شبح “أوفقير” و”اعبابو” يظهر في تركيا وشبح أردوغان يظهر في المغرب
29 يوليو، 2016
0 6 دقائق
كيف كشفت محاولة الانقلاب على أردوغان وجود انقلابيين عندنا
إعداد: سعيد الريحاني
هناك تشابه كبير بين محاولة الانقلاب العسكري التي تعرض لها رئيس تركيا، رجب طيب أردوغان، ليلة الجمعة الماضية، ومحاولات الانقلاب العسكري التي شهدها المغرب، لدرجة يبدو أن انقلاب تركيا، ليس سوى إعادة تمثيل لبعض مقاطع الانقلابات التي شهدها المغرب، إبان حكم الحسن الثاني، خاصة المحاولتين الانقلابين الشهيرتين، الأولى تزعمها الكولونيل ،امحمد اعبابو، قائد مدرسة أهرمومو العسكرية، والجنرالمحمد المذبوح، لاغتيال ملكالمغرب، الحسن الثاني في يوم 10 يوليوز 1971 المصادف لذكرى عيد ميلاده الـ42، وبعد أن مهدت المحاولة الأولى لإطلاق عملية تطهيرية كبرى في صفوف الجيش المغربي، على غرار ما يحصل في صفوف الجيش التركي اليوم، بزعامة الجنرال أوفقير، مما قوى مركزه بشكل كبير حتى أنه أصبح الرجل الثاني في المغرب بعد الحسن الثاني، وكان هو الوحيد الذي جمع بين منصب وزير الداخلية ومدير الأمن الوطني ورئيس الكاب1، لكن ذلك لم يكن سوى تمهيدا لمحاولة انقلابية قادها هو نفسه، سنة 1972، تميزت بمحاولة إسقاط الطائرة الملكية يوم 16 غشت 1972، علما أن المحاولتين كانت بينهما محاولة انقلاب عسكرية أخرى لم تتسرب كثير من تفاصيلها، وكانت السبب في إلغاء طقوس الاحتفال بالطيران العسكري في المغرب، حصل ذلك يوم 14 ماي 1972، وهي الحكاية التي أكدها في وقت سابق لـ “الأسبوع”، مدير ديوان الماريشال أمزيان، الكولونيل مصطفى البقالي، والكولونيل عبد الله أعمار (الأسبوع عدد: 2 ماي 2013، 23 ماي 2013).
جل الذين تابعوا محاولة الانقلاب في تركيا، يتحدثون عن المذيعة الشقراء التي أذاعت بيان نجاح الانقلاب في تركيا، بعد سيطرة الانقلابيين على قناة “تي. أر. تي” الرسمية، حيث حكت للصحافيين فيما بعد عن احتجازها رفقة طاقم القناة وإجبارها على قراءة البيان بالقوة، ولاشك أن المتابعين للأحداث في المغرب يتذكرون أيضا الملحن المغربي الراحل عبد السلام عامر، صاحب أغنية “راحلة” و”القمر الأحمر”، هذا الأخير، كان قد أذاع يوم 10 يوليوز 1971، خبر استيلاء الجيش على السلطة، عبر بلاغ تم بثه على أمواج الإذاعة، وكانت فوهات العسكر مصوبة نحو رأسه، وكان من المفترض أن يتم إلقاء البيان من طرف المغني المصري عبد الحليم حافظ، لكنه استطاع نيل تعاطف العسكريين، حين قال لهم: “أنا ما ليش علاقة بالسياسة”.
احتلال مقر التلفزيون الرسمي، ليس فكرة جديدة، وقد سبق العسكريون المغاربة الانقلابيين الأتراك إلى ذلك، وربما لا يعلم كثير من الناس أن محاولة قصف طائرة الحسن الثاني في الجو إبان محاولة الانقلاب الثانية التي قادها أوفقير، قد شهدت أيضا مثيلا لها في تركيا، فـ “في خضم الأحداث المتلاحقة التي واكبت محاولة الإطاحة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كانت طائرته في مرمى بصر اثنين من الطيارين المتمردين يقودان مقاتلتين من طراز إف 16، ومع ذلك تمكنت طائرته من مواصلة رحلتها، لأن الطائرتين اكتفيتا بمحاولة التحرش بطائرة الرئيس، دون إطلاق نار، ما يشكل لغزا جديدا يضاف إلى العديد من علامات الاستفهام التي تحيط بمحاولات الانقلاب ككل” (المصدر: وكالات).
بالنسبة للحسن الثاني، فالهجوم على الطائرة الملكية قاده ثلاثة رجال، هم الجنرال محمد أوفقير، وزير الداخلية والدفاع، والمقدم محمد أمقران، والمقدم الوافي كويرة، بعدما جهزوا أربع طائرات بالقذائف، أطلقت ثلاثة منها القذائف على مؤخرة الطائرة، المكان المفضل عند الملك، فتعطل محركان ونزلت الطائرة اضطراريا بقاعدة القنيطرة، وكان القصف قد توقف بعدما تم إخبار المهاجمين بمقتل الحسن الثاني، ولكنه كان حيا يرزق(..) وهاهو التاريخ يعيد نفسه، وقد اضطرت الطائرة الرئاسية لأردوغان لخداع المطار من أجل النزول، وقد “كشفت محادثات حصلت عليها قناة “الجزيرة” “أن طائرة الرئيس التركي خدعت برج المراقبة في مطار أتاتورك الدولي في اسطنبول ليلة محاولة الانقلاب العسكري الفاشل.. وكشفت المحادثة عن أن الطائرة الرئاسية عرفت نفسها بأنها طائرة مدنية كي تتمكن من الهبوط في المطار” (المصدر: عدة وكالات).
وقد بقيت عالقة في الأذهان، صور شبان من الجيش التركي، يلقى عليهم القبض بشكل مهين في الشارع، وقد تابع الجميع باستغراب، مشاهد إلقاء الشرطة القبض على عناصر الجيش في الشارع بشكل غير مسبوق في التاريخ.
وبينما لم يقل أي واحد في تاريخ المغرب أن الانقلابات العسكرية على الحسن الثاني كانت مسرحية، فإن الانقلاب على أردوغان تلاحقه تهمة كونه عملا مدبرا، حسب وجهة نظر بعض المحللين الأتراك، حيث يقولون: “إن محاولة الانقلاب الفاشلة ما هي إلا مسرحية أعدها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ووفق المعلومات التي لدي، فإن الجيش التركي لا يريد الانقلاب العسكري، ولو كان الجيش يريد الانقلاب العسكري، لما استطاعت أي جهة في البلاد أن توقفه، وإنما الرئيس التركي يريد أولا من هذه المسرحية أن يقضي تماما على صورة الجيش التركي في البلاد، ورأينا مشاهد ضرب بعض الجنود على شاشات التلفاز، في إهانة واضحة للعسكرية التركية” (المصدر: المحلل السياسي التركي، تورجوت كارا مهيميت أوغلو).
هكذا يظهر أن “اعبابو” و”أوفقير”، قد ظهر لهما نظير في تركيا، مثلما يحاول البعض صناعة أردوغان عندنا في المغرب، فمن هو “أوفقير التركي”، الجواب، حسب وسائل الإعلام: “اسمه الجنرال أكين أوزتورك ولد فى عام 1952، والتحق بالكلية الجوية عام 1970، وتخرج فيها عام 1973، تدرج فى العديد من المناصب القيادية داخل سلاح الجو التركى حتى تولى قيادة القوات الجوية التركية فى 2011 حتى غشت 2015، وقد تم إعفاؤه من منصبه وأصبح عضوا بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة التركية، وكان من المتوقع أن يحال إلى التقاعد فى 30 غشت المقبل (يعني أنه لعب في الوقت بدل الضائع).. وبينما كان يفتخر بحصوله على عدد كبير من النياشين، والأوسمة، تتناقل اليوم وسائل الإعلام صوره مهانا أمام عدسات الكاميرات، بعدما كان يلبس نفس النظارات السوداء التي لبسها أوفقير قبله، وبنفس النظرة تقريبا، والواضح أن استعمال هذه النظارات يؤدي إلى نفس النتيجة(..).
هذا من حيث آلية التنفيذ، لكن من يكون الزعيم الحقيقي للانقلاب؟ لم يتردد أردوغان في إلصاق التهمة بغريمه السياسي، الداعية، فتح الله غولن، البالغ من العمر 75 سنة والمقيم في المنفى في الولايات المتحدة منذ 1999.. ولمن لا يعرف غولن، فهو يشكل دولة موازية حقيقية في تركيا، وهو من مريدي سعيد النورسي، كما يركز في أعماله بفكرة الديمقراطية وحوار الأديان، وكان كولن من حلفاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى نحو سنة 2013 م، حين ظهرت تهم فساد للمسؤلين في الحكومة التركية، واتهم أردوغان كولن بالوقوف وراء المشكلة للتأثير سلبا على حزب العدالة والتنمية التركي، ويوصف غولن من طرف وسائل الإعلام بالكيان الموازي حيث يترأس شبكة ضخمة غير رسمية من المدارس والمراكز البحثية والشركات والجامعات ووسائل الإعلام في خمس قارات.. وقد كان عند المغاربة نسخة أخرى من فتح الله غولن،”فعندما توفي القطب الإسلامي الكبير، الشيخ عبد السلام ياسين، مرشد جماعة العدل والإحسان، لم يعرف المغاربة باستثناء بعض أعضاء الجماعة أنه أقيمت في مختلف المدن التركية، في أنقرة وفي اسطنبول، عدة ندوات تدخل فيها أقطاب أتراك، وكأنهم فقدوا واحدا من رموزهم، ودون أن نفهم وكثيرا ما لا نفهم(..) إلى أن شاهدنا أخيرا.. مع بداية شهر مايو 2014، رئيس الحكومة التركية أردوغان الطيب(..) وهو يرغد ويزبد أمام كاميرات التلفزيون، قائلا: “أحضروه لي وهو يقصد، فتح الله غولن، الذي يحق وصفه بأنه واحد من تلامذة، الشيخ المغربي الراحل، عبد السلام ياسين(..).
بغض النظر عن علو كعب الشعب التركي، الذي كشفه هذا الانقلاب الليلي الذي دام 5 ساعات، انتهت بمجرد مكالمة لثواني معدودة من الرئيس لشعبه عبر “الفايس تايم”، فإن تعامل الأطراف المغربية مع محاولة الانقلاب كشف مدى الانقسام السياسي الذي يعيشه المغرب، وبينما حاول البعض صناعة أردوغان جديد في المغرب، خاصة الجناح الموالي لحزب العدالة والتنمية المغربي، الذي لا يملك من مقومات الحزب التركي إلا الاسم عن طريق قولهم: “إن من تدعمه الجوامع لن تهزمه المدافع”، رغم أنه لا علاقة للأمر بالمدافع المغربية، بالمقابل، عبرت عدة أطراف سياسية عن فرحتها العارمة بمحاولة الانقلاب قبل أن ينتهي إلى علمها أنه فشل، خاصة الأطراف السياسية التي تدور في فلك البام، وقد كتب صحفي مقرب من حزب العدالة والتنمية، مقالا تحت عنوان: “الأوفقيريون الجدد” تعليقا على الفرحة بالانقلاب قائلا: “إن ما تم التعبير عنه من فرحة طائشة من محاولة انقلاب كللت بالفشل في أقل من 12 ساعة، يجعلنا نتخوف من أولئك الأوفقيريين الجدد الذين عبروا صراحة عن استعدادهم للانقلاب ضد الشرعية والديمقراطية في أي لحظة، بل عبروا أيضا عن استعدادهم للتغطية وإضفاء الشرعية السياسية والإعلامية والحقوقية والمدنية عن أي عنف مادي قد يغتصب -لا قدر الله- إرادة الناخبين أو إحدى مؤسسات الدولة المختلفة، ولعل الجديد في فضيحتهم، هو خروجها للعلن وإلا فإنهم ما فتئوا يعبرون عن نفس النزعة المقيتة في جلسات خاصة، فهذه من نفع هذه الواقعة الانقلابية الضارة” (المصدر: محمد الغروس: موقع العمق).
بالمقابل، علق الكاتب، حميد الجماهري، المنتسب لحزب الاتحاد الاشتراكي الذي أصبح يدور في فلك البام، مقالا يعكس الصراع الكبير بين الأطراف السياسية في المغرب والذي وصل إلى حد الدعوة إلى “التصفية”: “اعتبر البعض أن الدرس الأول لتجاوز أردوغان لمحنة الانقلاب عليه، هو تصفية الانقلابيين المغاربة، الذين تم اكتشافهم على ضوء ذلك! وذلك باستعمال الأنصار المغاربة -الأتراك- ضدهم… والحق أن هذا ليس طموح الرئيس التركي، ولا برنامجه المعلن، في ما يخص المغاربة، وقد تكون له ولا شك مخططات لما بعد الانقلاب مع الأتراك. تفكير من قبيل تصفية الأعداء المغاربة، لا يوازيه، في نظر المقاربة التاريخية، سوى التفكير من منطق الدولة الإمبراطورية التي تواجه المنشقين عنها في أقاليم المغرب الأقصى”… هكذا إذن ظهر في المغرب بغض النظر عن الحصيلة، شبح أردوغان المساند للإسلاميين، بعد أن ظهر في تركيا شبح أوفقير(..).