تحليل إخباري | دفاع الزفزافي يتورط في محاولة فاشلة لإصدار أمر دولي بمحاكمة النظام وكبار المسؤولين في المغرب
28 يوليو، 2017
0 5 دقائق
الفرق بين “الحق في الدفاع” و”الاستقواء بجهات أجنبية”
إعداد: سعيد الريحاني
لم يصدر حتى الآن، أي توضيح أو تكذيب، للاتهامات التي عبرت عنها أكثر من جهة حول تورط “المجلس الوطني لحقوق الإنسان في تسريب شريط فيديو، يظهر فيه الزفزافي وهو يتعرى أمام كاميرا هاتف نقال خلال خضوعه للخبرة الطبية(..)، ورغم خطورة الاتهام الذي يفهم منه تورط إدريس اليزمي ورفقائه بشكل مكشوف في مؤامرة لـ”تأجيج الأوضاع”، بتسريب شريط تصوير الزفزافي، إلا أن كل ما صدر عن اليزمي الذي يعمل خارج الشرعية القانونية، بحكم انتهاء مدة صلاحية المجلس من الناحية القانونية وعدم تجديد هيكلته(..)، هو تسريبات تتهم السلطات الأمنية بممارسة التعذيب في حق المعتقلين، وربما استمع عبد اللطيف الحموشي لنصائح الخبراء الأمنيين، الذين نصحوه بتكذيب، التسريبات الصادرة عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان تفاديا للتطورات المحتملة(..)، لذلك أصدر بلاغا يكذب فيه مزاعم التعذيب، لأنه يعرف مسبقا، أن السكوت عن اتهامات من هذا النوع، قد يعني تحوله في النهاية، إلى مسؤول مطلوب للمحاكمة دوليا، وليس وطنيا(..).
ولحسن حظ الحموشي، لم تنطل “الحيلة” حتى الآن على رجال الدولة، الذي يواجهون الجهة المستفيدة من حراك الريف بعيدا عن الأضواء(..)، لكن مع مرور الأيام واستمرار وتيرة محاكمة المعتقلين بشكل تلقائي، خرجت إلى حيز الوجود تصريحات خطيرة على لسان المحامين الذين تطوعوا للدفاع عن ناصر الزفزافي ومن معه، فمنهم من طالب بتدخل الأمم المتحدة للإشراف على التحقيق(..)، بل إن منهم من قال: “نحن مستعدون للذهاب إلى محكمة الجنايات الدولية حول الخروقات الإنسانية التي يتعرض لها المعتقلون وحول الجرائم ضد الإنسانية التي يتعرض لها هؤلاء المعتقلين..”، وانظروا جيدا وسطروا على كلمة “جرائم ضد الإنسانية” و”حالات التعذيب” التي أصبح يكررها بعض أعضاء هيئة الدفاع عن الزفزافي ومن معه في كل خرجاتهم، فهذه الكلمة تعني ببساطة، “محاولة إيجاد مسوغات قانونية تسمح بتدخل المحكمة الجنائية الدولية لمعاقبة المسؤولين المغاربة، ولم لا إصدار أوامر باعتقالهم..”، بعد اللجوء إليها(..) حسب ما يعتقده، خبير قانوني، نبه “الأسبوع” إلى كون دفاع الزفزافي، والمواقع الإخبارية التي تروج لمثل هذه الأخبار، لا تميز بين “محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية”، معتبرا أن مثل هذا الخطاب ينطوي على محاولة واضحة للضغط على الدولة، ولكن أصحاب هذا الطرح يجهلون القانون.
من الناحية الشكلية، يفهم من مصدر “الأسبوع”، ضرورة التمييز بين “محكمة العدل الدولية” باعتبارها أداة من أدوات الأمم المتحدة، تهم كل الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة، وهي المختصة بالنزاعات بين الدول(..)، وبين المحكمة الجنائية الدولية التي تنظر في الجرائم الجسيمة التي تكون موضوع اهتمام دولي، مثل حالات ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ومعلوم أن الجرائم لا ترقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية، إلا إذا تمت في “إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين وتتضمن مثل هذه الأفعال القتل العمد، والإبادة، والاغتصاب، والعبودية الجنسية، والإبعاد أو النقل القسرى للسكان، وجريمة التفرقة العنصرية بصرف النظر عن ارتكابها وقت الحرب أو السلام”.
بالنسبة لمحكمة العدل الدولية، فهي غير معنية بهذا النقاش أصلا، أما بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية، فإن المغرب، وإن كان قد صادق على معاهدة روما المنشئة لها، في عهد الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي، بتاريخ 8 شتنبر2000، إلا أنه لم يصادق بعد على نظامها الأساسي، ولا تظهر أية ملامح للمصادقة على مقتضيات قانونها الأساسي، فمن ناحية، لا يستطيع المغرب العائد إلى حضن الاتحاد الإفريقي أن “يخون” إخوانه الأفارقة بالانضمام إلى هذه المحكمة، التي بدأ مشوار تشييع جنازتها، مع توالي الانسحابات منها، بعد أن تأكد أن الهدف من وجودها، هو “استهداف الدول الإفريقية” دون غيرها(..)، ثم إن قضية الزفزافي ومن معه، لا ترقى إلى مستوى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بغض النظر عن العيب الشكلي، هل حصلت إبادة للمدنيين في الريف على سبيل المثال؟ حتى يتطلب الأمر ملاحقة رجال الأمن والمسؤول عنهم أمام القضاء الدولي؟ ولكن مع ذلك، فإن إمكانية تطور الأوضاع إلى ما لا تحمد عقباه، تظهر جلية في بعض السلوكات الاحتجاجية، وما يقابلها من ناحية رد الفعل الأمني، فمنذ متى كانت قوات الأمن تنزل لمطاردة الناس في الماء، ماذا لو غرق الناس في البحر، ألن تكتب الصحافة العالمية، إن أجهزة الأمن قامت برمي المحتجين المدنيين في البحر(..)؟
جزء من دفاع الزفزافي إذن متحمس لرفع القضية أمام محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، لكن محاولة جر المسؤولين المغاربة، للعبة القضاء الدولي، بمن فيهم رئيس الدولة وهو الملك، في حالة تعقد الأمور، حسب أجندة محددة(..)، فهو ما يدفع أطرافا أخرى لمحاولة تأجيج الأوضاع (تسريب شريط الزفزافي، اتهامات بالتعذيب، المطالبة بتدخل الأمم المتحدة..)، والكل يعلم أن الهدف المستتر من وراء هذا المطلب، هو فتح الباب لمحاكمة المسؤولين دوليا تحت مبرر “أن الصفة لا تضمن عدم الإفلات من العقاب”، لكن من يضمن “عدالة قضاة هذه المحكمة”؟ التي فشلت حتى الآن، في إقناع عدة دول بالمصادقة على قانونها الأساسي، والمغرب واحد من البلدان التي لا تعترف بقرارات هذه المحكمة، شأنه شأن دول أخرى، وقد تابع العالم، استقبال المغرب للرئيس السوداني عمر البشير في فعاليات مؤتمر قمة المناخ “كوب 22” المنظم بمراكش، إلى جانب باقي رؤساء الدول من طرف الوزير ناصر بوريطة، رغم صدور قرار باعتقاله من طرف المحكمة المذكورة منذ سنة 2009، علما أن المعني بالأمر، يصرح شأنه شأن غيره، بأن هذه المحكمة “لا تتوفر على أية مصداقية”.
وبغض النظر عن موضوع المحكمة الجنائية الدولية، فقد كانت ولاية بن كيران الحكومية، قد شهدت في الكواليس صراعا حول مقتضيات خطيرة في ما يتعلق بمشروع القانون الجنائي، بعد أن علمت أطراف من مستوى عال، خطورة ما يحاك تحت قبة البرلمان(..)، وكان الخبير الدولي في موضوع المحكمة الجنائية الدولية، هشام الشرقاوي، قد تحدث لـ “الأسبوع” عن “معطيات خطيرة في مشروع القانون الجنائي تمس الملك والجيش والأجهزة الأمنية..”، ليظهر أن محاولة اختراق المغرب من باب التشريع الجنائي، أو باستعمال نصوص القانون الجنائي على المستوى الدولي، بعد توفير التقارير اللازمة لذلك وطنيا، سواء من طرف مؤسسة وطنية مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أو ما يعادله، لاستعمالها دوليا، يظل مرتبطا بنفس المحبرة، التي كتبت “مرافعات” للدفاع عن المعتقلين مع الزفزافي، وكتبت نصوصا في مسودة القانون الجنائي، قبل أن تتعثر في آخر لحظة، إلى حدود اليوم.
وسبق لـ “الأسبوع” أن نبهت إلى خطورة مسودة القانون الجنائي حول العقوبات التي تهم عناصر الجيش الملكي، والملك، والأجهزة الأمنية، فقد نصت المادة “1-448” على أنه: “يعد مرتكبا لجريمة الإبادة الجماعية ويعاقب بالإعدام، كل من ارتكب قتلا عمديا لأفراد جماعة قومية أو إثنية أو عرقية بصفتها هاته بقصد إهلاكها كليا أو جزئيا”، ونصت المادة “3-448” على أنه: “يعد مرتكبا لجريمة ضد الإنسانية ويعاقب بالإعدام، كل من ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين”، كما نصت المادة 6″-448” على أنه: “يعد مرتكبا لجريمة حرب ويعاقب بالإعدام، كل من ارتكب قتلا عمديا ضد الأشخاص في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق”.. ليوضح الشرقاوي أن “هذه الجرائم، بمقتضى القانون الدولي، تعتبر من الجرائم الدولية التي يجب معاقبة كل المسؤولين على ارتكابها، وقد أثبتت التجارب الدولية بأن المسؤولية المباشرة الأولى عن هذه الجرائم، تهم رؤساء الدول والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية” (تفاصيل: الأسبوع عدد 23 يونيو 2016).
يذكر أن تصرفات هيئة دفاع الزفزافي، قد عقدت محنة المعتقلين في احتجاجات الحسيمة، ذلك أنه بدل التركيز على شروط المحاكمة العادلة، تم سلوك مسطرة التصعيد عبر “التسريبات” الهادفة إلى تأجيج الرأي العام، ومحاولة تهديد الدولة بمحاكمتها دوليا، وهو الأمر الذي يتعارض مع المبادئ القانونية التي درسها كثير من المحامين الذين تولوا الدفاع عن متزعم حراك الريف ومن معه، وجلهم يطالبون بالإفراج الفوري عن كل المعتقلين، بدل التركيز على الدفوعات القانونية(..).
ما معنى أن يقول المحامي عبد الصادق البوشتاوي، عضو هيئة الدفاع عن معتقلي الحسيمة، “إنه في اتصال مستمر مع منظمة الأمم المتحدة من خلال مؤسساتها المعنية بحقوق الإنسان والمنظمات الدولية غير الحكومية مثل منظمة العفو الدولية ومنظمة صحفيون بلا حدود، وغيرها لوضعها في صورة انتهاكات حقوق الإنسان وتطورات الهجمة القمعية على منطقة الريف وما واكبها من مداهمات وخروقات واعتقالات ومحاكمات لنشطاء الحراك الشعبي بالريف ذي المطالب القانونية والمشروعة؟.. ما معنى أن يقول البوشتاوي، إن المغرب صادق على مجموعة من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، ومن بينها العهدين الدوليين واتفاقية مناهضة التعذيب وجميع المعاملات القاسية واللاإنسانية والمهينة والحاطة بالكرامة، وكذلك البروتوكول الاختياري الملحق بها، وقام بإيداع ملف المصادقة والتصديق لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة” (المصدر: موقع كود 11 يونيو 2017)، هل تكمن مهمة المحامي في الدفاع عن موكله، أم في صياغة التقارير للأمم المتحدة؟ هل يعرف دفاع الزفزافي ومن معه، الفرق بين حقوق الدفاع وبين “التخابر مع جهات أجنبية”؟