خصوم “إمارة المؤمنين” في لائحة سفراء الملك إلى الخارج
19 فبراير، 2016
0 5 دقائق
إعداد: سعيد الريحاني
اختار الملك محمد السادس على غير العادة، عقد مجلس للوزراء بمدينة العيون يوم السبت الماضي، وتحولت المدينة على مدى أيام، لعاصمة لاتخاذ القرارات السياسية، وكان الصحفيون قد اعتادوا على متابعة الأخبار السياسية في الرباط، ولكنهم اضطروا هذه المرة إلى متابعة التطورات من الأقاليم الجنوبية، شأنهم شأن بعض الوزراء الذين وطأت أقدامهم لأول مرة تراب الصحراء، في عهد الحكومة الحالية، وعلى رأسهم عبد الإله بن كيران، هذا الأخير بدى مرتبكا في كل تحركاته، وكأن “رهبة المشي” فوق الرمال قد سيطرت عليه(..).
إلى حدود يوم السبت الماضي، لم يكن هناك حديث عن تعديل جزئي لحكومة بن كيران، ولم يكن هناك حديث عن تغييرات محتملة في السفراء، ولم يكن أحد يعتقد أن الوزير التقنوقراطي رشيد بلمختار، “سيستغل” مجلس الوزراء، ليتجاوز كل من رئيس الحكومة، والمجلس الأعلى للتربية والتعليم، وهو يقدم: “استراتيجية إصلاح التربية والتكوين والبحث العلمي 2015-2030″، رغم خلافه الشهير مع بن كيران حول لغة التدريس، لتقول الصحافة إن الملك أمسك العصى من الوسط، وهو يقول: “الانفتاح والتواصل لا يعني الاستلاب أو الانجرار وراء الآخر، كما لا ينبغي أن يكون مدعاة للتزمت والانغلاق”، وفي ذلك درس لبن كيران وإخوانه.
في نفس اليوم، وقع الملك محمد السادس على “ثورة” في الحقل الدبلوماسي، بدأت بترقية الكاتب العام لوزارة الخارجية، ناصر بوريطة إلى منصب وزير منتدب لدى وزير الخارجية، وانتهت بإطلاق أكبر عملية لتغيير سفراء المغرب في العالم، في عهد الملك محمد السادس منذ توليه الحكم، حيث شملت الحركية 78 وزيرا، وضمت اللائحة بشكل غير متوقع عددا من الفاعلين الحقوقيين والوجوه الحزبية، وتقول مصادر “الأسبوع” إن الأحزاب الكبرى استفادت من “كوطة” غير معلنة، مقدارها “سفير لكل حزب”، والباقي تم اختيارهم على أساس أنهم “فعاليات”.
وقد كشفت لائحة السفراء، المتداولة حتى الآن بشكل غير رسمي(..)، عن استمرار هيمنة اللوبي القوي في وزارة الخارجية، فتعيين ناصر بوريطة، المقرب من الفاسي الفهري، في منصب وزير منتدب في الخارجية، يعني بالضرورة أنه انتقل إلى منصب المخاطب الرسمي لكل السفراء الذين تم تعيينهم، وفي جميع الحالات، فقد كان ناصر بوريطة، بمثابة الموظف الكبير المدلل في وزارة الخارجية، فهو الذي كان يحضى بفرصة استقبال الوفود الأجنبية والتفاوض مع الشخصيات السامية التي تزور المغرب، وغالبا ما كان بعض الدبلوماسيين الأجانب يعبرون في مجالسهم، “أنهم كانوا يفاجؤون باستقبالهم من لدن ناصر بوريطة، وليس وزير الخارجية مزوار”.
نفس اللائحة، شهدت ترديد بعض الأسماء العائلية المألوفة عند المغاربة، مثل: “أزولاي” و”الراضي” و”بنيعيش”، و”الميداوي”، و”الفاسي”.. ولكن توجد على سبيل المثال رابطة مؤكدة بين لحسن أزولاي الذي تم تعيينه سفيرا في سويسرا، والمستشار أندري أزولاي، كما أن الذين سربوا اللائحة لوسائل الإعلام، لم يشرحوا لها ما إذا كانت هناك علاقة بين كريمة بنيعيش المعينة سفيرة في إيطاليا، وبين رفيق دراسة الملك فاضل بنيعيش السفير في إسبانيا..
وقد أخذت تعيينات السفراء نفسا حقوقيا على غير العادة، جسده حضور كل من أمينة بوعياش الرئيسة السابقة للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، التي ستشغل منصب سفيرة في السويد، وأحمد حرزني الرئيس السابق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي سيشغل منصب سفير متجول مكلف بقضايا حقوق الإنسان، وخديجة الرويسي رئيسة بيت الحكمة وزعيمة لوبي الحريات الفردية بالمغرب، وتحضى بتمويل أجنبي معروف(..)، هذه الأخيرة ستعين سفيرة في الدانمارك، هناك، حيث ينصح الزوار بعدم الحديث عن الدين، وتعلم اللغة الدانماركية(..)، وربما قرأ بن كيران النصائح التي تقدمها وكالات الأسفار لزوار الدانمارك، لذلك قال في لقاء حزبي بالدار البيضاء خلال اليوم الموالي لتعيينها: “فين كاين المشكل، هي تدافع عن الحريات الفردية، ودبا مشات للدانمارك لداكشي، دبا تشوف خيزو محلاه..”، وقد كان ذلك كافيا ليجر على رئيس الحكومة نقمة أنصار الرويسي وهم كثر.. وقد لاحظ المتتبعون كيف أن بعض أنصار المبادئ الدولية لحقوق الإنسان، وهم عمليا خصوم إمارة المؤمنين(..)، استطاعوا، هم وبعض المقربين منهم حجز أماكن داخل تشكيلة السفراء، بكل أريحية، وكان المتتبعون يطرحون منذ مدة، سؤالا محيرا؟ كيف يعقل أن يمول المخزن مؤسسات تحارب إمارة المؤمنين؟ في إشارة إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي عين رئيسه السابق سفيرا، وفي إشارة إلى الحركات الجمعوية التي تقودها خديجة الرويسي، لذلك كتب بعضهم، على هامش تثمين توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول المناصفة في الإرث بين الرجل والمرأة، ما يلي: “خرجت حركة ضمير (يوجد على رأسها صلاح الوديع) لتثمين توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول المساواة في الإرث، وبتوصيات أكثر منها كفصل الدين عن مدونة الأسرة والقانون الجنائي، بعبارات أخرى، إلغاء مصادر شرعية إمارة المؤمنين. والحقيقة أنه أمر جد محير رعاية المخزن لهذه المؤسسات العلمانية.. أمر محير، نجد له ثلاثة احتمالات لشرح أسس تمويل النظام المغربي ورعايته لاجتماعات وتوصيات حركة ضمير عصيد وصلاح الوديع، بيت حكمة إلياس العماري وخديجة الرويسي، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان لأصحابه اليزمي والصبار من قبيل: المساواة في الإرث.. فصل الدين عن مدونة الأسرة والقانون الجنائي/ فصل سلطة الملك الدينية عن السياسية، أو تنازل الملك عن سلطة إمارة المؤمنين.. 1- هل الأمر يتعلق فقط بظواهر صوتية يمولها النظام كمنظرة أمام المجتمع الدولي.. على أساس أننا نملك مجالس ومؤسسات ومنابر إعلامية علمانية مستقلة تُخرج توصياتها بكل حرية وأريحية، وأن النظام، رغم أنها لا تناسب استقرار سلطه، يستقبلها بصدر رحب، تأكيدا على حرية التعبير بالمغرب؟ 2- أم لأن النظام المغربي فعلا يسير نحو التنازل عن إمارة المؤمنين.. وتفريغ مدونة الأسرة والقانون الجنائي من تشريعات الدين، وحشوها بتوصيات البنك الدولي والاتحاد الأوروبي، حتى نصبح نسخة مطابقة لهم، قصد استكمال مشوار اتفاقيات التبادل الحر، وبالتالي فالنظام يحتاج إلى هاته التوصيات لتخرج على شكل موجات إعلامية بشكل مستمر لجس نبض الشارع العام.. ولجعل الشعب المغربي يألفها ويستسيغها قبل أن يتم تطبيقها؟ 3 ـ أم أن النظام المخزني/ المحيط الملكي منقسم داخليا ويعرف حروبا باردة بين فئتين: فئة رأسمالية صوفية محافظة.. مبقية على تأثير الملك كأمير للمؤمنين لضمان ولاء الأغلبية الشعبية المحافظة، وضمان الاستقرار تحت نوع من الرقابة الدينية تبعدنا عن تأثيرات التطرف المشرقية أو التشيع الإيرانية.. ومبقية على تأثيره وسلطته كوالٍ تيجاني تتبرك به الشعوب الإفريقية حتى يمدد شركاته في أسواق القارة ويجدد اعتراف الدولة الإفريقية الفرنكفونية على الأقل بمغربية الصحراء (المصدر: ميساء سلامة الناجي/ موقع الهافينغتون بوست).
وكانت إشاعة تعيين صلاح الوديع، سفيرا في أندونيسيا، وهو عضو في حركة لكل الديمقراطيين، قد أسالت الكثير من المداد، قبل أن يتضح بأن الأمر مجرد تشابه في الأسماء، حيث أن الأمر يتعلق، بـ “وديع بنعبد الله”، الذي تم تعيينه بعاصمة أندونيسيا “جاكارطا”، وهو المقرب من صلاح الدين مزوار.
وإذا كان تعيين الوديع مجرد إشاعة، فإن لعبة التقارير، كانت قد تدخلت لإزاحة عدد كبير من الأسماء في اللحظات الأخيرة من اللائحة، التي كان يجري الاشتغال عليها منذ خطاب العرش الماضي، الذي انتقد فيه الملك محمد السادس الدبلوماسية، ودعا فيه إلى وضع حد لتجربة “القناصلة المقصرين”، والتقارير هي التي تسبب بلا شك في وضع حد لمهام بعض السفراء في الخارج، كما هو الشأن بالنسبة للسفير حسن أبو أيوب، في إيطاليا، والذي ستحل محله كريمة بنيعيش، وكانت الصحف قد تحدثت عنه كمرشح محتمل لقيادة الحركة الشعبية بدل امحند العنصر.
بلغة التقارير دائما، فإن عبد القادر لشهب سفير المغرب في موسكو (روسيا) قد أزيح من منصبه بعد أن وصل إلى سن التقاعد، واشتهر بقوله: “لم يعد هناك مكان للدبلوماسية التقليدية”، وسيحل محله لطفي عواد، غير أن أكبر المحظوظين هي الاتحادية نزهة الشقروني، التي كانت التقارير الإعلامية قد رسمت عنها سورة سيئة في كندا، ولكنها ستظل في منصبها، شأنها شأن سفير المغرب في الإمارات، محمد أيت أوعلي..
وتعد هذه المرة الأولى التي يعين فيها سفير من حزب العدالة والتنمية، ويتعلق الأمر برضى بنخلدون، عضو الأمانة العامة، ورئيس مقاطعة أكدال، وربما يكون هذا التعيين بمثابة متنفس له، بعيدا عن مشاكل المقاطعة، فقد قالت الصحافة إن بنخلدون سيرحل إلى ماليزيا، ويترك المقاطعة التي يترأسها غارقة في الأزبال(..)، ويعتبر بنخلدون أنشط أعضاء العدالة والتنمية في علاقة مع نشطائها بالخارج، لذلك كان هو من حاول تطويق تداعيات “استضافة مؤتمر العدالة والتنمية لناشط إسرائيلي، شغل منصب مستشار لرئيس الوزراء الراحل إسحاق رابين (عوفير برانشتاين)، حيث أوضح لوسائل الإعلام، “أن استدعاءه تم بواسطة فرع الحزب في أوربا وبجواز سفر فرنسي، معتبرا أن “برانشتاين” استدعي لأنه فرنسي يرأس مركزا للسلام الدولي، ومعروف بدفاعه عن قضايا فلسطين”.