تحليلات أسبوعية
ملف الأسبــــــوع | هل يمهد إسقاط بن كيران لإسقاط الدولة ؟
الرباط – سعيد الريحاني
“بالله عليكم، كيف لرجل أصبح رئيسا لدولة كبيرة مثل مصر وبالانتخاب ووراءه جماعة ضخمة تدعمه.. أن تنزع منه هذه الدولة في أقل من ثلاث دقائق، هي تقريبا الفترة التي استغرقها بيان الفريق أول عبد الفتاح السيسي في 3 يوليوز 2013، الذي استجاب فيه لهتاف الملايين برحيل الرئيس الإخواني ..”، هكذا تساءل محمد الباز صاحب كتاب “الداهية والهلفوت/ السيسي ومرسي من الوفاق إلى الصدام.
الكاتب نفسه يبرر النتيجة الحتمية التي انتهت بعزل مرسي وحبسه بقوله: “قد نقول إن نتيجة المواجهة محسومة.. فأنت تضعها بين ثنائية “الداهية والهلفوت”.. وعليه فليس من العدل أن نقيم مباراة بينهما.. لكن ماذا نفعل ودراما العلاقة بين السيسي ومرسي تفرض نفسها علينا.. دراما بدأت بما يمكن أن نسميه الإعجاب والارتياح، وانتهت بالصدام العنيف الذي لم يبق شيئا وراءه ولم يذر.. دراما تسجل من بين ما تسجل جزءا من تاريخ مصر”.
ربما يكون جزء كبير من المصريين تجاوز قضية طرح السؤال حول “أسباب سقوط مرسي”، لكن هل يمكن طرح نفس السؤال في الحالة المغربية؟ هل يمكن القول إن عبد الإله بن كيران رئيس الحكومة يتجه نحو سقوط حتمي؟ ألا يمكن القول إنه يكرر نفس الخطإ الذي ارتكبه محمد مرسي، عندما وصل إلى منصب لم يكن يحلم به؟ ألا يمكن القول بأنه هو الآخر يكرر تجربة “الهلفوت” عندما يقول بأنه مجرد رئيس حكومة(..).
والحال أن الدستور الذي بين يديه يعطيه عدة صلاحيات، يعاب عليه حتى الآن عدم قدرته على تفعيلها، ألا يقول الدستور المغربي، “يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب وعلى أساس نتائجها. ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها (الفصل 47 من الدستور)، ويتقدم رئيس الحكومة، بعد تعيين الملك لأعضائها، أمام مجلسي البرلمان مجتمعين، ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه. يكون البرنامج موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين، يعقبها تصويت في مجلس النواب (الفصل 88 من الدستور). وتعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم لصالح البرنامج الحكومي، (الفصل 88 من الدستور)”.
ألا تكفي كل هذه الاختصاصات الدستورية لكي يحس بن كيران بأنه قادر على الحكم، ألا يعلم بن كيران أن بإمكانه الدعوة لعقد المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك؟ ألم يقرأ الفصل 48 من الدستور الذي يقول: ” لرئيس الحكومة أن يطلب عقد المجلس الوزاري، ويتداول في: التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة ومشاريع مراجعة الدستور ومشاريع القوانين التنظيمية والتوجهات العامة لمشروع قانون المالية، ومشاريع القوانين – الاطار ومشروع قانون العفو، ومشاريع النصوص المتعلقة بالمجال العسكري، وإعلان حالة الحصار، وإشهار الحرب، ومشروع مرسوم حل مجلس النواب، والتعيين في بعض الوظائف المدنية وتعيين المسؤولون عن المؤسسات والمقاولات الاستراتيجية”.
لا أحد بالضبط يستطيع أن يعرف ما يفكر فيه بن كيران بالضبط، ولكن الأكيد أن شيئا من مرسي قد أصابه هو الآخر، ألم يقل ذات يوم: “يكفي شرفا لهذه الحكومة أنه بعد شهر من تشكيلها هدأ الشارع إلى اليوم، رغم الصعوبات والاضطرابات.. المغرب منطقة مستقرة في محيط مضطرب” (تصريحه في ملتقى شبيبة العدالة والتنمية، يوليوز السنة الماضية)، ألم يتنصل في اللحظات الحاسمة بقوله داخل البرلمان، خلال جلسة المساءلة الشهرية في شهر يونيو 2012 بعد عام واحد من تنصيبه: “إنه مجرد رئيس الحكومة من بين 34 مليون مغربي ممكن أن يكونوا رؤساء الحكومة، وإن المسؤولية الأولى هي مسؤولية الملك”.
هل يوجد تصريح أخطر من تصريح رئيس الحكومة بأنه لا يحكم؟(..)، هل نصدق الدستور أم نصدق عبد الإله بن كيران، صاحب أناشيد “التماسيح والعفاريت”؟ هل توجد “دار غفلون” أكبر من قول بن كيران بأنه قادر على البقاء في الحكومة لمدة 20 سنة، وبين قوله بأنه لا يحكم؟(..).
إن ما يقوم به رئيس الحكومة حتى الآن هو مسك العصى من الوسط، ألم يقل ذات يوم في عز التحضير للانتخابات التشريعية التي بوأته الصدارة: “إن الوسطية هي منزلة بين المنزلتين، ما دون البغل وفوق الحمار”، ولكم أن تتصوروا مستوى رجل دولة ينهل من قاموس الحيوانات في كل مرة ليتحدث أمام الرأي العام، إن ما حدث لبن كيران حسب ما يردده معارضوه هو “صعوده من الحمارة إلى الطائرة”. ماذا لو كان الإضراب العام الذي دعت إليه أكبر النقابات في المغرب يوم 29 أكتوبر القادم، آخر عهد بن كيران بالحكومة، غير أن المشكلة في هذه الحالة تتعدى مشكلة سقوط بن كيران، إلى مشكل البحث عن البديل، في ظل هذا التفاعل غير المسبوق بين المعطيات الداخلية والخارجية(..).
—————————————