المنبر الحر

المنبر الحر | الفيتو الأمريكي.. شراكة في العدوان

بقلم: عبد الله النملي

    استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية يوم الأربعاء 18 أكتوبر المنصرم، حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن الدولي ضد قرار صاغته البرازيل، يدعو إلى هدنة إنسانية بين الكيان المحتل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية، للسماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة المحاصر، وهذه الخطوة، حسب مراقبين، تمثل محاولة من أمريكا لتأكيد وقوفوها ودعمها السافر والمطلق لإسرائيل، وهذا يعني أنها تريد استمرار مجازر الاحتلال في حق الفلسطينيين، وبالمقابل تريد ألا يكرهها العالم، وتريد أن تحسن صورتها بينما أعمالها تدينها، وهي الدولة التي التزمت بحل الدولتين، وتم التوقيع على ذلك في البيت الأبيض بحضور عرفات وبيجن، اللذين فازا مناصفة بجائزة “نوبل” ثم قتلا بعد ذلك بإطلاق نار على الثاني وبتسميم الأول، وبذلك تظل واشنطن أوثق حليف لإسرائيل منذ عام 1948، حين جعل الرئيس الأمريكي الأسبق هاري ترومان الولايات المتحدة أول دولة تعترف بالكيان.

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها أمريكا “الفيتو” ضد قرارات تدين إسرائيل، بل استخدمته 45 مرة بينها 9 مرات سنة 1982، وكان آخرها عام 2019، حين منعت محاولة الكويت وأندونيسيا وجنوب إفريقيا لاستصدار بيان من مجلس الأمن يندد بهدم إسرائيل لمنازل فلسطينيين في القدس.

تتمة المقال بعد الإعلان

وها هو الرئيس بايدن لم يكتف باستعمال “الفيتو” لصالح إسرائيل، بل زاد الطين بلة بتصريحاته المستفزة، حين وصف هجوم حماس بأنه “شر خالص ومحض”، تماهيا مع تصريحات وزير الحرب الصهيوني غالانت، الذي وصف الفلسطينيين قائلا “نحن نحارب حيوانات بشرية”، وبعد وقت قصير من إقلاع طائرته نحو الكيان المحتل، أصدر بيانا عندما تعرض مستشفى المعمداني في قطاع غزة لقصف أوقع مئات الشهداء والمصابين، في واحدة من أسوء المجازر الإسرائيلية، قائلا: “أشعر بالغضب والحزن العميق حيال تفجير المستشفى الأهلي العربي في غزة، وخسائر الأرواح الفظيعة التي نتجت عنه”، ولكن بعد وصوله إلى تل أبيب ولقاء نتنياهو، عاد وتبنى الرواية الإسرائيلية، فأعلن عن تأييده لإسرائيل وقام بإمدادها بالسلاح والعتاد ومنها حاملات الطائرات “جيرالد فورد” و”إيزنهاور” لدعم العدوان، ووضع 2000 من رجال “المارينز” في جهوزية للتدخل لصالح إسرائيل إذا تطلب الأمر ذلك.

وقد أدى موقف بايدن هذا إلى إشعال مشاعر الغضب والكراهية تجاه واشنطن وليس تل أبيب لدرجة أن أصداء عبارة “الموت لأمريكا” عادت لتتردد في كل أرجاء المنطقة والعالم، وتأججت أكثر بعد قصف مستشفى المعمداني، باعتبار ما تقوم به إسرائيل مذبحة للمدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر برعاية أمريكية وغربية.

ومن المفارقات، أن الحديث الذي كان يتردد عن إسراف الاتحاد السوفياتي في استخدام “الفيتو” إبان السنوات الأولى من إنشاء هيئة الأمم المتحدة، أصبح يصدق على الولايات المتحدة.. فمنذ تأسيس المنظمة سنة 1945، استخدمت أمريكا “الفيتو” عشرات المرات لحماية إسرائيل، ولو لمجرد توجيه اللوم فقط على أفعال وانتهاكات بحق الفلسطينيين، فلطالما رفضت مشاريع قرارات تدين الكيان المحتل بشأن الجرائم والمجازر التي يرتكبها ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، لتحبط أي محاولة لمحاسبة الصهاينة على جرائمهم ومجازرهم الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى.

تتمة المقال بعد الإعلان

وقد أدى الإسراف في استخدام “الفيتو” من قبل بعض الأعضاء الدائمين، وخاصة أمريكا، إلى إصابة منظمة الأمم المتحدة بالشلل، وتغييبها عن قضايا جوهرية مثل فلسطين والأراضي العربية المحتلة، كما أن العالم لا يستطيع تحمل الإسراف في استخدام “الفيتو” عندما يكون الأمر متعلقا بقضايا حيوية لشعب من الشعوب كالشعب الفلسطيني، وقد وجد أساتذة القانون أن في منح عدد من الدول امتياز استعمال “الفيتو”، تناقضا مع أهم مبادئ وأهداف الأمم المتحدة، وهو مبدأ تحقيق المساواة بين الشعوب، مما أفشل الأمم المتحدة وأضعف قدرتها على تحقيق مهامها وفق ميثاقها في إيجاد تسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية، ويتناقض كذلك هذا النظام عموما مع القواعد الأساسية التي تشترطها النظم الديمقراطية في العالم القانوني اليوم، لأن الدول الخمس هذه لم تنتخب لعضوية هذا المجلس بصورة ديمقراطية، فهي لا تصوت على القرارات بنظام الأغلبية المعروف، ولا تسمح لدول أخرى أن تشاركها في هذين الحقين، فكل دولة من الدول الدائمة العضوية تسعى لأن تكون وحدها المتمتعة بحق العضوية الدائمة والنقض، فالدولة التي تملك امتيازا دوليا في النواحي العسكرية والسياسية والاقتصادية يمكنها أن تحكم سيطرتها على توجيه وإدارة السياسة الدولية بحسب مصالحها، كما تستطيع فرض المعاهدات والقيود وفق ما تراه مناسبا لمصالحها وداعما لأهدافها.

وقد أثار التوجه غير الديمقراطي في مجلس الأمن انتقادات كثيرة من قبل شعوب العالم التي أعربت عن رغبتها في إعادة تشكيل المجلس ليضم في عضويته بلدانا غير غربية، وهذا منطقي جدا في ظل ما يشهده العالم من تغيرات جعلته متعدد المراكز، فمن المفترض أن يكون الاتحاد الأوروبي ممثلا بأحد أعضائه فقط، وتمثل أمريكا الشمالية بعضو، وأمريكا الجنوبية بطريقة دورية، وإفريقيا بعضو دوري أيضا، والحال ذاته مع آسيا ومنطقة الباسفيك، مع زيادة عدد الأعضاء، بحيث تتحقق المساواة في الحقوق مع إلغاء حق “الفيتو” واتخاذ القرارات بأغلبية الثلثين، لأن الإجماع لا يخلو من مخاطر الإعاقة التي تجعل المجلس غير قادر على ممارسة مهامه.

غير أن مسألة إصلاح الأمم المتحدة تقف أمامها مشكلة قانونية معقدة، تتمثل في أن تعديل ميثاق الأمم المتحدة يتطلب موافقة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، ومن المؤكد أن هذه الدول لن تسمح بمشاركة غيرها في حقوق تتمتع بها، لذا فهي حريصة كل الحرص على أن يبقى الميثاق كما هو، أو تحاول تعطيل مسيرة الإصلاح التي أصبح ينادى بها في كثير من المناسبات واللقاءات الدولية، وحتى إذا تمكنت الدول من إلغاء حق النقض، فالمشكلة ستبقى فيما يسمى بحق “الفيتو” المستتر الذي تتمتع به وتمارسه الولايات المتحدة الأمريكية، فهي تستطيع أن تفرض على باقي أعضاء مجلس الأمن قرارات معينة.

وإذا كانت أثار حق “الفيتو” المصطنع أصلا لاستمرار هيمنة الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية على العالم، قد ظهرت عشرات المرات منذ تأسيس الأمم المتحدة على أنقاض عصبة الأمم، فإن مثالب هذا “الفيتو” قد أضحت اليوم مآسي وفواجع لا يمكن السكوت عنها، حيث إن هذا “الحق” يعتبر من بين الأدوات التي سلبت الشعب الفلسطيني حقه في تقرير المصير والعودة إلى أرضه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى