تحليل إخباري | لا انتخابات ولاهم يحزنون.. كيف أصبح المغرب عاصمة للمخابرات العالمية
28 أكتوبر، 2016
0 5 دقائق
الأمن القومي يفرض عدم الاهتمام بتفاهات السياسيين
إعداد: سعيد الريحاني
لأول في تاريخ الدولة المغربية، وربما لم يحصل ذلك حتى في أيام الحرب الباردة بين المعسكرين، الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، ستجد المخابرات الأمريكية الموجودة في المغرب نفسها وجها لوجه مع وافد جديد، ولكن بشكل رسمي، حيث تؤكد مصادر عليمة لـ”الأسبوع”، أن روسيا ستعزز تواجدها في المغرب بافتتاح مكتب لمدير المخابرات الجديد، الذي من المتوقع أن يصل إلى المغرب بعد حوالي شهرين، بشكل علني، وهو شخصية روسية مرموقة، لم ينشر اسمها حتى الآن، وإن كان الموضوع معروفا داخل دوائر المخابرات، بسبب الإجراءات التي تسبق الاستقبال، حيث وصل الأمر إلى علم ياسين المنصوري، مدير الإدارة العامة للدراسات والمستندات، حسب نفس المصادر، التي أكدت أيضا ربط الاتصال مع وزارة الخارجية(..).
هكذا إذن يتضح، أن المغرب الذي لم يتأثر بموجة الربيع العربي المخدومة على مقاس الدول المتخلفة(..)، أصبح قبلة لكبار زعماء المخابرات في العالم، علما أن نشاط المخابرات الأجنبية على أرض الوطن يمكن ملاحظته بسهولة، ما معنى أن يكون لدولة ما في المغرب، مقر للسفارة ومقر للمكتب الثقافي ومقر للملحق العسكري ومقر للملحق الإعلامي ومقرات قنصلية، بينما لا يتجاوز عدد الأجانب الذين ينتمون لتلك الدولة فوق التراب المغربي بضعة آلاف(..) ليطرح السؤال عن العمل الذي يقوم به مئات الموظفين، الذين يجوبون المغرب طولا وعرضا، تحت يافطة العمل الدبلوماسي(..).
أمريكا على سبيل المثال، لا تظهر نشاطها الاستخباراتي للعلن، وتفضل الظهور بمظهر الحارس الأمين للديمقراطية، من خلال اللقاءات السرية والعلنية بين مختلف الفاعلين(..)، فضلا عن الدورات التكوينية(..)، ويمكن الوقوف بجلاء عما تقوم به في المغرب من خلال قراءة ما كتب عنها في وثائق “ويكيليكس”، رغم أن هذا الأخير أسلوب أمريكي(..)، فقد “نشر موقع ويكيليكس الذي أضحى على كل لسان بالعالم وثائق سرية أمريكية تكشف ما تقوم به سفارة واشنطن بالرباط من أعمال تجسسية لم تفلت منها لا صغيرة ولا كبيرة، إذ تم تضمين مئات الوثائق ما ورد عن سفارة أمريكا بالرباط من معطيات مرتبطة بالأسرة الملكية الحاكمة وضيوفها، وأداء الحكومة، زيادة على معطيات أخرى تهم كافة المجالات الحياتية بالمملكة، خاصة الفوسفاط والتعاملات المغربية الفرنسية، وأفصح عن مواقف مسؤولين مغاربة تجاه دول وأحداث عالمية.. وكانت المفاجأة حاضرة ضمن التقارير السرية الأمريكية، حين تم نشر نص لائحة تتوفر عليها المخابرات المركزية الأمريكية بأسماء شخصيات ينبغي اغتيالها، إذ تواجد بين الأسماء المطلوبة، اسم الجنرال المغربي المتوفي أحمد الدليمي، ذلك أن الوثائق المنشورة تهم الفترة الممتدة من منتصف ستينيات القرن الماضي إلى اليوم، وتطرقت أيضا لممارسات الصيد السرية التي يدأب على القيام بها عدد من قادة العالم فوق التراب المغربي الجنوبي..” (المصدر: عدة مواقع إخبارية).
تجدر الإشارة إلى كون المغرب ليس بلدا لاحتضان أنشطة المخابرات الأجنبية فحسب، بل أن المخابرات المغربية، باتت من أنشط أجهزة المخابرات في العالم، بل إن بعض وسائل الإعلام العالمية أصبحت تصنفها ضمن 10 أقوى أجهزة في العالم، إلى جانب كل من “CIA” في أميركا، والـ”KGB” المخابرات الروسية، “MSS” في الصين، و”RAW” في الهند، و”ASIS” في أستراليا، “DGSE” في فرنسا، و”MI6″ في المملكة المتحدة، والموساد في إسرائيل، فقد نشرت بعض المواقع الإلكترونية الأجنبية بالاعتماد على مصادرها، أن المغرب يسابق الخطوات لإقامة أكبر شبكة مخابرات في شمال إفريقيا تكون الأقوى والأكثر تنظيما وفعالية ضمن محيطها، وذلك لمواجهة التحديات الكبرى التي بات المغرب يعرفها في ظل التغييرات التي طرأت على الخريطة السياسية والأمنية بدول المنطقة، خصوصا بعد ما بات يعرف بالربيع العربي الذي أسقط أنظمة العقيد معمر القذافي في ليبيا، وزين العابدين بن علي في تونس، زيادة على الانقلابات المتوالية في موريتانيا والهشاشة الأمنية في الجزائر. ولأن تطوير هذا الجهاز المعروف اختصارا بـ”لادجيد” يحتاج إلى تمويلات، فقد تحدثت نفس المواقع الإخبارية الأجنبية عن تمويل خليجي من المحتمل أن يصل مليار دولار سنويا.. (المصدر: موقع فبراير 11/10/2012).
وكان المغرب قد أطلق السنة الماضية مشروعا لتبييض وجه المخابرات، ولا زال المتابعون يتذكرون تلك الصورة المبتهجة التي ظهر عليها مصطفى الرميد، وزير العدل إلى جانب وزير الداخلية، محمد حصاد، ومدير المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، عبد اللطيف الحموشي، عندما وقف يراقب باندهاش كبير التجهيزات الرياضية التي يتوفر عليها المكتب المدشن أخيرا، وهو المكتب المركزي للتحقيقات القضائية، وقتها عرضت القنوات العمومية بشكل استعراضي، صورا لرجال عبد الحق الخيام، الرئيس السابق للفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء، وهم ملثمون على طريقة قوات التدخل السريع التي تظهر في الأفلام الأمريكية، ما جعل الصحفيين يصفون مكتب التحقيقات المغربي، “FBI المغرب”، على غرار مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، غير أن الفرق كبير بين التجربتين رغم التشابه في الشكل، فـ”مكتب التحقيق الفيدرالي الأمريكي” تأسس سنة 1908، وهو تابع لوزارة العدل الأمريكية، ويضم مئات المكاتب المنتشرة عبر العالم، بينما مكتب التحقيقات المغربي، يمثل الوجه المكشوف لرجال الإدارة العامة لمراقبة التراب الوطني الـ”ديستي”، وقد كان الرميد قبل هذا التاريخ، واحدا من المعارضين الكبار لفكرة إسناد الصفة الضبطية لرجال الـ”ديستي”، وكان يقول إنها نقطة سوداء في مشروع القانون الجنائي، لكنه أخذ الوزارة فسكت(..).
إن المنحى المغربي للاهتمام بالأمن، والكل يعلم العلاقة الوطيدة بين الأمن والمخابرات، ففي المغرب مثلا، الأمور واضحة وضوح الشمس، فالمدير العام للأمن الوطني، الحموشي، هو نفسه المدير العام للمخابرات الداخلية(..)، بل إن استقدامه خلفا لبوشعيب الرميل الذي أعفي من منصبه بسبب خطإ فادح(..)، كان الغرض منه نقل تجربة الصرامة المخابراتية إلى مجال الأمن الوطني، من طرف أحد رجال الثقة(..).
وكانت الهواجس الأمنية، حاضرة بقوة، بعد غليان الشارع المغربي سنة 2011، بعد ظهور الموجات الأولى للحركة الراحلة 20 فبراير، لتتم ترجمة ذلك في شكل مقتضيات دستورية تحث على ضرورة تأسيس المجلس الأعلى للأمن لتوحيد السياسة الأمنية، بمنطوق الدستور الذي يقول في الفصل 54 منه: “يُحدث مجلس أعلى للأمن، بصفته هيئة للتشاور بشأن استراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، وتدبير حالات الأزمات، والسهر أيضا على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة، ويرأس الملك هذا المجلس، وله أن يفوض لرئيس الحكومة صلاحية رئاسة اجتماع لهذا المجلس، على أساس جدول أعمال محدد، ويضم المجلس الأعلى للأمن في تركيبته، علاوة على رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والوزراء المكلفين بالداخلية، والشؤون الخارجية، والعدل، وإدارة الدفاع الوطني، وكذا المسؤولين عن الإدارات الأمنية، وضباط سامين بالقوات المسلحة الملكية، وكل شخصية أخرى يُعتبر حضورها مفيدا لأشغال المجلس” (حسب الدستور).
والواضح أن مشرعي هذا النص الدستوري، كانوا منشغلين بالهواجس الأمنية حتى أنهم لم يضعوا مكانا داخل هذا المجلس لوزير المالية، علما أن استراتيجية أمنية تحتاج للتمويل(..).
يمكن القول إن التوجه المغربي الجديد، بات يعطي الاعتبار للحسابات الأمنية أكثر من أي شيء آخر، بل تكفي قراءة في عناوين الصحف، ليظهر هذا التركيز على الأمن أولا، “القبض على خلية إرهابية جديدة مؤيدة لداعش في المغرب”، “13 مغربيا بايعوا داعش وخططوا لخطف وذبح رهائن”، “بلجيكا تستنجد بالمغرب لتطويق المخاطر الإرهابية”، “هولاند يشكر المغرب على دعمه لفرنسا في مواجهة الإرهاب”، “الأوروبيون يستعينون بخبرات المغرب في مكافحة الإرهاب”.. كلها عناوين يمكن مطالعتها في الصحافة الوطنية والدولية، هل كل ذلك صدفة، أم أن المجهود المغربي جعل المغرب أقوى دولة مخاباراتية في شمال إفريقيا؟
هذا فيما يتعلق بالمخابرات، فماذا عن السياسة والسياسيين؟ بغض النظر عن العازفين وعددهم كبير جدا، والغاضبين، والمتكاسلين، فإن عدم الثقة في السياسيين، بدأت تطفو على السطح أكثر من أي وقت مضى، ما معنى أن يقول حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، “إن حزب العدالة والتنمية امتداد لجبهة النصرة”، ما معنى أن يقول الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، “إن المغرب مهدد بالسيناريو السوري، إذا فاز حزب العدالة والتنمية”، “في حالة استمرار هاته الحكومة غير متجانسة والتي يتواصل وزراؤها بالهمز واللمز من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، حسب لشكر، فإن المغرب غير بعيد عن السيناريو السوري أو الليبي”، هكذا تحدث إدريس لشكر في مهرجان خطابي إبان الحملة الانتخابية.. أليست تصريحات غير مسؤولة من هذا القبيل كفيلة ببعث الرعب في نفوس المواطنين، علما أن كلا من لشكر وشباط، ظهرا قبل يومين وهما يستعطفان بن كيران للدخول إلى حكومته، بغض النظر عن مقال صاحب الدعوة للمصالحة، بعد التطاحن(..).
إن عدم الاطمئنان إلى السياسيين، سواء من طرف النظام أو من طرف المواطنين، الذين وقعوا على أكبر نسبة عزوف، راجع للدعوات المشبوهة التي تصدر عنهم بين الفينة والأخرى، ما معنى أن يصطنع حزب الاستقلال عطلة غير معترف بها ليقول إن النواب الاستقلاليين لا يشتغلون في عيد السنة الأمازيغية؟ ما معنى أن يطير إلى قلعة المقاومة المسلحة، ليخطب في نفس المكان الذي خطب فيه الملك سنة 2001، لكي يقول إن الأمازيغية لم تنل مكانتها بعد؟ ما معنى أن يتحالف حزب الاستقلال والعدالة والتنمية، ليعبرا عن نيتهما في مقاطعة الانتخابات، وانظروا للمفارقة، الأحزاب التي يفترض فيها أن تحفز المواطنين على المشاركة والتي تستنزف مالية الدولة عن طريق الدعم، هي نفسها التي تهدد النظام بمقاطعة الانتخابات، علما أن كل من الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال والبام، سبق لهما أن هددا بالطعن السياسي في الانتخابات، وهو ما يعني مباشرة ابتزاز النظام (المصدر: كيف تحولت الانتخابات من دعم الاستقرار إلى تهديد النظام/ الأسبوع 5 فبراير 2015).