تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | انتبهوا.. البغاء في المغرب من متعة وجنحة قضائية إلى تجارة في البشر وجريمة جنائية!!

من أرشيف “المساء” سنة 1966.. اقرأ التأملات العميقة لمصطفى العلوي في ظاهرة أصبحت حقيقة!

إعداد: رشيد بغا

الدعارة، أو تجارة الرقيق الأبيض.. كيف تحولت اليوم في القانون المغربي إلى تجارة في البشر؟ وكيف أصبحت جناية تصل عقوبتها إلى 15 سنة سجنا وما فوق؟ الدعارة أو الظاهرة المتفشية عبر العصور، في سائر دول العالم ومنها المغرب، حاولنا قدر المستطاع رصدها بكثير من التحفظ الأخلاقي، بمقاربة تستند إلى أرشيف الصحيفة وكتابة مصطفى العلوي، قيدوم الصحافيين سنة 1966.

في العدد الأول من صحيفة “المساء” المغربية، بتاريخ 1 أبريل 1966، لصاحبها مصطفى العلوي ومدير نشرها آنذاك، الذي كتب في زاوية “قف” بصفحتها السابعة: ((هل تعلم أن مشكلة تحديد النسل، لم تعد مشكلة، وأن وسائل تحديده أصبحت اليوم في متناول الجميع، لقد ظل مشكل النسل والتوالد منذ عهد بعيد، يعرقل تقدم كثير من الأقطار، خاصة منها الدول المتخلفة أو الدول التي تظرفوا فسموها نامية، فبإمكان الكل أن ينعم بحياة هادئة ناعمة دون أن ينغصها عليه الخوف من إنجاب أطفال يكلفونه فوق طاقته، غير أن هذه العقاقير التي تمنع الحمل، قد تساعد على تنشيط حركة الدعارة في البلاد وانتشارها.

والدعارة، مجرد الحديث عنها، يلفه الحذر والغموض، مما يزيده تعقيدا وغموضا أكثر..

فما هو هذا المشكل؟

وما هي عوالمه؟

وما هي أنجع الطرق لمكافحة هذا الداء؟

إن مشكلة الدعارة من أقدم المشاكل التي عاشت مع كل عصر وجيل، وما من قطر من الأقطار، سواء أكان متقدما أو متخلفا، إلا ويعاني من هذا المشكل الشيء الكثير.

كثرت فيه الأقوال وتضاربت حوله الآراء، بعضها يقول بحرية البغاء، والبعض الآخر يقول بوجوب محاربته، وقد وضعت منذ القديم قوانين تجرمه وتحيل المتلبسين به على المحاكم..

ومنذ تسعين سنة، أسس اتحاد دولي لمحاربة البغاء، واتخذ هذا الاتحاد مقرا له بجنيف في سويسرا، وقام بنشاطه، فعقد المؤتمرات، وعقد الندوات والمحاضرات، كما تعاون معه رجال الشرطة، ومع ذلك لا يزال هذا المشكل قائما كما كان من قبل.

والذين يقولون بمحاربة البغاء والسماح بممارسته، يعتمدون على رأي واحد، هو أن لهذه “المهنة” وظيفة اجتماعية تؤديها “المرأة”، حيث تكبح النزوة الغريزية في نفس عميلها الرجل، لكن الواقع أثبت فساد هذا الرأي، حيث أن “العاهرة” لا يهمها غير الاتجار بجسدها، كما أن انتقالها من عميل إلى آخر، أقل ما يجلب للمجتمع، أنه ينشر الأوبئة المختلفة والأمراض المعدية كالسل والزهري وغيرهما، وقد أثبت الخبراء أن الممارسة الجنسية كانت سببا لانتشار عدد من الأمراض الزهرية في بعض دول أوروبا..

وعوامل الدعارة تختلف ويصعب تحديدها، فكما تمارسها المرأة الفقيرة، تمارسها أيضا الميسورة، بل إن هناك كثيرا من الزوجات والبنات من أسر محترمة وثرية جدا، تتعاطين الدعارة وتمارسنها.

وإذا كانت تقارير مراكز الشرطة تقول بأن أغلبهن من الفقيرات، فذلك راجع لا محالة إلى سبب واحد، وهو أنهن لا تجدن اتخاذ الاحتياطات التي تقيهن من الوقوع في قبضة رجال الشرطة.

من هنا يتجلى أن عامل الفقر، ليس هو الذي يسقط المرأة في هذا الانحراف، بل هناك عوامل أخرى أهم هي التي تدفع بها إلى أحضان الرذيلة، ومنها:

الطلاق: فالمرأة عندما يسرحها زوجها، تصبح حرة من جهة، وفي حاجة إلى الطرف الثاني من جهة أخرى، وعند ذلك تدفع بنفسها إلى التغاضي عن صون العفاف.

والطلاق بدوره ينتج غالبا عن صغر سن الفتيات عن الزواج، ولهذا أكبر الأثر في سقوط المرأة، لأن الزواج الذي يتم قبل نضج الفتاة ونظرتها إلى الحياة بعين المرأة العاقلة الناضجة، غالبا ما يكون إما بدافع من العاطفة المحتملة في نفسها خلال سن المراهقة، أو بالإجبار من طرف والدها، ومع مرور الزمن، تنظر الفتاة إلى الحياة بمنظار جديد غير الذي كانت تنظر به إليها وهي مراهقة، فيكون الانحراف(..)، على أن أكبر نسبة للسقوط في هذا الانحلال، تكون في سنها الواحدة والعشرين إلى الرابعة والعشرين من عمرها.

والملاحظ، أن نسبة اللواتي فقدن آباءهن كبيرة بين المنحرفات، مما يدل على أهمية نفوذ الأب في الأسرة.

وإلى جانب بائعة الهوى، هناك الجانب الثاني الذي يشتري تلك المتعة، وهو الزبون، وهناك أيضا جانب ثالث هو الوسيط، الذي يتوسط بين البائعة والزبون الباحث عن لقاء جنسي عابر)).

هكذا بسط قيدوم الصحافة وجهة نظره في موضوع اجتماعي حساس في زمن حساس أيضا من تاريخ المغرب المستقل، واستحضرنا هذا النص من أرشيف صحيفة “المساء” المستقلة التي أسسها مصطفى العلوي سنة 1966، من باب التأمل السريع في النظرة التي كانت سائدة عند النخبة الوطنية لظاهرة الدعارة. وقبل أن تتفاقم الظاهرة بشكل خطير وتتحول إلى جريمة جنائية خطيرة بالمغرب، تتعلق بالاتجار بالبشر كنص قانوني تم التداول فيه وجاءت مادته الأولى متممة لأحكام الباب السابع من الجزء الأول من الكتاب الثالث من مجموعة القانون الجنائي، المتعلق بمكافحة الاتجار في البشر في لجنة العدل والتشريع خلال الولاية التشريعية السابقة، القانون الذي سيقلب كل المفاهيم، ويصبح المتعاطون للدعارة تحت الإكراه الاجتماعي والاقتصادي، أو الخيانة الزوجية تحت الضغط واستغلال عامل الفقر، ليست مجرد جنح فقط، ولكنها جناية يعاقب مرتكبوها بسنوات من السجن، ولعله القانون الزجري الذي من شأنه أن يقلص حدود الظاهرة، أو كما جرت العادة، ستطور الشبكات “المافيوزية” من تقنيات هروبها ومخادعتها لرجال الأمن!

وعن هذا القانون، “القانون رقم 14.27” الذي زعزع عددا كبيرا من ممتهني الاتجار في البشر بالمغرب، وبدأت محاكمتهم تتم في عدد من محاكم المملكة ولو بشكل محتشم نسبيا أو ملتبس أحيانا قليلة، تقول سليمة فراجي، برلمانية سابقة ومحامية، في وجهة نظر عممتها على الصحافة، بأن ((وزير العدل في حكومة بن كيران، سبق له أن نبه إلى التحلي باليقظة من أجل ضمان تطبيق هذا القانون، لا سيما بالنسبة إلى جنح كالتسول والاستغلال في البغاء، والتي تخفي وقائع وأفعالا ترتبط بالاتجار في البشر، لكن بالرغم من الحيطة والحذر، فإن عدم استيعاب توجه نية المشرع من لدن النيابة العامة، نتجت عنه بعض النقائص أسفرت عن متابعة بعض الضحايا بالفساد أو الخيانة الزوجية، والحال أنهم ضحايا تم استغلال ضعفهم أو حاجتهم أو هشاشتهم، واستعمال مختلف أشكال القسر والاحتيال والخداع أو إساءة استعمال السلطة أو الوظيفة أو النفوذ للإيقاع بهم)).

 وأوضح المصدر ذاته، أن ((دورية رئيس النيابة العامة الموجهة إلى الوكلاء العامين ووكلاء الملك بالمملكة (التي هزت الرأي العام مؤخرا وزرعت الرعب في كل من يتعاطى الظاهرة في أزمنة القوانين الرخوة)، جاءت في إطار تبليغه لهم ما يصل إلى علمه من مخالفات للقانون الجنائي، تعتبر خطوة إيجابية، وفي إطار إيقاظ وصحوة العدالة وكشف ما توخاه المشرع في إطار الاختصاصات المنقولة إلى قمة هرم النيابة العامة، الذي أصبح معنيا بتطبيق المادة 51 من قانون المسطرة الجنائية، إذ يشرف على تنفيذ السياسة الجنائية ويبلغها إلى الوكلاء العامين الذين يسهرون على تطبيقها)).

وتضيف فراجي في ورقتها: ((لعل الدورية المتعلقة بحماية ضحايا الاتجار بالبشر، كان باعثها ومحركها، هو عدم إيلاء الأهمية لكل الضحايا، والاقتصار فقط على المشتكين أو من تم ضبطهم أثناء إجراء البحث، خصوصا وأن أثار الجريمة وخيمة، وتستهدف خاصة النساء والأطفال، لذلك، دعا رئيس النيابة العامة، إلى استحضار الجانب الحمائي للضحايا منذ مراحل البحث الأولى من جهة، وعدم تحريك المتابعة في مواجهة ضحايا الاتجار بالبشر متى كانت الأفعال المنسوبة إليهم اقترفت تحت تأثير التهديد ولها ارتباط بكونهم ضحايا جريمة الاتجار بالبشر، من جهة ثانية، علما أن المعلقين سلبا على مشروع القانون أثناء مناقشته، أوردوا ملاحظات مفادها أنه يصعب التمييز بين الضحية والفاعل والمساهم والمشارك، وهو ما يفتح المجال للعديد من التأويلات…))، لتختم المحامية فراجي كلامها قائلة: ((دورية النيابة العامة الأخيرة، أزاحت الستار عن نية المشرع، بإبراز الجانب الحمائي للضحايا، وتعميق البحث والتقصي والتحري بخصوص باقي الضحايا، بدل الاقتصار على المشتكين وعدم متابعة من ارتكب أفعالا إجرامية كالفساد وممارسة الدعارة، تحت تأثير التهديد لما ترتبط هذه الأفعال بكونهم في الوقت نفسه، ضحايا الاتجار بالبشر)).

تشدد القوانين المغربية، لم يأت من فراغ أو سدى، وإنما استمد مشروعيته من واقع تطور بعيدا عن السياقات التي عرفتها الظاهرة، سواء وطنيا أو مغاربيا أو عربيا، بشكل خطير، حيث أصبحت حاضرة في الواقع بشكل صادم، وممتهنوها من أغنياء القوم ومن أكثرهم سلطة وثراءً، لكن أن نعثر على وثائق ترصد الظاهرة مثلما فعل القيدوم العلوي، في مقالته الصحفية والأدبية اليوم، بحكم مرور أزيد من نصف قرن على كتابتها، فالأمر مستعصي على النقاد المهتمين بشؤون الكتابات الأدبية في المغرب والوطن العربي، عكس ما نعيشه في أيامنا هاته، حيث أصبحت المقالات مائعة وتقدر بالآلاف على صفحات الجرائد والمجلات، وبشكل مرضي بعيدا عن كل أخلاقيات مهنة الصحافة وحتى الأدب، في عدد لا يستهان به في المواقع الإلكترونية، أو الكتابات التي يحركها دافع آخر لا علاقة له بالإبداع النظيف(..)، فترى كيف حضرت الدعارة وكيف غابت كموضوع في الصحافة الراقية والأدب كشكل فني ومتسامي؟

سؤال نقلناه إلى الناقد المغربي محمد رمسيس الذي يشتغل على مقاربات نقدية للموضوع، عربيا ومغاربيا، فكان جوابه على الاستفهام السابق من طرف “الأسبوع”: بأنه ((لا يمكن حصره بسهولة لسبب بسيط، هو أن الموضوع بقدر ما هو ممتد زمنيا، هو موزع على كل الأمكنة والأجناس الأدبية.. يكفي أن نستحضر إشارات محمد زفزاف في مجموعته القصصية “بائعة الورد”، وملاحظات محمد برادة في روايته “لعبة النسيان” ونجيب محفوظ في “ثلاثيته”.. فضلا عن شخصيات: حميدة في “زقاق المدق”، ونفيسة في “بداية ونهاية”، ونور في “اللص والكلاب”…)).

ويضيف الناقد رمسيس: ((في الواقع، يصعب جدا حصر الظاهرة في فسحة عابرة مثل هذه، لكن ومع ذلك، أسجل تحفظات على المناولة الأدبية لجملة من الكتاب التي تختزل الدعارة في دائرة النساء وتستبعد الدعارة الذكورية.. والحال أن الظاهرة عرضانية تحضر عند الجنسين معا، ولا تقتصر على مدينة دون غيرها.. يكفي أن نذكر أن ليون الإفريقي في كتابه “وصف إفريقية”، ذكر أنه عاين في مدينة فاس، دورا عمومية تمارس فيها الدعارة بثمن بخس تحت حماية رئيس الشرطة أو حاكم المدينة.. دون أن أنسى حي “بوسبير” بالدار البيضاء الذي وصفه الصحافي بيير داريوس، بأنه “حي يجتمع فيه الجمال والبؤس”، وهذا يعني أن الدعارة تتسرب لأبعد نقطة مجالية قد لا ينتبه لها المبدع)).

وعلى عكس الدعارة في مقالة مصطفى العلوي، التي حدد أطرافها في المرأة والرجل على حد سواء، إضافة إلى الوسطاء وهم اليوم “تجار البشر الحقيقيون”، الذين يهدف القانون الأخير، إلى محاربتهم بلا هوادة، كسبق يسجل له أدبيا على الأقل في طرح الظاهرة مغربيا بدون تعسف في حق المرأة وحصر الظاهرة في شقها الأنثوي، مما يجعله متخلصا من مقاربة سائدة في زمانه، وهي تمييزية  عنصرية قل من انتبه إليها في سنة 1966، أو ما قبلها من الأدبيات المغربية، لأن جل الكتابات، إن لم نقل كلها في السابق، كانت تهدف إلى إلصاق “العار” الاجتماعي وإخفاقات الرجل في الحياة وأمام مآزق الوجود، بالمرأة، من حيث هي مجرد كيان مختزل في “عورة” بلا عقل أو جذور اجتماعية واقتصادية أو ثقافية، مما حدى بالناقد رمسيس، أن يسجل ذلك في الكتابات الإبداعية أو الصحفية التي اهتمت بالموضوع، ويقول بأن ((حصر الدعارة في عالم النساء، يترجم رؤية ذكورية معطوبة للهوية الجنسية للذكر، باعتبارها هوية ثابتة، في حين هي معطى ثقافيا قابلا للتغيير، ولعل أجرأ انتقاد قدم لهذه الرؤية، ورد عند فاطمة المرنيسي في مؤلف “سلطانات منسيات” (سنة 2000)، والتي انتهت فيه إلى أن “الرؤية الذكورية، حاجز معمي يمنع حتى المؤرخ من ذكر نساء وصلن لسدة الحكم.. فقط لأن الرجل اعتاد على أن المرأة موقعها في معترك اللذة والجنس”، ويمكن الاستئناس بالملاحظة الذكية للباحث الجزائري، مالك شبل، الذي نبه لغياب الدعارة المثلية في الكتابة الإبداعية الحديثة، ربما كمبالغة في العفة أو طهرانية متوهمة، وإن كانت الممارسة حاضرة في الواقع، ويمكنني أن أضيف أن الدعارة، حاضرة حتى في النكت وفي الألغاز والحكايات الشعبية والأساطير الأمازيغية، وما سواها كثير)).

أمر آخر مهم، نستشفه من وقفة صحيفة “المساء” المستقلة في أبريل 1966 لكاتبها العلوي، أن المقالة جريئة بالنسبة للإطار التاريخي والثقافي والاجتماعي الذي كتبت فيه، بعيون تحليلية تسعى أن تكون دقيقة، مسايرة باعتدال لكل ما وصلت إليه الأبحاث المنشغلة على الحقل التاريخي والأركيولوجي – إذا شئنا –  للظاهرة من حيث هي مهنة قديمة قدم التاريخ، ووصلت إلى المغرب، ما قبل الإسلام، حيث تطرقت صحيفة “الزمان” للموضوع في عددها الـ 16، وذكرت بأنه ((لم تختلف علاقة المغاربة بالجنس عن باقي المجموعات البشرية في القديم، غير أن دخول الإسلام، جعلها تحتكم لشرع الدين، وإن استمرت طقوس وممارسات ورثها المغاربة منذ القدم)).

وأضافت الصحيفة: ((لقد شكلت الطقوس الدينية المرتبطة بالجنس، قديما، فعلا يجمع بين الواقع واللاهوت، وتتحدث نصوص عن “عادات جنسية” كانت تمارس خلال بعض المواسم أو الاحتفالات بشمال إفريقيا القديم)).

يذكر نيكولا الدلمسي، خلال القرن الخامس الميلادي، ((عادة “ليلة الغلطة”، حيث يتجمع الرجال والنساء في ممارسات جماعية تحت جنح الظلام))، ويشير ليون الإفريقي، وفي القرن السادس عشر، إلى ((عادة “ليلة الخلطة” بالقرب من منطقة صفرو، كما يذكر كذلك، عادة “دعارة الضيافة” التي كانت منتشرة عند قبائل غمارة، وفيها يتم استقبال الخطيب في بيت العروسة قبل حفل الزواج الرسمي، كما أن بعض القبائل الأخرى، كانت توسع من ممارسة “عادة الضيافة”، حيث ينتقل العروسان ومعهما مرافقوهما (أسييث/أسيي وأغزرث/أغزر) عند الأهل والأحباب، حسب الدعوات قبل حفل ترسيم الزواج)).

كما رصدت المجلة أيضا، ((قضية الجنس عند الجيش، عبر التاريخ، إذ أذكى الخصاص الجنسي لدى الجنود المغاربة، حدة التذمر لديهم من كثرة الغياب عن زوجاتهم، وأفضى، إضافة إلى أسباب أخرى، إلى تذمر الجند وفشل بعض حملات الجيش المغربي.. كما لا يستبعد أن يكون الجند المغاربة، في غياباتهم الطويلة عن أهليهم، قصدوا دور الدعارة، فيما طرحت مسألة غياب الأزواج بقصد الحرب عن زوجاتهم مشاكل كثيرة في المغرب، وهو ما كشفت عنه النوازل بشكل كبير، حيث أعلنت كثير من النساء تضررهن من غياب الأزواج أو فقدانهم أو أسرهم)).

ورغم هذه المتابعة التاريخية لعدد من الكتابات الصحفية بصفة خاصة، والأدبية بصفة عامة، ومحاولتها تبئير الظاهرة في التاريخ، فإنها تبقى قليلة وشحيحة من حيث المعلومات الدقيقة، وذلك راجع، بحسب الناقد المغربي رمسيس، في ذات التصريح الصحفي لـ “الأسبوع”، حين قال ((ومع هذا كله، تبقى الدعارة في المتخيل المغاربي والعربي، موضوعا شبه مسكوت عنه، يتم المرور عليه مرور الكرام، وإن كنت أرى أن أقدم “مهنة” في التاريخ البشري، توفقت في فضح ازدواجية مجتمعنا الذي يلعن الدعارة نهارا ويمشي بعض منه إليها ليلا.. الكل يشجبها كمهنة، لكن الذي يريد القضاء على الدعارة، فليعمل على تغيير النظام الاقتصادي القائم في البلاد، فضلا عن التربية الجنسية إن هو كان جادا في القضاء عليها)).. وكما قال الباحث عبد الصمد الديالمي في ذات السياق: ((الدعارة حل غير مهيكل لمشكل البطالة بالمغرب في صفوف الفتيات، مهنة معرضة لخطرين: الحمل خارج مؤسسة الزواج، وانتقال الأمراض الخطيرة بين الزبناء)).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى