المنبر الحر | قراءة في المقاربة الملكية للعمل الإفريقي المشترك

بقلم: د. رضوان زهرو
بعد تأكيد الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الثامنة والأربعين لحدث المسيرة الخضراء، على مواصلة مسيرة التنمية والبناء والتحديث التي تعرفها بلادنا، من خلال استثمار واستغلال مؤهلات وإمكانات جميع المجال الترابي للمملكة، بما في ذلك الصحراء المغربية، وبعد استحضار الدور المتميز الذي تقوم به الدبلوماسية المغربية، وفي مقدمتها، الدبلوماسية الملكية، في تدبير ملف وحدتنا الترابية، أكد الخطاب الملكي على الرهانات الكبرى والاستراتيجية المرتبطة بالواجهة الأطلسية للمملكة، خاصة الواجهة الأطلسية للصحراء المغربية.
ولربح هذه الرهانات، قدم الملك محمد السادس آليات إجرائية ومقترحات عملية من شأنها إرساء منظومة اقتصادية تنافسية قوية، وفي هذا الإطار، تأتي الأهمية الاستراتيجية لهيكلة الفضاء الأطلسي، بمعطياته الجيو-سياسية على المستوى الإفريقي، على أساس معرفة جيدة للرهانات والتحديات التي تواجه الدول الإفريقية عموما، والأطلسية منها على وجه الخصوص.
فالمغرب – كما هو معلوم – وبرؤية استشرافية من جلالة الملك، كان سباقا لاستكشاف إفريقيا، والشراكة مع إفريقيا، وفق مقاربة ملكية متكاملة تقوم على: “الثقة في إفريقيا وفي إمكانات إفريقيا”؛ و”أولوية المصالح المشتركة، على أساس مبدأ رابح-رابح”، وهو ما جعل المغرب اليوم، كما يقول الملك، ذلك البلد المستقر والموثوق به وذو المصداقية داخل إفريقيا، وأمام العالم ومؤسسات العالم، ما أهله في الماضي ويؤهله اليوم ومن دون أدنى شك:
+ للدفاع عن مصالح إفريقيا، ودعم طموحاتها المشروعة، ومواكبة الإصلاحات والجهود التي تقوم بها، خاصة ما يتعلق بالولوج إلى البنيات الأساسية، وجلب الاستثمارات والانتقال الطاقي والانتقال الرقمي؛
+ المساهمة كذلك مع كل شركاء المغرب، وعبر آليات التعاون الدولي، في إيجاد الحلول لعدد من الرهانات والتحديات التي تهم اليوم الدول الإفريقية، خاصة الأطلسية منها، كقضايا المديونية، والتبعية، والتغير المناخي، واستنزاف الثروات الطبيعية.
ولأن الواجهة الأطلسية الإفريقية تعاني من خصاص ملموس على مستوى البنيات التحتية بالرغم مما تتوفر عليه من مؤهلات بشرية وموارد طبيعية، فتجاوز هذه الوضعية لا يتم إلا من خلال العمل المشترك، والذي يقوم أساسا، على:
– أولا: اعتماد آلية الشراكة لإيجاد إجابات عملية للإشكالات المطروحة، وفي هذا الإطار، يندرج المشروع الاستراتيجي لأنبوب الغاز المغرب-نيجيريا.
– ثانيا: إحداث إطار مؤسسي يجمع الدول الإفريقية الأطلسية (23 دولة) بمثابة فضاء جيو-سياسي وتكتل اقتصادي، للشراكة والتعاون والتواصل الإنساني والتكامل الاقتصادي، والاندماج الجهوي، والإشعاع القاري والدولي، بهدف توطيد الأمن والاستقرار والازدهار المشترك، بعيدا عن لغة الإكراه أو الابتزاز التي لا زالت تسعى إلى ممارستها للأسف، بعض الدول الاستعمارية قديما، داخل القارة السمراء، ضدا على المصالح العليا للدول الإفريقية.
– ثالثا: إطلاق مبادرة دولية تهدف إلى تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي، كمنفذ مباشر لها على المحيط الأطلسي، انطلاقا من الصحراء المغربية، حيث سيصبح بإمكان هذه الدول الوصول إلى الواجهة الأطلسية، والتي وصفها جلالة الملك بـ”بوابة المغرب نحو إفريقيا، ونافذة انفتاحه على الفضاء الأمريكي”، كل ذلك يجب أن يتم في إطار مقاربة شاملة، قائمة على التعاون والشراكة، على اعتبار أن المشاكل والصعوبات التي تواجه دول منطقة الساحل اليوم، لا يمكن حلها بالأبعاد الأمنية والعسكرية فقط.
إن إنجاح هذه المبادرة، يقول جلالة الملك، يبقى من جهة، رهينا بتأهيل البنيات التحتية لدول الساحل، والعمل على ربطها بشبكات النقل والتواصل بمحيطها الإقليمي، وباستعداد المملكة لوضع بنياتها التحتية المينائية والطرقية والسكك الحديدية رهن إشارة الدول المعنية، من جهة أخرى.
الخطاب الملكي أعاد استحضار تميز الأمة المغربية بقيمها الروحية والوطنية والاجتماعية، معتبرا الحديث عن القيم من خلال نموذج الجدية ليس عتابا، لكنه تشجيع على مواصلة استكمال المشاريع والإصلاحات ورفع التحديات، كما عرج كذلك على الزخم والدينامية الإيجابية التي تعرفها قضية الصحراء المغربية، المتجسدة في اعتراف العديد من الدول بمغربية الصحراء، وبكون مبادرة الحكم الذاتي هي الحل الوحيد لتسوية هذا النزاع المفتعل.