سيدة “القوة الذكية”، كما تقدم لنفسها في مقدمة كتاب (الاختيارات الصعبة) لم تطلق الحوار الاستراتيجي الأمريكي ـ الجزائري، والمغربي ـ الأمريكي لمنع الحرب، ودافعت هيلاري كلينتون عن التوازن، لكنها لا تخفي أن يكون تقسيم الدول جزء من التوازنات الجديدة، وبالتالي الخارطة القادمة، فالمرأة المحبوبة الأولى في العالم على “غوغل” كما يقول ناشرها، لم تكن يوما صديقة المغرب، كما تتوهم النخبة في الرباط، لكن المملكة استفادت من تهميشها لمشكل الصحراء إلى حد بعيد، فحيث لا توجد خيارات كثيرة تكون الأزمة “خبيثة” كما كتبت من منزلها في الطابق الثالث في (شاباقا) بنيويورك.
هذه السيدة، التي اشتهرت أخيرا بقولها إنها لا تختلف عن ولاية ثانية لحزب العدالة والتنمية المغربي، لأنه نظير حزب أردوغان في تركيا، لم تكن تقصد سوى الرد على منافسها، بيرني ساندرز القائل إنه ضد دور “دركي العالم” الذي تمارسه بلاده لسنوات، فكلينتون، التي لم ترد التدخل في ليبيا لأنها تقيس كل شيء بمصالح الولايات المتحدة، تهمش وتبرد ملف الصحراء في الرمال المتحركة لمنطقة الشرق الأوسط الكبير، وهذه الفرصة غير مقبولة اليوم في حسابات الخارجية الأمريكية، وترى هيلاري أن استعمال الضغوط “واجب قومي” لحل القضايا العالقة، لأن البوليساريو جبهة لم تسقط بعد في يد الإسلاميين، ولا بد من حل “وقائي ومستعجل”، وعلى ذلك تسقط أسطورة صداقة هيلاري كلينتون للمغرب لأنها ببساطة لا أساس لها.
التحول من تقسيم الصحراء إلى الحرب لإدارة “تقسيم جديد” لدول المغرب الكبير.
تتحرك هيلاري كلينتون حاليا، على واقع عقدة بنغازي التي سببت لها انتقادات شرسة، فالبرود الذي طبع تعاملها مع مشاكل شمال إفريقيا والدول المغاربية بما فيها قضية الصحراء دفعت السيدة ثمنها غاليا، واعتبرت الرباط في أوقات مختلفة أن بقاء مشكل الصحراء في الثلاجة أكبر خدمة يقدمها الأمريكيون للمملكة. والآن اختلفت النظرة كليا، فهيلاري تؤمن بالتدخل العسكري لحل مشاكل المنطقة، وهي التي رفضت إرسال الطائرات لإسقاط القذافي لأن المصالح الأمريكية في ليبيا ضعيفة تبعا لما قالته في الصفحة 544 من الترجمة الفرنسية لكتابها (الاختيارات الصعبة): “إن مصالحنا في ليبيا لا تستحق التدخل العسكري”. وكم انزعج الكونغرس و(السي . آي . إيه)، من هذا التقييم، وشكل جوهر الخلاف بين كلينتون ومؤسسات بلادها، وحاليا تتحرك “عقدة بنغازي” نحو الأمام مؤسسة رؤية جديدة لأمريكا، تقول في النص الإنجليزي، إن سبب المشكل هو (عدم وجود بنية تحتية عسكرية في إفريقيا)، وتدعو إلى ذلك الآن من تونس إلى موريتانيا بما فيها إقليم الصحراء.
في هذه الحادثة قتل سفير وأعضاء حمايته من (السي . آي . إيه) في مدينة بنغازي إثر احتجاجات اقتحمها مسلحون من (أنصار الشريعة) أطلقوا النار لقتل مسؤولين أمريكيين، وفي هذه الحادثة تأكيد على تواجد استخباري أمريكي قوي في المغرب، وأيضا على عدم مبادرة الرباط لحماية عناصر الاستخبارات الأمريكية في المنطقة، فأخت القتيل “كريس ستيف”، قائد البعثة المكلفة بمهام في طرابلس حسب الصفحة 541 من كتاب كلينتون، كانت في المغرب وتدرس الإنجليزية، واسمها (آن) رغم أن لها دكتوراه في الطب وعملت في مستشفى الأطفال بمدينة سياتل. هذه السيدة قدمت خدمات لأمن بلادها، حيث ساعدت من المغرب على بناء ما قالت عنه هيلاري أنه (ليبيا الجديدة). إشارة تكشف قواعد التواجد الاستخباري الأمريكي، والتعاون بين الرباط وواشنطن في هذا المجال، لكنه بعيد عن مشاركة المغرب في (الأمور الطارئة) والعسكرية تحديدا، ففي هذه الأزمة مثلا اقترح الرئيس التونسي منصف المرزوقي إرسال حرسه الخاص إلى ليبيا لحماية السفارة الأمريكية والعاملين فيها، وتكشف مصادر “الأسبوع”، أن رفض المساعدة جاء نتيجة (التخوف من تواجد عسكري تونسي فوق الأراضي الليبية، وهذه أمنية قديمة منذ عهد بورقيبة). وعدم ترجمة التعاون الاستخباري بين الرباط وواشنطن إلى تعاون عسكري يعتبر (أزمة محققة).
ويتساءل المتابعون المغاربة، لماذا حدث بعض الود في فترة سابقة بين الملك محمد السادس وهيلاري، وفي فترة لاحقة بين وزيرة الخارجية السابقة وبن كيران، والجواب سهل لأن نقطة ضعف السيدة هي حقوق المرأة، تقول أخيرا في موقعها الأزرق “فيس بوك”، إن حقوق المرأة هي حقوق الإنسان، وتقدم الملك بمدونة امتدحتها في حينه بشغف، وهي تبز الخليجيين في هذه القضية طيلة شهور الربيع العربي، تقول في مذكراتها وهي تأكل (الكبسة) بخيمة في قلب الصحراء، إنها كانت تناقش تفاصيل قصة طلاق في السعودية، وتكررت في اليمن، مع نضال طفلة تبلغ 10 سنوات أرادت الطلاق من زوجها. إنها تناقش مع الرؤساء قصصا محددة بأرقام القضايا كأي محامية، وهي كذلك، وتلك قصة من يعرف هيلاري، أما مسألة بن كيران، فتحفظ له وزيرة الخارجية السابقة، منعه الشخصي لكل أعضاء حزب العدالة والتنمية من التظاهر أمام السفارة الأمريكية، ولم يبلغ المتظاهرون في المغرب وأنصار الشريعة يقصفون سفارة بلادها في بنغازي سوى مائتي عنصر.
ولا يبدو أن هذه الذكريات مؤثرة على قرارها، فيما ذهبت المخابرات الشقيقة للمغرب، المصرية والخليجية منها تحديدا، إلى توجيه اتهامات للأمريكيين وإطلاق خارطة لتحركاتهم لدفع واشنطن للمشاركة وقيادة معركة إسقاط نظام الأسد، مستعملين “داعش” التي لم تكن عدوة للولايات المتحدة إلا بعد تغيير هدفها من العدو القريب إلى العدو البعيد، تماما كما في أدبيات القاعدة، وبعد نحر صحافيين أمريكيين، تحول تنظيم الدولة الذي اعتقده المحللون القريبون من أوباما نتيجة الثورة المضادة على الديمقراطيات، إلى نسخة أكثر تطرفا من القاعدة، استوجبت حملة دولية ضدها في إطار الحرب على الإرهاب.
وحسب اتهامات القاهرة، فإن هيلاري كلينتون اقترحت على الإخوان المسلمين تقسيم سيناء بتوسيع قطاع غزة، وتحويله إلى دولة، ونقل النطاق الثالث حسب اتفاقية “كامب ديفد” إلى حماس، واقترح الإسرائليون على الجيش المصري ضم شرق ليبيا ضمن أراضي نفوذه، لكن خطة تل أبيب باءت بالفشل، حيث فشلت حرب إسرائيل على غزة، ولم يخرج الفلسطينيون لاجئين إلى سيناء، وقاوم مرسي المخطط، كما قاوم أردوغان كيانا كرديا في سوريا، وأعلن بن كيران التصعيد في ملف الصحراء إلى جانب سياسة ملكه. وتخوف الجميع من دولة في الريف، أو في الصحراء، أوفي منطقة القبايل الجزائرية، في إطار الخارطة الجديدة، فأقيل العثماني فورا للحفاظ على الدولة بعد لقاءه بفرع الإخوان في الكويت، وترك بن كيران إدارة ملف الصحراء للملك شخصيا، على ضوء ما عممته كلية ناصر العسكرية عن خارطة الدول الجديدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتضم “دولة في الصحراء”. ولا يخفى على المتتبعين كيف دفعت الولايات لترشيح بوتفليقة لترؤس الجزائر كي يكون إلى جانب الحسن الثاني وقيادة البوليساريو التاريخية في شخص محمد عبد العزيز، باعتباره دبلوماسيا محنكا مؤمنا بتقسيم الصحراء، حيث تتنازل الرباط عن 23 في المائة من الصحراء فقط لحل هذا المشكل.
وبيل كلينتون إلى جانب (سي . أي . إيه) فكرا في المخطط ، ولا تزال مسألة تقسيم المنطقة واردة بعد اعتراف المغرب بحق تقرير مصير (القبايل)، وبالتالي تقسيم الجزائر، ويمكن تقسيم المنطقة على ضوء “الرؤية الذاتية” لا غير، وبدعم من الغرب طبعا. وتستعد الولايات المتحدة لهذا السيناريو، من واقع أن هيلاري كلينتون تحتكم إلى “منظور بنائي كبير”، كما يقول بيرنار لويس في مجلة الأمن والاستراتيجية. من جهة، بدأت هيلاري رحلتها الأولى نحو اليابان، ودفعت أوباما إلى آسيا، لكن الخلاف حول الربيع العربي وعودة بوتين وتغيير قيادة الصين، أبطل هذه الطفرة، فالمسألة لا تتعلق بخلط المرشحة الأمريكية بين النظرة الإنسانية ومصالح الولايات المتحدة، إلى درجة شبهت فيها لوموند الفرنسية هيلاري بمادلين أوبرايت، بل بقسوتهما الاستراتيجية وفي كتابها (الخيارات الصعبة) مثلا، وصفت كل رحلاتها وحجبت رؤيتها، وهي محاولة جريئة لوضع بصمتها على أحداث في أذهان الأمريكيين ينسبونها إلى أوباما.
ويعتقد زوجها بيل، أن أمريكا تحتاج إلى زعيم الآن، ويقترح زوجته، واتهامها بالاعتراف بالدولة الإسلامية داعش في 5 يوليوز 2013 ليست أكثر من مخطط إسرائيلي سكتت عنه، لأن تقسيم الشرق الأوسط، بدأ من العراق مع جو بايدن، وتواصل في سيناء مع هيلاري كلينتون، وما أكده الإسرائيليون، هو تبرير لدعمهم للجنرال السيسي وتغطية على أهدافهم في الحرب الأخيرة على غزة. ولأن إعلام القاهرة لا يمس إسرائيل مباشرة، فهو ينتقد من غطى على المخطط سياسيا من جهة، ومن جهة أخرى، لقول كلينتون أن التفكير في مهاجمة الجيش المصري كان صعبا بعد الانقلاب. وجاء كره تل أبيب للإخوان المسلمين وباقي الإسلاميين المعتدلين لأنهم لم يوافقوا على إعادة تقسيم المنطقة، ونجحت تل أبيب في إسقاط حكومات الإسلاميين، والعودة بالمنطقة إلى خارطة سايس بيكو، وإلى الأنظمة المألوفة والمناسبة لها.
وفعلا أكدت الوثيقة (ب 13 / 10) الإسرائيلية على دولة فلسطينية في جزء من سيناء وغزة، ويأخذ المصريون ما تركوه في سيناء من شرق ليبيا، وتتمدد الدولة السنية في العراق إلى سوريا قبل أن تتسلح الصحوات ويسقطوا خلافة أبي بكر البغدادي، ويتحرك الجميع الآن في إطار الثورة المضادة لتشكيل خارطة أفشلتها حماس بصمودها في القطاع وتغطية الجيش المصري لها، وفي سؤال مرسي قالت هيلاري: ما الذي تنوي فعله ضد محاولات القاعدة، ضرب الأمن في مصر وخصوصا في سيناء؟ كان جواب مرسي الصاعق: لماذا يفعلون ذلك معي، أنا حكومة إسلامية، وعلقت كلينتون في كتابها قائلة: توقع الدعم من الإرهابيين ينم إما عن سذاجة مطلقة أو خبث غير معقول. وبمبرر محاربة الإرهاب، خرج السيسي عن الشرعية المنتخبة، وأراد مرسي أن يطوق الإرهابيين بين حكومته الإسلامية وحكومة حماس، الإسلامية أيضا، إلى حين تسليم سلاح المتمردين السيناويين وطي الصفحة.
وبدون إعلام قناة “الجزيرة”، ودور تركيا وبين فكي حكومتين إسلاميتين، يمكن حصار المتطرفين في سيناء، وما إن فشل السيناريو الإسرائيلي في غزة وتقسيم سيناء حتى كشفت تل أبيب، في صراع نتنياهو وأوباما، مخططها ونسبته للأمريكيين لتبرير تحرك الجيش المصري والعودة إلى المربع السابق، رغم أن أوباما اتجه إلى إيران لحصار تل أبيب، وابتعد عن الانعكاسات المباشرة للخديعة الإسرائيلية التي وصلت آثارها إلى المغرب، حيث أخرجت دوائر القرار شباط من حكومة بن كيران المحافظة، وصعد في مشكل الصحراء الشرقية في وقفة بالعاصمة، وبحضور مئات الآلاف، لكي تصل الرسالة إلى الخارج انطلاقا من رد الفعل الجزائري، وسحبت الدولة العثماني من رئاسة الدبلوماسية المغربية مسربة نبأ لقاءاته مع الإخوان المسلمين في الخليج.
وحوصر السيناريو في نظر المغرب ومصر، والحقيقة أن إسرائيل نجحت في زرع عدم ثقة بين الجيوش والدول، وهذه الدول وجزء من مواطنيها، وأفشلت الديمقراطية حولها لأن خيارها واحد: الديمقراطية تعني إعادة رسم الخرائط، فللدكتاتوريات خرائطها، وللديمقراطية خرائطها أيضا، وبعد إفشال تنظيم الإخوان من الخليج إلى المغرب، لخارطة تقودها الأممية الإسلامية والدولة اليهودية من خلال إعادة تشكيل الدول والحدود بمباركة تل أبيب، انتهى القرار بعودة كل الشرق الأوسط الكبير إلى ما قبل 2011 فورا.
هيلاري العاشقة لأفكار ريتشارد هولبروك مع فكرة “التقسيم في إطار ما تدعوه التوازن”، فهي مع تقسيم الصحراء أو اتفاق دايتون جديد لحل هذا المشكل، ولا بد من استعمال قدر من القوة للوصول إلى هذه الغاية.
هيلاري قريبة من ريتشارد هولبروك الذي فاوض سلوفان ميلسوفيتش للوصول إلى اتفاق دايتون، ورأت في عمل ابن عم الملك المغربي (مولاي هشام) تحت إطار الأمم المتحدة في قضية كوسوفو تقريبا لوجهة نظرها لحل مشاكل مماثلة، وما إن تولت الخارجية في عهد أوباما، حتى عينت هولبروك مبعوثا خاصا لـ (أف ـ باك)، أي أفغانستان وباكستان، واقترحت وضعا لوزيرستان رفضته باكستان، وحمت القنبلة النووية (باكستان) من التقسيم كما حمى الاتفاق النووي إيران من نفس المصير، وتأجل التقسيم كما أجل الجيش الجزائري والمغربي تقسيم الصحراء، ولكنهما اقتربا من المواجهة المباشرة.
وأنقذت عقدة بنغازي تقسيم ليبيا رغم رغبة القاهرة في النفوذ الكبير على شرق ليبيا رافضة أي مساس بسيناء، وحاليا تهاجم إسرائيل هيلاري كي يصعد جمهوري إلى الرئاسة الأمريكية، وربما ستكون خياراتها مشابهة لأوباما، ولتمييزها عنه ،اتهمت الرئيس الأمريكي بأخذ المال من وول ستريت في 2008 أكثر من أي شخص آخر، ورد عليها تيد كروز أن الميلياردير رونالد ترامب المرشح عن الجمهوريين حاليا وقع 8 شيكات لهيلاري كلينتون في محاولتها السابقة للوصول إلى رئاسة الولايات المتحدة في انتخابات أثارت العرق والنوع والطبقة والدين، ولم يكن موعد 2008 بمقاييس دبلوماسية أو استراتيجية، فتغيرت قواعد اللعبة بتعبير جون هيلمان، وحاليا يرى البعض أن هيلاري (أوبامية)، ولذلك تهاجم إسرائيل عبر الوسائل العربية التي تحور كل شيء.
وفي ميزان العقل السياسي، كما تقول مرات، أو منطق “الميزان السياسي” نكشف مقولة خطيرة تقول: “لا يمكن أن ينظر الملك المغربي إلى الصحراء من خلال مؤسسته، لأن المسألة لا تتعلق بأن هذا مغرباني أو مغربي في هذه الفترة”. وتسود هذه النظرة عند الجمهوريين أيضا، فبولتون الذي ربط بين استمرار العرش واستمرار الصحراء في المغرب تراجع تماما عما يدعوه “حقوق الدولة”، فالمسألة لا تتعلق أبدا بمسألة السيادة الوطنية، وإن رأى نفسه أمريكانيا في مواجهة الشخص الكوكبي المؤمن بالعولة، واتهم أوباما بمس السيادة الوطنية للولايات المتحدة. وتعتقد هيلاري كلينتون، أن اللحظة الأمريكية الجديدة تأتي من الطرق الجديدة لقيادة العالم (يوليوز 2012)، وتقترح مساعدات كبيرة للمغرب من أجل تنازلات أكبر من طرفه. ولا تستبعد هيلاري كلينتون في إطار القوة الذكية التي أطلقتها في صيف 2014 من دمج المجتمع المدني والدبلوماسية التقليدية.
هذه المرأة الذكية والطموحة أو”الاثنين في واحد” بالتعبير الأنجلوفوني، أو “بيل كلينتون ثان”، جعلت “بيل” مجرد مستشار وقالت عن نفسها “أنا أصنع القرارات”. ومهما عدلت من سياسات زوجها، هناك استراتيجية واحدة تغلب الهاجس الاقتصادي على غيره، وهي المنهجية التي تنتهي بالعقوبات والحصار، يقول عنها بول كينغور: كلينتون منهجية مع ربها، فكيف بغيره؟ وتؤمن تماما بأن الحرية الدينية هي حقوق الإنسان ذاتها، وهي تدعو إلى أخلاق القرن التاسع عشر. وسقط المغرب في نظرها بشكل كبير منذ طرد (مبشري عين اللوح)، ومنذ هذا التاريخ زاد تعاطفها مع دعاة الاستفتاء في العيون ونواحيها، داعمة لجهود كريستوفر روس القاضية بممارسة الضغط الممنهج على المملكة لتوفير بيئة الحل من خلال إدارة ذاتية تنتهي باستفتاء الساكنة الصحراوية. وقالت بخصوص (توسيع مهام الأمم المتحدة في الصحراء)، إنه من ميثاق الأمم المتحدة ومهامها، و(لا تقبل أي مفاوضات لإعادة تعريف الميثاق)، وهذه الأزمة كشفت حاجة الأمم المتحدة إلى إصلاح.
ما تريده هيلاري كلينتون من المغرب.
العودة بالصحراء إلى الالتزامات الأممية، ويجب على الولايات المتحدة مساعدة شريكها للوصول لهذه الغاية، فمن المهم قبول اتفاق للتجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمغرب، في فترة قبول المغرب الدخول في المرحلة الأولى من خطة بيكر، ولا تهتم المؤسسات الأمريكية لرفض الجزء الآخر، لأن الوصول إليه يستدعي العودة إلى مجلس الأمن، لإتمام ما اتفق عليه المجتمع الدولي، تقول في كتابها الأخير، لا أبدأ من الأمور الجوهرية، بل أمهد لها بمناح جانبية، لكن الذي يعرفني يعرف أن قراراتي شرعية وحاسمة.
وهذا شيء معروف في شخص كلينتون، يقول عنها فيدل كاسترو الزعيم الكوبي، في الصفحة السابعة من كتابه (أوباما والإمبراطورية) الصادر عام 2008، هيلاري كلينتون صديقة، ولكنها وقعت أقصى العقوبات الاقتصادية على كوبا، فهي تميز بين ولائها القانوني للقضية، والولاء الشرعي لبلدها والصداقة التي تكون في بعض جوانب المشهد، فمنذ طرد (مبشري عين اللوح) لم تعد تفكر في وجود ديمقراطية مغربية تسمح بإطلاق المرحلة الأولى من مشروع بيكر الذي فرضته الرباط وتقدسه واشنطن.
وتعتقد هيلاري أن الحكم الذاتي في الصحراء ليس خيار بوش، ولم يكن كذلك، بل يعتقده الجميع أنه استجابة جزئية لقرار مجلس الأمن 1495، الذي يعود إليه إتمام الخطة حيثما توقفت. ولا تحتاج النظرة الأمريكية إلى وضوح بعد رفض مشروع تقسيم الصحراء ورفض العودة إلى المفاوضات لإطلاق الجزء الأول من خطة جيمس بيكر، التي حددت نهائيا الحل في المنطقة، وهذه الخطة متوازنة لاختيار الساكنة النهائي لمصيرها بعد فرصة من التمكين الجيد وبناء الوضع الجديد عبر الأمم المتحدة قبل الوصول باللعبة إلى الذروة صفر (زيرو ـ سيم ـ كيم).
لا يختلف المراقبون أن العودة إلى ما قبل 2011، فيما يدعى الثورات المضادة، فرضت على مشكل الصحراء العودة بدوره إلى ما قبل أكديم إزيك، وما قبل إطار 2007 الذي يجده المغرب صالحا إلى الآن. وتنتظر واشنطن خطوات حقيقية في الاتجاه الصحيح، أو التوجه المحتمل إلى إذكاء التقسيمات الجديدة من إقرار المغرب بحق تقرير مصير القبايل وباقي شعوب المنطقة، سيرا على محاولة إحياء تيار إسلامي أو آخر في الشارع يقبل بتصحيح ما اعتبروه خطأ لمرسي، الذي لم يسمح للجيش الإسرائيلي بالنجاح وتهجير الفلسطينيين الغزاويين إلى سيناء، وكانت الاستراتيجية من تكثيف الغارات، إخراج حماس إلى سيناء في حملة لاجئين تؤسس لخارطة جديدة تدفع مصر إلى شرق ليبيا، وتدفع الجزائر نحو الصحراء في ارتداد يحول الخارطة إلى خارطة شعوب ودول دينية وطائفية تسمح بالدولة اليهودية والعلوية والمسيحية والأمازيغية وغيرها.
ووقفت الذروة صفر في المواجهة الثالثة مع روسيا، لأن الأولى مع جورجيا واستقلت أبخازيا، والثانية مع أوكرانيا واستفتت موسكو جزيرة القرم، والثالثة في سوريا، وقد تكون المواجهة الرابعة في شمال إفريقيا، ورغم نشر قوات أمريكية وفرنسية خاصة في ليبيا، لا يزال الوضع قابلا للاشتعال في الصحراء بين البوليساريو والمغرب، أو الجزائر والمملكة. وتدعو هيلاري كلينتون إلى بنية تحتية عسكرية في شمال أفريقيا، وقالت في يناير 2013، إلى الحد من الإنفاق العسكري الذي سبب في كارثة بنغازي، وبدأ التحول من تعزيز التواجد الاستخباري الأمريكي في سيناء مرورا بليبيا وصولا إلى المناطق العازلة في الصحراء. ويعزز هذا الوضع اتفاقا جمهوريا وديمقراطيا بخصوص شمال إفريقيا، فاستراتيجية “المثلث”، التي نفذها بيل كلينتون لتقسيم الصحراء كما جاء في الصفحة 156 من كتاب ديك موريس (كوندي ضد هيلاري) لقيت دعما جمهوريا وإسرائيليا.
وفي هذه الفترة تقفز إلى الذهن، زيارة هيلاري كلينتون لموقع يهودي في ورززات، والمؤكد أن هذه العلاقة مع اليهود ليست جينية أو علاقة نسب، فالمسألة لا تتعلق إلا بما زاره الزوج الثاني لجدة أمها، لأنه يهودي، وربحت مقعدها في نيويورك من هذه اللمعة، يقول موريس (تريد هيلاري أن تكون جزء من التفاحة الكبيرة). تقول نيويورك تايمز في عددها في 9 مارس الجاري، إن مثل هذا النهج لا يمنح صوتا حاسما لهيلاري كلينتون وإثارة مواضيع “التجارة” و”الشغل” يضعان منافسها في الحزب الديمقراطي بورني ساندرز في موقع المنتصر.
تقسيم الجزائر يسبق اليوم تقسيم الصحراء لطرح المغرب تقرير مصير شعب القبايل وأمريكا تجهض الخطوة.
يستجيب اعتراف المغرب بحق تقرير مصير القبايل لخارطة إسرائيل التي رفضها أوباما ولم تول هيلاري كلينتون لها اهتماما إلا في سيطرة الجيش المصري على الحكم. وبقيت على هذه الحالة تدافع عن تغيير للمنطقة يحدث من العراق، كما يقول بوي بوشنان، وليس من مصر لخطورة زعزعة هذا البلد. ويبدو أن هيلاري كلينتون مهندسة كفؤة لهذا الجدل، ودائما من بغداد، وتتهمها دراسة معروفة بهذه المكيدة، فهي في الأصل اشتراكية أو ليبرالية جدا كما في الاصطلاح الأمريكي.
وكما تقول مجلة (بوليتيكو)، فإن هيلاري لا تخجل من المعايير المزدوجة، بل تعتبرها حية وموجودة وجيدة، وفي كرهها للإعلام، لا تريد الإجابة عن التناقضات، وعلى الأصح، لا تريد كشفا للأسرار، لأن كثيرا من الإعلام بهرجي وغير دقيق ويتسرع في الأحكام. وتريد عمقا أكبر في حوارها، لأنها كمحامية لا تقتنع بدون تفاصيل تقول إن (المعلومة غير الكاملة تؤدي إلى قرارات متناقضة). وهي على ذلك، لا تؤمن سوى بالإعلام الاستقصائي، أو ذي الأبعاد الاستراتيجية، وتنكت على الصور والتعاليق التي لا تسعفها، وكما يقول ناشرها، إنها تعطي جوهرا للتحليل السياسي. ولمن يعرف الكواليس، فإن داعش سيناء يتحكم فيها الإسرائيليون، تماما كما يتحكم ابن عم القذافي (قذاف الدم) في داعش ليبيا التي لم تعلن نفسها في درنة، بل في مكان قتل القذافي للقول أن من قتل القذافي خلق داعش، ودائما تحت السيطرة المصرية، ويعرف المتابعون التعاون بين داعش وإسرائيل في سوريا، والسعودية وداعش في العراق، وهذه الارتباطات الاستخبارية تكشف إلى أي حد يمكن أن تصل حدود السعودية بإضافة اليمن حديقة إليها، ومصر بإضافة شرق ليبيا إلى حديقتها، وتعارض نفس الأطراف إلحاق المغرب للصحراء، فاللعبة هنا أكبر، لتناقض المغرب مع هذه الأبعاد، بإعلان اعترافه بحق تقرير مصير القبايل. كانت الرباط جيدة في التموقع، ولم يفهم الأمريكيون الخرجة حول القبايل في الأمم المتحدة، فاستثنى المغرب نفسه من الترتيبات وأعادها إلى الخطة البديلة التي تتزعمها إسرائيل معلنة 7 دول جديدة في الشرق الأوسط الكبير. وتكاد لا تختلف كثيرا الأزمة التي حلت بعملية (ضباب الحرب) في بنغازي عن “ضباب القبايل”، العملية التي قادتها الرباط بخصوص الاعتراف بحق تقرير مصير أمازيغ الجزائر، وتعمل الدبلوماسية بطبيعتها وتمارس في الأماكن الخطيرة، وحيث تكون مصلحة الأمن القومي تكون الدبلوماسية، وهذه قناعة كلينتون. وفي هذه القناعة تتعدى مصالح الأمريكيين إلى الصحراء
تفاصيل اللعبة الجديدة، تتمثل في تطبيق خطة بيكر، وإن بشكل أحادي، من طرف المغرب لرفضه الاستفتاء، لأن الحكم الذاتي بعد ساركوزي يؤهل فقط إلى الاستفتاء، وهذه القناعة الأمريكية في الخارجية والبنتاغون تواجهها إسرائيل التي تريد تفجير نزاع الصحراء أو نزاع مسلح جزائري ـ مغربي لدفع روسيا إلى غرب المتوسط بعدما كثفت موسكو من حضورها في شرقه وتحديدا على الحدود الشرقية لإسرائيل (سوريا)، وكان يود ساركوزي مع هيلاري في الرئاسة الأمريكية أن يحسم الفيدرالية في المغرب، ويدير انعكاساتها على صعيد المنطقة المغاربية، لكن أوباما أخذ مكانها، ومع ظهور الحروب الطائفية في المنطقة، لم يعد ممكنا حصر الفيدرالية في دولة دون أخرى، وأصبح تطبيق خطة بيكر عن طريق الأمم المتحدة شيئا حتميا
من المهم معرفة أن هذه السيدة لا تريد مواجهة مع إسرائيل تحت أي ظرف، وانسحبت من منصبها الدبلوماسي في لحظة اقترب فيها صدام أوباما ونتنياهو، ليتولى الخارجية جون كيري، ويصل أوباما إلى صفقة مع طهران، ويقلب خارطة التحالفات في الشرق الأوسط، واختار هولاند الانسحاب من ليبيا كي لا يثير الصديق الأمريكي، وخوفا من صفقة كيري مع الجزائر، واتجه الجيش الفرنسي إلى مالي، قبل أن يتفق هولاند وأوباما على حضور بلديهما من خلال قوات خاصة فوق الأراضي الليبية، ليؤسسا جدارا يصد التواجد الروسي في شرق المتوسط، وهو ما أخاف تل أبيب، التي تريد تفجير صراع آخر جزائري ـ مغربي لنقل روسيا إلى هذه المنطقة. وغطت هيلاري على تفاصيل اللعبة الإسرائيلية فيما أخرج أوباما إسرائيل من (الغيتو)، وأدخل السعودية وحلفاءها فيه، ويقابل الغيتو السني، الغيتو الشيعي، وتؤكد هيلاري مقولة كونداليزا رايس مرارا، مكررة أن معادلة الاستقرار في مقابل الديمقراطية انتهى إلى عدم وجودهما معا.
تبحث تل أبيب على تفجير نزاع إقليمي حول الصحراء، أو نزاع جزائري مغربي لتخفيف ضغط روسيا على حدودها، والتوجه إلى صراع قديم بين روسيا والغرب حول مصير هذا الإقليم. تقول هيلاري كلينتون في كتابها الأخير جملة موحية (خلقت الحرب الباردة حربا إيديولوجية، وفي بعض الأحيان هذه الحروب حقيقية)، وعوامل الحرب المغربية ـ الجزائرية حقيقية وجيوسياسية، ولم تكن أبدا أيديولوجية. ورغم التصعيد بين المغرب والجزائر، أدرك بوتفليقة أن اللعبة الدولية وراء اعتراف المغرب بحق تقرير مصير شعب القبايل، فطلب الصمت عن الرد، وهذه رؤية هيلاري كلينتون في مواجهة الخطط الصعبة التي تضعها في حالات من الخيارات الصعبة أيضا. ويمكن في كل الأحوال، الوصول إلى القول بأن الصراع داخل المؤسسة الأمريكية بين نظرية التوازن التي تتبناها كلينتون في دبلوماسيتها الرقمية وعقيدتها “حول القوة الذكية”، وبين نظرية التقسيم، من جو بايدن إلى خيار (ب) أو الخيار البديل، يفتح حاليا خطورة حول الانتقال السريع إلى الحرب أو تقسيم الدول عوض تقسيم مناطق النزاع. تقول محادثات هيلاري في فندق ويستين باريس، إن الحوار الإقليمي ليس استخباريا فقط، بل يجب أن يكون غير عادي ومتقدم لفهم الأبعاد، وجدد جون كيري، الحوار الاستراتيجي مع الرباط للوصول إلى (التزامات حقيقية) في الصحراء، وهذه فرصة للقول، أن واشنطن لا تختلف مصالحها بين قراءة الديمقراطيين والجمهوريين، وفي حالة صعود الديمقراطيين، تكون القراءة المؤكدة أن جيمس بيكر ليس إلا جمهوريا، وتدفع الولايات المتحدة إلى تحقيق مشروعه على الأرض. إنه قرار المؤسسات، ولا يمكن بأي حال أن نعترف بأسطورة صداقة هيلاري كلينتون للمغرب، هناك استخدام ذكي للقوة الأمريكية للوصول إلى أهدافها كاملة، ويمكن التفاوض على بعض التأخيرات فقط.