تحليل إخباري | مؤشرات إقالة الوزير بوريطة وإسقاط حكومة العثماني
2 مارس، 2018
0 5 دقائق
لماذا لم يصدر أي تقرير عن مآل ملايير الاستثمارات المغربية في إفريقيا؟
إعداد: سعيد الريحاني
ما بين سنة 2016 و2017، انتقل ناصر بوريطة، بشكل صاروخي لم تراعى فيه شروط المنصب الحساس، من وزير منتدب في الخارجية إلى وزير للخارجية. بوريطة الذي أكمل لائحة “الأربعين وزيرا” في حكومة عبد الإله بن كيران، كان عنوانا لضرورة تغيير أساليب العمل الدبلوماسي المغربي، وقد كان له دور في تحضير الأجواء لمصادقة مجلس النواب بالإجماع، على مشروع قانون يوافق بموجبه على القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي الذي يعترف بالبوليساريو كعضو “مؤسس” لهذا الكيان(..)، غير أنه لم يصدر حتى الآن، أي تقييم رسمي، أو غير رسمي، لنتائج القرار المغربي بالعودة إلى دهاليز الاتحاد الإفريقي، كما أن الجهات المعلومة، تصر على الترويج لتقارير متفائلة، رغم أن الواقع يؤكد وجود أخطار محدقة لا يمكن إغفالها بوجود لوبي نشيط معادي للمغرب، مدعوم من دول كبرى، تزعجها التحركات المغربية في القارة الإفريقية(..)، وبغض النظر عما يجري في الاتحاد الإفريقي، ها هي بوادر فشل جديد بدأت تلوح في الأفق في ما يخص مآل الطلب الذي تقدم به المغرب من أجل الانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (سيداو) التي تضم 15 دولة، هي البنين وبوركينا فاسو والرأس الأخضر وساحل العاج وغامبيا وغينيا وغينيا بيساو وليبيريا ومالي والنيجر ونيجيريا والسنغال والسيراليون والتوغو، وترأس الرئيسة الليبيرية، إيلين جونسون سيرليف، الاتحاد الاقتصادي لدول غرب إفريقيا.
حتى الآن، لم يحصل المغرب سوى على موافقة مبدئية بالانضمام إلى “سيداو”، وقد حرصت جل المواقع الإعلامية، على تكرار الفقرة التي تقول بأن “المغرب حصل على الموافقة المبدئية بالانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (سيداو)، التي عقدت بمونروفيا، وذلك بعد الطلب الذي قدمه للانضمام لهذا التكتل الإقليمي”، وبشكل احتفالي، كان يتم تكرار الفقرة التي تقول بأن “البيان الختامي للقمة الـ 51 لرؤساء دول وحكومات مجموعة سيداو، أكد أن القمة قررت أيضا دعوة العاهل المغربي، الملك محمد السادس إلى الدورة العادية المقبلة للمجموعة”.
شتان بين “الموافقة المبدئية” و”الموافقة”، وبغض النظر عن هذا الأمر، فإن السؤال الذي يغدو مطروحا، ما الذي سيضمن للمغرب، الذي غامر باستثمارات كبرى في إفريقيا، النتيجة التي يريدها في النهاية(..)، وكمثال على ذلك، يمكن أن يتساءل المواطن البسيط عن موقف بعض الدول التي تنتمي لـ “سيداو” وفي نفس الوقت تنتمي للاتحاد الإفريقي، والتي رفضت التصويت لصالح المقترح المغربي بطرد البوليساريو من الاتحاد الإفريقي (حالة نجيريا والنيجر).. ألا يعني ذلك، أن الموافقة المبدئية التي لا تتجاوز حدود طرح الموضوع للنقاش، يمكن أن تتحول إلى “رفض”؟
المشكلة، أن الجانب المغربي، وعلى رأسه الوزير بوريطة، يواصل الترويج لاكتساح مغربي لدول غرب إفريقيا، في تجاهل كامل للمعطيات الميدانية، كيف سيصبح المغرب عضوا في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا والحال أن علاقاته سيئة مع الدولة الموريتانية التي يفصل موقعها بين المغرب والمجموعة المذكورة؟
ربما نسي بوريطة، ومعه الدبلوماسيون المغاربة، أن موريتانيا وإن كانت اليوم خارج مجموعة “سيداو”، إلا أنها تعتبر من مؤسسي هذه المجموعة، والأدهى من ذلك، كيف سيتعامل وزير الخارجية مع موريتانيا اليوم بعد تحركها هي الأخرى لاستعادة موقعها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا نكاية في المغرب؟ وكيف سيتعامل مع موريتانيا التي ترفض صراحة كل محاولة لطرد البوليساريو من إفريقيا؟ فهل ستناقش مجموعة “سيداو” الطلب المغربي بالانضمام إليها، أم ستناقش الطلب الموريتاني الرامي إلى استعادة موقع المؤسس، الذي انسحب من المجموعة سنة 2000 بدعوى الرغبة في تفعيل اتحاد المغرب العربي والحفاظ على هوية الدولة(..)؟
أخطاء الدبلوماسية المغربية في التعاطي مع الملفات في إفريقيا، هي التي فرضت على الملك محمد السادس، الدعوة إلى إحداث وزارة خاصة بالشؤون الإفريقية في حكومة العثماني، إبان افتتاح دورة البرلمان في أكتوبر، بعد التأكد من ضعف الوزير ناصر بوريطة على المستوى الإفريقي، وبذلك يكون وضع محسن الجزولي، في منصب الوزير المنتدب لدى وزير الخارجية والتعاون الدولي المكلف بالتعاون الإفريقي، تكليفا بتحريك الملف من جديد، وعنوانا لفشل وزارة الخارجية على هذا الصعيد(..).
هل أخطأ الوزير بوريطة في إفريقيا؟ هل رفع تقارير مغلوطة إلى الملك حول الوضع في الاتحاد الإفريقي والوضع في مجموعة “سيداو”؟ كلها أسئلة بدأت تطرح بقوة، مطوقة مصير بوريطة في مستقبل الأيام، فكما كان لافتا للانتباه غيابه عن تعيين الوزير الجزولي، وغيابه عن تعيين السفراء(..)،كان لافتا للانتباه أيضا، تكليف سعد الدين العثماني بتمثيل الملك محمد السادس في القمة 30 للاتحاد الإفريقي التي احتضنتها أديس أبابا يومي 28 و29 يناير الماضي تحت عنوان “الانتصار في مكافحة الفساد: نهج مستدام لتحويل إفريقيا”، حيث تؤكد المصادر، أن المسؤولين وجهابذة الدبلوماسية الإفريقية، لم يعطوا أي اعتبار لحضور الوزير بوريطة في القمة، باعتباره عضوا في الوفد فقط، علما أن كثيرا منهم، لم يكن ينظر بعين الرضى لتصرفات الوزير بوريطة الذي اشتهر بمشاداته مع الحراس في القمة الإفريقية اليابانية، وبحادثة أخرى شهدها أحد مطارات الخليج ولم تتسرب إلى الصحافة المغربية(..).
خطورة مسألة التحرك المغربي في إفريقيا، ليست مرتبطة بالقرارات السياسية فحسب، بل إنها مرتبطة كذلك، بملايير الاستثمارات التي أنفقها المغرب هناك، وهي الاستثمارات التي يفترض أن يكون لها عائد سياسي على مستقبل الملفات المغربية في إفريقيا، فلماذا إذن سيقوم المغرب ببناء عاصمة لجنوب السودان بـ 5.1 ملايين دولار؟ ولماذا سيطلق مشاريع استثمارية ضخمة في مجال صناعة الأسمدة والمخصبات الزراعية تناهز قيمتها الإجمالية 10 ملايير دولار في إطار شراكات مع مجموعة من الدول الإفريقية المنتجة للغاز الطبيعي، منها إثيوبيا ونيجيريا والغابون، إضافة إلى استثمارات في مصانع لتركيب الأسمدة ومرافئ ومخازن في دول أخرى كجيبوتي ورواندا وكوت ديفوار؟ أليست هذه ورطة في إفريقيا مبنية على تقارير وتقديرات قد تكون خاطئة؟ من يملك الجرأة ليحدد اليوم مصير هذه المشاريع ومصير الملايير عبر تقرير شفاف بعيد عن تطبيل وزارة الخارجية والأجهزة المرافقة(..)؟ ما مصير المشاريع في الدول التي عرفت تغييرات سياسية أو احتجاجات اجتماعية؟ وماذا ربح المكتب الشريف للفوسفاط من استثماراته هناك(..)؟
بدل تقييم المرحلة، ها هو الوزير بوريطة، الذي بات معروفا بميله نحو مواقع إعلامية بعينها(..)، أصبح يروج لاختراق دبلوماسي في آسيا، والواقع أن السؤال الأخطر بالنسبة للمغرب، مرتبط بإفريقيا وليس بآسيا، ويفترض عدم فتح ملف قبل الانتهاء من الملف الأول، فهو “ترك جاء في الوقت الذي يواجه فيه المغرب تحديات خطيرة داخل الاتحاد الإفريقي، الذي شهد بوادر إحياء المخططات السابقة لمنظمة الوحدة الإفريقية حول الصحراء، في الوقت الذي يستمر فيه تعثر الطلب المغربي بالانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا” (المصدر: أخبار اليوم عدد 21 فبراير 2018).
الوزير بوريطة إذن، تحول من عنوان للتغيير إلى عنوان للفشل التدبيري في إفريقيا، ويقول مصدر مطلع على ملفات الخارجية، أن أعضاء في السلك الدبلوماسي، لم يتقبلوا تعيين بوريطة رئيسا عليهم، وهو الوزير الغارق في “الشكليات”، شأنه شأن الحكومة التي ينتمي إليها، والتي اتفقت مكوناتها مؤخرا على توقيع ميثاق للأغلبية بأثر رجعي(..)، علما بأن الصراع ينخر مكوناتها، وما توقيع ميثاق الأغلبية إلا ردة فعل على الخروج الإعلامي القوي لرئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران، الذي هاجم أخنوش مباشرة باعتباره رمزا لتحالف المال والسلطة، وهو ما يشكل خطرا على الدولة حسب قوله في المؤتمر الأخير لشبيبة الحزب، حيث أن إعطاءه الكلمة، يؤكد احتمال عودته لممارسة السياسة، وهو ما يخيف أخنوش ومن معه، غير أن السيناريو الأخطر حتى الآن، هو ما يتم تداوله من إمكانية ترؤس بن كيران لحركة “التوحيد والإصلاح”، “وفكها يا من وحلتيها”.
توقيع ميثاق الأغلبية بين لشكر وبنعبد الله المطرود من الحكومة بقرار ملكي بعد اختلالات الحسيمة، ومحمد ساجد الذي لا يملك من الحزب إلا الاسم، بعد التحاقه بأخنوش، وإدريس لشكر، الذي يتصيد الفرصة لإسقاط الحكومة، كان عنوانه الاستمرار، لكن توقيع هذا الميثاق من طرف العثماني بعد أن كان بن كيران يرفض التوقيع عليه، تأكيد لاحتمال إسقاط الحكومة انطلاقا من ميثاقها، وهو ما لم ينتبه إليه العثماني، حيث يكفي أن يخرج لشكر وأخنوش والعنصر، ليطعنوا في عدم التزام حزب العدالة والتنمية بميثاق الأغلبية لتسقط هذه الحكومة سياسيا.
الملف الإفريقي إذن، قد يعجل بإسقاط الوزير بوريطة، علما أن مسألة إبعاد وزير منتم للحكومة بناء على قرار ملكي، أصبحت مألوفة في عهد حكومة العثماني، فكلما كانت هناك اختلالات إلا وتدخل الملك (الحسيمة نموذجا)، فما بالك باختلالات في إفريقيا.. إنه ملف قد لا يسقط بوريطة وحده، ولكنه قد يسقط الحكومة بكاملها.