انظروا لمفاجآت شهر ماي.. في شهر ماي من السنة الماضية، وفي نفس الفترة تقريبا (20 ماي)، أعلن عن وفاة الجنرال دوكور دارمي عبد العزيز بناني، بالمستشفى العسكري بالرباط، عن عمر يناهز 81 سنة، وهو الذي كان يشغل منصب المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة العسكرية الجنوبية منذ 2004، خلفا للجنرال عبد الحق القادري.. وكانت الصحافة قد تداولت في الفترة نفسها من السنة التي قبلها (شهر ماي 2014)، خبر التحضير لتعيين الجنرال دوكور دارمي بوشعيب عروب في منصب المفتش العام للقوات المسلحة الملكية.
هذه السنة أيضا، أبى شهر ماي أن يغادر دون أن يحمل خبرا جديدا عن أقوى الجنرالات بالمملكة، وهم جنرالات الحسن الثاني بكل تأكيد(..)، ويتعلق الأمر بالخبر المفاجئ الذي أعلنته جريدة “ليكونومست” المقربة من دوائر النفوذ(..) يوم 27 ماي 2016، تحدثت من خلاله عن حالة “استنفار”، بعد وفاة الجنرال عروب، EXCLUSIF – Alerte : Décès du général Arroub ، وقد كان هذا الخبر، أو الإشاعة، مجرد مقدمة لكتابة مئات المقالات التي تحدثت عن وفاة المفتش العام للقوات المسلحة الملكية، والرجل الثاني في الجيش بعد الملك (القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية رئيس أركان الحرب العامة)، وقد حدث كل ذلك، بينما يوجد الملك محمد السادس خارج البلاد.
وبينما كان يتوقع المتتبعون “إعلانا رسميا” عن وفاة الجنرال، أو نفي الخبر جملة وتفصيلا، شكلت هذه الأخبار مقدمة لتضارب في الروايات بين من قال، إن الجنرال عروب لازال يرقد في المستشفى العسكري بالرباط، قادما إليه من باريس، وبين من قال إن الجنرال فارق الحياة، الشيء الوحيد الذي أوقف تداعيات هذا الخبر، كان هو خروج أحد أبناء الجنرال عروب، واسمه رمسيس، وهو مدير شركة تابعة للهولدينغ الملكي(..)، هذا الأخير قال للمواقع الإلكترونية إن والده “حي يرزق”.
لم يظهر الجنرال، عروب، طيلة الأيام الأخيرة، لكن المنطق يفترض أن رجلا عاش أزمة صحية حادة، لابد وأن يخضع، لفترة نقاهة، قبل استئناف نشاطه(..)، المنطق أيضا يمكن أن يؤدي إلى افتراضات أخرى(..)، لكن غياب بيان رسمي في الموضوع، من جهة وزارة الدفاع، أو من جهة الجيش، كان أبرز ملاحظة يمكن تسجيلها، علما أن الجريدة التي نشرت الخبر في موقعها، سحبته دون، اعتذار، ليسجل هذا التعامل الاستثنائي مع هذه الجريدة (l’Economiste)، علما أن المفتشية العامة للقوات المسلحة الملكية استدعت في وقت سابق، رئيس تحرير الجريدة العريقة العلم، على خلفية نشر خبر يتعلق بمباراة الطب العسكري، وقد كتبت المواقع إن البقالي تعرض للتوبيخ (يوليوز 2015)، بينما في هذه الحالة ورغم خطورة تداعيات الأخبار المنشورة، والمتعلقة بالجنرال عروب، لم نسمع عن أي توبيخ أو استدعاء، ولم يصدر حتى “بيان ينفي”، مما فتح الباب على مصراعيه أمام التأويل(..)، أو على الأقل لطرح سؤال من له المصلحة في ترويج أخبار عن الجيش في غياب قائد الجيش؟
بغض النظر عن صحة الخبر، فإن الحديث عن وفاة الجنرال عروب، وهذه سنة الحياة، فإن السؤال الذي غدا مطروحا، طيلة نهاية الأسبوع المنصرم، ليلة السبت والأحد، هو: من هو الجنرال الذي يمكنه أن يخلف الجنرال عروب في حالة وفاته، على رأس المفتشية العامة للقوات المسلحة الملكية؟ من هو الجنرال الذي يمكنه أن يملأ الفراغ الذي سيتركه عروب في المستقبل؟ علما أن الرجل يعد واحدا من خبراء التوثيق العسكري، ويتمتع بخبرة كبيرة في مجال الاستخبارات العسكرية، اكتسبها من خلال التنسيق بين مهمته على رأس المكتب الثالث والخامس، والمديرية العامة للدراسات وحفظ المستندات (لادجيد)، وهي المديرية التي يوجد على رأسها مدير مدني هو ياسين المنصوري، رغم نشأتها العسكرية(..).
يعتقد مصدر “الأسبوع”، وهو عسكري ومحارب قديم، أن الجنرال حسني بنسليمان، قائد الدرك الملكي، هو الأقرب لخلافة الجنرال عروب، الرجل المناسب في المكان المناسب حسب قوله، لماذا؟ لأن الجنرال حسني بنسليمان، هو الجنرال الوحيد بعد عروب الذي يتوفر على درجة “جنرال دوكور دارمي” (قائد فيلق الجيش)، وهي الدرجة التي يتمنى الوصول إليها كل عسكري، ومن علاماتها البارزة حصول صاحبها على أربع نجمات(..)، وهي أعلى درجة من جنرال دو ديفزيون (قائد تجمعات الجيش، ثلاث نجمات)، وجنرال دو بريكاد (قائد فيلق، 2 نجمات).
ويعد الجنرال حسني بنسليمان، واحدا من أقوى جنرالات الحسن الثاني، بل إنه واحد من أربع جنرالات، يملكون مفاتيح مرحلة كاملة من تاريخ المغرب، فعندما توفي الملك الراحل، كان هناك فقط أربع جنرالات من فئة أربعة نجوم (نسبة إلى نظام الترقية)، وهم الجنرال عبد الحق القادري، والجنرال حسني بنسليمان، والجنرال عبد العزيز بناني، والجنرال عروب.. ولازالت الصحف رغم التكتم الذي يحيط المعلومات العسكرية، تنشر بين الفينة الأخرى أخبار أنشطة الجنرال بنسليمان، حيث تؤكد بعض المصادر الإعلامية أنه فتح مؤخرا ورش إعادة هيكلة الدرك الملكي، سواء فيما يتعلق بإعادة النظر في النظام الأساسي لرجال الدرك برمته، حيث أن، “هناك مقترحات أخرى تشير أول مرة إلى تقليص عدد المناصب المخصصة لرتب الجنرالات، أو إضافة فرق دركية جديدة خاصة، تتوفر على كفاءات عالية سيجري الإعلان عنها، ويتعلق الأمر بفرق “الضفادع البشرية” الخاصة بسلاح البحر، إضافة إلى فرق جوية تلقت تدريبات داخل وخارج أرض الوطن، وتعزيز فرق الأمن والتدخل التي تكون عادة مزودة بطائرات الاستطلاع التابعة للدرك الملكي المتخصصة في رصد زوارق التهريب بمدن الشمال”.. (المصدر: عدة مواقع).
في حالة الجنرالات، يمكن لقائد الأركان العامة، أن يستدعي جنرالا متقاعدا ويضعه على رأس الجيش، لكن الأمر لن يكون كذلك بالنسبة للجنرال المتقاعد عبد الحق القادري، الذي أحيل على التقاعد سنة 2004 بعد مسار حافل، جعله يصنف ضمن خانة رجل المعلومات الأول، كيف لا، وهو الذي كان يوجد على رأس المخابرات الخارجية، وكانت بعض الأخبار المسربة قد أكدت أن الجنرال القادري في عهده كان يرفض المرور عبر الديوان الملكي في طريقه للملك(..)، ويرجح أن له مكانة خاصة في العهد الجديد، يؤكدها حصوله على الحمالة الكبرى لوسام العرش، من طرف الملك محمد السادس.
بالمنطق الحسابي العسكري، فالجنرال حسني بنسليمان، يمكنه أن يقود الجيش في حالة غياب الجنرال عروب، باعتباره الأعلى درجة بين أقرانه، لكن الحديث عن مرض الجنرال عروب، وتداول إشاعة وفاته على نطاق واسع، ساهم بدور كبير في تداول عدة أسماء مرشحة لقيادة الجيش، بسبب نشاطها الكبير، ولاشك أن الجيش المغربي أكثر نشاطا من غيره من الجيوش المغاربية، حيث أنه شارك ميدانيا في الحرب إلى جانب السعودية في “عاصفة الحزم”، وفقد طائرة عسكرية في هذه الحرب، التي تمثل عنوانا لتحالف عسكري للدفاع المشترك، ووجود الجيش المغربي إلى جانب جيش السعودية ومصر والأردن والسودان.. يعني عمليا أن هذه الجيوش قد ترد الجميل للمغرب في أي وقت، للدفاع المشترك، في مواجهة أي عدو محتمل بواسطة الحرب، ومن تم، فإن الأصوات الشاردة(..) التي تهاجم تقارب المغرب مع دول الخليج، تغفل الجانب العسكري في الموضوع، ويمكن العودة إلى قمة الخليج لمعرفة الدور الذي يمكن أن تلعبه الجيوش الأخرى في سبيل مساندة القضية الوطنية الأولى، بالطائرات والمدرعات ووحدات التدخل، وليس بالكلام عبر الفيسبوك(..).
ارتباطا بالحديث عن “القوة العربية المشتركة”، فإني أجد أبرز الأسماء المرشحة لخلافة الجنرال عروب، هو رئيس الاستخبارات العسكرية، الجنرال محمد الرودابي، هذا الأخير سجل عليه نشاطه الكبير مؤخرا في اجتماعات رؤساء أركان الجيوش العربية، ومساهمته في التحضير لتشكيل جيوش “عاصفة الحزم” التي تروم إعادة الشرعية لدولة اليمن، وقد سجل عليه المتتبعون انتقاله بين عدة دول حول هذا الموضوع، مما يرجح فرضية الثقة التي يحضى بها، وقد يكون تعيينه على رأس الجيش تكريسا لتقليد تعيين رجال المخابرات العسكرية على رأس الجيش.
هناك أيضا من أثار اسم اللواء الأول للمشاة المظليين الجنرال دو ديفزيون، بنعاشر سور الله، وهو الجنرال صاحب النفوذ القوي بمنطقة زعير، غير أن كفته ليست راجحة بالنسبة لمصادر “الأسبوع” مقارنة مع جنرالات آخرين أمثال الجنرال دو ديفزيون الحسين بنميمون، هذا الأخير يعد واحدا من الجنرالات الذين ساهموا أيضا في اجتماعات تشكيل القوة العربية المشتركة لحماية الأمن القومي العربي، تنفيذا لتوصيات شرم الشيخ..
لا تقف لائحة الجنرالات الذين تم تداول أسمائهم لخلافة الجنرال عروب عند هذا الحد، بل إن اللائحة التي خرجت إلى العلن عبر تكهنات صحفية(..)، تتحدث أيضا عن احتمال تعيين الجنرال دو ديفزيون محمد العربي التامدي مكان عروب، رغم أن هذا الأخير كتبت عنه الصحافة، أنه أحيل على المعاش: “في بحر هذا الأسبوع، وقع القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية، الملك محمد السادس على لائحة تضم حوالي 20 قرار، إحالة على التقاعد في حق مجموعة من الجنرالات دو ديفيزيون ودوبريكاد وكولينيلات من بينهم عشر جنرالات بين جنرال دوبريكاد وجنزال دوديفزيون، الجنرال التامدي، مسؤول المكتب الرابع في القيادة العليا للقوات المسلحة الملكية، والجنرال بلمقدم، إضافة لعدد من الجنرالات دوبريكاد أبرزهم المداح وعلولة، والجنرال عبروق، مسؤول عن صحة القوات المسلحة”. (المصدر: موقع كود: 9 أكتوبر 2013)، غير أن ما قلل من شأن هذه الأخبار، هو ظهور التامدي في أنشطة أخرى بعد ذلك(..).
وكانت بعض التقارير، قد أثارت أيضا أسماء بعض الجنرالات، الذين يمكن ترقيتهم لمنصب قائد الجيش، أمثال الجنرال أحمد بنياس، والجنرال عبد الله معافي، غير أن مصدر “الأسبوع”، يثير بقوة اسم الجنرال “ميمون المنصوري”، وهو الجنرال الذي طرح اسمه في الصحافة، ومن المرجح أن ذلك أثار له بعض المتاعب(..)، بسبب النشاط السياسي لأخيه مصطفى المنصوري، الرئيس السابق لمجلس النواب، والرئيس السابق لحزب التجمع الوطني للأحرار، غير أن التزامه بالضوابط العسكرية جعله بعيدا عن مرمى السياسيين، في موقعه كقائد للحرس الملكي، وهو الذي رشحته التقارير الصحفية لقيادة الجيش خلفا لعروب، بينما يرشحه مصدر “الأسبوع” لقيادة الدرك الملكي خلفا للجنرال حسني بنسليمان الذي سيتولى قيادة الجيش.. ويبقى الحديث عن الجيش مجرد احتمالات، في ظل غياب المعلومات الرسمية، بل إن أحد مصادر “الأسبوع”، وهو عسكري برتبة عالية من جيل الحسن الثاني، قال: “يستحسن أن لا تكتب الصحافة شيئا عن موضوع الجيش”.