ملف الأسبــــــوع | التقرير الرسمي الذي اتهم الدولة وأغضب النخب الصحراوية
يهدف مشروع “تنمية الأقاليم الجنوبية الذي صاغه المجلس الاقتصادي والاجتماعي في عهد رئيسه السابق، شكيب بنموسى، إلى مضاعفة الناتج الداخلي الخام وخلق أكثر من 120 ألف منصب شغل جديد في أفق 10 سنوات، وتخفيض نسبة البطالة في هذه المناطق إلى النصف، كما يقتضي هذا المشروع كما هو مدون فيه، تعزيز الثقة بين المجتمع والدولة وتأكيد سمو احترام الجميع لسيادة القانون وضمان الولوج إلى العدالة، من خلال دعم المؤسسة القضائية وضمان قربها.
كما يهدف المشروع إلى “العمل على الانتقال من اقتصاد الريع الذي يعتمد على الأنشطة الأولية والامتيازات، إلى إطار يشجع الاستثمار الخاص المنتج للثروة وفرص الشغل، ويضمن الشفافية واحترام قواعد المنافسة الشريفة، وخلق دينامية نمو جديدة تؤمن الانتقال إلى إطار اقتصادي قابل للتوقع ومحفز للمستثمرين.
———————-
أن تفكر الدولة في مشروع للتنمية في الأقاليم الجنوبية عبر مؤسسة رسمية يعد أمرا محمودا، لكن أن تقوم مؤسسة رسمية هي المجلس الاقتصادي والاجتماعي بمعاتبة الفاعلين في منطقة الصحراء هذا هو ما لم يتقبله البعض، “فقد بقيت فرص الشغل غير كافية وبقي معدل البطالة مرتفعا في 15 في المئة مقارنة مع 9 في المئة بباقي أنحاء المغرب، ويضاف إلى صعوبة الاندماج المهني، مشاعر الحرمان، والإحساس بالحيف، والتعبير عن الضرورة الملحة للاستجابة الفورية للانتظارات(..) ذلك أن آلية المساعدة الاجتماعية، رغم حجمها الهام من حيث الميزانية والمساعدات العينية أو المالية التي يجرى تقديمها، لا تشجع على اتخاذ المبادرة ولا تحسين حظوظ التشغيل للمستفيدين منها، كما يبدو أنها ليست مركزة بالقدر الكافي على الساكنة الأكثر هشاشة”، يقول التقرير.
——————–
التحولات العميقة التي عرفها مجتمع الصحراء
يؤكد تقرير شكيب بنموسى الذي ورثه نزار بركة أن المجال الترابي والبنية الديمغرافية والاقتصاد في الجهات الجنوبية الثلاث عرف تغيرا عميقا منذ تحريرها من الاستعمار الفرنسي عام 1956 بالنسبة لكلميم وطاطا، وفي سنة 1958 بالنسبة طانطان وطرفاية، وفي 1975 بالنسبة للسمارة وجهة العيون(..) ويرى أصحاب التقرير المشار إليه أن ساكنة الأقاليم الجنوبية تضاعفت على مدى عقدين من الزمن، وارتفع عدد الساكنة بنسبة ثلاثة في المئة ما بين 2004 و2012، ولعبت الدولة دورا فاعلا وأساسيا في هذا التحول من خلال وظائفها السيادية والاعتماد على آلية الاسثمار العمومي.
————————
أول تقرير رسمي يدين سياسة الدولة في الجنوب
أخطر ما تضمنه تقرير شكيب بنموسى هو حديثه عن ” بعض حالات الشطط في استعمال السلطة، يستنكرها المدافعون عن حقوق الإنسان، تتمثل في أعمال ترهيب بسبب الرأي أو بحالات معاملة سيئة في الوسط السجني، كما أن هناك ادعاءات بوقوع حالات رفض غير مبرر لتسليم تواصيل التصريح بجمعيات، حسب المدافعين عن حقوق الإنسان الذين يرون في ذلك مسًّا بالحق في تكوين الجمعيات” “المصدر: الفقرة 42 من التقرير ص:35”.
“الاعتراف الرسمي” بوجود شطط في استعمال السلطة، بادرة غير مسبوقة في الأوساط الرسمية، كما أنها تنضاف إلى سلسلة انتقادات أخرى تضمنها التقرير الذي أغضب عددا من النخب الصحراوية، ومنها أن توزيع المساعدات والدعم والمواد الغذائية والمحروقات وأنظمة المنح للطلبة، وعمليات التشغيل في الإدارات العمومية، “تجرى في الوقت نفسه، دون أية منظورية ولا تنسيق ولا محاسبة على مستوى تقييمها، أو تقييم أثارها في مجال تراجع الفقر، أو تراجع حالات الميز المرتبطة بالنوع، أو تحسين وضعية الأشخاص أو الجماعات في وضعية هشاشة”.
——————-
فشل سياسة “بطائق الإنعاش”
خصص تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي أجزاء كبيرة منه لتوضيح ما أسماه “نقاط ضعف ينبغي تجاوزها”، حيث يعتبر التقرير أن النموذج الاجتماعي والاقتصادي الذي تم اعتماده في الجنوب قد بلغ مداه، بما يحدثه من أثار تخلق في نفوس المواطنين شعورا بالحيف، وغياب الشفافية في مجال تدبير الشؤون العمومية، حسب لغة التقرير.
كما يؤكد نفس المصدر عدم فعالية آلية الاندماج والتضامن، فإذا كانت الأقاليم الجنوبية تستفيد من جزء مهم من المساعدات، بميزانية تقدر تقارب 6.4 ملايير درهم، جزء مخصص لدعم بطائق الإنعاش، فإن “هناك عددا كبيرا من الأسر والأشخاص لا يتلقون المساعدات الاجتماعية المقدمة حاليا. والأشخاص الذين يستفيدون من تلك المساعدات والذين يناهز عددهم 118 ألف شخص، ينتمون في أغلبهم إلى إحدى مجموعتين، العاطلون المعرضون للهشاشة، وساكنة مخيمات الوحدة، كما أن نظام المساعدات غير موحد في الأقاليم الجنوبية، حيث نجد أن القفة الغذائية والإنعاش الوطني يعنيان على الخصوص وبالنسبة الغالبة ساكنة جهتي العيون، بوجدور، الساقية الحمراء، ووادي الذهب لكويرة.
بصفة عامة يعتقد أصحاب التقرير أن السياسة الاجتماعية المتبعة ذات طبيعة إشكالية على ثلاثة مستويات، فالإنفاق لا يستفاد منه استفادة قصوى ولا يخضع للمراقبة، وهو لا يحظى بدعم المواطنين ورضاهم لكونه يشكو من ضعف في الاستهداف، كما أنه لا يشجع على الاستقلالية واتخاذ المبادرة.
———————
فشل السلطة والقطاعات الاجتماعية
رغم الملايير المخصصة للصحراء، والتي تفوق ما تم تخصيصه لمخطط مارشال الخاص بإعادة بناء أوربا، حسب تعبير البرلماني، ّإبراهيم الجماني، فإن التقرير المشار إليه يؤكد أن السلطات العمومية لا تمتلك رؤية واضحة عن الأعمال المنجزة لفائدة الفئات الهشة، “كما أن الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين لا يرحبون كثيرا بهذه الأعمال، ويفسر هذا الأمر في جزء كبير منه بعدم وجود معايير واضحة في هذه الأقاليم(..) لتحديد الأشخاص في وضعية هشاشة”.
ولا توجد من جهة أخرى،حسب نفس المصدر، مؤشرات تبين التطور الصور النمطية التمييزية والعوائق التي تحول دون ولوج النساء إلى وظائف التكافل العائلي في شتنبر 2011، بميزانية تقدر بنحو 160 مليون درهم، والاستفادة من خدمات هذا الصندوق منحصرة في النساء المطلقات المعوزات وأطفالهن.
وبالإضافة إلى الصعوبات التي تواجه نظام المساعدات والتكفل بأشخاص في وضعية إعاقة، فإن “بعض المواطنين العائدين من مخيمات تيندوف، يشتكون من وضعيتهم الاجتماعية والعائلية، ويعتبرون أن المساعدات التي يحصلون عليها عبر بطاقات الإنعاش الوطني لا تكفي لسد حاجتهم اليومية، كما أنهم لا يستفيدون من أية مواكبة نفسية كفيلة بتسهيل اندماجهم التاريخي، وليست هناك أية آلية لتقييم وتتبع درجة اندماجهم الاجتماعي والمهني”.
—————————
ضعف المنظومة التربوية في الأقاليم الجنوبية
خلصت جلسات الاستماع التي نظمها المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى نتائج خطيرة فيما يتعلق بالمنظومة التربوية في المناطق الجنوبية، بعد أن وقفت بشكل واضح على الولوج المحدود للتكنولوجيات الجديدة، وضعف تدريس تاريخ المنطقة وتاريخ الثقافة والتراث الحسانيين، وضعف توجيه التلاميذ نحو المسالك العلمية، والاكتساب الضعيف للغات الأجنبية، وخصوصا منها الفرنسية.
ويبلغ فشل المنظومة التربوية مداه في جهة كلميم السمارة، حيث تتحدث الساكنة عن نسب كبيرة من الهدر المدرسي في صفوف الفتيات خصوصا في طاطا وأسا(..) ويعزى هذا الهدر إلى عدة عوامل، منها الأثر السلبي لسياسة المساعدة على مواصلة الدراسة، والعوامل الثقافية، والانتماء الاجتماعي والمسافات الجغرافية، أما مواصلة الدراسات العليا فتواجهها مجموعة من المشاكل من بينها بعد المدارس الكبرى والجامعات.
التقرير يشير إلى جزئية مهمة قد تكون وراء فشل التعليم بهذه المناطق وتظهر من خلال الفقرة التالية: “لا يسلم تكوين الأطر التربوية من النقد من حيث مضمونه وجودته خصوصا تجاه الأطر الذين تم توظيفهم بدون مباراة، ودون أي تكوين بداغوجي(..)”.
أما فيما يتعلق بالتعليم الجامعي فإلى حدود يناير 2013، لا تتوفر الأقاليم الجنوبية على جامعة مندمجة ومستقلة، وهو ما يؤدي إلى إضعاف نسبة حضور حاملي الشهادات الجامعية في صفوف الطلبة المنحدرين من الجنوب(..).
——————-
منظومة صحية لا تستجيب للتطلعات
لم يغب على اللجنة التي صاغت “نموذجا للتنمية في الأقاليم الجنوبية” التطرق إلى الوضع الصحي، حيث اعتبرت أن قرى الصيادين التي تشهد نشاطا ملحوظا، لا توجد بها تجهيزات عملية كافية للوقاية وتلقي العلاجات الضرورية، كما أن التغطية الصحية تبقى ضعيفة جدا لا يتجاوز عدد الأسرة المخصصة لكل 1287 شخصا، سريرا واحدا في جهة وادي الذهب لكويرة، كما ان الموارد البشرية في القطاع الصحي تبقى غير كافية، وغير مستقرة، “وكثيرا ما يعتبر تعيين الأطباء بالأقاليم الجنوبية، نوعا من العقاب، كما يسجل ضعف في إقبال الأطباء على هذه الأقاليم رغم الإجراءات التحفيزية المتخذة لاستقطابهم.
——————–
لماذا فشل الإقلاع الاقتصادي في الجنوب؟
يبقى السؤال المطروح في المناطق الجنوبية هو: لماذا لم تحقق الأقاليم الجنوبية الانطلاقة الاقتصادية المتوقعة منها؟ الجواب على لسان المجلس الاقتصادي والاجتماعي:”لم يتحقق الإقلاع الاقتصادي المنتظر في الأقاليم الجنوبية، لأن الاقتصاد ظل محدود التنوع، ويرتكز في جزئه الأكبر على القطاعات الأولية، كما أن الموارد الطبيعية غير مثمنة إلا بنسبة ضئيلة، وعلى رأسها تلك المتأتية من الصيد البحر، وبقيت قطاعات التجارة والبناء والأشغال العمومية، مرتهنة إلى حد كبير، بالاستثمارات والمساعدات التي توفرها الدولة، بينما انحصرت مساهمة الفلاحة والسياحة في مستويات متدنية، ويخضع الاقتصاد برمته خضوعا كبيرا للنفقات العمومية”.
وينضاف ما سبق إلى معضلة أخرى تتمثل في سيادة عقلية الريع، التي تتحكم في اقتصاد هذه المناطق مع نشاط تجاري ضعيف، وهناك ضعف كبير في إنشاء المقاولات، خصوصا بسبب انعدام تحفيزات لجذب القطاع الخاص، وضعف روح المبادرة، وغياب سياسة تمويل تشجع على خلق المقاولات، ولا سيما على مستوى المراحل الأولى من حياة المقاولة.
يمكن القول كذلك إن ما يقسم ظهر المناطق الجنوبية هو قلة الجاذبية الاستثمارية، “فرغم الإجراءات التحفيزية العديدة التي يستفيد منها وسط الأعمال بالأقاليم الجنوبية، فإنه لا يفلح في جذب المستثمرين الخواص المغاربة والأجانب، ويظل الاستثمار الخاص ضعيفا (3 إلى 4 ملايير درهم)، ويقوم به في الغالب الأعم مستثمرون محليون، (60 إلى 65 في المئة)، ومستمرون من باقي مناطق المغرب بنسبة تتراوح بين 30 و35 بالمئة، وأجانب (10 إلى 15 في المئة).
كما أن نسبة الضرائب المحصلة في الأقاليم الجنوبية تبقى ضعيفة جدا، وتتميز الوضعية العقارية بضعف تسجيل الممتلكات والبطء في فض المنازعات، وضعف تجهيز الأراضي لأغراض اقتصادية، وغياب الشفافية في منح الأراضي التي تمنحها الدولة، وهي مساطر لا تخدم دائما مصالح الساكنة المحلية.