لكنه لم يقم بالإجابة عن رئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران، الذي هاجمه في شريط بالصوت والصورة وهو يقول له، بأن حزبه “تابعاه التابعة”، قبل أن يستنكر اختباء بنشماس وراء الملك قائلا “إيلا كاع عطاه الملك باش يشري فيلا خصو يسكت.. سيدنا خصنا نوقروه.. راه ماشي رئيس دولة جانا من الانتخابات، سيدنا رئيس دولة وملك وأمير المؤمنين جاء بالتاريخ”.. هكذا كان يتحدث بن كيران، قبل أن يبرر هو الآخر حصوله على معاش استثنائي هذه الأيام بكونه هدية من الملك(..).
داخل حزب الأصالة، لم يكن بالإمكان الحديث عن أي رمز دون الحديث عن ارتباطه بالنفوذ المالي، فهنا يوجد الخياط الذي تحول إلى ملياردير، ويوجد الأستاذ الذي تحول إلى ملياردير، ويوجد الأمي في الإعلاميات والذي بات يسير شركة متخصصة في التكنولوجيات الحديثة.. والحزب كله موجه لمحاربة الإسلاميين، كما يؤكد قياديوه، من المؤسس الهمة إلى الأمين العام الحالي بنشماس، الذي لا يمل من تكرار القول بأن مرحلة الإسلاميين، ليست سوى عنوانا لـ”سنوات عجاف من الشعبوية والمهاترات التي ضيعت على بلادنا فرصا حقيقية للتقدم إلى الأمام”.
يذكر أن صراع أصحاب الملايير داخل حزب الأصالة والمعاصرة، يخفي وراءه أزمة أكبر، وهي “الأزمة الوجودية”، التي دفعت عددا كبيرا من أعضائه، لاسيما أصحاب رؤوس الأموال، إلى الهجرة نحو حزب الأحرار، لذلك، لا غرابة أن نقرأ في المواقع الإخبارية ما يلي: “يبدو أن كتيبة رجال المال والأعمال التي يملكها حزب الأصالة والمعاصرة، أصابها نزيف لن يتوقف، فالهجرة الجديدة لهؤلاء نحو التجمع الوطني للأحرار، بدأت، وتعكسها الانتخابات الجزئية في الدوائر التي ألغت المحكمة الدستورية مقاعدها، فبعد أن استقطب حزب الأحرار أحد كبار رجال الأعمال لحزب البام في أكادير، محمد الولاف، ورشحه للانتخابات الجزئية هناك، وفاز بمقعد باسمه الأسبوع الفائت، يعود عزيز أخنوش ليستقطب رجل أعمال آخر من التراكتور، كي يرشحه للانتخابات الجزئية في سيدي إفني، مصطفى مشارك، ملياردير من تيزنيت ترشح باسم البام في 2016 في دائرة تيزنيت، لكنه لم يفز بالمقعد، ليقول قيادي من الحزب: إن مصطفى مشارك (على سبيل المثال) وجد نفسه في وضع لا يطاق مع قيادة الأصالة والمعاصرة، وفضل الالتحاق بأخنوش” (المصدر: موقع الأول عدد: 9 أكتوبر 2018).
ويبدو من الطبيعي أن تتحول “الأزمة الوجودية” إلى أزمة تنظيمية، وها هو واحد من أعضاء حزب الأصالة والمعاصرة، يتفاعل مع جريدة “الأسبوع” عدد 10 يناير 2019 التي أثارت مسألة “محاولة المتاجرة من جديد في “حركة لكل الديمقراطيين”، ومحاولة “إيهام” الرأي العام، بأن “حركة الهمة مازالت موجودة في الساحة السياسية”، ويتعلق الأمر بالمحامي عبد اللطيف وهبي، هذا الأخير، أكد إلغاء المناسبة التي كانت من المزمع تنظيمها احتفاءا بذكرى تأسيس “حركة لكل الديمقراطيين”، بعد أن مهد الحزب لذلك عبر بلاغ سابق يقول فيه “إن اجتماع المكتب السياسي، تميز باستحضار روح مبادرة حركة لكل الديمقراطيين التي أسسها المستشار الملكي الحالي، فؤاد عالي الهمة، في 11 يناير من سنة 2008″، غير أن التفاعل مع جريدة “الأسبوع” أعدم الفكرة التي روجها لها بنشماس من أساسها(..)، وها هو المحامي عبد اللطيف وهبي يصرح، كما قالت الأسبوع: “في الحقيقة، إن ندوة حركة لكل الديمقراطيين، لم نقيمها التقييم الأفضل داخل الحزب، لقد تسرعنا شيئا ما في إدارتها، مع الإشارة إلى أن حركة لكل الديمقراطيين، ليست ملكا لحزب الأصالة والمعاصرة إطلاقا، بل هي حركة ساهم في تأسيسها كثيرون من خارج الحزب، ومنهم مستقلون ومناضلون من أحزاب أخرى، كما أنها لم تأت من أجل إنجاح حزب الأصالة والمعاصرة، وإنما جاءت في مسار عرفه الفكر السياسي بالمغرب” (المصدر: المساء عدد 21 فبراير 2019).
ولم يترك وهبي الفرصة تمر دون أن يؤكد جانبا من الصراع التنظيمي مع دوائر النفوذ المالي في الحزب، خاصة مع صديق بنشماس، العربي المحارشي، حيث قال وهبي بلغة “تهديدية” قد لا يفهمها إلا المحامون أو الملمون بالمسارات القضائية: “.. إن المحارشي، أصبح مشكلة وقضية مطروحة داخل الحزب، في الواقع لم نعد نعرف ماذا يريد… الآن أصبح المحارشي ملفا، وسندبر هذا الملف، لأننا لا نقبل الكثير من تصرفاته، ومنها ما سنحيله على الأمين العام.. ونقول إجمالا، إنه لإنقاذ هذا الحزب، يجب إيجاد حل لمشكلة اسمها العربي المحارشي”.. فهل يعرف وهبي أن المحارشي هو صديق بنشماس وصديق إلياس العماري، وهل يعرف أن كلاهما صديقا عزيز بنعزوز ومحمد الحموتي، أم أن كلام وهبي مؤشر على التغييرات المحتملة، لإنقاذ الحزب؟