تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | مؤتمر أهل السنة والجماعة.. روسيا تدعم إمارة المؤمنين وأمريكا تساند حزب العدالة والتنمية

انطلاق الحرب الدينية بين القوى العظمى في المغرب بالتزامن مع الانتخابات

 إعداد: سعيد الريحاني

   بتاريخ 23 شتنبر 2015، دشن الرئيس الروسي فلادمير بوتين جامع موسكو الكبير بحضور له أكثر من دلالة، عند العالم الإسلامي، تجسد في حضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وبتاريخ 15 مارس 2016، أي بعد ستة أشهر من هذا الحدث (تقريبا)، كانت للملك محمد السادس الذي يتمتع بصفة أمير المؤمنين، زيارة خاصة لقصر الكرملين في العاصمة الروسية حيث جرت المحادثات التي توجت باتفاقيات اقتصادية وأمنية(..) بحضور كبار مستشاري الملك، الهمة والفاسي الفهري، وهي الزيارة التي خاطب فيها بوتين الملك محمد السادس باعتباره، حفيد الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعد مرور 6 أشهر، شهدت العاصمة الشيشانية غروزني، أكبر حدث ديني خلال الصيف الجاري، والشيشان هي إحدى دول الفيدرالية الروسية(..)، حيث يتحول كل رؤساء القوقاز، المنطقة التي ينتسب لها، يافث، ثالت أبناء نبي الله نوح، والد ياجوج وماجوج(..) – يتحولون- إلى أزرار، في معطف الرئيس بوتين.

   الحدث الذي شهدته الشيشان، ليس منفصلا تماما عن مشروع التقارب المغربي الروسي(..)، وهو عبارة عن مؤتمر ضخم شهدته العاصمة الشيشانية تحت عنوان: “من هم أهل السنة والجماعة؟”، ليكون الجواب ضمن بيان تاريخي، غير مسبوق، حيث أكد المجتمعون في المؤتمر الذي يرعاه بالوكالة عن بوتين، الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف، نجل الزعيم الشيشاني أحمد قاديروف، الذي تم اغتياله(..)، ولمن لا يعرف قادروف، فهو ليس داعما للملاكمين فقط، وعلى رأسهم البطل المغربي بدر هاري(..)، بل هو عضو أيضا في نادي الدراجات النارية بموسكو “ذئاب الليل”.

   أهم ما خلص إليه المؤتمر المنعقد تحت شعار: “من هم أهل السنة والجماعة؟”، بحضور شيخ الأزهر، وممثلين عن المغرب، لم تنشر أسماؤهم(..)، هو أنه عرف “أهل السنة والجماعة” بأنهم هم: “الأشاعرة والماتريدية في الاعتقاد، وأهل المذاهب الأربعة في الفقه (المالكية والشافعية والحنفية والمعتدلين الحنابلة..)، وأهل التصوف الصافي علما وأخلاقا وتزكية”، حسب البيان الختامي، الصادر عقب المؤتمر.

   أخطر، وأقوى ما خلص إليه “بيان غروزني”، الصادر عن علماء مسلمين، هو أنه أقصى “الوهابية”، أو “السلفية الوهابية”، من أهل السنة والجماعة، وهو ما يعني ببساطة، إخراج السعودية من مجموع أهل السنة والجماعة(..)، لذلك كان من الطبيعي أن تكتب وسائل إعلام عالمية، أن “مؤتمر غروزني خطوة كبرى لسحب المرجعية السنية من السعودية، وزيادة عزلتها في العالم الإسلامي وتثبيت تهمة الإرهاب بالفكر الوهابي..”، ولكم أن تتصوروا خطورة الوضع، بعد تصنيف “الفكر الوهابي”، الذي ينتشر في شبه الجزيرة العربية، حيث ولد الرسول صلى الله عليه وسلم، وحيث يحج ملايين المسلمين كل سنة، خارج “أهل السنة والجماعة”، بمعنى أن مؤتمرا من هذا النوع يضرب مشروعية إمارة المؤمنين في السعودية، في العمق(..)، ويكرس إلصاق تهمة الإرهاب بالسلفيين(..).

   مؤتمر غروزني كان واضحا في توجيه الضربة للسعودية، وعزلها عن العالم الإسلامي، من خلال عدم إدراج المؤسسات الدينية السعودية ضمن المؤسسات التعليمية العريقة، غير أن العلماء المسلمين ومن بينهم شيخ الأزهر الذي كان حاضرا، أبانوا عن تقدير كبير لإمارة المؤمنين في المغرب، وهو ما يجسده الاعتراف الصريح بجامعة القرويين، كجامعة إسلامية عريقة في البيان الختامي، الصادر عن المؤتمر، الذي حدد المرجعات الدينية للسنة، في جامع الأزهر في مصر، وجامع الزيتونة في تونس، وجامع القرويين في فاس بالمغرب، وحضرموت في اليمن.

   وكان الملك محمد السادس، قد أصدر ظهيرا جديدا، مؤخرا، نشر في الجريدة الرسمية، وتم بموجبه سحب جامعة القرويين من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر وإلحاقها بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الوزارة السيادية(..) لتصبح بذلك مؤسسة تابعة للمجال الديني المحفوظ للملك محمد السادس، الذي قال: “إن إعادة تنظيم جامعة القرويين يأتي انطلاقا من الإمامة التي طوق الله بها عنقه، وحماية الملة والدين، وحرصا منه على أن تستعيد جامعة القرويين، دورها الريادي الذي اضطلعت به منذ نشأتها، ورغبة منه في جعلها مؤسسة علمية ومرجعية للتكوين المتخصص والمتميز والرصين في علوم الدين وفي تاريخ الفكر والحضارة الإسلامية، وسعيا منه إلى تنمية البحث العلمي وتطوير مناهجه في الدراسات الإسلامية عامة، والفقه المقارن والتراث الفقهي المالكي منه بوجه خاص”، انتهى كلام الملك محمد السادس.

   إذن، في ظل التقارب المغربي الروسي، تظهر جامعة القرويين، التي شهدت مؤخرا إطلاق مشروع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة كجامعة معترف بها دوليا من روسيا، وتسجل وكالات الأنباء العالمية، احتفاء الرئيس الروسي فلادمير بوتين، بأمير المؤمنين، محمد السادس، باعتباره، الحفيد رقم 34، للنبي صلى الله وسلم، وترجح مصادر مطلعة، وجود دور خفي تم لعبه على أطراف السفارة الروسية في الرباط، حيث لعبت أجهزة روسيا(..)، وسفيرها النشيط في الرباط،  فاليري فوروبيوف، دورا كبيرا في نجاح الزيارة الملكية الأخيرة إلى روسيا، وتؤكد بعض المصادر على الدور الذي لعبه صديق الرئيس الشيشاني في المغرب، المقرب جدا من السفير الروسي في الرباط، جلال الفتحوني(..)، هذا الأخير سبق أن تحدثت الصحافة عن علاقته، بالرئيس الشيشاني، رمضان قادروف، ونشرت صوره معه (انظر الصورة (..)، ويرجح أنه مكلف بمهمة لدى جهات عليا(..)، وتقول بعض المصادر أنه لعب دورا خفيا منذ مدة في استقدام أئمة شيشانيين للتكوين في المغرب(..)، أي قبل انعقاد، مؤتمر غروزني، فهل هذه كلها مصادفات(..)؟.

   يمكن القول إن مؤتمر غروزني، لا علاقة له من حيث الشكل بالشيعة، وربما يقول البعض إن المشكلة الآن صارت في ملعب السنة فيما بينهم، من حيث الشكل(..)، غير أن المكانة الخاصة التي يحظى بها المغرب، من خلال دعم إمارة المؤمنين، والاعتراف بمؤسسة القرويين كمؤسسة عريقة إلى جانب الأزهر الشريف في مصر.. يعطي فرصة أكبر، لإنجاح مشروع تروج له بعض الأطراف في الكواليس، عن مصالحة أهل السنة والجماعة مع الشيعة، فوق أرض إمارة المؤمنين، في المغرب، ما يعنيه ذلك من تغير في ميزان القوى، عالميا، ألم يظهر مؤخرا أن روسيا تمتلك قواعد عسكرية في إيران الشيعية، وها هم الشيعة مبتهجون لنتائج مؤتمر غروزني(..)، هل يمكن أن تعصى إيران أمرا لروسيا في حالة ما إذا صدرت الأوامر لصالح المغرب، الذي بدأ يبتعد شيئا فشيئا عن أمريكا..

   يمكن القول إن الإشارة الداعمة لإمارة المؤمنين المغربية، والقادمة من روسيا تتزامن مع فتور العلاقات المغربية الأمريكية، ومع الحديث عن الدعم العلني الأمريكي لحزب العدالة والتنمية، الذي تتهمه عدة أطراف بالعمل وفق أجندة أمريكية (انظرالأسبوع عدد 886 لـ19 ماي 2016 تحت عنوان: “كيف تحول حزب العدالة والتنمية إلى حزب أمريكي في المغرب”)، بل إن الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، إدريس لشكر، لا يتردد في القول إن أمريكا “زورت” الانتخابات لصالح حزب العدالة والتنمية سنة 2011، و2015،  “إن الإدارة الأمريكية هي التمساح والعفريت الأكبر الذي يغير نتائج الانتخابات المغربية، ويساهم في تزويرها”.. هكذا تحدث لشكر، قبل أن يظهر في احتفالات العيد الوطني لروسيا، مؤخرا، في نفس اللقاء الذي حضره، مدير المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، عبد اللطيف الحموشي، وكان لشكر قد عانق السفير الروسي، بعد أن عانقه في وقت سابق عبد اللطيف الحموشي، خلال نفس الاحتفال (انظر الصورة التي تنفرد الأسبوع بنشرها).

   يذكر، أن مؤتمر غروزني الذي كرس التقارب بين المغرب، في شخص إمارة المؤمنين وروسيا، وما جاورها قد خلص في بيانه الختامي إلى القول، بأن مبرر المؤتمر، هو ما يلي: “..وجود محاولات اختطاف لقب (أهل السنة والجماعة) الشريف من قبل طوائف من خوارج العصر والمارقين الذين تُسْتَغل ممارساتهم الخاطئة لتشويه صورة الدين الإسلامي”، غير أن إقصاء السعودية من أهل السنة والجماعة، ووضعها في خانة، الإرهابيين، سيكون له ما بعده(..)، والمغرب لم يعد بعيدا لا عن الشيشان، ولا عن السعودية، وانظروا لردود الفعل التي تتحدث عن الفتنة، للتأكد من خطورة الموقف.

   يقول الشيخ القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، المحسوب على أمريكا(..): “قد أزعجني هذا المؤتمر (الذي حمل عنوان: من هم أهل السنة والجماعة؟) بأهدافه وعنوانه، وطبيعة المدعوين إليه والمشاركين فيه، كما أزعج كل مخلص غيور من علماء الإسلام وأمته، فرأيت أن أصدق ما يوصف به أنه مؤتمر ضرار”، مؤكدا أن المؤتمرين “ما تعاونوا على بر أو تقوى، كالذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين”.. المؤتمر إذن عزل السعودية، وانتصر للإسلام المغربي بشكل أو بآخر، لكن الحسابات السياسية تفرض نفسها، في الوقت الذي سكت فيه جل العلماء المغاربة عن هذا المؤتمر، الذي يهاجم إحدى الملكيات العريقة التي تدعم المغرب، والتي شارك إلى جانبها في الحرب على الحوثيين في اليمن بطائراته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى