ملف الأسبــــــوع | كيف تحولت محاكمة مدير المكتب الوطني للمطارات إلى فضيحة قضائية؟

لعيد المولد النبوي نكهته الخاصة، ولكن، لم يكن هناك مجال أمام “عبد الحنين بنعلو” المدير السابق للمكتب الوطني للمطارات أي فرصة ليقتسم هذه الفرحة مع أبنائه خلال الأسبوع الماضي، حيث مازال يقضي في سجن عكاشة بالدار البيضاء عقوبة حبسية قد تصل إلى خمس سنوات، ما لم تتحرك جهات عليا لتحرك هذا الملف “اللغز” من جديد.
أكثر من 20 جلسة محاكمة، بناء على صك اتهام دبجه المجلس الأعلى للحسابات في عهد مديره السابق “أحمد الميداوي” انتهت “بتغريق” واحد من كبار الأطر في الإدارة المغربية. ما بين الابتدائي والاستئنافي كان بنعلو يقدم معطيات خطيرة، يحاول أن يؤكد من خلالها وجود “صراع الشركات والمصالح” خلف القضية التي يتابع فيها، لكن رئيس غرفة جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بالبيضاء “علي طرشي” لم يأخذ تصريحاته بعين الاعتبار، قبل أن ينطق بالعقوبة، التي وصلت إلى خمس سنوات سجنا، وفي جميع الحالات لم تكن المحكمة لتوافق على طلب السراح المؤقت الذي تقدم به الدفاع أكثر من مرة.
وسبق لـ”الأسبوع” أن أكدت أن تفاصيل المحاكمة موزعة بين ثنايا ما يزيد عن 1500 ورقة، دون احتساب التقارير، كما لو أن الأمر يتعلق بمحاكمة أحد رؤساء الأنظمة البائدة، بنعلي أو القذافي، “أنظر الأسبوع عدد: الخميس 12 دجنبر 2013”. لكن سبر أغوار هذا الملف، “تمكن من الوقوف على تصريحات مذهلة، وعلى علاقات عائلية امتزجت بعلاقات مصالح الأفراد والشركات، كما أن صياغة تقرير المجلس الأعلى للحسابات هي الأخرى لا يمكن أن تسلم من النقد”، حسب مصادر “الأسبوع”.
طيلة أطوار المحاكمة كان بنعلو يردد: “.. هذه ليست محاكمة بنعلو ومن معه، إنها محاكمة طريقة تسيير ومحاكمة فريق عمل كانت له شجاعة التصدي للوبيات ولشبكات كانت تستفيد من صفقات المكتب الوطني للمطارات”، حتى أن القاضي المكلف بالتحقيق أوقفه في إحدى الجلسات ليسأله :”آ شكون هاذ الشبكات آ السي بنعلو”، ليرد هذا الأخير، “راكم قريتو الملف، وكتعرفو شكون هوما”.
ماذا كان يقصد المتهم بنعلو بالشبكات؟ الجواب على هذه الجزئية كشفته أطوار المتابعة، عندما أكد بعض المتهمين أن رئيس الغرفة الثانية بالمجلس الأعلى للحسابات هو نفسه الموظف السابق بالمكتب الوطني للمطارات والذي شغل منصب المراقب المالي تحت إدارة أحمد البياز، فضلا عن العلاقة العائلية بينهما، كما أن أخ رئيس الغرفة الثانية بالمجلس الأعلى للحسابات، كان يشتغل بالمكتب الوطني للمطارات، وكان قد حصل على قرض بدون فائدة من طرف المكتب، إلا أنه لم يقم بإرجاع هذا القرض فتم طرده، ولم يكن عبد العالي سرحان الوحيد الذي لم يقم بإرجاع القروض، بل كانت هناك لائحة تضم عدة أسماء حصلوا على قروض ولم يرجعوها إلى المكتب.
وتنفرد “الأسبوع” بنشر هذه اللائحة، وهي عبارة عن وثيقة صادرة عن “القسم القانوني” وتظهر فيها عدة أسماء استفادت من قروض تتراوح بين 6 ملايين و30 مليون سنتيم، ويظهر من خلالها أن عبد العالي سرحان أخ رئيس الغرفة الثانية بالمجلس الأعلى للحسابات قد استفاد من قرض قيمته 15 مليونا، كما يظهر من خلال اللائحة أن المدير السابق للمكتب الوطني للمطارات قد استفاد هو الآخر من قرضين؛ الأول بقيمة 30 مليون سنتيم والثاني بقيمة 10 ملايين، أنظر صورة الوثيقة.
هذه اللائحة لم يظهر لها أثر في تقرير المجلس الأعلى للحسابات، ولكن ظهرت من خلال تتابع جلسات المحاكمة، ليطرح السؤال عن الغرض من إصدار تقرير قضائي يُشَهر ببعض الأسماء ويتجنب الإشارة لبعض الأسماء الأخرى؟ ثم كيف يمكن إسناد مهمة صياغة تقرير عن مؤسسة معينة لموظفين سابقين فيها؟ بمعنى أدق، كيف يمكن أن يتولى قضاة المجلس الأعلى للحسابات تحرير صك اتهام ويقدمونه لقضاة العدل في ملف مؤسسة كانوا مشاركين في تسييرها؟(..).
ألا يمكن القول إن بنعلو هو ضحية “سوء تسيير للمجلس الأعلى للحسابات” في عهد الرئيس السابق أحمد الميداوي، خاصة أن بعض التقارير الإعلامية ربطت بين “التعيين المُفاجئ لرجل الاقتصاد والمهمات الخاصة “ادريس جطو” في منصب الرئيس وبين خمسة أخطاء عجلت برحيل الميداوي، أهمها: توتر العلاقة مع وزارة العدل والحريات، والتوتر مع بعض قضاة المجلس، والانتقائية في الافتحاص وفي الإحالة على القضاء(..).
