أخطر من وجود دولة داخل الدولة.. مهازل الحكومة التي لا تحكم
إعداد: سعيد الريحاني
يقول عبد الإله بن كيران أنه “مجرد رئيس حكومة”، وعندما سألته وسائل الإعلام عن التفاصيل، قال: “الملك محمد السادس هو الذي يحكم المغرب بنص الدستور، وصلاحياتي محدودة”، وفي الجانب الآخر في صفوف المعارضة، يقول إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، نحن أيضا “معارضة جلالة الملك”، وعندما اجتمع حفيظ العلمي مؤخرا بممثلين عن أرباب مقاولات شركات البلاستيك المقبلة على إفلاس حتمي، بعد منع تصنيع الأكياس البلاستيكية، قال لهم: “أنا أنفذ تعليمات سيدنا”.. ليطرح السؤال عن مصير ذلك المبدإ الذي روج له على نطاق واسع بمناسبة التصويت على دستور 2011، وهو ربط المسؤولية بالمحاسبة، من سيحاسب من والحالة هاته.
الاختباء وراء الملك، لتمرير قرارات لا شعبية، كان السمة البارزة طيلة ولاية بن كيران، وبالنسبة لوزير مثل رشيد بلمختار، فإنه عضو في حكومة بن كيران، ولكنه لا يخضع لتوجيهات رئاسة الحكومة، بل إنه ليس مضطرا حتى للانتماء إلى حزب من الأحزاب، وقد سبق لبن كيران أن قال له في البرلمان: “أنا اللي دارني الملك رئيس الحكومة، ماشي انت”، (جلسة الأسئلة الشفوية، بمجلس المستشارين في بداية دجنبر 2015).
ما الذي يدفع بن كيران وهو رئيس حكومة، إلى مهاجمة وزير في حكومته، أمام الملإ، بسبب مذكرة لفرنسة المواد العلمية؟ الجواب: “الأسباب الحقيقية التي جعلت عبد الإله بن كيران يشن هجوما عنيفا على وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، هي أن رئيس الحكومة طالب، في المجلس الحكومي، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني بالتراجع عن مذكرته التي وجهها إلى مدراء الأكاديميات الجهوية، والتي يشير فيها بالشروع في تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية بداية من الموسم الدراسي الجاري.. وفي الوقت الذي نفى فيه رئيس الحكومة علمه بالمذكرة الداعية إلى بدء تدريس مادتي الرياضيات والعلوم الفيزيائية باللغة الفرنسية بداية من الدخول المدرسي، أكد مصدر الجريدة أن بن كيران أظهر غضبا شديدا من بلمختار في المجلس الحكومي، “لكن الوزير لم يبد استجابة لطلب بن كيران بعد أسبوعين من تعليماته، وهو ما جعله يقارعه أمام الملإ” (المصدر: هسبريس الخميس 03 دجنبر 2015 – 16:06).
ويفترض أن يكون التغيير في المناهج الدراسية مشروعا حكوميا، حتى تكون له شرعية، طالما أن الحكومة منتخبة من طرف الشعب، لكن في هذه الحالة، وطالما أن رئيس الحكومة لا علم له بالموضوع، فإن القرار صدر في مكان آخر، لذلك لا عجب أن نسمع بن كيران يقول: “نحن سننتصر في الانتخابات المقبلة، لأن هذه هي مصلحة البلد ومصلحة الدولة الرسمية التي يرأسها الملك محمد السادس، وماشي هذيك الدولة لي مكنعرفوش منين كتجي قراراتها وتعييناتها”، والمفهوم من كلامه أن هناك دولتين في المغرب، دولة رسمية ودولة غير رسمية، وهو ما يدعو للتساؤل عمّا فائدة الانتخابات أصلا إذا كانت هناك دولة داخل الدولة (انظر الأسبوع عدد: 30 يونيو 2016).
ويبقى النموذج الواضح لوجود “دولة داخل الدولة” أو “حكومة داخل الحكومة”، هو وزير التربية الوطنية رشيد بلمختار، هذا الأخير واصل مشواره خلال الفترة الأخيرة، بإصداره مذكرة، تقضي بحذف مادة التربية الإسلامية من المناهج الدراسية، ورغم خطورة الموضوع وإمكانية تحوله لشرارة للاحتجاجات الاجتماعية، إلا أن وزارة التربية الوطنية لم تكن في حاجة لأخذ رأي بن كيران وحكومته، وقد تساءلت نائبة برلمانية من حزب بن كيران، قائلة: “ما مشكلة بلمختار مع “التربية الإسلامية”؟ وزادت قائلة في تدوينة لها على حسابها بالفايسبوك: “هل يعاني -الوزير الفاشل- حسب وصفها، بلمختار من مشكل ما مع دين المغاربة الذي أقره الدستور؟..”.
وقد بلغ الموضوع ذروة الخطورة، عندما عمدت وزارة بلمختار إلى حذف سورة الفتح، التي تقول: “إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا، لِيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا” من المقرر الدراسي وتعويضها بسورة الحشر، التي تقول: “سَبَّحَ لله مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ”، ففضلا عن عدم وجود مبرر منطقي لهذا التغيير حسب ما أكده سعيد العريض، نائب رئيس جمعية أساتذة التربية الإسلامية، الذي شدد على أن استبدال “سورة الفتح” بـ”سورة الحشر” يبقى أمرا غير مفهوم وغير مبرر، حيث أن سورة الحشر لا تتماشى مع المداخل الخمسة التي اقترحتها الوزارة (التزكية، الاقتداء، الاستجابة، القسط والحكمة)، إلى جانب أنها “لا تناسب الزمن العمري ولا الزمن التعلمي للمتعلم في السنة الثالثة إعدادي” يقول لعريض، ذلك أنها “سورة تتحدث عن يوم الحشر والعرض وتتحدث عن الوعيد كما تتحدث عن غزوة بني النضير وهم اليهود الذين أجلاهم رسول الله عن المدينة المنورة”. (المصدر: موقع اليوم 24: 07/07/ 2016).
ولاشك أن بلمختار، الوزير المفرنس أكثر من زملائه، لا يعي خطورة ما يقدم عليه، في دولة يقول دستورها ما يلي: “الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية” (الفصل 3).. ويبقى أكبر دليل على خطورة مشاريع بلمختار، هو تسببه في خروج آلاف التلاميذ للاحتجاج في الشارع العام، بسبب تطبيق برنامج “مسار” في بداية سنة 2014 ، بالتزامن مع تداعيات “الخريف المدمر” الذي تشهدته بعض الدول العربية، وقد كتبت بعض القنوات الأجنبية التي توقعت بداية الثورة في المغرب ما يلي، على سبيل المثال: “وسط الحراك المتصاعد الذي يشهده المغرب على المستوى السياسي والاجتماعي، وفي ظل استمرار الهجمات الأمنية ضد الاحتجاجات المتوالية، انطلقت شرارة الغضب الطلابي مع مطلع الشهر لتستمر في موجة احتجاجية فجرها استغلال الحكومة بوضع برنامج “مسار” ضمن سياسات تعليمية فاسدة… وقد تظاهر مئات الطلاب المغاربة بعدة وقفات احتجاجية داخل المدارس وأمام وزارة التربية الوطنية والتعليم، حيث حاولت قوات الشرطة منع عدة مسيرات ومحاصرتها وتشتيتها، فيما شهدت عدة مظاهرات طلابية مساندة من جانب مناضلي أساتذة فرع مراكش، مرددين شعارات منها: “التلميذ يريد إسقاط المسار”، “الأستاذ يريد إسقاط المسار”، و”يا تلميذ ارتاح ارتاح سنواصل الكفاح”، و”ولادكم قريتوهم وولاد الشعب شردتوهم”.. (المصدر: الاتحاد الاشتراكي. الأحد 23 فبراير 2014 ).
هكذا كان يبدو المشهد بسبب بلمختار، شبيها ببداية ثورة، وقد تم اعتبار التلاميذ وجلهم قاصرين في وسائل الإعلام الأجنبية على أساس أنهم طلاب، لغاية في نفس يعقوب، لكن بلمختار قال بكل بساطة في تصريحات إعلامية: “إن الاحتجاجات التلاميذية التي رافقت تطبيق وإرساء هذا النظام المعلوماتي، تبقى في الواقع محدودة، وغير مفهومة، لأن ما قيل للتلاميذ، في ما يتصل بجوانب تطبيق البرنامج، غير صحيح إطلاقا”. ولاشك أن بلمختار الذي يختبئ وراء التعليمات الملكية قد غاب عنه أن المدة الفاصلة بين “سوء الفهم” والشرح هي المدة الكافية لحصول ثورة أو انقلاب اجتماعي(..).
قد يقول قائل، إن بلمختار طبق التوجيهات الملكية، فالملك محمد السادس هو الذي أمر بتعديل المناهج الدينية، وأن الأمر موثق في بلاغ للديوان الملكي، قال: “أن الملك أصدر تعليماته لوزيري التربية الوطنية والأوقاف والشؤون الإسلامية بضرورة مراجعة مناهج ومقررات تدريس التربية الدينية، سواء في التعليم العام أو الخاص أو في مؤسسات التعليم العتيق (التعليم الديني التقليدي) بهدف إعطاء أهمية أكبر للتربية على القيم الإسلامية السمحة، وفي صلبها المذهب السني المالكي الداعي إلى الوسطية والاعتدال، وإلى التسامح والتعايش مع مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية” حسب بيان الديوان الملكي الذي صدر بمناسبة تقديم الحكومة لرؤيتها في إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي للفترة الممتدة بين عامي 2015 و2030، لكن هل يجوز تفسير وتبسيط دعوة الملك إلى إصلاح المناهج الدينية إلى كونها دعوة لإلغاء “التربية الإسلامية” وحذف سورة الفتح؟ ألا يتضمن ذلك إساءة لإمارة المؤمنين؟ السؤال مطروح على بلمختار إلى حدود اليوم.
هل يعقل أن يقف الملك محمد السادس الذي يمثل منهجا دينيا، له أبعاد دولية(..) وراء هذه الدعوات السطحية، كيف يعقل أن يتم تفسير دعوات إمارة المؤمنين كحرب على المواد الإسلامية، بينما أمير المؤمنين نفسه، الملك محمد السادس هو الذي يقف وراء الدعوة إلى إعادة فتح المدارس العتيقة، وقد سجلت وسائل الإعلام دعوته إلى فتح خمس مدارس عتيقة ودار المؤقت، والمعالم التاريخية التي خضعت لأشغال الترميم والتجديد في إطار برنامج إعادة تأهيل مآثر المدينة القديمة لفاس، ليوضح وزير الأوقاف، التوفيق أن أمير المؤمنين، أصدر تعليماته بإعادة إيواء بعض طلبة الطور النهائي لجامعة القرويين بكل من المدرسة المحمدية، التي بنيت على يد الراحل محمد الخامس، والتي تشتمل على 25 غرفة وقاعتين للدرس، وبالمدارس العتيقة المشيدة في الفترة المرينية، وهي مدرسة الصفارين (25 غرفة وثلاث قاعات للدرس)، والمدرسة المصباحية (35 غرفة وقاعتان للدرس)، ومدرسة السبعيين (23 غرفة)، كما سيتم أيضا فتح مدرسة الصهريج (26 غرفة وقاعتان للدرس)، والتي ستخصص لطلبة شعبة الخط المغربي بجامعة القرويين، مشيرا إلى أن ما مجموعه 134 غرفة ستوضع بذلك رهن إشارة الطلبة..
هذه الإنجازات الدينية التي تعطي للملك محمد السادس مكانة مرموقة على المستوى الإفريقي، إلى درجة تسميته بـ”خليفة إفريقيا”، تصطدم بنشاط اللوبي المعادي لإمارة المؤمنين، وقد يغيب على كثير من الناس أن مهاجمة إمارة المؤمنين، وضربها بشكل مستتر هو ضرب “للنظام الملكي” نفسه، سواء تعلق الأمر بالحكومة الموجودة داخل الحكومة، أو باللوبيات، أو بنشاط دولة داخل الدولة، فالنتيجة واحدة.