المنبر الحر

المنبر الحر | هل ذهبت حركية الأطفال إلى غير رجعة ؟

بقلم: عثمان محمود

    تتميز مرحلة الطفولة بالحركة الدائبة التي قد يصل بعضها إلى نسبة زائدة تقلق راحة الأهل.. فما إن يبدأ الطفل خطواته الأولى المتثاقلة، حتى يتابع الأبوان على الخصوص تحركاته غير المحسوبة بحرص شديد خشية تعرضه لما لا تحمد عقباه، فأدراج السلم، والأواني داخل المطبخ، والفرن وما إلى ذلك.. أخطار واضحة المعالم تهدد سلامته في كل وقت وحين، ولا يرتاح بال من يرعاه إلا عندما يستسلم قرير العين لنوم عميق، وعندما يشتد عوده تنتقل حركاته تلك إلى ساحة الحي أو الملعب للعب مع أقرانه أو الركوب على دراجته، حتى أثناء الانزواء بمفرده في ركن من أركان البيت، فهو دائم التحرك فيما يتخيل، وما يرسم، وما يشكل من أشكال، ويبتكر من ألعاب وطرق أدائها، وفي كل ذلك فوائد تعود على بدنه بفوائد جمة، بيد أنه اليوم، وكما لا تخطئ ذلك عين الملاحظ والمتابع في ظل هذا التقدم التكنولوجي، فقد أصبح يلاحظ على ذاك الطفل الذي كان دأبه التحرك، التصاقه بمكان جلوسه في البيت أو الحديقة أو أي زاوية من الزوايا التي يتأتى له فيها الركون إلى الهاتف، عيناه مركزتان على الشاشة الصغيرة، وأصابعه تحرك بشكل متواصل ما يعرض عليها، وفي تأرجح بين التوتر الشديد والارتياح المفرح، يقضي الدقائق والدقائق بدون حركة تنشط دورته الدموية وتمرن عضلاته وتقويها كما كان حال سلفه من الأطفال الذين طالما قضوا أوقاتا في لعب ونشاط تتبلل بسببه أجسادهم عرقا، ويعود كل ذلك عليهم بالخير، فيسلم نموهم من العيوب، وتقل وعكاتهم الصحية، ويلذ مأكلهم، ويعذب شرابهم، ويحلو نومهم.

نعم، كيف لا تغيب الحركة المفيدة لبدن ونفسية طفل اليوم ونحن نرى الكثير من الأهل – سامحهم الله – يقيدون حركاته الطبيعية والفطرية، في وقت مبكر جدا، بوضع الهاتف في يديه فيشد انتباهه ما يعرض على الشاشة بالصورة والصوت، فتتوقف كل حركاته داخل البيت بدعوى أن ذلك يوفر للأم على الخصوص، الوقت الكافي للقيام بواجباتها المنزلية؟ وكيف لا تتجمد حركات طفل اليوم وقد وفر له الأهل في طفولته المبكرة هاتفا ذكيا يخول له التفاعل الحماسي خلال الممارسة الافتراضية للألعاب التي تسلب كل تركيزه، بدل ممارستها على أرض الواقع وسط الملاعب، أو داخل قاعات الأندية المخصصة لمزاولة الرياضة؟ وكيف لا تشل حركات طفل اليوم بشكل مخيف وقد شرع الأهل يوفرون لأبنائهم وبناتهم هاتيك الدراجات الكهربائية التي يتنقل الطفل على متنها واقفا بدون أدنى حركة مهما كانت السرعة التي تسير بها، وكثيرا ما تقع عليه العين ثابتا على ذلك النوع من الدراجات متصلا بالهاتف من خلال السماعتين، في صورة أقرب ما تكون إلى “الروبوتات” التي تجسدها أفلام الخيال العلمي؟!

تتمة المقال بعد الإعلان

فهل من سبيل لإعادة الحركة النافعة لأبدان الأطفال في عصر التقدم التكنولوجي والعصر الرقمي، أم أنه حان الوقت لكي يستسلم الكائن البشري، صغيره وكبيره، بصفة نهائية لسطوة الآلة التي أبدع في صنعها لكي تيسر شؤون حياته فحققت له البغية وزيادة، لكنها مقابل ذلك تمكنت من استعباده، والتحكم في قواه، وشل حركاته البسيطة والمركبة؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى