تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | “قرابين” السياسيين المغاربة لخدمة مشروع تقسيم المغرب

لعبة الأمم المتحدة وواشنطن لتوريط المغرب في ملف حقوق الإنسان

إعداد: سعيد الريحاني

   جلس “الفاعل الحزبي”، وهو على الأرجح ممثل لأحد الأحزاب الصغيرة التي لا يعرفها أحد(..)، ولكنه مع ذلك استطاع أن يجلس يوم الخميس الماضي على نفس الطاولة التي يجلس عليها، وزير الداخلية محمد حصاد، ووزير الخارجية صلاح الدين مزوار، والوزراء المنتدبون، ناصر بوريطة، وامباركة بوعيدة، بالإضافة الوزراء المفوضين(..)، وباقي ممثلي الأحزاب السياسية والنقابات..

   لم يكن “الفاعل الحزبي” المشار إليه مركزا في جل التدخلات، ولم يفلح المجهود الملحوظ الذي بدله من أجل تنسيق اللباس، في إخفاء مظاهر “البؤس” المعيشي الظاهرة على محياه(..)، وقد استفحلت التناقضات مع وجود، بعض أطر وزارة الخارجية، ومرافقي الوزراء، المبالغين في أناقتهم، حيث لا مكان إلا للعطور الأصلية (رجال ونساء) وللساعات والإكسسوارات الثمينة.. وحده “المعني بالأمر”، كان حريصا على التهام قطع الحلوى الموضوعة فوق الطاولة، بل إنه شرب قنينتين من عصير الفواكه، في انتظار دوره لإلقاء الكلمة، التي حرص على أن يبدأها بالشكل التقليدي، “حضرات السيدات والسادة..”، ولكنه، نسي أن يقدم نفسه.. مقابل مبالغته الواضحة في “طلب المساعدة” لدعم أنشطة الحزب في الخارج، بينما لا يعرفه أحد في الداخل(..).

   هذا من حيث الشكل، أما من حيث المضمون، فإن اللقاء الذي عقده مزوار وحصاد وبوريطة وبوعيدة، يوم الخميس الماضي مع الأحزاب السياسية والنقابات كان بناء على أوامر ملكية حسب تصريح أحد المسؤولين الحاضرين في اللقاء المذكور، وكانت الصحافة، قد توقعت قبلها أن يلقي الملك محمد السادس خطابا حول الوضع في الصحراء، مباشرة بعد عودته من جولة بأوربا الشرقية قادته لكل من روسيا، التشيك والمَجَر.. ظهر خلالها بمظهر الملك “العصري” الذي يلتقط الصور مع المواطنين ولا يبالغ في إجراءات البرتوكول، بل إن حارسه الشخصي عبد العزيز الجعايدي، هو الذي كان يلتقط له الصور مع مغاربة العالم(..).

   مشكلة العائدين، وضعف اللوبي المغربي في واشنطن، وغياب التواصل، كلها مواضيع استأثرت بالنقاش داخل القاعة، بينما كان الصحفيون ينتظرون في قاعة أخرى في انتظار خروج مزوار إليهم، هذا الأخير، قال لهم: “إن الأحزاب السياسية بطبيعتها موجودة بكل ما هو مرتبط بالقضية الوطنية، وتمتلك أطرا متخصصة في الموضوع ومتمكنة منه”(..)، وبلغة التصعيد قال أيضا: “إن المغرب، لن يسمح لأي كان بأن يتطاول على سيادته، ويجب أن يعلم كل من يلعب بالنار أنه في مواجهة 35 مليون مغربي، مضيفا أن من يعتقد أنه بإمكانه أن يؤثر في مجلس الأمن فهو خاطئ..”، قبل أن يقول أيضا: “أن المغرب ليس لقمة سائغة، وأي محاولة لتقسيمه ستكون يائسة، موضحا أن مسيرة العيون والوضع الهادئ في الأقاليم الجنوبية في ظل وضع إقليمي مضطرب، أقوى رد على الخصوم..”.

   من خلال كلام مزوار، يتضح أن الأمر لا يتعلق بمجرد تصريحات مسيئة للوحدة الترابية صدرت على لسان بان كيمون، بل إن القضية أكبر من ذلك، وتدخل في نطاق مشروع كبير لتقسيم المغرب(..)، والمغرب ليس سوى واحدا من الدول المستهدفة، فمشروع تقسيم الدول “النامية” (تسمى تارة الدول العربية وتسمى تارة أخرى الدول الإسلامية..)، الذي صودق عليه في جلسة سرية للكونغرس الأمريكي سنة 1983، لا يشمل المغرب فقط، بل إنه يهدف إلى إعادة رسم الحدود وخلق دول جديدة، تصوروا أن المخطط يهدف إلى تقسيم مصر مثلا إلى 5 دول، هي الدولة الإسلامية السنية، والدولة المسيحية، ودولة النوبة، ودولة سيناء، ودولة فلسطينية على شمال سيناء بعد ضمها إلى غزة.. بل إن المخطط يهدف أيضا إلى إلغاء دول برمتها مثل الكويت وقطر والبحرين وسلطنة عمان واليمن والإمارات العربية، بحيث يجب أن تقتصر شبه الجزيرة العربية على ثلاث دول فقط.. بينما يتم تقسيم العراق وسوريا على التوالي، إلى أكثر من أربعة دول في كل واحدة، بناء على الصراع السني الشيعي.. ويمكن التأكد من هذا المشروع الذي سمته فيما بعد الأمريكية كونداليزا رايس الفوضى الخلاقة(..) من خلال قراءة مشروع، اليهودي الأمريكي البريطاني برنارد لويس(..).

   بشكل أوضح، ما الذي يقلق المغرب؟ الجواب بات واضحا، ويمكن قراءته بشكل علني في الصحافة الدولية، وتلخصه الفقرة التالية على سبيل المثال: “.. يوجد إحساس قوي لدى المسؤولين المغاربة بأن الولايات المتحدة وبريطانيا ترغبان في فرض حل يمس بمصالحهم، وأصبحوا يثقون في روسيا أكثر.. وتعتبر هذه من المفارقات الكبرى في السياسة الدولية بحكم أن المغرب كان حليف واشنطن ولندن.
ويدرك المغرب مسبقا، أن تقرير بان كيمون لمجلس الأمن بداية الشهر المقبل لن يكون في صالحه.. ولكن ما يهتم به المغرب ومتتبعو هذا النزاع، هو مواقف أعضاء مجلس الأمن الدولي الذين سيناقشون الملف في ظرف أسابيع قليلة. وأصبحوا، أمام الأبعاد التي أخذها، مطالبين باتخاذ قرارات وإجراءات لتفادي عودة الحرب إلى الصحراء..”. (المصدر: جريدة القدس العربي عدد: 28 مارس 2016).

   المغرب إذن، لم يعد يثق في أمريكا وبريطانيا، وهو ما يفسر الزيارة الملكية إلى روسيا ولقاء القمة بين الملك محمد السادس والرئيس الروسي فلادمير بوتين، والذي تميز باستقبال الملك محمد السادس من طرف 3 تشكيلات من الجيش الروسي، حسب مصادر الأسبوع، بينما جرت العادة أن يتم استقبال الضيوف بفرقة واحدة، إما المشاة أو الطيران أو البحرية، بينما اجتمع الثلاثة لاستقبال الملك محمد السادس، وفي ذلك إشارة عسكرية، لمن يهمه الأمر..

  الانحياز الأمريكي للأطروحة الإنفصالية، تؤكده التطورات الأخيرة، حيث شرعت بعض الأطراف، من خلال التنسيق بين منظمات هيومان رايتش وتش، وأمنستي انترناسيونال، في إيجاد التخريجات اللازمة لربط الملف بقضايا حقوق الإنسان.. وهو ما سيعطي شرعية مخدومة للتقارير التي ستظهر من جديد لتطالب، بتوسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، وكل ما سيحصل في هذه الحالة، هو العودة إلى عهد الاستعمار، بقبعة دولية(..).

   يؤكد مصدر “الأسبوع”، أن كلتا المنظمتين المشار إليهما أعلاه، اتفقتا على صياغة تقارير حقوقية مسيئة للمغرب، والأغرب، أن كلتا المنظمتين حاولتا الاستشهاد بحالة المعطي منجب، مدير مركز ابن رشد، التي اتضح فيما بعد، حسب الصحافة، أنه شركة كان هدفها خدمة مشروع زعزعة الاستقرار، والخطير في القضية التي لازالت موضوع تحقيق ومحاكمة أن مركز ابن رشد ولد في رحم حزب الأصالة والمعاصرة.. فقد وصلت “الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في بحثها لنتائج خطيرة وصادمة، مفادها أن المنظمات الدولية “فري بريس أنليميتد” «free press unlimited»، و«endowment national» و « international media support»، قد كونوا مع أشخاص مغاربة ذاتيين ومعنويين، شراكة عابرة للأوطان بأهداف سياسية تروم زعزة استقرار المغرب وتشويه مؤسساته.. هذه الشراكة التي تكفلت الجمعيات السالفة الذكر بتمويلها، كان هدفها تنظيم وتنفيذ حملة واسعة النطاق لضرب استقرار المملكة عبر تجنيد شباب مغرر بهم في أغلبه، يتم إغراؤه بالتمويل وتكوينه وتدريبه على تقنية “سطوري ميكر” ” story maker”، وهي تقنية استخباراتية تقدم نفسها تحت غطاء “التحقيق الصحفي”، غرضها الأول هو إمداد جهات خارجية بمعطيات تحتاجها أجهزة مخابرات الدول التي تنشط تحت مراقبتها “جمعيات تمويل” عبر العالم. (المصدر: الأحداث أنفو: 16 فبراير 2016).

   يتضح من كل ما سبق، أن حزب الأصالة والمعاصرة، المتهم بخلق مركز “ابن رشد”، متهم أيضا بتقديم القرابين لخدمة المشروع الكبير للمس باستقرار المغرب.. ولكن المحاكمة (محاكمة المعطي ومن معه) التي تم تأجيلها بالتزامن مع التطورات الأخيرة لملف الصحراء، تتزامن أيضا مع الجدل الذي خلفه تصويت الاتحاد الاشتراكي لصالح الانفصاليين في مؤتمر اليوزي، وهو الأمر الذي ينطوي على أن يفترض في حالة التطبيق الحرفي للقانون حل الحزب، حسب ما يقتضيه قانون الأحزاب (انظر: الدواعي القانونية لحل حزب الاتحاد الاشتراكي. الأسبوع عدد 3 مارس 2016)، وفي الوقت الذي اختار فيه الحزب عدم الرد على الاتهامات الموجهة إليه، اختار الحديث عن “التخوين”(..) علما أن بعض المواقع سربت مؤخرا خبر استدعاء الكاتب الأول إدريس لشكر من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية للتحقيق معه في قضية تصويت الشبيبة لصالح البوليساريو..

   يقول الخبر الذي انفرد موقع “الزنقة 20” بنشره: “علم من مصدر مطلع، أن إدريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، تم استدعاؤه من طرف الفرقة الوطنية للتحقيق معه على خلفية تصويت وفد شبيبة حزبه لصالح شبيبة البوليساريو بمؤتمر الاتحاد الدولي للشبيبات الاشتراكية بالعاصمة الألبانية تيرانا الشهر الفارط.. وأكد مصدرنا أن لشكر، تم التحقيق معه يوم السبت الماضي من طرف الأجهزة الأمنية دون أن يكشف عن طبيعة الاستنطاق ومن طرف أي جهة أمنية”.

   صدقوا أو لا تصدقوا أن أخبار مثل هذا النوع، هي ما تدبجه التقارير الدولية الراغبة في ضرب المغرب انطلاقا من مقاربات حقوق الإنسان، لماذا لم يقل إدريس لشكر أي شيء عن الموضوع إذا كان قد تم استدعاؤه فعلا، ثم إن الفرقة الوطنية ليست هي المختصة، بل السلطة المخولة باستفساره هي وزارة الداخلية، حسب ما يفرضه قانون الأحزاب، الذي يفرض حل الحزب بناءا على حكم إداري.. ولا علاقة هنا للقضية بـ “حرية التعبير”..

   بالموازاة مع القرابين السياسية، التي تخدم الطرح الانفصالي، تتحرك الأمم المتحدة على أكثر من مستوى لخلق ملف جديد للضغط على المغرب، فبعد أن فرض المغرب طرد “المكون السياسي” لبعثة المينورسو في الصحراء، وبعد أن تأكد تورط بعد أعضاء بعثاتها في دعم الطرح الانفصالي، سربت الأمم المتحدة خبرا يفيد بتورط جنود مغاربة من القبعات الزرق في انتهاكات واستغلال جنسي، “وقالت الأمم المتحدة حسب ما نقلته وكالة رويترز، إن تلقت مزاعم جديدة ضد قوات حفظ السلام التابعة للمغرب وبروندي، بارتكاب وانتهاك واستغلال جنسي في جمهورية إفريقيا الوسطى” (المصدر: جريدة المساء عدد 30 مارس 2016).

   المغرب، وفي إطار دبلوماسيته الجديدة، رد على الأمم المتحدة، حيث تحرك الجنرال عروب ليقول إن المغرب هو الذي سيتولى التحقيق مع الجنود المغاربة(..)، علما أن حوادث من هذا النوع حصلت مع جنود فرنسيين أيضا، ومن تم، فإن الأمر لا يعالج بآلية دولية، طالما أنه يتعلق بتصرفات أشخاص وليس دولة(..).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى