تحليلات أسبوعية
هل تتحول جماعة العدل والإحسان إلى حركة انفصالية
بعد الانقلاب على الشيخ ياسين.. والتقارب مع حزب النهج والدعوة للخلافة
إعداد: سعيد الريحاني
كان الجو باردا في مدينة تمارة القريبة من الرباط ذلك اليوم، والحق يقال، فإن تحركات هذا القيادي في جماعة العدل والإحسان، تحظى بتتبع مريب، من لدن المارة، أو الذين اختاروا الجلوس بالقرب منه في مقهى فسيح(..)، وقد طرح عليه الجالس معه، سؤالا واضحا، هل تدعون لإسقاط النظام، فتوقف فجأة ليقول: اسمع، نحن لا نقول هذا، ولكننا لا نعترض، إذا فهم الناس ذلك من خطابنا(..).
مرت سنتان وقد تحسنت الوضعية التنظيمية لهذا القيادي، ويبدو أن “إسقاط” ندية ياسين بعد وفاة والدها، المرشد الروحي عبد السلام ياسين، صاحب رسالة “الإسلام أو الطوفان”، هو الذي مهد لصعود الجناح الراديكالي داخل الجماعة، فبخلاف ما يعتقده الكثيرون، فسكوت ندية ياسين عن الكلام الذي أصبح متاحا أكثر من أي وقت مضى ليس مرتبطا، بالضغوط المخزنية وحدها، بل بالضربات الموجعة التي تلقتها داخل الجماعة(..)، وسبق لـ “الأسبوع” أن نشرت صرخة مقرب من هذه المرأة يقول فيها، “.. وظلم ذوي القربى أشد مضاضة..”. (انظر الأسبوع عدد2 أبريل 2015 تحت عنوان: مقرب من ابنة الشيخ يصرح: “.. وظلم ذوي القربى أشد مضاضة..” من يهدد ندية ياسين ويدفعها للسكوت داخل جماعة العدل والإحسان).
وكانت بعض المواقع قد أكدت، أن ندية لم تتجاوز عتبة الباب عند وفاة والدها الشيخ ياسين، ولم ترافقه لمقبرة الشهداء حيث دفن، ولكنها رافقت والدتها إلى متواها الأخير، بل شوهدت وهي تحتج على السلطات الأمنية التي رفضت دفن الفقيرة، إلى جانب زوجها الراحل، الأمر الذي يرجح، وجود شروط صارمة للحد من تحركاتها، بالتزامن مع وفاة والدتها، ولا يوجد تفسير منطقي لعدم خروج ندية من بيتها لمرافقة والدها الشيخ ياسين إلى متواه الأخير، وخروجها لمرافقة والدتها(..).
وربما لا يعلم كثير من الناس، أن خلافا كبيرا تشهده جماعة الشيخ ياسين داخليا، بين من يدعو لتأسيس حزب يؤمن بدولة مدنية، وبين من يفضل ممارسة السياسة من خارج المؤسسات(..)، وغالبا ما كانت تطرح الصحافة أسئلة محرجة على قياديين في الجماعة حول أسباب إقصاء ندية ياسين، لا سيما على فتح الله أرسلان، وهو أحد المتهمين بإبعادها(..)، فكان يقول: “بأن لها أسباب خاصة”، ولعل المتتبعين يتساءلون عن هذه الأسباب الخاصة التي تدفع ابنة المرشد الروحي للجماعة بالتغيب حتى على دورات مجلس الشورى، وحده أرسلان يقول، بأن الجماعة، ليست على خلاف بين أعضائها، “خاصة فيما يتعلق بتأسيس حزب سياسي يؤمن بشعار الدولة المدنية..”، ورغم أن أرسلان يقول: “إننا مع إنشاء حزب سياسي في اللحظة التي تتوفر فيها الشروط الديمقراطية والتنافس الشريف، تصبح فيها حسب المتحدث، مسألة إنشاء حزب حق، وليس أعطية يمنحها النظام لمن يشاء حسب الشروط التي يفرضها هو، وليس حسب الشروط التي يفرضها القانون”، فإنه محسوب على التيار الذي لا يرى أي جدوى للعمل السياسي، وهو الوحيد الذي لم يخف طموحه لقيادة الجماعة بعد وفاة مرشدها، لولا أن الجماعة اختارت تعيين العبادي أمينا عاما، وهو بالمناسبة ليس مرشدا روحيا، وهو ما يقلل من قيمة دعوته الأخيرة إلى دولة الخلافة(..).
يمكن القول إن العبادي، عند انتخابه كان يوجد في منطقة وسطى بين أتباع ندية ياسين، وأنصار المنهج القديم(..)، ولكنه خرج مؤخرا ليرفع السقف حتى على نائبه فتح الله أرسلان من خلال قوله، بأن: “الخلافة آتية لا محالة”، وحتى عندما تعرض للانتقاذات، وصف خصومه بالمغرضين(..)، وهي ردة فعل لم تكن لتسجل في تاريخ عبد السلام ياسين، ولكنه الفرق بين المرشد الروحي والأمين العام، وهي صفة سياسية(..).
في 2016، وفي عز الحرب على داعش، يختار العبادي الخروج للدعوة إلى الخلافة، دون تسمية، في بلاد يوجد بها أمير المؤمنين، أليس هذا اقترابا من داعش وتغيرا رهيبا في خطاب الجماعة؟ ألا يقولون إن زعيم داعش أيضا خليفة؟ قد تكون ردة فعل على التهميش، وعلى فشل الحوار مع الدولة، ولكن الدعوة للخلافة لن تساهم إلا في عزلة الجماعة، ويكفي أن نقرأ بعض ردود الفعل ضد العبادي(..).
يقول الباحث سعيد الكحل: “تصريحات السيد عبادي تتطلب التعامل معها بالجدية المطلوبة لتُفهم كعقائد وليس تأويلات، ومن ذلك قوله، إن المذاهب الأربعة أجمعت على وجوب إقامة الخلافة كي تضم شتات المسلمين، وأن هذا الإجماع ثبت عند الصحابة، والذين أجمعوا على أنه لا يجوز للمسلمين البقاء بلا خلافة فوق ثلاثة أيام، وأنه إذا بقي هناك مخالف، فاضربوا عنقه كيفما كان.. مكمن الخطورة إذن، في أمرين اثنين:
1ـ الإقرار بوجوب إقامة دولة الخلافة.
2 ـ اعتماد ضرب الأعناق كوسيلة لإجبار الناس على الطاعة والخضوع”.
قد يقلل بعضهم من شهادة سعيد الكحل، ضد جماعة العدل والإحسان بوصفه محسوبا على تيار سياسي، ولكن القلق من انحراف الجماعة، سؤال طرح حتى في الخارج، يكفي أن تسمع في بداية ربورتاج مبثوت على قناة فرنسية: “أن تصريحات الأمين العام لجماعة العدل والإحسان محمد العبادي، أثارت، تخوفات من وقوع تحول في مسار الجماعة نحو العنف، والتي بقيت تعلن باستمرار رفضها له..”. (المصدر: قناة فرانس 24).
ملامح انحراف الجماعة، التي كانت تصف داعش بالعبث(..)، أو التصعيد الذي لا سقف له، ظهرت مؤخرا بشكل جلي من خلال تقارب جماعة العدل والإحسان وحزب النهج، وهو إحياء للتقارب العملي الذي ظهر بشكل جلي إبان الحراك الاجتماعي الذي انطلق سنة 2011، وهذا عمر أحرشان، عضو الدائرة السياسية، يقول إن، ”الأمن ونعمة الاستقرار التي يتنعم بها المغرب، مقارنة ببعض الدول العربية، صنعه المناضلون بمختلف الأطياف السياسية، بما فيها النهج الديمقراطي وجماعة العدل والإحسان، وليس النظام السياسي”.
هكذا إذن يعتقد أحرشان، بأن السلم الاجتماعي يصنعه حزب النهج، وحزب النهج معروف باصطفافه إلى جانب خصوم مقترح الحكم للأقاليم الجنوبية، بل إنه يقول إن ”النهج الديمقراطي يمثل التبات والتضحية في المغرب، بدون مقابل، عكس بعض الأحزاب اليسارية التي تبيع الوهم للمواطنين.. فالتعددية الحزبية في المغرب ليست موجودة، صحيح هناك تعددية تنظيمية، إلا أنه لا يمكن الحديث عن التعددية السياسية.. ولا يمكن الحديث عن التعددية، في ظل منع هيئات سياسية كبيرة مثل النهج الديمقراطي وجماعة العدل والإحسان، من الدخول في الحياة السياسية” (المصدر: موقع لكم 19 مارس 2016).
وربما لم يغب عن ذهن أحرشان، وهو يتحدث في مستوى أدنى من الدعوة إلى الخلافة، وأقرب إلى النقاش السياسي، أن حزب النهج، هو الحزب الذي سمح بقراءة رسائل زعيم الجبهة عبد العزيز المراكشي في مؤتمراته، وهو الحزب الأقرب إلى الأطروحة الانفصالية في المغرب، وكان هناك تفكير في حله، تماشيا مع قانون الأحزاب لولا أن بعض الأطراف الحكومية تفضل التأني (انظر الأسبوع عدد: 7أبريل 2016 : مقال عبد الحميد العوني بعنوان: نبيل بنعبد الله رفض حل حزب النهج الديمقراطي من داخل الحكومة).
ماذا لو كان كلام أحرشان، الذي يضاف إليه كلام العبادي مجرد تقديم لتغيير كبير في الخط السياسي للجماعة، فهذه الجماعة رفضت المشاركة في المسيرة المليونية للتنديد بتصريحات بان كيمون، ولم يصدر عنها أي موقف واضح إزاء قضية الصحراء حتى الآن، ماذا لو قررت العزف على أنغام النهج؟ سؤال غدا مطروحا أكثر من أي وقت مضى..
ويسجل التاريخ محاولتين فاشلتين للحوار بين الدولة وجماعة العدل والإحسان، الأولى يرجع تاريخها إلى سنة 1990، عندما تم اعتقال أربعة أعضاء بمجلس الإرشاد، وتزعمها وزير الأوقاف السابق عبد الكبير العلوي المدغري، وقد لعبت الجماعة دورا كبيرا في تعطيل المفاوضات، رغم أن السلطات سمحت للشيخ ياسين بعقد لقاء مع المعتقلين، ويقول فتح الله أرسلان: بأن الجماعة حرصت على تمطيط مدة التفاوض واشتراط شروط تعلم مسبقا أن الملك لن يقبل بها مثل عدم تقديم البيعة. والمرة الثانية لفشل الحوار، تزعمها المستشار الملكي حسن أوريد، ولكن مهمته كانت هي فك الحصار عن الشيخ، بينما قالت الجماعة إن مشكلتها شاملة (انظر الأسبلوع، عدد: 20 دجنبر 2012).
هكذا إذن، دخلت الجماعة في مرحلة التباس غير مسبوق في المواقف، بخلاف مرحلة الشيخ ياسين، الذي كان ينبذ العنف، ويتجنب القلاقل السياسية، ليغدوا السؤال اليوم مطروحا، هل هي بوادر تنكر الجماعة للشيخ، وهل كان الراحل ياسين سيكون راضيا عن العبادي وأحرشان وأرسلان؟