تحليل إخباري | الديوان الملكي يرسم خريطة جديدة للأمن الإعلامي ويقضي على حلم بن كيران باكتساح الإعلام
إعداد: سعيد الريحاني
حكى حسن بنعدي، الأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة، باعتباره واحدا من مؤسسي “الطبخة الأولى”، التي كان يقال عنها بأنها ترجمة عملية للتوجيهات الملكية التي تولىتصريفها صديق الملك، الهمة، (حكى) قصة لقائه مع إلياس العماري كما يلي: ((أنا أعرفإلياس العماري منذ أن كانت عندي مجلة “l’essentielle”، فكان أول من جلبه عندي، هو حسن أوريد، وقد كان ضمن المجموعة التي حضرت للعشاء عنديرفقة مجموعة من الإخوان يقولون إنهم مناضلون من أجل الهوية الأمازيغية، جلبوا ملفاتم نشره في الجريدة حول ضحايا الغازات السامة في الريف.. إلياس كان هو من يحمل ذلكالملف، وهذا عمل عادي بالنسبة لي، لكنه في أحد الأيام، اتصل بي (المقصود إلياس العماري) قبل تأسيس “حركة لكل الديمقراطيين”، واقترح علي بعد الغذاء معه،الالتحاق بالهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، وسألني بطريقته: “هل تريدنيأن أضمنك؟”، فسألته: كيف؟ فقال: “إن المخزن يبحث عن مجموعة من العناصرلتأسيس الهاكا (الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري)”، لكني قلت له: “اسمعيا السي إلياس، إذا كان كل ما فعلته في حياتي، وبعدها يأتي شخص آخر ليضمنني، فهذايعني أنني لا أساوي قرشا”.. وهكذا انتهت علاقتي معه إلى حين انعقاد مؤتمر الاتحادالاشتراكي، حيث نشرت ملفا في المجلة تحت عنوان “التفتت”، فالتقيته منجديد)) (المصدر: حوار مع حسن بنعدي/ الخميس 12 أكتوبر 2018).
كلام حسن بنعدي، وقد سُجلمعه هذا الحوار في عز خلافه مع إلياس العماري، يؤكد أن “الهاكا” ظلتدائما “مؤسسة مخزنية”، وهذا أمر طبيعي، غير أنه يكشف في الجانب الآخر،نفوذ إلياس العماري في هذه المؤسسة، وقد ظلت هذه بحكم حساسيتها، مجالا لصراع النفوذ، حتى أن أمينة المريني، الرئيسة السابقة، عاشت آخر أيامها على وقع الفضيحة التي تناولتها الصحافة، بفرض ابن مستشار ملكي كمدير لإحدى مديريات هذه المؤسسة خارج الضوابط المتعارف عليها(..).
مناسبة إثارة هذا الحديث، هي التعيينات الأخيرة التي أعلن عنها الديوان الملكي في الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، وهي التعيينات التي أسفر عنها استقدام لطيفة أخرباش، كاتبة الدولة السابقة في وزارة الخارجية، والسفيرة الحالية للمغرب في تونس، هذه الأخيرة تمتعيينها رئيسة لـ”الهاكا” خلفا للسيدة أمينة المريني.
وجاء في بلاغ للديوانالملكي، صدر بداية هذا الأسبوع، أن الملك محمد السادس، استقبل أيضا نرجس الرغاي، وجعفر الكنسوسي، وعلي البقالي، وعبد القادر الشاوي، وعينهم أعضاء جدد بالمجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري، وذلك عملا بمقتضيات المادة 9 من القانون 15-11 المتعلق بإعادة تنظيم الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري، وأضاف البلاغ، أن الملك استقبل أيضا فاطمة بارودي والسيد خليل العلمي الإدريسي، المعينين من طرف رئيس الحكومة، وبديعة الراضي، المعينة من طرف رئيس مجلس النواب، ومحمد المعزوز، الذي تم تعيينه من قبل رئيس مجلس المستشارين.
الملاحظة الأولى عن هذه التعيينات، تكشف جانب الغنيمة الحزبية في هذا التعيين، حيث أن “الهاكا” لم تتخلص إلى حدود اليوم، من الأعضاء المحسوبين على حزب الأصالة والمعاصرة، بعد أن “فرض”الأمين العام لـ”البام”، اسم الباحث محمد المعزوز كعضو في هذه الهيئة، وبذلك يكون بنشماس قد “أنقذ” باحثا مرموقا تم تهميشه داخل الحزب، بعد تجريده من كل مهامه في ظرف قياسي(..).
رائحة “البام” في التعيينات، لم تقتصرعلى المعزوز، بل إنها شملت أيضا مدير نشر جريدة “آخر ساعة” الناطقة باسمحزب الأصالة والمعاصرة، ويتعلق الأمر بصديق إلياس العماري، عبد القادر الشاوي ، الذي اشتهر في الفترة الأخيرة بمفاوضاته من أجل تسريح صحافيي “آخر ساعة”، حيثحكى عنه الصحافيون الذين كانوا مهددين بالطرد، أنه هددهم بنفوذه لدى الجهاتالعليا، حيث يقولون: ((فوجئنا بالأديبوالدبلوماسي عبد القادر الشاوي، يلبس قناع محامي الشيطان ويهددنا بحرقنا في سوقالشغل، وتقديمنا كمعرقلين للجريدة، بما يحول دون اشتغالنا مستقبلا في منابر صحافية أخرى)).. وتابع الصحافيون النقابيون قولهم، أن ((الشاوي هددنا بالقول: إيلا نتوما معنيين بالنقابة، احنا عندنا جهات عليا)) (المصدر: موقع “الأول” 8 نونبر 2017).
ولم تعد ظاهرة النفوذ الحزبي في مؤسسة “الهاكا” تقتصر على حزب الأصالة والمعاصرة، بلإن التعيينات، كشفت أيضا بصمة الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر، هذا الأخير أعطى من خلال تأشيره على اختيارات الحبيب المالكي، رئيس مجلس النواب، الضوء الأخضر لعودة الكاتبة بديعة الراضي للواجهة، من خلال وضع اسمها ضمن لائحة حكماء المجلس، وكان الاتحاديون قد عاشوا طيلة الأشهر الأخيرة، على وقع حرب خفية بين مجموعة من الأسماء الطموحة، خاصة حول العضوية بمجلس “الهاكا”، وكان المرشح الأوفر حظا لهذه المهمة، هو يونس مجاهد، الذي أصبح رئيسا للمجلس الأعلى للصحافة، الأمر الذي مهد الطريق للناشطة بديعة الراضي، لتكسب عضوية المجلس المذكور، بناء على اقتراح من الحبيب المالكي، هذا الأخير يمكن الحديث عنه أيضا، كمقرب من”عضوة” أخرى في المجلس، هي الكاتبة نرجس الرغاي، هذه الأخيرة، أنجز معهامذكراته حول “التناوب” وكتبت صحيفة “الاتحاد الاشتراكي”، أن ((الكتاب كما أراد له صاحباه (الحبيب المالكي ونرجس الرغاي)، هو ثمرة لقاء.. لقاء ما بينرجل سياسة وبين إعلامية: الأول يريد أن يقدم شهادة، والثانية تريد أن تفهم))..
“لكي نفهم” منطق التعيين داخل المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري، سنجد أن حزب الاتحاد الاشتراكي، حضر بشكل قوي في التعيينات، مستغلا فرصة انهيار حزب التقدم والاشتراكية، بسبب “بيعته” لبن كيران(..)، ولكي نفهم أكثر، سنجد أن رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، لم تكن له أية بصمة تذكر في هذه التعيينات، بعد أن تخلى عن “إخوانه” ليقترح اسم فاطمة البارودي، مديرة الأخبار بالقناة الأولى، لتكون عضوة في مجلس “الهاكا”.. هذه الأخيرة، قدمت السنة الماضية، كتابا كهدية للملك محمد السادس تحت عنوان “الإعلام الفضائي العربي بين تحديات الحراك ورهانات الاستقرار”، وكان ذلك بمناسبة الاحتفالبالذكرى 54 لميلاد جلالته.. فهذا الكتاب، ((يمكن اعتباره مرجعا في التنظير الإعلاميفي المغرب للمرحلة الحالية والمستقبلية، بحيث يتناول فترة الإعلام العربي قبل ما يسمى بالربيع العربي، وإبانه وما بعده..)) (حسب ما تداولته الصحافة).
بالتزامن مع سقوط حزب التقدم والاشتراكية، حسب تطورات الأحداث الأخيرة، وتراجع حزب العدالة والتنمية، ونكبة حزب الاستقلال، لم يقتصر الصعود الاتحادي على “التبليص” في “الهاكا”، ولكنهامتد أيضا ليشمل المجلس الاقتصادي والاجتماعي، حيث استقبل الملك محمد السادس فينفس اليوم (الإثنين)، أحمد رضى الشامي، وعينه رئيسا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، خلفا لنزار البركة، لتكتب وكالة المغرب العربي للأنباء أن ((جلالة الملك أكد على دور وأهمية المجلس، باعتباره مؤسسة دستورية تعددية تضطلع بمهام استشارية لدى الحكومة والبرلمان، سواء في ما يخص التوجهات العامة للاقتصادالوطني والتنمية المستدامة، ومختلف القضايا ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أو في ما يتعلق بتحليل الظرفية وتتبع السياسات الاقتصادية والاجتماعية، الوطنية والجهوية والدولية، وانعكاساتها)).
التحركات الإعلامية للديوان الملكي، لم تقتصر في الفترة الأخيرة على الهيئة العليا للاتصال السمعيالبصري، بل إنها كانت قد بدأت منذ مدة، من خلال تجديد الثقة في فيصل العرايشي كمدير لقطب الإعلام العمومي، وهو ما أكدته الزيارة الملكية لمقر الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون خلال الشهر الماضي، حيث ((أشرف أمير المؤمنين الملك محمدالسادس، مرفوقا بولي العهد الأمير مولاي الحسن، بمقر الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، على إطلاق الدروس الحديثية لإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، حول الحديث الشريف..))، فبغض النظر عن التدشين، فإن الأمر يكتسي طابع تجديد الثقة في العرايشي، الذي كان يرشحه البعض لمغادرة المنصب، وها هي الإشارة تأتي عكس كل التوقعات.
سواء تعلق الأمر بالهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، أو بترتيب الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون، فإن التحركات الأخيرة، وعدم صعود أي اسم من العدالة والتنمية للواجهةالإعلامية، يشكل في نهاية المطاف، إجهاضا لحلم هذا الحزب في اكتساح المجال، فقدكان أول مشاريع رئيس الحكومة السابق، هو تنزيل دفاتر التحملات، فمن يتذكرها اليوم.. أمام هذه القوة الإعلامية لمجلس “الهاكا” التي تقوم مقام المجلس الأعلى للأمن الإعلامي، فهي ((مكلفة بضبط وتقنين قطاع الاتصال السمعي البصري، الذي تم تحريره، بوضع حد لاحتكار الدولة في هذا المجال، لمواكبة المسيرة الديمقراطية والحداثية للمغرب، ولمواجهة تحديات العولمة والتطور التكنولوجي العالمي الذي يعرفه مجال الإعلام والاتصال.. كما تقدم الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري، بهذه الصفة، جميع الضمانات المتعلقة بالاستقلالية والحياد، وتتجلى مهمتها الأساسية في السهر على الاحترام التام لمبادئ التعددية، وحرية التعبير بقطاع الاتصال السمعي البصري، في احترام تام للقيمالحضارية الأساسية، والقوانين الجاري بها العمل في المملكة)).. فهل ينجح المجلس الجديد في احترام هذه المبادئ؟