حكاية تهريب 500 مليار بين الواقع والخيال
إلياس العماري وصلاح الدين مزوار مطالبان بتوضيح الحقيقة للمغاربة
إعداد: سعيد الريحاني
اختار إلياس العماري ورفقاؤه في الأصالة والمعاصرة، الحزب الذي يريد محاربة الإسلاميين، أن يبدؤوا مجلسهم الوطني مؤخرا، بالآية التي تقول: “لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا..”، غير أن أعضاء المجلس الوطني، لم يعرفوا لحد الآن، ما إذا كان يقصد باستعمال آية من سورة الفتح، تبشيرهم بـ “فتح قريب” أي الدخول للحكومة(..)، أو ردا مبطنا على الافتتاح الملكي للدورة التشريعية، التي انطلقت هي الأخرى، قبل ذلك بأيام، بالآية التي تتحدث عن “شر الدواب” في سورة الأنفال، والتي قال فيها المقرئ “مخاطبا البرلمانيين”: “ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون، إن شر الدواب عند الله الصم البكم الّذين لا يعقلون”.
المهم أن إلياس العماري، لم يستقل من قيادة حزب الأصالة والمعاصرة، كما وعد بذلك بعد خطاب العرش(..)، بل إنه تراجع عنها بشكل واضح، عندما قال في اجتماع المجلس الوطني الأخير، بأنها كانت “استقالة سياسية”، وقد تأكد هذا التراجع عمليا بعد المصادقة على سحب صفة “الأمين العام بالنيابة” من الحبيب بلكوش، وتجنب العماري طيلة محطة المجلس الوطني، الخوض في ما وجهته له مواقع “فيسبوكية” ومواقع إخبارية من اتهامات بـ “تهريب 500 مليار”(..)، الخبر الذي لم يكذبه إلياس رغم سرعته المثيرة في تكذيب كل ما ينشر عنه، بل إن الرأي العام، لازال يتساءل كيف يسكت إلياس العماري ومعه عضو آخر في الحزب، يسمى محمد الحموتي، عما وجه إليهما من اتهامات خطيرة، على لسان عضو سابق في حزب الأصالة والمعاصرة، اسمه عبد الواحد بورحيم، كما هو مؤكد في محاضر الحزب(..).
يقول عبد الواحد بورحيم، في تدوينة “فيسبوكية”، انتشرت على نطاق واسع، ولم يكذبها أحد، وتنشرها “الأسبوع” دون زيادة أو نقصان ((.. استطاع إلياس العماري، تهريب 500 مليار سنتيم إلى فرنسا بطريقة ذكية جدا.. اتصل “اعمار” (المقصود به إلياس) بزميله في حزب “الجرار”، “الحموتي” (محمد الحموتي)، الحامل لجواز سفر فرنسي لاستفساره عن طريقة لإخراج المبلغ المذكور إلى باريس، فاجتمع الثلاثي: إلياس، الحموتي، ووزير المالية آنذاك، صلاح الدين مزوار.. اقترح الحموتي على مزوار صيغة استثمار 500 مليار في ميدان الفنادق المصنفة بفرنسا، فاتصل مزوار بمكتب الصرف وتمت الصفقة بنجاح.. وتم تحويل المبلغ باسم الحموتي ليوضع في حسابات بنكية باسم “اعمار” وأقاربه بفرنسا، وأخذ كل واحد من المشاركين في العملية نصيبه)) (المصدر: الصفحة الفيسبوكية لعبد الواحد بورحيم، انظر صورة التدوينة رفقته).
تدوينة من هذا النوع، لا يمكن السكوت عنها بالنظر لخطورة المعطيات التي تضمنتها، وإلا فإنها قد تتحول مع الأرقام الخيالية إلى حقيقة، بعد أن نشرتها عدة مواقع (كما سيظهر بالتفصيل)، لماذا لم يصدر أي تكذيب عن إلياس العماري، ولماذا لم يقاضي الأمين العام المتشبت بكرسي الزعامة، زميله السابق في الحزب عبد الواحد بورحيم؟ ولماذا سكت القيادي في نفس الحزب، محمد الحموتي؟ وهل يعقل أن يستمر سكوت صلاح الدين مزوار، وزير المالية السابق عما وجه إليه من اتهامات؟ ولماذا يسكت مدير مكتب الصرف؟ أليس انتشار مثل هذا الخبر، ضربا لمصداقية المؤسسات؟ كيف يعقل أن ينتفض البرلمانيون ضد وزير الخارجية الجزائري الذي اتهم الأبناك المغربية بتبييض أموال الحشيش ويسكتون عن انتشار مثل هذه الأخبار التي تمس مصداقية المؤسسات (مكتب الصرف/ وزارة المالية)؟
ولمن لا يعرف عبد الواحد بورحيم، الناشط “الفيسبوكي” وملهم بعض المواقع(..)، فهو الناشط الحزبي الذي تم طرده من حزب الأصالة والمعاصرة سنة 2011 بناءا على تقرير لجنة للبحث والتقصي كانت قد عقدت عدة اجتماعات في نفس السنة، على خلفية ((ما نسب لبعض الأعضاء من داخل الحزب من اتهامات وتصريحات تحط بالكرامة، وكذا تهديدات خطيرة ماسة بالسلامة الجسدية وصلت حد التخوين والتكفير والتهديد بالقتل والاتهام بالتخابر مع إسرائيل)) (المصدر: وثيقة للأصالة والمعاصرة تفضح الفساد من داخل الحزب/ منشورة على موقع “هسبريس” بتاريخ: 29 غشت 2011).. وهو نفسه الذي صدر في حقه مؤخرا، بيان من طرف حكيم بنشماس، الذي قالت عنه عدة مواقع وصفحات “فيسبوكية”، أنه اشترى فيلا بمليار وسألته “من أين لك هذا؟”، لكن بورحيم سخر من الأمر عبر صفحته “الفيسبوكية”، فسكت بنشماس، ولا يعرف لحد الآن، ما إذا كانت شكاية رئيس مجلس المستشارين حقيقية، أم مجرد شكاية إعلامية لم تصل إلى وكيل الملك؟
وتكمن خطورة الاتهامات الموجهة لإلياس العماري والحموتي وصلاح الدين مزوار، ومكتب الصرف، في تحولها إلى مادة دسمة لبعض المواقع الإخبارية، التي تجرأت على نشر الموضوع، دون أن يكذبها أحد، وقد نشر نفس الخبر في بعض المواقع مؤخرا باسم “إبراهيم حركي”، هذا الأخير ردد نفس الحكاية التي رددها عبد الواحد بورحيم حول تهريب 500 مليار.. ووجدت حكايته طريقها للنشر في عدة مواقع منها موقع “الراضي نيوز” الذي يسيره محمد راضي الليلي، مقدم الأخبار الذي أصبح لاجئا في فرنسا.
“إبراهيم حركي”، الذي فجر هو الآخر قضية “تهريب 500 مليار”، هو اسم مستعار خلق ضجة في الصحافة المغربية، بعد اتهامه من طرف جريدة عزيز أخنوش، “أوجوردوي لوماروك -Aujourd’hui le Maroc ” بالإساءة لوزراء حزب الأحرار، بل إن الجريدة المذكورة خصصت له افتتاحية كاملة، في عددها الصادر بتاريخ 13 أكتوبر الجاري، وهي تصفه بـ “الوزير الشبح”، قبل أن تقول المواقع بأن الجريدة “المطلعة”، كانت تقصد “الوزير السابق في السياحة، لحسن حداد”، ليطرح السؤال، هل يقف لحسن حداد وراء تفجير هذا الملف الضخم في الإعلام المغربي، الذي سكت جله عن تناول الموضوع، رغم أنه أصبح قضية رأي عام بعد انتشاره في “الفيسبوك”؟
لحسن حداد، كذب جريدة “Aujourd’hui le Maroc”، في وقت لاحق واعتبر تشبيهه بـ “إبراهيم حركي”، ((كذبا لا أساس له من الصحة)) (المصدر: موقع “كود” / 16 أكتوبر 2017)، وبذلك أبعد عن نفسه تهمة تفجير ملف الـ “500 مليار”، ليتحتم البحث بالإضافة إلى عبد الواحد بورحيم، عن شخصية المسمى “إبراهيم حركي” الذي كتب بأن: ((عدة مصادر اطلعت على الخبر، وأكدت أن هذا الموضوع (موضوع تهريب 500 مليار) هو سبب إقالة مزوار من قيادة حزب الحمامة والإتيان بعزيز أخنوش، وأن القصة أثيرت قبيل أيام من انعقاد المجلس الوطني لحزب “الجرار” لتصفية العماري بشكل لا رجعة فيه..))، وأضاف ((بعد شيوع الخبر، طالب عدد من قياديي حزب الأصالة والمعاصرة، وعلى رأسهم فاطمة الزهراء المنصوري، إلياس العماري بعقد ندوة صحفية لتوضيح الأمر، كما طالبوا مكتب الصرف بالكشف عن المعطيات المتوفرة، وهو الذي يوجد تحت وصاية الوزارة التي يقودها حاليا بوسعيد، الذي هو ليس سوى زميل مزوار في حزب التجمع الوطني للأحرار)) (المصدر: موقع “الراضي نيوز” / كما نشرت مواقع أخرى نفس الموضوع منها: “الحقيقة 24” على سبيل المثال).
بين الواقع والخيال، فإن “إبراهيم حركي”، كان موضوع شكاية رفعها ضده مصطفى بايتاس، المدير المركزي لحزب التجمع الوطني للأحرار، يوم الإثنين 16 أكتوبر 2017، وتم الاستماع له بشأنها بتعليمات من وكيل الملك بخصوص موضوع “الإيميلات” المجهولة التي تحمل كثيرا من المعلومات الدقيقة والأخبار المتعلقة بتدبير وزراء “الحمامة” للقطاعات الحكومية، وإذا ربطنا هذا الاسم بقضية تهريب “500 مليار”، فإن الملف يغدو مرشحا لتطورات كبرى، ولكم أن تتصوروا أن وزير العدل، محمد أوجار، قطع عطلته ورجع للرباط خصيصا، لكي ينفي أي خلاف بينه وبين رئيس حزبه عزيز أخنوش، مما يعني أن مقعده في الحكومة كان مهددا(..).
وتصوروا أن “إبراهيم حركي”، الذي يقاضيه حزب التجمع الوطني للأحرار، دون أن يعرفه(..)، والذي يتهم قيادي “البام” بتهريب 500 مليار، شأنه شأن العضو السابق في حزب الأصالة والمعاصرة، عبد الواحد بورحيم، أصبح يعطي الحوارات الصحفية للمواقع، ويسخر من حزب الأحرار، بل إنه حاول أن يوضح من خلال حوار مع موقع “الأول”، بأنه لا علاقة بين اسمه وبين اسم الوزير لحسن حداد، حيث قال: ((القاعدة الفقهية القوية، تقتضي الحجة على من ادعى وليس العكس، وأظن أن الوزير حداد ليست لديه هذه الشجاعة، بل في اعتقادي، وحسب تتبعي له، فهو مفرط الحساسية أمام السلطة والأقوياء بما لا يجعله يكتب هكذا محررات، أو حتى أن يفكر في مواجهة السيد عزيز أخنوش وحزبه.. القصة كلها مرتبطة بثقافة الأحرار.. هم لم يقتنعوا بأن من يكتب عنهم، هو مجرد مواطن صغير، لذلك اختلقوا قصة شخص يبدو لهم كبيرا ينتمي إلى حزب كبير.. لا يعرفون فلسفة الإعلام البديل والمواطن الصحفي في مواجهة اختلالات التدبير العمومي)) (المصدر: حوار “إبراهيم حركي” مع موقع “الأول” / الثلاثاء 17 أكتوبر 2017).
سواء تعلق الأمر بحزب التجمع الوطني للأحرار الذي ينتمي إليه الوزير السابق في المالية صلاح الدين مزوار، أو حزب الأصالة والمعاصرة الذي ينتمي إليه إلياس العماري ومحمد الحموتي، فإن السكوت عن اتهامهم بتهريب 500 مليار إلى فرنسا، يطرح عدة علامات استفهام، والقضية أكبر بكثير من أن يتم “التخفيف” منها بالسكوت، لأنها تمس بشكل مباشر، مصداقية المؤسسات والعمل السياسي في المغرب.