تحليل إخباري | دونالد ترامب يورط السعودية في خلاف مع المغرب لأجل إسرائيل
22 فبراير، 2019
0 5 دقائق
السعودية شاركت في المسيرة الخضراء وإعلامها الشارد يطبل للبوليساريو
إعداد: سعيد الريحاني
((كان الملك الراحل الحسن الثاني يوم الثاني من مارس 1983، بصدد تسجيل خطاب العرش، الموجه للإذاعة والتلفزيون، في القصر الملكي بفاس، وكان من عادة الملك الراحل أن يستدعي بعض الوزراء والشخصيات لحضور مثل هذه المناسبات، وبينما كان الملك الراحل يرتجل خطابه، شرع في الحديث عن القادة العرب الذين زاروا المغرب خلال العام الذي سبق (1982)، وكان من بينهم العاهل السعودي الملك فهد بن عبد العزيز، فاستفاد العاهل المغربي من هذه المناسبة في الإشادة بـ”العلاقات الأخوية والروابط المحكمة والمتينة القائمة بين المغرب والمملكة العربية السعودية”، وأشار إلى أن الحسن الثاني كان يلقي خطابه بصورة عادية والصمت يخيم على القاعة، وفجأة سمعه الحضور يقول: “استقبلت بلادنا خلال العام المنصرم، صديقنا الكبير وشقيقنا العزيز صاحب الجلالة الملك فهد بن عبد العزيز عاهل المملكة المغربية…)).
للوهلة الأولى اعتقد الحاضرون أن الأمر يتعلق بزلة لسان، لكن الحكاية كما حكاها الإعلامي المغربي، وأحد أقطاب الإذاعة الوطنية، محمد بن ددوش في كتابه “رحلة حياتي مع الميكروفون”، أخذت منحى آخر، حسب ما يحكيه بن ددوش: ((التقطت آذاننا هذه الجملة، وإذا بأنظارنا نحن ممثلي الإذاعة والتلفزة تتجه مباشرة نحو وزير الإعلام، الذي التقط هو أيضا تسمية الملك فهد بملك المملكة المغربية، وشعرنا جميعا بأن الأمر لا يعدو أن يكون فلتة لسان، ولكنها ستكلفنا الكثير لإصلاحها، خصوصا تلفزيونيا، إذا استمر الملك في قراءة خطابه ولم يتوقف لإعادة الجملة مصححة، وبدأنا التخاطب بالإشارات مع الوزير الواقف في الجانب الآخر لتشجيعه على التدخل بسرعة لإشعار الملك بما حدث، مع أننا كنا في قرارة أنفسنا، نعتقد أن الوزير لن يجرؤ على الإقدام على هذه الخطوة، إذ كان من المستحيل تقريبا أن يقدم أحد الوزراء أو المستشارين على مقاطعة الملك وهو بصدد تلاوة خطابه)).
واحد من الحاضرين، حسب حكاية بن ددوش، هو وزير الإعلام عبد الواحد بلقزيز، كان قد امتلك ما يكفي من الشجاعة، فتقدم نحو الملك الذي توقف عن متابعة خطابه ليستمع إلى ما يقوله وزيره.. أطرق الملك رأسه وساد الصمت قليلا، ثم رفع رأسه وقال مخاطبا الوزير: ((أييه! الملك فهد ملك المملكة المغربية، وليس هناك خطأ وعليكم الاحتفاظ بالجملة كما هي))، وأمر باستئناف التسجيل، وفي يوم عيد العرش، أذيع الخطاب كما سجل، وسمع المغاربة تلك العبارة، فتيقن الجميع أن قرار الحسن الثاني الاحتفاظ بتلك الجملة كما نطق بها، علامة على مدى عمق الروابط الأخوية التي جمعته بالعاهل السعودي الراحل وببلاده الشقيقة على مدى عقود (نفس المصدر).
حسب بن ددوش، القصة لم تنته عند هذا الحد، وفي مدينة فاس فقط، إذ مرت بضعة أشهر، وتوقف ولي العهد الأمير محمد (الملك محمد السادس) في مدينة جدة قادما من أديس أبابا في طريق عودته للمغرب، فاستقبله الملك فهد بن عبد العزيز أفضل استقبال، وأقام مأدبة غذاء على شرفه في رحاب القصر الملكي الجديد، الذي كان في طور التشييد بشارع الكورنيش في مدينة جدة، وحضر المأدبة أعضاء الوفد المغربي المرافق للأمير وعدد من الشخصيات السعودية، ومن بينهم مجموعة من رجال الأعمال كانوا على وشك التوجه إلى المغرب لحضور المؤتمر الثاني لرجال الأعمال والمستثمرين العرب المنعقد في أكتوبر 1983.. المأدبة كانت مناسبة للعاهل السعودي لإبداء حفاوة كبيرة بابن الحسن الثاني، والإشادة بالعلاقات المغربية السعودية، وتوجه بالخطاب مباشرة إلى رجال الأعمال السعوديين، وطلب منهم ((تقديم كل ما يمكن من الدعم للمغرب، لما لهذا البلد من مكانة في نفسي، ولما أكنه من تقدير واحترام لأخي الملك الحسن الثاني، الذي اعتبره ملكا للمملكة العربية السعودية)) (المصدر: حكاية بن ددوش كما تداولتها وسائل إعلام سعودية).
وحدهما بنددوش وبلقزيز، اللذان كانا حاضرين في جدة، تبادلا النظرات، عندما حصلت الواقعة الثانية، ويقول بنددوش: ((وبما أنني كنت ووزير الإعلام الدكتور عبد الواحد بلقزيز، الوحيدين الحاضرين لمأدبة الغذاء في جدة، وتسجيل خطاب العرش في فاس، فإننا تبادلنا النظرات والابتسامات من بعيد وكأن كل واحد منا يقول للآخر: إنه الجواب)).
كل من المغرب والسعودية لا يتقاسمان نفس المذهب الديني(..)، لكن العلاقات مع أكبر دولة خليجية في زمن الحسن الثاني، وصلت إلى مستوى غير مسبوق، بل إن السعودية، التي يتطاول بعد رجال الإعلام فيها وبعض المسؤولين من الجيل الجديد على القضية الوطنية، شاركت بوفد رفيع المستوى في حدث المسيرة الخضراء، وربما نسيت بعض وسائل الإعلام السعودية، اليوم الذي حل فيه وفد سعودي لمراكش على متن طائرة عبد الله العثيمي، ليجدوا في استقبالهم وزير الداخلية المغربي، محمد حدو الشيكر.. وقد سجلت وسائل الإعلام عن رئيس البعثة السعودية قوله: ((إننا نبادلكم نفس الشعور ونفس الإحساس تجاه قضيتكم العادلة، لهذا قدمنا، أنا وأعضاء الوفد السعودي الذي يمثل مختلف طبقات الشعب في المملكة العربية السعودية، إلى هذا البلد الشقيق، الذي يكن له الشعب السعودي كل تقدير واحترام للمشاركة في مسيرته السلمية، ونحمل في نفس الوقت تحيات جلالة الملك خالد بن عبد العزيز وشعب المملكة العربية السعودية لجلالة الملك الحسن الثاني، وشعب المملكة المغربية، ونأمل إن شاء الله أن يوفق الله جلالة الملك الحسن الثاني والشعب المغربي في أهدافه النبيلة، ونحن سعداء لمقابلة إخوان لنا في الإسلام والعروبة)).
ويا لها من مفارقة بين الأمس واليوم، حيث تحولت السعودية من بلد شقيق وأخ في “العروبة والإسلام “، إلى بلد تصدر عنه كل الإشارات الغير مطمئنة نحو المستقبل(..)، فبيما يواصل ولي العهد محمد بنسلمان، تدوير طاحونة السلطة، يتواصل التنكر للماضي من طرف بعض المسؤولين في السعودية، وإلا ما معنى أن تشارك السعودية في حدث المسيرة الخضراء، وتأتي بعض وسائل الإعلام فيها اليوم لتطبل للبوليساريو، بشكل جعل ممثل البوليساريو في الجزائر يقول: ((إن السعودية بصدد تصحيح موقفها من قضية الصحراء)).
بغض النظر عما إذا كانت العلاقات ساخنة أو باردة، وبغض النظر عن قضية استدعاء السفير للتشاور، والتشاور قد يكون مقدمة للسحب(..)، فإن مؤشرات خلاف المغرب مع السعودية، تقف وراءها أمريكا، التي جندت السعودية للترويج لـ”صفقة القرن”، لذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه، هو ما الذي حدث للسعودية في زمن ولي العهد محمد بنسلمان، صاحب “رؤية العلا 2030″(..)؟
الجواب لا يوجد في الدوائر الضيقة، لكن مجرد إطلالة على الإعلام الدولي، وما تتداوله عن “صفقة القرن”، سيكون كفيلا بالجواب، فمنذ وصوله إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، استطاع الرئيس دونالد ترامب تجنيد السعودية، للعمل على إخراج “صفقة القرن” للوجود، وهي الصفقة المتعلقة بفلسطين(..)، فبعد قرن من الزمن على وعد بلفور، عرضت الإدارة الأمريكية الحالية، وبالتشاور مع أطراف عربية، رؤية جديدة لتسوية القضية الفلسطينية، وتقول وسائل الإعلام، أن خيوط الصفقة بدأت تنكشف، وهي قد تكون مرفوضة من طرف “لجنة القدس” التي يوجد على رأسها الملك محمد السادس، طالما أن المستهدف من خلالها هو “القدس الشريف”، وقد بدأت تتضح شيئا فشيئا، خاصة بعد أن كشف بعض المسؤولين الفلسطينيين أن المقترحات الأمريكية وصلت إلى فلسطين عن طريق السعودية، علما أن الخطة أشرف على إعدادها جاريد كوشنر، صهر ومستشار ترامب بمساعدة فريق صغير يضم عددا محدودا من الأعضاء، وبينهم جيسون غرينبلات، المبعوث الأمريكي لعملية السلام في الشرق الأوسط، وهو يهودي أرثوذوكسي عمل محاميا في مجال العقارات وكان مقربا لترامب منذ عقود..
وكانت وسائل الإعلام الدولية، قد كشفت ملامح الصفقة المخدومة لصالح إسرائيل، وبإيعاز منها(..)، وهي صفقة تشمل:
– إقامة دولة فلسطينية تشتمل أراضيها على قطاع غزة والمناطق “أ” و”ب” وبعض أجزاء من منطقة “ج” في الضفة الغربية.
– قيام الدول المانحة بتوفير عشر مليارات دولار لإقامة الدولة التي ستشتمل بنيتها التحتية على مطار وميناء في غزة، ومساكن ومشاريع زراعية ومناطق صناعية ومدن جديدة.
– تأجيل وضع مدينة القدس وموضوع عودة اللاجئين إلى مفاوضات لاحقة.
– وتشمل المفاوضات النهائية محادثات سلام إقليمية بين إسرائيل والأقطار العربية بقيادة المملكة العربية السعودية.
من جهتها، نقلت صحيفة “القبس” الكويتية في شهر دجنبر الماضي عن مصدر فلسطيني مسؤول، قوله: ((إن الصفقة تتضمن التخلي عن فكرة حل الدولتين، وتقفز على ملفات القدس واللاجئين والمستوطنات، وتقترح سلاما إقليميا في مواجهة إيران، وترفض أي سيادة على المنطقة الممتدة بين البحر المتوسط ونهر الأردن سوى السيادة الإسرائيلية، وتبقي على القدس موحدة وعاصمة وحيدة لإسرائيل، مع رفض عودة اللاجئين حتى إلى المناطق الفلسطينية)) (المصدر: وكالات).
طبعا.. هذا الحل المقترح في إطار “صفقة القرن”، قد لا تكون له أية فرصة للنجاح، لأنه مرفوض من طرف الفلسطينيين، ومن طرف عدة دول عربية، لكن الدول التي جندتها أمريكا لهذا الغرض، خاصة السعودية، أصبحت تجتهد قدر الإمكان لفرض أمر واقع مرفوض، إذ كيف ستشرف السعودية على إيجاد حل للقضية الفلسطينية، وهي التي لم تعد قادرة على قيادة دول الخليج، بل إنها تتجه نحو عداوة حتمية مع أشقائها، وحتى الدولة البديلة في قيادة المشروع، وهي مصر، لا تملك أية حظوظ للنجاح، لأنها فقدت منذ زمن طويل زمام القيادة، رغم اللعبة التي يتم تحريكها داخل الاتحاد الإفريقي(..)؟
لحد الآن، وفي ظل الأزمة الباردة بين الرباط والرياض، لم تتطور الأمور إلى حد توتر العلاقات، رغم التعليقات الساقطة، التي رافقت الإعلان عن انسحاب المغرب من “عاصفة الحزم” في اليمن، بسبب تداعياتها الإنسانية(..)، لكن الانجراف وراء التخطيط من طرف السعودية، قد يكون مجرد مقدمة لسقوط كبير، في بحر ألعاب المخابرات العالمية(..).