تحليلات أسبوعية

كيف تحول حزب العدالة والتنمية إلى حزب أمريكي في المغرب

المغرب ينتفض ضد أوباما الذي يفضل عبد الإله بن كيران

إعداد: سعيد الريحاني                                       

   سواء تعلق الأمر بالولايات المتحدة الأمريكية، أو بالمغرب، فإن كلتا الحكومتين توجدان تحت ضغط الحسابات الانتخابية، الاستعداد للانتخابات الرئاسية عندهم، والاستعداد للانتخابات التشريعية عندنا، وقد يكون من حسن الحظ أو من سوئه، أن اصطدام الحكومتين بشكل مباشر، لم يظهر بوضوح إلا في نهاية عمرهما معا (بضعة أشهر)، ولاشك أن المتتبعين يلاحظون هذا الخط التصاعدي للمواقف المغربية، إزاء رفض “التدخل الأجنبي في شؤونه الداخلية”، وقد كان البلاغ الصادر عن وزارة الداخلية المغربية، خلال بداية هذا الأسبوع، عنوانا لهذا الرفض.

   ففي عز الانتشاء، بانفتاح المغرب على تحالفات دولية جديدة، مثل روسيا والصين، أطلت وزارة الخارجية الأمريكية على المغاربة بتقرير أسود حول وضعية حقوق الإنسان، ليس الأول من نوعه، تقول فيه، “إن العديد من الخروقات الحقوقية لا زالت تسجل في المغرب من قبيل تفشي الفساد في القضاء، والتضييق على الحريات الفردية وانتهاك الخصوصيات، وتجاهل القوانين المنصوص عليها في الدستور”، وأشار ذات المصدر، إلى “أنه على الرغم من كون دستور 2011 يحظر الاعتقال والاحتجاز التعسفي، إلا أن فريق العمل المعني بالاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري التابع للأمم المتحدة، سجل أن الشرطة المغربية لم تحترم النصوص القانونية، إذ تلجأ في أحايين كثيرة إلى اعتقال الأشخاص دون صدور أوامر عن النيابة العامة، وأضاف نفس التقرير أن تنصيص الدستور على استقلالية القضاء لم يكن كافيا، وأن الأحكام الصادرة لا تكون مستقلة بعض المرات..” (المصدر: موقع كشك).

   لم تكتف وزارة الخارجية الأمريكية، بانتقاد الوضع الحقوقي في المغرب، بل إن وزير الخارجية جون كيري، الذي أثبتت الأيام تلاعبه(..)، رغم وعوده للملك محمد السادس، آخرها المكالمة التي جرت بتاريخ 23 مارس الماضي، والتي أكد من خلال الموقف الثابت لأمريكا، بينما كان الأمريكيون يحضرون ضربة حقوقية كبرى للمغرب، في كواليس الكنغرس الأمريكي(..)، (لم يكتف)، بل إنه عقد ندوة صحفية تفوه فيها بكلام خطير تضمنه تقريره، حيث قال: “إن انتهاكات عديدة طالت مجال حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، والحريات المدنية، وحرية التدين وحقوق الأمازيغ.. وانتقد التقرير التمييز الممارس ضد الأمازيغ، حيث أكد أن غالبية المناطق الأمازيغية تعيش فقرا مدقعا، وأن المغرب لا يعامل اللغة الأمازيغية بالمساواة مع اللغة العربية، إلى جانب عدم تفعيل رسمية الأمازيغية واستمرار الحكومة في إقصاء الأمازيغية في التعليم والإعلام” (المصدر: جريدة العالم الأمازيغي 15 أبريل 2016).

   والواقع أن كلاما من هذا النوع، لا يمكن أن يصنف إلا ضمن دعوة علنية للأمازيغ من أجل التمرد ضد النظام(..)، وهذا ما يفسر حالة الاستنفار التي أعلنتها الأجهزة المغربية، حيث انتقل كل من وزير الداخلية محمد حصاد، والوزير المنتدب في الداخلية، الشرقي اضريس، وعبد اللطيف الحموشي، المدير العام للأمن الوطني، مدير “الديستي”، إلى مقر السفارة الأمريكية، لتبليغ السفير الأمريكي، غضب المغرب من تقرير جون كيري، ولم يكن ذلك، سوى تأكيدا لمضامين أقوى بلاغ، أصدرته وزارة الداخلية المغربية في تاريخها ضد الولايات المتحدة الأمريكية.

   يقول بلاغ وزارة الداخلية، الذي صدر يوم 17 ماي، أي أن صدوره تأخر لما يزيد عن ثلاثة أسابيع، مما يؤكد تأني الجانب المغربي قبل اتخاذ هذه الخطوة، بأن التقرير الأخير للخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان بالمغرب، افترائي بشكل حقيقي، وبأنه انتقل من تقريب المعلومة إلى اختلاقها جملة وتفصيلا، ومن التقييم المغلوط إلى الكذب الموصوف.

   بلاغ وزارة الداخلية المغربية، الذي غلبت عليه النبرة السياسية الهجومية، أمعن في انتقاد وزارة الخارجية الأمريكية، وانتقد أصحابه، “الإسقاطات التي جاءت مبالغا فيها بناء على حالات معزولة”، وانتقد ما سماه اختلاق الوقائع وفبركة حالات بالكامل، و”إثارة مزاعم مغلوطة تحركها دوافع سياسية غامضة”.

   عادل بنحمزة، البرلماني عن حزب الاستقلال كان أول من بادر إلى انتقاد بلاغ وزارة الداخلية المغربية، بدعوى أنه مكتوب بلغة متشنجة(..)، ولا شك أن ما يقلل من كلام بنحمزة، هو الصراع المسجل هذه الأيام بين حزب الاستقلال الذي ينتمي إليه وبين وزارة الداخلية، ولكنه مع ذلك، كان واضحا في تأكيد بعض التوجسات المغربية من أمريكا، عبر صفحته الفيسبوكية من خلال قوله، بأن “الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن نجحت في تفتيت المشرق بتوظيف الدين والمذهب، فإنها تسعى في المغرب والجزائر أيضا، إلى الرهان على التعددية اللغوية والمشاكل المرتبطة بالوحدة الترابية”، وبأنها “تعي جيدا حجم الاحتباس الديمقراطي الذي يعرفه المغرب، والتفاوتات الاقتصادية والاجتماعية بين فئاته ومجالاته الترابية، وستسعى بكل تأكيد إلى استثمارها لخلق حالة من عدم الاستقرار”.

   أفضل جواب بالنسبة لبنحمزة على تقرير الخارجية الأمريكية هو: “تعزيز وضعية حقوق الإنسان، وتحصين التجربة الديمقراطية ونهج سياسات عمومية تصحح الفوارق الاقتصادية والاجتماعية”.. لكن أين هي باقي الأحزاب السياسية، أين هو رئيس الحكومة؟ أي منطق هذا الذي يجعل بن كيران يتخذ موقفا محايدا إزاء تقرير أمريكي مسيء للبلاد، ولماذا لم يتحد أي عنصر من حزب العدالة والتنمية ضد أمريكا، أليس حزب العدالة والتنمية هو من يقود التجربة الحكومية، ألا ينتمي الناطق الرسمي للحكومة إلى حزب العدالة والتنمية؟

   إن عدم تحرك حزب العدالة والتنمية، يعطي قيمة للاتهامات الموجهة لهذا الحزب بشكل علني بـ “العمالة” لأمريكا، إذ يقول الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، إدريس لشكر، وبشكل صريح، إن حزب بن كيران، قام بـ “التآمر مع الولايات المتحدة الأمريكية ضد مصالح المغرب ومسار انتقاله الديمقراطي”، وكذا، “ضد وحدته الترابية”.

   أليست هذه فضيحة سياسية تستدع التحقيق، ولماذا سكت حزب العدالة والتنمية على اتهام بهذه الخطورة، أليس هذا اتهاما مباشرا ب”الخيانة العظمى”؟

   هذا الكلام لم يقله لشكر في لقاء سري، أو في نادٍ سياسي داخلي، بل قاله أمام الجماهير في سلا، بل إنه فجر قنبلة من العيار الثقيل، عندما شكك في نزاهة الانتخابات التشريعية لـ 2011 والجماعية لـ 2015، مؤكدا أن الإدارة الأمريكية تدخلت في نتائجهما، معتبرا إياها “التمساح والعفريت الأكبر الذي يغير نتائج الانتخابات المغربية، ويساهم في تزويرها” (المصدر: جريدة الصباح عدد: 27 أبريل 2016).

   لم يتحرك حزب العدالة والتنمية، إلى حدود اليوم للرد على الاتهامات الموجهة إليه، خاصة وأن لشكر قال، إن كلامه يهدف إلى “مصارحة المؤسسة الملكية وتقديم النصح لها”، وهو ليس الاتهام الوحيد الموجه لهذا الحزب، بل إن بعض الحقوقيين يوجهون نفس الاتهام لهذا الحزب، إذ قال مصطفى المانوزي، رئيس المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، إن “وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في المغرب، تم بموجب صفقة غربية بين الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، كخطوة من شأنها عدم المساس أو مساءلة كل من له علاقة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان” (المصدر: هسبريس 14 ماي 2016).

   لم يتحرك حزب العدالة والتنمية لدفع الاتهامات الموجهة إليه، ولكن البحث في سيرة القياديين في هذا الحزب، يؤكد فعلا أنهم على علاقة تواصل دائمة مع أمريكا، تؤكدها زياراتهم المتكررة لها، بل إن سعد الدين العثماني، المعفي من منصب وزير الخارجية، والساقط في السباق نحو منصب الأمانة العامة(..) قال بنفسه: “أن التواصل بين حزب العدالة والتنمية والإدارة الأمريكية قائم، على الرغم من أنه ليس ثابتا.. وأضاف العثماني أن، “علاقاتنا بمؤسسات الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية قائمة ولم تنقطع، ونحن نعرف أن للإدارة الأمريكية مستويات متعددة، ونقيم علاقات حوار جدية مع العديد من هذه المؤسسات”. (المصدر: موقع التحرير بريس 8 ماي 2016).

   ما معنى أن يقول حزب أنه يتواصل مع دولة أجنبية؟ ألا يخضع التواصل بين الدول لقواعد دبلوماسية، تفترض التواصل مؤسساتيا؟ علما أن الأحزاب ليست مؤسسات(..)، وطالما أن هناك تواصلا دائما بين العدالة والتنمية والإدارة الأمريكية، لماذا لا نقرأ شيئا عن أهداف هذا التواصل، ومواضيعه في وسائل الإعلام، ولماذا يحاط هذا التواصل بسرية تامة؟.

   يمكن القول، إن حزب العدالة والتنمية يخضع لمعاملة خاصة من طرف أمريكا، وأكبر دليل على ذلك، هو طريقة استقبال الرئيس أوباما لرئيس الحزب عبد الإله بن كيران في البيت الأبيض، في غشت سنة 2014، إذ لم يكتف أوباما باستقبال بن كيران، بل إنه فصل استقبالا خاصا جمع فيه بن كيران وزوجته، على هامش القمة الإفريقية الأمريكية، وكان بن كيران هو “الإسلامي” الوحيد المشارك في القمة الأمريكية ـ الإفريقية الأولى، بسبب حركات الانقلاب على الربيع العربي التي أزاحت كل الحكومات التي جاء بها الربيع، والتي ترأسها الإسلاميون ما عدا المغرب، حسب ما كتبته الصحافة الدولية.

   وكان واضحا، أن الأمريكيين قد خرقوا برتوكولهم الخاص، لأول مرة، إرضاءً لبن كيران، حيث وقفت زوجة بن كيران، نبيلة، التي لا تساوي شيئا في النظام السياسي المغربي(..)، بين زوجة أوباما، وزوجها عبد الإله في الصورة التي نشرتها وكالات الأنباء العالمية، بينما يقضي البروتوكول الأمريكي، بأن تقف زوجات الضيوف إلى جانب الرئيس أوباما(..).

   زيارة بن كيران لأمريكا رسميا كانت في سنة 2014، وكان من المنتظر أن تتبعها زيارة مماثلة من أوباما للمغرب، لكنه أخلف وعده، ولعله من غرائب الأمور أن تسوء العلاقات المغربية الأمريكية، إلى هذا الحد، بينما انتخب المغاربة رجلا مفضلا عند أمريكا(..)، ولعل بن كيران يستشعر اليوم خطرا ما محدقا به، يكفي أن نسمعه يقول، على مسامع الحاضرين في لقاء جماهيري (9 أبريل): “غادي نقول ليكم واحد الحاجة، وخّا غادي تجيكم قاسحة ولكن هاذي هي الحقيقة، أنا مرة قلت لسيدنا، شوف أسيدنا وخّا تديني للسجن أنا معاك”.

   لماذا يتصور بن كيران أنه سيدخل السجن؟ ألا يفترض الدخول إلى السجن ارتكاب جريمة أولا، وربما نسي رئيس الحكومة أن دخول السجن لا يكون بناء على رغبة الملك، بل بناء على جريمة ترتكب في حق الأشخاص أو في حق الوطن(..)، وربما يعتقد بن كيران أنه سيلقى نفس مصير الرئيس المصري المخلوع، محمد مرسي العياط، والكل يعرف أن الخطأ الكبير الذي ارتكبه العياط، هو الانسياق وراء أمريكا، فوجهوا له تهمة التخابر معها(..) وكانت تلك نهايته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى