توريط الهولدينغ الملكي في صفقة شراء الأزبال من إيطاليا
15 يوليو، 2016
0 6 دقائق
إهانة المغاربة وتعريض الوطن لعقوبات دولية
إعداد: سعيد الريحاني
بتاريخ 25 يونيو المنصرم، رست بميناء الجرف الأصفر بالجديدة، السفينة العملاقة “فلانطير سبريت”، محملة بحوالي 25 طنا من النفايات الإيطالية المضرة بالإنسان والبيئة.. ومثل أي بلد متخلف، فإن هذه الرحلة التي تنبع منها رائحة غير زكية بتاتا(..)، لم تكن الوحيدة المبرمجة، بل إن السفينة الإيطالية ضربت مع المغاربة موعدا آخر، في القريب العاجل، رغم أن البلاد عانت الويلات قبل الحصول على شرف استضافة المؤتمر العالمي حول المناخ في الفترة المرتقبة بين 7 و18 نونبر المقبل بمدينة مراكش، أكثر من 195 دولة، وكانت الدورة قاب أو أدنى من الإلغاء بسبب خلاف المغرب مع الاتحاد الأوروبي، ومشاكل في التمويل(..).
بغض النظر عن أهداف الجهة التي سربت الخبر، والغاية من ذلك(..) وبلغة “الطنز”، وبينما تجنبت إيطاليا، إحراق النفايات المذكورة فوق ترابها، احتراما لمواطنيها، وللمواثيق الدولية، وتجنبا للعقاب الأوروبي، قالت الوزيرة حكيمة الحيطي، التي تنتمي إلى حزب الفضائح الحكومية بدون منازع، الحركة الشعبية، “إن النفايات التي رخصت باستيرادها هي نفايات غير خطيرة تستعمل كمكمل أو كبديل للطاقة الأحفورية دوليا، في مصانع الإسمنت نظرا لما تتميز به من قوة حرارية مهمة”، وجاء في بيان أجج النار بدل إخمادها: “أن 2500 طن من النفايات المستوردة من إيطاليا عبارة عن نفايات مطاطية وبلاستيكية، وأن عملية الاستيراد تتم وفق القوانين المتعلقة بتدبير النفايات والتخلص منها، التي تمنع استيراد النفايات الخطرة وتسمح باستيراد النفايات غير الخطرة من أجل إعادة تدويرها أو تثمينها كطاقة مكملة أو بديلة ببعض المصانع”.
وتبقى قمة المفارقة، هي أن الوزيرة الحيطي التي تدافع عن “التلوث” في الوقت الذي يتجه فيه المغرب إلى إنتاج الطاقات النظيفة، لها مسار دراسي وعملي له علاقة وثيقة بالبيئة، فهي حاصلة على إجازة في البيولوجيا، والدكتوراه في علوم البيئة، ودكتوراه ثانية في هندسة البيئة.. وهي أيضا خبيرة لدى البنك الدولي مكلفة بالإشراف على مشاريع النفايات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.. فهل يندرج التبرير الذي قدمته الوزيرة في إطار خدمة الوطن أم خدمة البنك الدولي.
الحيطي قالت إن الصفقة مرت في إطار القانون، رغم أنه لا يوجد أي قانون في العالم، يجيز الإضرار بالبيئة والإنسان، بل إن الوزيرة التي تقول إنها تشتغل لمدة 22 ساعة في اليوم، حاولت توريط “الهولدينغ الملكي” الذي يمتلك 50 في المئة من شركة لافارج في الصفقة الملوثة للبيئة، عبر بيان رسمي موقع باسم الوزارة.. بقولها، إن “عملية استيراد وتثمين هذه النفايات غير الخطيرة في مصانع الإسمنت، تتم في إطار اتفاقية شراكة بين الوزارة المنتدبة المكلفة بالبيئة وجمعية مهنيي الإسمنت”.
وكانت عدة مصادر إعلامية قد أكدت أن النفايات الإيطالية، ستستقر في مصنع للإسمنت بمعمل بوسكورة قرب الدار البيضاء، أي معمل “لافارج”، بل أن موقعا آخر، ذكر المعمل الذي ينافسه على المستوى الوطني “هولسيم”، والذي أشارت التقارير الصحفية إلى اندماجهما معا، في إطار مخطط لغزو إفريقيا.. ليطرح السؤال عما إذا كان لتسريب أخبار النفايات الإيطالية علاقة بحسابات هذا الاندماج المرتقب.
وكانت التقارير الصحفية، قد أثارت بخلاف لغة الاطمئنان، التي تحدثت بها الحكومة الحالية الحالية، قد أشارت إلى أن إيطاليا عوقبت سنة 2014، من طرف محكمة العدل الأوروبية بسبب نفس النفايات، وهكذا “فقد سبق أن قضت نفس المحكمة على إيطاليا بدفع مبلغ مقطوع قدره 40 مليون أورو، بالإضافة إلى غرامة قدرها 42.8 مليون أورو عن كل ستة أشهر تتأخر فيه إيطاليا عن تنفيذ التدابير اللازمة للامتثال لحكم سابق صادر عن نفس المحكمة عام 2007. وبهذا القرار، وجدت محكمة العدل الأوروبية أن روما قد فشلت بصفة عامة في تنفيذ التزاماتها المتعلقة بإدارة النفايات المحددة في توجيهات 1975 الخاصة بالنفايات، واتفاقية عام 1991 بشأن النفايات الخطيرة، وتلك ذات الصلة بطمر النفايات الصادرة عام 1999”. (المصدر: موقع لكم).
إلى هنا يطرح سؤال: ألا يمكن لهذا العبث أن يؤدي إلى معاقبة المغرب، بسبب العبث بالبيئة، أو الإضرار بالمحطة المقبلة لـ “الكوب 22؟”.
وينبع التخوف من صفقات النفايات مع إيطاليا، من كونها الدولة التي اشتهرت بأكبر تنظيم مافيوزي، لتجارة النفايات المحرمة، وهو تنظيم “كامورا”، “وتعد الكامورا من الأخطبوطات الأشهر ضمن مافيا الاستثمارات الدولية في مختلف دول العالم، والتهريب والتزوير وتوزيع المخدرات وتصفية الخصوم والشركات والجهات المتعاونة، بحيث تعرف بشبكتها الواسعة ومواردها وعنفها… وبحسب مصادر إعلامية، ففي العشرين سنة الماضية، قامت المافيا النابوليتانية (نسبة إلى نابولي، وهي ثالث أكبر مدينة في إيطاليا بعد روما وميلانو) “كامورا” بالتعاقد مع أكثر من 440 شركة لدفن نحو 10 مليون طن من النفايات الصناعية، بطريقة غير شرعية، في منطقة نابولي وحدها، مما أدى إلى تسميم أراضيها الزراعية، أما عملية إحراق الملوثات في أماكن غير معدة لها، فقد أدى إلى انتشار غازات الديوكسين السامة، مع ما تسبب فيه من عواقب خطيرة على صحة الإنسان، وكتبت “جريدة روسيا اليوم” أن منطقة نابولي، تعرف أعلى نسب عيوب خلقية على مستوى إيطاليا، إلى جانب ارتفاع معدل الإصابة بالسرطان ثلاث مرات” (المصدر: عدة مواقع).
من الناحية القانونية (التي تتخللها عدة عيوب) يخضع استيراد النفايات لمقتضيات القانون المتعلق بالنفايات الخطيرة “28.00” المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها، ويتضمن ويهدف هذا القانون حسب المادة الأولى منه، إلى وقاية صحة الإنسان والوحيش والنبات والمياه والهواء والتربة والأنظمة البيئية والمواقع والمناظر الطبيعية والبيئة بصفة عامة من الأثار الضارة للنفايات وحمايتها منها، ولأجل هذا الغرض، يرمي هذا القانون إلى ما يلي:
– الوقاية من أضرار النفايات وتقليص إنتاجها، وتنظيم عمليات جمع النفايات ونقلها وتخزينها ومعالجتها والتخلص منها بطريقة عقلانية من الناحية الإيكولوجية.
– تثمين النفايات بإعادة استعمالها أو تدويرها أو بكل عملية أخرى لأجل الحصول من هذه النفايات على مواد قابلة للاستعمال من جديد أو على الطاقة.
– وضع نظام للمراقبة وزجر المخالفات المرتكبة في هذا المجال.
غير أن أحد أكبر عيوب هذا القانون هو صيغته الغامضة(..)، ففي الوقت الذي يمنع فيه استيراد النفايات الخطيرة، يقول بأنه لا يمكن عبور هذه النفايات التراب الوطني إلا بترخيص من طرف الإدارة، ثم يضيف يمكن استيراد النفايات غير الخطيرة بهدف تدويرها أو تثمينها شريطة أن تكون مدرجة في لائحة تحدد بنص تنظيمي.. ولعل السؤال المطروح هو ما علاقة الوزيرة الحيطي المكلفة بالبيئة، بصفقة النفايات الإيطالية، لكن الجواب منصوص عليه قانونا، وهي صاحبة “الموافقة البيئية”.
ويبقى غريبا هذا التزامن بين حرب الحكومة على “الأكياس البلاستيكية” في إطار عملية “زيرو ميكا”، وبين استيراد النفايات الإيطالية، ولكم أن تتصوروا نظرة العالم إلى هذه الدولة المقبلة على تنظيم مؤتمر للمناخ بينما يحتج سياسيوها على منع استعمال الأكياس البلاستيكية، وقد تناقلت عدة وسائل إعلام صورة إدريس لشكر، وهو يتزعم مبادرة لمعارضي منع استعمال الأكياس البلاستيكية في الوقت الراهن نظرا لأثاره الاجتماعية، وهاهي وسائل إعلام عالمية تسلط الضوء على النفايات الإيطالية المصدرة إلى المغرب، إذ “يبدو أن موجة الغضب سترتفع بالمغرب بعد تقرير مفزع بثته قناة “أورو نيوز”، الدولية كشفت من خلاله أن النفايات الإيطالية التي تشحن حاليا على دفعات نحو مدينة الجرف الأصفر المغربية كانت لها أثار كارثية على المياه الجوفية لعدد من المدن الإيطالية.. وأضاف التقرير أن حرق هذه النفايات يتسبب في السرطان، وكان حرقها قد تسبب في رفع عدد الوفيات في صفوف الإيطاليين بسبب سرطان الكبد والدماغ والدم والمثانة الناتج عن هذه النفايات (المصدر: موقع ألف ياء).
ورغم أن الموضوع خلق ضجة كبيرة على مستوى العالم الافتراضي، إلا أنه لم يأخذ أية أبعاد سياسية تذكر حتى الآن، باستثناء مبادرات محتشمة، فقد “وجه أحمد المهدي مزواري، عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، سؤالا شفويا آنيا إلى رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران، ساءله من خلاله عن تعامل الحكومة بوجهين متناقضين، الأول يحمل شعار “حماية البيئة ضد الأكياس البلاستيكية الوطنية”، والثاني “تخريب البيئة بواسطة السماح بجعل المغرب مقبرة للنفايات الأجنبية السامة”، و”استفسر مزواري رئيس الحكومة في سؤاله الذي وجهه أمس عن “الإجراءات والتدابير التي ستتخذها الحكومة في هذا الشأن من أجل الحد من هذه النفايات والكشف عن وجهها الحقيقي”، حيث ما تداولته وسائل إعلام دولية، إمعانا في الفضيحة.. وبخلاف زعماء أحزاب أخرى، قالت نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، في تصريحات وجدت صداها أيضا في مواقع إخبارية دولية: “أين نحن من حماية بيئتنا وترابنا ومائنا وهوائنا وصحة مواطنينا، أم أن المغربي لا يساوي شيئا لدى مسؤولين أخلوا بالأمانة؟”،وأضافت منيب: “أية صفقة جعلت المغرب يقبل التضحية بسلامته و سلامة مواطنيه؟ لأن أثار النفايات السامة وما تحمله من معادن ثقيلة ومواد سامة تهدد البيئة والسلامة البدنية والعقلية ويمكنها القضاء على أجيال (المصدر: السي. إن. إن عربية).
وتبقى أخطر أبعاد، موضوع استيراد النفايات الإيطالية، هو إمكانية تأثيره على تنظيم المغرب لـ “الكوب 22″، الذي يجمع زعماء العالم، وقد شكل ذلك غصة في حلق بان كيمون الأمين العام للأمم المتحدة، الذي استبق “الكوب 22” بتعيين 10 زعماء دول من مختلف القارات للسهر على ما يسميه أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالماء والبيئة.. والواقع أنه كان يجب انتظار تنظيم المؤتمر لإعلان ذلك، فضلا عن كون هذا التصرف قد يعرض المغرب لعقوبات دولية، إذا ما اتسعت رقعة الاحتجاج، التي يزيدها اشتعالا دخول منظمات دولية على الخط، وعلى سبيل المثال: “وجهت المنظمة الدولية للدفاع والنهوض بحقوق الإنسان، رسالة إلى رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران، حول استقبال المغرب لنفايات سامة قادمة من إيطاليا.. وطالبت من الحكومة الكشف عن الأسباب التي جعلت السلطات تستقبل نفايات سامة وما تحمله من معادن ثقيلة ومواد سامة تهدد البيئة وصحة الإنسان، كما طالبت الـ OIDH من الجهات المعنية، وبالخصوص الوزارة المكلفة بالبيئة، باتخاذ الإجراءات المستعجلة من أجل الإيقاف الفوري للاتفاقية ذات الصلة بهذه النفايات الأجنبية، وبالطرد الفوري للباخرة الإيطالية”.. وهذا مجرد نموذج بسيط لتفاعلات القضية دوليا.