تحليل إخباري | الجزائري الذي حلم بإسقاط النظام في الجزائر وقاد ثورة في المغرب
9 يونيو، 2017
0 5 دقائق
طلب اللجوء السياسي وأكل الغلة وسب الملة
إعداد: سعيد الريحاني
يبدأ المنشط الطارئ على التلفزيون، برنامجه الملغوم، قائلا: ((حلقة اليوم تحت عنوان “أمازيغ مزاب بالجزائر.. أي مصير”.. نستضيف فيها، الناشط الحقوقي، وعضو الحركة من أجل الحكم الذاتي لمزاب..))، ثم يلتفت تجاه ضيفه الذي كان يبتسم في وجه الكاميرا، بناءا على الاتفاق مع المخرج ليحييه بالطريقة الأمازيغية: “أزول..”، فيرد الضيف التحية قائلا: “تنميرت..”.
المنشط المشار إليه أعلاه، ليس سوى الناشط أحمد عصيد، أما الضيف الذي فتحت له أبواب التلفزيون، فهو انفصالي من الجزائر، يسمى صالح عبونة، وكل من الضيف والمنشط، كانا يعلقان على شريط فيديو، تم عرضه في ذات البرنامج عما يجري في “غرداية الجزائرية” التي حصل فيها ما يحصل في الريف اليوم، وقد قدمها المعلق كما يلي: ((غرداية أو تغرداية، ولاية جزائرية تبعد بحوالي 600 كلم عن العاصمة الجزائرية.. حاضرة أمازيغ مزاب، برز اسمها وطنيا وإقليميا ودوليا، جراء الأحداث الأخيرة التي هزت مناطق سهل وادي مزاب والكرارة، حيث وقعت اشتباكات وأعمال عنف وتخريب وحرق عشرات المنازل، ومحلات تجارية، في أحداث وصفتها الصحافة الجزائرية بالعرقية، اشتعلت شرارتها بين قبائل عربية تتبنى المذهب المالكي، والقبائل المزابية التي تتبنى المذهب الإباضي.. أحداث واجهها النظام الجزائري بمقاربات متنوعة، حتى لا تتحول القضية إلى قضية دولية..)).
هكذا إذن، كان الناشط أحمد عصيد يتدخل بشكل سافر(..) في الشأن الجزائري، باستعمال التلفزيون الرسمي، مستفيدا من التسهيلات(..)، لكن قليلا من المواطنين فقط، هم الذين كانوا يعرفون أن الضيف، صالح عبونة، هو نفسه الذي يتم تقديمه كـ “لاجيء سياسي” في المغرب، وقد كتبت عنه الصحافة قائلة: ((أن يختار مواطنون من سورية أو دول جنوب الصحراء اللجوء إلى المغرب، سواء كبلد استقرار أو عبور، فذلك أصبح عاديا، لكن أن تصادف جزائريا اختار المغرب بلدا للجوء، فتلك حالة استثنائية.. يمثلها صالح عبونة، الذي ترك غرداية ويعيش اليوم بالمغرب.. حديثه بالدارجة المغربية أو الأمازيغية المزابية يوحي بأنه ابن البلد، لكنه قادم من غرداية بمنطقة المزاب، التي توجد وسط الجزائر، وبعيدة بـ 600 كيلومتر عن العاصمة، سكانها يتحدثون أمازيغية شبيهة تماما بتلك المتداولة بالمغرب، خصوصا في الأطلس المتوسط، يعرف عبونة نفسه على أنه ناشط حقوقي، عن حركة تطالب بالحكم الذاتي في المزاب..)) (المصدر: ميديا 24/ الثلاثاء 4 أبريل 2017).
يمكن القول، إن أحمد عصيد، الذي يشكك في نسب الدولة العلوية(..)، كان يعبر في إطار الحرية عن رأيه، رغم أنه واحد من المتهمين من طرف بعض الجهات الجزائرية بالتورط في أحداث غرداية، لكن هل يقف دور صالح عبونة، عند حدود “الإساءة لبلده الجزائر” من خلال الدعاية لمشروع انفصالي؟ هل نصدق أن مهمة عبونة، تقف عند حدود اللجوء السياسي في المغرب..؟ الجواب من الواقع، وبالصور، يؤكد أن صالح عبونة، الذي شوهد في مظاهرات إحراق صور رئيس الحكومة السابق بن كيران، فاعل نشيط في كل المظاهرات التي شهدها المغرب، إما على هامش مقتل الطالب “عمر خالق” المحسوب على الحركة الثقافية الأمازيغية، هذا الأخير كان قد توفي في يناير من سنة 2016، متأثرا بجراحه جراء المواجهات الدامية التي شهدها محيط كلية الآداب بجامعة القاضي عياض بمراكش، لتكتب الصحافة أنه قتل على يد الانفصاليين، بمعنى أنه لم يقتل من طرف الدولة، قبل أن ينطلق مشروع التعبئة لتنظيم مسيرات ومظاهرات ضخمة احتجاجا على مقتله، ونفس الشخص المسمى عبونة، ظهر أكثر من مرة وهو يحمل علم كردستان في جل المظاهرات المحسوبة على الأمازيغ، وقد شوهد أيضا في مظاهرات الريف.. هل يعقل أن نصدق بعد كل هذا، أن هذا الجزائري، مجرد لاجئ، بل إن التساؤل الذي يغدو مطروحا، هو كم عدد الجزائريين الذين يحركون أو يشاركون في الحراك “الأمازيغي”؟ وها هي وسائل الإعلام تعلن خبر اعتقال صحفي جزائري يدعى جمال عليلات، يعمل بصحيفة “الوطن” الجزائرية، كان مدسوسا وسط المظاهرات “الزفزافية” التي شهدها الريف.
وربما لا يعرف كثير من المواطنين، أن أحمد عصيد، من ناحية النشاط(..)، فهو زوج الناشطة الأخرى، مليكة مزان، ليس بمقتضى قانون الأسرة المغربي، ولكن بمقتضى شريعة الإله ياكوش(..)، هذه الناشطة، سبقت الفرح بليلة، وأعلنت نفسها “أميرة” لدولة الأمازيغ المرتقبة في شمال إفريقيا، بينما يواصل زوجها عصيد، الدعاية لنموذج الدولة الفيدرالية، على هامش الحراك الذي يشهده الريف، فقد قال أحمد عصيد، الباحث والحقوقي في حديثه مع موقع فبراير.كوم، ((أن حراك الريف، حراك اجتماعي لديه مطالب واضحة، والمسؤولون عن هذا الحراك خطابهم واضح.. وأضاف أن الذين يتحدثون عن أيادي خفية أو أجنبية تحرك حراك الريف، هو آلية من آليات الأنظمة التسلطية، وكل من يطالب بحقه تتهمه بهذا الأمر، وهي لعبة قديمة لم تعد تنفع، وأشار إلى أنه كان من المساندين لمطلب الحكم الذاتي للجهات، خاصة بعد تأكيد الملك أنه بإمكانه إعطاء الحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية، واستطرد قائلا أن أفق الحراك الشعبي للأمازيغ، هو المطالبة بالدولة الفيدرالية الديمقراطية..)) (المصدر: موقع فبراير/ 16 ماي 2017).
وانظروا لهذا التناقض، بين ما يدعيه عصيد، كون الريف لا يشهد مخططا انفصاليا، وبين دعايته لمشروع انفصالي في إطار الفيدرالية، بمبرر أن المغرب كان يريد أن يمنح الحكم الذاتي للصحراويين، ليطرح السؤال منذ متى كان الحكم الذاتي، مطابقا لنموذج الفيدرالية، التي تعني استقلال كل جهة عن الأخرى، ألا يمكن القول إن عصيد هو نفسه صالح عبونة بالنسبة للجزائر، ألسنا إزاء تقسيم أدوار؟
خط التماس بين ما يقع في الريف، وأجندة أطراف جزائرية، يؤكده تواجد الجزائريين في “حراك الريف”، غير أن خط التماس يصل أيضا إلى إسرائيل، إذ ما معنى أن يظهر ناصر الزفزافي، الذي تم تقديمه كقائد لحراك الريف في الواجهة، رفقة الناشط الذي لا يتردد في الدعاية لدولة إسرائيل بالمغرب، منير كجي، هذا الأخير، قالت عنه وسائل الإعلام، أنه التقى في وقت سابق مع بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، وهو نفسه لا يحس بأدنى حرج وهو يشارك في تل أبيب في منتديات معاداة السامية؟ ثم ما معنى أن يقوم وزير إسرائيلي اسمه، أيوب قرا، بتوشيح ناشط مغربي، اسمه بوبكر أوتعديت، عن مجهودات لا تعلمها إلا إسرائيل(..)، قبل أن يظهر نفس الوزير في لقاء مع زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي؟ أليس هذا أكبر تكذيب لمن يقولون أن إسرائيل، ستساعد المغرب على تحرير صحرائه(..).
كيف يمكن لمن يقولون إن المطالب في الريف، اجتماعية صرفة، أن يثبتوا ذلك للعالم، بينما يظهر الزفزافي إلى جانب ناشط آخر، ظهر وهو يحاول طرد ممثل السلطة المحلية، في شريط فيديو، نفس الشخص واسمه رشيد زناي، كان عضوا في “حركة 20 فبراير”، وواحد من الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها، بمناسبة فوز ترامب بالرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية، بل إنه قدم لترامب التهنئة عبر صفحته “الفيسبوكية”، متمنيا له مزيدا من التعاون مع الشعوب الأصيلة(..)، لكن ما يغيب عن هذا الناشط، الذي يقول في تصريحاته، ((إن العرب أعداء الله))، هو أن أمريكا التي تقدم نفسها كصديقة للشعوب الأصيلة في مناطق أخرى بالعالم، تعد صاحبة أكبر مذبحة في التاريخ ضد الشعب الأصيل، هو شعب الهنود الحمر، هل يعقل أن يساعد ترامب، شعبا أصيلا في شمال إفريقيا، وأيادي أجداده ملطخة بدماء شعب الهنود الحمر الذي تمت إبادته؟
سواء تعلق الأمر بإسرائيل أو أمريكا وغيرها من الدول الحالمة بتقسيم المغرب، إضافة إلى بعض الأطراف في الجزائر، فإن الحراك الريفي، قد يخفي تحته تداخل “الأجندات العالمية”، رغم أن الغطاء هو غطاء المطالب الاقتصادية والاجتماعية، وها هو الحراك يسير في اتجاه إحداث “ثورة ملونة بالمغرب”، إذا لم تتم معاجة الأمر بهدوء، وبالحوار، عوض الأساليب القمعية، التي تزيد الأمور اشتعالا، ولمن لا يعرف الثورات الملونة، يمكنه أن يرجع للتاريخ القريب، وهي الثورات التي سبقت ما سمي بالربيع العربي، فقد ((شهدت السنوات الممتدة بين العامين 2003 و2007 تسرب الثورات الملونة إلى آسيا الوسطى، ويقصد بالثورة الملونة، تلك الانتفاضات الشعبية المنظمة التي تحمل أعلاما وشارات ذات لون مميز تعرف به، وقد حملت الثورات الملونة ثلاثة ألوان رئيسية، حمراء وبرتقالية وصفراء، في كل من جورجيا عام 2003، وفي أوكرانيا عام 2004، وفي قرغيزستان عام 2005، ورفعت هذه الثورات شعارات الحرية ونادت بالنموذج الليبرالي)) (تفاصيل: انظر الأسبوع عدد: 9 فبراير 2017).
قد تكون هناك مطالب اجتماعية في الريف على غرار باقي مناطق المغرب، لكن لابد من توضيح الحدود الفاصلة بين المشاريع الانفصالية، والمشاريع الحالمة بالثورة على النظام، حتى لا يكون هناك ضحايا لسوء الفهم، وها هو وكيل الملك لدى محكمة الاستئناف بالحسيمة، يوجه للمعتقلين تهما ثقيلة، ويقول: ((على إثر الأحداث التي وقعت في مدينة الحسيمة، وتنويرا للرأي العام، تلقت النيابة العامة تقريرا من الفرقة الوطنية للشرطة القضائية يفيد بأن بعض الأفراد يشتبه في ارتكابهم أفعالا مخالفة للقانون ويعاقب عليها القانون الجنائي.. وتتعلق هذه الأفعال، يضيف المتحدث، بالمس بالسلامة الداخلية للدولة، والتحريض على ارتكاب جنح وجرائم، وإهانة موظفين عموميين أثناء أدائهم لمهامهم، ومعاداة رموز المملكة في تجمعات عامة وأفعال أخرى..))، ولا مخرج أمام المعتقلين، سوى التعقل وتجنب التطبيق الأعمى للقانون.