المنبر الحر | بعد النكبتين الأولى والثانية.. هل هي نكبة ثالثة بفلسطين ؟
بقلم: ذ. الحسن العبد
النكبة هي جرح فلسطين الغائر، هي مصطلح فلسطيني يعبر عن المأساة الإنسانية المتعلقة بتشريد عدد كبير من الشعب الفلسطيني خارج فلسطين المحتلة،
النكبة ليست مجرد واقعة تاريخية جرت في يوم واحد، بل هي سلسلة من الأحداث المؤلمة التي تمتد عبر عقود من الزمن، وهي مرتبطة ارتباطا وثيقا بالظلم والاستبداد الذي تمارسه إسرائيل والأضرار الناجمة عنه على الفلسطينيين والدول العربية المجاورة، فالنكبة الأولى هي الاسم الذي يطلقه الفلسطينيون على تهجيرهم وهدم معظم معالم مجتمعهم السياسية والاقتصادية والحضارية عام 1948 لصالح إقامة الدولة الصهيونية، بينما النكبة الثانية فهي مرتبطة بنكسة 1967.
واليوم، نتحدث عن النكبة لأنه ثمة دعوات إلى تهجير أهل غزة، فهل هي نكبة ثالثة؟
يقول المؤرخون عن أحداث النكبة، أنه تم احتلال معظم أراضي فلسطين من قبل الحركة الصهيونية، وطرد ما يزيد عن 750 ألف فلسطيني وتحويلهم إلى لاجئين، كما تشمل الأحداث عشرات المجازر الفظيعة وأعمال النهب ضد الفلسطينيين، وهدم أكثر من 500 قرية وتدمير المدن الفلسطينية الرئيسية وتحويلها إلى مدن يهودية، وطرد معظم القبائل البدوية التي كانت تعيش في النقب، ومحاولة تدمير الهوية الفلسطينية ومحو الأسماء الجغرافية العربية وتبديلها بأسماء عبرية، وبالتالي، تدمير طبيعة البلاد العربية الأصلية من خلال محاولة خلق مشهد طبيعي أوروبي.
فقبل 75 عاما من الآن، نجحت الحركة الصهيونية – بدعم من بريطانيا – في السيطرة بقوة السلاح على القسم الأكبر من فلسطين وإعلان قيام إسرائيل،
ولم تبدأ النكبة الفلسطينية عام 1948 وإنما قبل ذلك بكثير، ففي عام 1799 خلال الحملة الفرنسية على العالم العربي، نشر نابليون بونابرت بيانا دعا فيه إلى إنشاء وطن لليهود على أرض فلسطين تحت حماية فرنسية بهدف تعزيز الوجود الفرنسي في المنطقة، لكن خطة نابليون لم تنجح في ذلك الوقت، إلا أنها لم تمت أيضا، حيث أعاد البريطانيون إحياء هذه الخطة في أواخر القرن 19، وتجسد ذلك بداية من سنة 1897، حين دعا المؤتمر الصهيوني إلى إنشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين.
وبعد سقوط الإمبراطورية العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى (1914ـ1918) وقيام الانتداب البريطاني في فلسطين، بدأت قوى الاستعمار البريطانية في تنفيذ مخططها لبناء دولة صهيونية على أرض فلسطين، ورغم رفض الفلسطينيين وحلفائهم العرب للخطة المقترحة، فقد وافقت عليها الحركة الصهيونية، خاصة وأنها أضفت صفة الشرعية على فكرة بناء دولة يهودية على أرض فلسطين العربية، إلا أنها لم توافق على الحدود المقترحة، ولذلك أطلق الصهاينة حملات مكثفة للاستيلاء على المزيد من أراضي فلسطين التاريخية.
وفي عام 1948، سيطر الصهاينة على عشرات المدن والقرى الفلسطينية وطردوا سكانها الأصليين بالقوة، وذلك تحت أعين سلطات الانتداب البريطاني، وقد اعترفت أكبر قوتين في العالم (الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي) بإسرائيل، وأصبح الفلسطينيون بلا دولة، وتوالت بعد ذلك خطط الصهاينة لتطهير أرض فلسطين من سكانها، وبذلوا قصارى جهدهم لمسح التراث والثقافة الفلسطينية من الوجود، وأفرز هذا الوضع معاناة ممتدة لملايين اللاجئين الفلسطينيين.
واليوم، يرى الإسرائيليون في الحرب الحالية فرصة ينبغي استغلالها من أجل تدمير قطاع غزة وتهجير أهله، ومن ثم عدم السماح للفلسطينيين بالعودة إليه مرة أخرى، وبالموازاة، يتم القضاء على فصائل المقاومة الفلسطينية الموجود في غزة والتي تشكل مصدر قلق مستمر للكيان المحتل، وهذا ليس وليد اليوم، فمنذ زمن طويل دأبت إسرائيل على طرح فكرة توطين الفلسطينيين في شبه جزيرة سيناء المصرية كجزء من حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وكانت هذه الفكرة تستند إلى الاعتقاد بأن استمرار وجود الفلسطينيين في غزة يشكل تهديدا للأمن القومي الإسرائيلي.
وهكذا، فإن النكبة تمثل حدثا تاريخيا كارثيا في الوعي الجماعي للشعوب العربية، فيما تمثل النكسة تصعيدا سريعا وخطيرا لكارثة سابقة، ولا شك أن النكبة والنكسة تمثلان جزء من تاريخ مؤلم ومعاناة تستمر إلى يومنا هذا، فالظلم المستمر الذي تتعرض له فلسطين والمنطقة العربية بأسرها، يجعل الحاجة إلى إيجاد حل عادل أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، لا سيما وأن الاحتلال الإسرائيلي لا زال مستمرا في ممارسة الظلم ضد الفلسطينيين من خلال سياسات الاستيطان والحصار والاعتداء على المدنيين، فيما يواجه الفلسطينيون تهجيرا متكررا وحصارا اقتصاديا واجتماعيا يؤدي إلى تدهور ظروف حياتهم، ورغم مرور عقود على النكبتين، إلا أن الشعب الفلسطيني ما زال يصر على الدفاع عن حقوقه، فيما تظل القضية الفلسطينية واحدة من أبرز القضايا الإنسانية والسياسية في العالم.
يقول أحد الإعلاميين العرب: “إن تهجير الشعب الفلسطيني بعيدا عن أرضه ينظر إليه على أنه جزء من حل المشكلة اليهودية، وبما أن الصهاينة أرادوا إنشاء دولة يهودية في منطقة لا يملكونها، فإن إمالة الوضع الديموغرافي لصالحهم هو الطريق لتحقيق هدفهم، وهذا لن يتم أبدا سوى من خلال الجمع بين استعمار الأرض مع اليهود وإخراج الفلسطينيين من نفس الأرض”، لكن الأرض لله يورثها لمن يشاء، وسيرثها عباده الصالحون المجاهدون المفضلون عن القاعدين، وبين وعد بلفور المشؤوم ووعد الله الذي لا يخلف وعده، يوجد الخير والشر والحق والباطل، بين المشروع الصهيوني، رأس حربة المشروع الغربي، في مواجهة المشروع الإسلامي ورأس حربته الشعب الفلسطيني المنصور بإذن الله.