الحقيقة الضائعة | من باحماد إلى البوليساريو
المناورات الأجنبية ضد السيادة المغربية "الحلقة 53"

تفاجأنا في “الأسبوع” بكم هائل من رسائل القراء، وخصوصا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تطالبنا بالاستمرار في نشر كتابات مؤسس جريدتنا، المرحوم مصطفى العلوي.
وتلبية لطلب هؤلاء القراء الأوفياء المتعطشين لصفحة “الحقيقة الضائعة” التي غابت عنهم هذا الشهر، تعود هذه الصفحة بقلم الراحل مصطفى العلوي لتقديم جزء مما تركه من مؤلفات ذات قيمة تاريخية.
كتاب “المناورات الأجنبية ضد السيادة المغربية” الذي صدر في خمسة أجزاء، نستهلها بنشر الجزء الأول الذي يهتم بالمراحل التي كان عليها المغرب قبل الاحتلال، أيام السلطان الحسن الأول، ثم مراحل الاحتلال، ومراحل مقاومة الاحتلال، ثم الاستقلال في الأجزاء التالية، حيث سيجد القارئ عناصر تنشر لأول مرة.
تتمة المقال بعد الإعلان

يروي أجدادنا لأبنائنا، ويؤكد هذا آباء لنا لا زالوا على قيد الحياة، أن حي المخفية بفاس، كان كل مطلع شمس يهتز بالموكب الكبير، موكب الوزير الأول باحماد، الذي كان يسكن في جنان يسمى جنان عبد الله بالمخفية.
وللمقارنة، لا بد من زيارة حي المخفية بفاس القديمة لرؤية النموذج الحي للظروف الاجتماعية التي كانت تحيط بالوزراء ورجال السلطة.. فقد كان موكب باحماد يخرج من الجنان كل صباح على متن بغلته مخفورا بكوكبة من المخازنية الممتطين بهائمهم أو الراجلين، وقد هبوا جميعا مؤكدين بواسطة مواكبتهم لفوج الوزير الأول قوة نفوذهم وثبات سلطتهم لدى الجاه العالي.
ويسمع التجار والسكان كل صباح الفوج وهو يمر في هيبة وجلال بين ترديد وصياح “ابالاك”.. “ابالاك”.
وكان الفوج، بحكم موقع بيت سيده، مضطرا كل يوم لعبور الأزقة الضيقة والأجنة المتلاصقة حتى يصل إلى فاس الجديد حيث دار المخزن مقر الإدارة المركزية، لكنه في مروره كل يوم يجتاز موقعا استراتيجيا هو قنطرة الرصيف، التي بقيت لحد اليوم بينما لم يبق ممن شاهدوها في عزها إلا القليل، وكان طبيعيا أن يكون موكب الوزير الأول وهو يقطع الأسواق والزقاق، محشوا بالجواسيس والبياعة و”مسامير الميدة”، الذين يبلغون الوزير الأول كل شاذة وفادة، لأنهم آذانه وعيونه.
وذات يوم، دخل أحد البياعة عند باحماد ليقول له بعد اتخاذ كل الاحتياطات :هل رأيت ذلك النجار الذي يكون واقفا في دكانه قبالة تعريجة قنطرة الرصيف كلما مر موكبك من هناك؟ لقد تأكد لدينا أنه ينتهز فرصة مرورك ليسبك ويشتمك بينه وبين نفسه، فهو لا يكف عن التمتمة كلما مر موكبك أمامه.
وفي اليوم التالي، يفتح باحماد عينه جليا عند مروره أمام الدكان، ويشاهد فعلا أن النجار يتمتم شيئا بين شفتيه، وما هي إلا ساعات قليلة بين اتجاه موكب باحماد إلى دار المخزن، ووصول كوكبة من المخازنية والمسخرين إلى متجر النجار المسكين، يمسكون بأذياله في “حبال الكتان” ويحملونه راجلا إلى حضرة الوزير الأول باحماد في الديوان، ويقف النجار أمام الوزير الأول والحاكم المطلق ضعيفا مرتعشا ويسأله باحماد :إني أمر كل يوم أمام متجرك، وكل يوم أراك تتمتم، فماذا تقول؟
إن حرية التعبير في تلك الظروف، لم تكن إلا في أيامها الأولى بالنسبة لمن مارسوا الثورة الفرنسية، ومما لا شك فيه أنها كانت في علم الغيب في مملكة يحكمها بالوكالة رجل بينه وبين المبادئ الجديدة قرون من التخلف.
ويرتعش النجار المسكين قبل أن يحصل على الأمان ويقول: إنني كلما رأيت موكبك المهيب رددت وقلبي تحت وطأة هدير صفائح البهائم التي تحيط بموكبك: إن الدوام لله، والعظمة لله، وكم واحد مر من هنا بمثل هذا الموكب فأين هو الآن؟
وقد اختلف الرواة في ما كان جواب باحماد، إذ لم يكن محظيا بحضور هذه المقابلة التاريخية بين مواطن عادي وحاكم مطلق النفوذ إلا المنافقون والمخادعون والكاذبون، إلا أن الرواية المتبقية تقول بأن باحماد قبل أن يطلق سراح النجار المسكين، قال له بعنف: إنني كلما أراك تتمتم أردد: ولك الساعة التي أنت فيها.
فهل باحماد يرقب المغرب كله من توات إلى تمبكتو، ومن شنقيط إلى طنجة، بنفس الاهتمام الذي كان يرقب به طريقه من حي المخفية إلى فاس الجديد، أم أنه إنما كان يعيش الساعة التي كان فيها؟
إن الأحداث التي سيأتي ذكرها تعطي الدليل القاطع على أن النجار المسكين إنما كان يمثل حبة خردل من رأي عام وطني كبير كان ينظر إلى المشكلة من منظار آخر يختلف تمام الاختلاف عن وجهة نظر باحماد.
بوليساريو رقم 1
كان يوم السابع من شهر يوليوز 1894 (3 ذو الحجة 1311)، يوما فاصلا في تاريخ المغرب وحاسما في نفس الوقت.
ففي هذا اليوم مات الملك العظيم الحسن الأول، وفيه أيضا قطعت المناورات الاستعمارية لاحتلال المغرب خطوتها الأولى نحو العهد الذي خططت له طوال سنوات حكم الحسن الأول، وهي خطوة لم تجرؤ على قطعها في أي يوم من أيام حياته، لكن عندما أغمض الحسن الأول عينيه إلى الأبد، فتح المغاربة عيونهم بعد أن كانوا يتتبعون الأحداث من خلال نظراته، وكانوا مطمئنين إلى بعدها.
وكما سبق شرحه وتفسيره.. فقد كان مغرب الحسن الأول شاسع الأطراف متكامل التركيب، حيث كانت أقاليم المغرب بالإضافة إلى أقاليم فاس ومراكش وتطوان وسوس وتافيلالت، كانت هناك أقاليم شنقيط ووادي الذهب والساقية الحمراء وتوات وكورارة وتيدكلت، وبحكم التنظيم الإداري والروتينية المخزنية، كان من بين الرسائل التي أمضاها السلطان عبد العزيز موجهة إلى عمال الأقاليم، رسالة وصلت إلى عامل إقليم توات، حسون، مؤرخة بسابع عشر يوليوز 1894 – عشرة أيام بعد موت الحسن الأول – يخبر فيها رعاياه الأوفياء بموت أبيه وبتوليه الملك من بعده، فهب سكان الإقليم الصحراوي لتشكيل وفد، كما تقتضيه التقاليد، للتوجه إلى فاس لتقديم مراسيم الطاعة والولاء للسلطان الجديد، وكان على رأس الوفد العامل حسون والقايد محمد بن الحاج أحمد محمود، وعدد آخر من الأعيان.
ويأبى الاستعماريون الفرنسيون في وهران إلا أن يدخلوا في تنفيذ مخططهم، بقطع أي اتصال بين سكان المناطق الصحراوية الشرقية والسلطان، منطلقين من أن عملية توجيه وفد من توات لتهنئة السلطان عبد العزيز ليس إلا تأكيدا لاستمرار وضع لا يتطابق ومصالح حكام الجزائر الفرنسيين، فأوعزوا إلى العصابات التي كانت مؤطرة بضباط جزائريين، عملاء للفرنسيين موجهين من طرف عميلهم بوعمامة، الذي نذكر الصراع الذي خاضه ضده الملك الحسن الأول، ويتم نصب فخ لفوج أعيان توات وهم في طريقهم إلى فاس، ويتم اغتيال رئيس الوفد العامل حسون، وخليفته القايد محمد بن الحاج محمود، وعدد من أعضاء الوفد، ويكون حكام وهران من العسكر الفرنسيين قد أطلقوا بذلك الاغتيال الشرارة الأولى في حرب فرضوها على الشعب المغربي.
فحق إذن، وضع أسماء ضحايا هذا الاغتيال على رأس القائمة الكبرى للشهداء المغاربة في حرب التحرير الوطنية الكبرى.
وتأبى الظروف إلا أن يكون هذا الحادث مدعاة لثورة الرأي العام الوطني، وفرض التحرك على الأوصياء الذين كانوا مطالبين أمام تحرك الرأي العام الوطني، توجيه رسالة مواساة إلى عائلات الشهداء، وكان من الطبيعي أن يمضيها السلطان الشاب، لكن من ناحية شكلية فقط، إلا أن إرادة الله أبت إلا أن تجعل رسالة السلطان عبد العزيز الأولى بمثابة وثيقة تكريس وحدة المغرب، ودماء عمال إقليم توات وأعضاء الوفد المرافق لهم بمثابة الإسمنت الذي شد الماضي إلى الحاضر وفرض الشموخ على هذا الهيكل الذي كان يعاني من ضعف القيادة، لذلك استمد مستشارو السلطان الشباب والأوصياء عليه من أمجاد الحسن الأول ومن مخلفاته، عناصر طمأنة الشعب الهائج على أن مغرب الحسن الأول لازال راسخا متماسك الأطراف.
يقول السلطان عبد العزيز في رسالة مؤرخة بثاني أبريل 1895 موجهة إلى سكان توات: ((لقد علمنا أن خدامنا الأوفياء العامل حسون، والقايد محمد بن الحاج أحمد محمود، قد قتلا غدرا وهما في طريقهما إلينا ومعهما بيعة سكان التوارك وعين صالح وأولاد زنان، وغيرهم، وقد تعرض لهم جميعا مائة وعشرون من قطاع الطرق الغنانمة وقتلوهم ونهبوهم، وقد طلب منا إخوة الضحايا معاقبة المجرمين.
ولقد أعطينا أوامرنا لقبائل الصحراء وأيت عطا، وبني امحمد، وذوي منيع، للذهاب إلى الاقتصاص من المجرمين، وكلفنا ابن عمنا مولاي رشيد بالسهر على تنفيذ هذه الأوامر وأعطيناه التعليمات بشأن القوات التي يستخدمها.
كما رخصنا لسكان واد الساورة بالهجوم على المجرمين وتجنيد كل المرابطين لتكوين جيش قوي للقضاء على المجرمين وحصد أرواح رجالهم ومحو أثار منازلهم، وقد بعثنا كاتبنا الطالب حسن الودغيري، وخديمنا أحمد رزوق البخاري، ليترأسوا منطقتهم وليسهروا على شؤون جنودكم.
الإمضاء عبد العزيز بن الحسن))
إن أول وثيقة أمضاها السلطان عبد العزيز لا تخلو من معاني ومغازي بالغة الأهمية.
– أولا: تجسيد وحدة المغرب، والتأكيد على بيعة التوارك وعين صالح وأولاد زنان، وتعيين عامل جديد بدل العامل المقتول.
– ثانيا: إرسال قبائل من الداخل، وخصوصا أيت عطا، وبني امحمد، لنجدة القبائل في الصحراء الشرقية ضد عصابات المرتزقة العاملة بتوجيه من الفرنسيين المتواجدين بالجزائر.
– ثالثا: وهذا هو الأهم، حيث أن رسالة السلطان لا تلمح لا من بعيد ولا من قريب إلى صلة الغنانمة قطاع الطرق بالأيادي الأجنبية، يظهر تفادي المجموعة المحيطة بالسلطان لكل إثارة للمشاكل مع الفرنسيين.
وقد كانت فرحة القبائل المغربية واستبشارها كبيرين بهذه البادرة التي جعلت بعض الأمل يخامر النفوس، فكان أول المستجيبين لنداء السلطان هي قبائل التوارك، التي هب رئيسها قائد منطقة أقبلي، سيدي ولد الكراجي، على رأس جيوشه التي كانت نواة لجيش أكبر تشكل بقيادة محمد عبد الرحمان حسون، أخ العامل المقتول حسون، وتوجه هذا الجيش مكونا من 1800 جندي و205 من الفرسان إلى واد الساورة، حيث نظموا هجوما على الغنانمة، كانت عملية أخذ ثأر كبرى، بينما اتجهت جيوش أخرى من الغرب يقودها الحاج أحمد رزوق على رأس جيوش بربرية من تافيلالت وجيوش من ذوي منيع مكونة من 800 جندي، وجعلت جيوش رزوق وجيوش محمد حسون قبيلة الغنانمة، في كماشة، حيث قضوا عليها إلى أن التقى الجيشان على أشلاء وبقايا عصابات المرتزقة، وتم استعمال المدافع وبعض الأسلحة الحديثة، واستخدمت تقنية الضباط الذين كونهم الحسن الأول، وكان الهجوم عنيفا بحيث تم قتل كل رجال الغنانمة، وتم نقل النساء إلى الأسواق.
وعندما حل خريف 1895، كان الجيش السلطاني قد تمركز في تيميمون، وعندما وصلت إمدادات الجيش الفرنسي لعصابات الغنانمة وصلت متأخرة، وانفضحت لعبة الضباط الفرنسيين المرابطين في “كيري فيل” عندما سلم السلطان الشاب يوم 17 أبريل 1895 ظهير تعيينه عاملا على توات للسيد الحاج أحمد رزوق.
C’est la raison pour ne pas donner d’importance à n’importe qui surtout quand il s’agit d’un vaurien qui n’avait rien dans son ventre sauf la haine et la trahison et le complotisme s’il avait une fermeté avec le sous homme on ne
????? sera jamais là
Erreur sûr le commentaire normalement sur l’article de boukharroba le champion du monde de la trahison et le complotisme