تحليل إخباري | كيف تسبب نشاط بارونات الفحم في “ثورة جرادة”؟
24 يناير، 2018
0 4 دقائق
إعداد: سعيد الريحاني
بعيدا عن المزايدات السياسية التي يشهدها ملف “جرادة”، بعد نقله بشكل مقصود إلى البرلمان، بدل إعطاء الأوامر بتحرك القضاء بشكل هادئ، لتحديد المتهمين(..)، اختار بعض المواطنين، الحديث عن “أزمة جرادة” عبر جريدة “الأسبوع”، ليتأكد أن جزء من انتفاضة السكان، عقب مقتل الشقيقين، الحسين وجدوان الدعيوي في أحد “السندريات” (بئر لاستخراج الفحم)، يقف وراءه بعض الفاعلين السياسيين أنفسهم الذين يستفيدون من عقود الاحتكار لاستخراج الفحم، منهم من جاء إلى البرلمان ليتحدث عن الأزمة وكأنه ليس جزء منها، كما هو الحال بالنسبة للنائب البرلماني، مصطفى توتو عن حزب الأصالة والمعاصرة، الذي ينتمي إليه رئيس الجهة نفسه، عبد النبي بعيوي، صاحب الصفقات الكبرى في العاصمة الرباط رغم أنه رئيس لجهة الشرق، وهي الصفقات التي قيل عنها الكثير في الكواليس، لكنها ظلت بعيدا عن تدخل المجلس الأعلى للحسابات(..).
———————-
يقول مصدر “الأسبوع” الذي رفض الكشف عن هويته في رسالة مطولة بعثها للجريدة، ((إن ما زاد في خطورة الأوضاع هو، أن السلطات المسؤولة، منحت رخصا خاصة للاستغلال لمن تسميهم الساكنة، بارونات جرادة، فأعطتهم بذلك صلاحية التحكم في رقاب العاملين المساكين في “آبار الموت”)) كما يسمونها، ليؤكد أن العامل بمقتضى هذه الرخص، ليس له حق بيع منتوجه بنفسه، إذ لا بد له من وساطة البارون الذي يستغل مجهوده كما يشاء، لأن العمق أو البقعة الأرضية التي يعمل فيه مكلوما مقهورا، هي باسم الباطرون صاحب الرخصة، ولا يمكن للعامل المسكين، أن يشق أي أخدود في حيز مكان الرخصة، إلا بعد إذن من صاحبها والتفاوض المسبق معه على شروط الإنتاج والأثمنة، هذا البارون، نراه يستغل المنتوج كما يشاء بدون أدنى جهد منه ـ لأن الجهد والعرق إنما هو للبؤساء الذين أنهكتهم الفاقة ليتنازلوا عن حريتهم وكرامتهم مرغمين – بعدما يذر على العامل منه فتاتا على مضض، ليبيعه هو بأسعار جد مرتفعة تصل عند تزايد الطلب أو شدة البرودة، إلى أضعاف مضاعفة، حسب المصدر.
هكذا إذن، يتم استخراج الفحم من “السندريات” أو “آبار الموت” (انظر الصور الخاصة بالأسبوع)، إلا أنه طيلة مدة الحراك، ظل المواطنون يتحدثون عن “الحكرة” والتهميش، لكن أليس حريا فتح تحقيق لمعرفة المسؤول الحقيقي عن مقتل عاملين أثناء عملهم في استخراج الفحم، لتحديد المسؤول عن أشغال الحفر، والذي سيقوم في النهاية بالحصول على الفحم مقابل دفع مبلغ مالي للعامل، ذلك أن الرخص الممنوحة لـ “البارونات”، تحتم قانونيا على صاحبها، تحمل تبعات العمل من حيث توفير وسائل العمل المناسبة، وتوفير الضمان والتأمين والتغطية الصحية إلى غير ذلك، حسب مصدر “الأسبوع”.
صاحب الرسالة التي تنفرد “الأسبوع” بنشر مضامينها التي تتطابق مع شهادات من الواقع(..)، يؤكد أن الغليان بمدينة جرادة، كان يختمر منذ مدة، إثر تزايد صعوبة المعيشة، أو على إثر تعدد الحوادث في آبار الفحم(..)، ولكي نستوعب كيفية تفاقم الوضع، لا بد من الرجوع إلى وقت إغلاق المنجم. فحسب ما صرحت به الأطراف التي كان بيدها قرار إغلاق المنجم، أن السبب كان ارتفاع التكلفة، إلى جانب تنصل معمل الكهرباء الكائن بمدينة جرادة، هذا الذي كان يربطه عقد مع الشركة باستهلاك كمية معينة من المنتوج، كمية ظلت كافية لبعض الوقت لتغطية التكاليف، غير أن المعمل أعاد حساباته، فقرر فسخ العقدة، وهذا ما حدا بأصحاب القرار، إلى اتخاذ القرار المشؤوم (إغلاق المنجم)، ولتفعيل هذا القرار، كانت هناك مفاوضات بين الشركة وبين ممثلي العمال، استمرت لبعض الوقت، وانتهت بتحديد كيفية تعويض العمال وكيفية التوقيف، وضمت الاتفاقية ثلاث ملفات أساسية، منها ما يتعلق بالملف الصحي والملف الاجتماعي والملف الاقتصادي، لكن الاتفاقيات لم تنفذ كما توقعها المواطنون(..).
مصدر آخر من عين المكان، ويتعلق الأمر بناشط صحفي يدعى رشيد محمد موليد، كشف لـ “الأسبوع” بعض المعطيات المتعلقة بتعثر مشاريع التأهيل الحضري للمنطقة، والتي خصص لها غلاف مالي يقدر بـ 300 مليون درهم، منها مشروع المحطة الطرقية بـ 7.18 ملايين درهم التي تم تدشينها في2011، والسوق الأسبوعي بمبلغ مليار سنتيم موزع على 4 أشطر، تحت الإشراف المباشر للمجلس الإقليمي، هذا المشروع تعثرعند انتهاء الأشغال بعد رفض المجلس البلدي تسليمه بحجة غياب دفتر التحملات، ونفس المشكل بالنسبة للمسبح البلدي الذي لم ينطلق بمبرر أنه أنجز وسط تجمع سكني، شأنه شأن مشروع المجزرة العصرية الموقوف التنفيذ.
نفس المصدر، أكد أن الحي الصناعي، دشنه الملك محمد السادس منذ سنة 2000، لكنه لا زال متوقفا بحجة عدم تسوية وضعية العقار والملكية، بعد إغلاق مناجم الفحم سنة 1992، لتظل فكرة الحي الصناعي تراود ساكنة جرادة إلى حدود سنة 2011، حيث تم تدشين الحي الصناعي من طرف الملك محمد السادس، ومنذ ذلك الحين، لم يعرف هذا الحي أي نشاط ولا صناعة تذكر.
احتجاجات جرادة إذن، مثل الشجرة التي تخفي الغابة، لكن هل هي عفوية؟ الجواب في الرسالة الأولى (رواية صاحب الرسالة) التي يقول صاحبها: ((والله العظيم، إن هذا الحراك العفوي الغير مدروس سلفا، الذي قام به شباب مدينة جرادة، لجد عظيم، وكأنهم كانوا يدرسون تفاصيله ومجرياته منذ مدة بعيدة، فالحراك في نظام بديع، بدون أي اندفاع أو تهور، أو ردود فعل على استفزازات المخزن التي ما فتئ يكررها لعدة أيام قبل أن يستسلم، ولعلم المواطن المغربي الفاضل، فإن الشباب في تظاهرات مدينة جرادة، هو الذي يحرص على ضمان أمن المخزن وليس العكس، حيث أن هناك صفوفا من الشباب يحولون بين حشود المتظاهرين وبين المخزن، وبين مؤسساته حتى لا يقع الانفلات)).
نفس المصدر يؤكد أن “((هناك قضية أخرى في غاية الأهمية، وهي أن هذا الحراك، لا يقوده أي شخص معنوي رسمي، سواء نقابة أو حزبا سياسيا أو مستشارا أو برلمانيا، لأن الشباب لم يعودوا يثقون فيهم جميعا، وصاروا يعلنون صراحة، أن جميع أولئك(..)، لم يعودوا يمثلونهم، ولا يعترفون بهم ولا بمبادراتهم مهما كانت وعلى أي مستوى كان..)).
يذكر أن صاحب الرسالة المذكورة التي تنشرها “الأسبوع”، قد كتب الرسالة باعتباره مواطنا من سكان جرادة، ولد وتربى فيها، وهي بمثابة صرخة نيابة عن أبناء المنطقة المتضررين: ((إني بحكم وجودي بالمدينة منذ مولدي، وبحكم مهنتي في شركة المفاحم آنذاك، اطلعت على جملة من مشاكل المدينة، ولما كانت هذه المدينة المباركة، المدينة المجاهدة، المدينة المظلومة، المدينة المكلومة، المدينة المهمشة، عن قصد بفعل فاعل، تعيش هذه الأيام حدثا ولا أروع، حدثا جعلها قبلة للإعلام العالمي بامتياز، ولما كان المواطن المغربي يتابع ما يجري فيها عبر “اليوتيوب” وغير مطلع على حقيقة المدينة وعلى الدوافع الحقيقية التي كانت سببا في انفجار هذا الحراك الرائع، ارتأيت أن أنور الرأي العام المغربي، ببعض المعلومات، حتى يكون على بينة بما يجري، معلومات تكتسي مصداقيتها، ليس من شاهد عيان فحسب، وإنما من شخص عاين جراحها ومآسيها منذ الستينات من القرن الماضي..)).