المنبر الحر | المسار النقابي بالمغرب.. من مرحلة النضال إلى مرحلة الاستغلال
عندما تم تأسيس أول نقابة مغربية مسلمة

بقلم: ذ. الحسن العبد
مما لا شك فيه أن أواسط خمسينات القرن الماضي ومعها الستينات والسبعينات، كانت مرحلة مضيئة في تاريخ النضال النقابي بالمغرب، لما لها من وقع وأثر كبيرين على الأحداث وظروف وحياة الشغيلة، لكن في المقابل، نجد مرحلة الانحطاط والاستسلام والانبطاح والاستغلال تؤسس لسنوات الثمانينات إلى اليوم. فالنقابات العمالية هي بالأساس جمعيات للعمال، وهي تمثل مصالح العمال على مستويات مختلفة، حيث تقدم المشورة فيما يتعلق بقانون العمل، وتوفر الحماية القانونية لأعضائها، ولا يجب بتاتا وبأي حال من الأحوال، المساومة في قضايا الشغيلة.
وتعرف النقابة – كما هو معلوم – بأنها انضمام مجموعة من العمال إلى نوع محدد من المنظمات، بغرض تحسين ظروف عملهم، وكذلك لتعزيز المصالح المشتركة بينهم، حيث يمكن للشخص العامل الاجتماع مع الإدارة، والتفاوض معها حول أي مشكلة تؤثر عليه، أو على وظيفته، بما في ذلك الأجور والمزايا وظروف العمل المختلفة.
وقد نشأت أول نقابة عمالية، أو اتحاد نقابي، كما هو متفق عليه لدى جميع المناضلين، قادة وقواعدا، في القرن التاسع عشر في بريطانيا العظمى، وأوروبا، والولايات المتحدة الأمريكية، حيث بدأ ظهور الجمعيات الصغيرة للعمال في بريطانيا خلال القرن الثامن عشر، أي بعد الثورة الصناعية، ولكنها بقيت متقطعة، ولم تستمر لمدة طويلة، وذلك بسبب العداء الذي واجهته من قبل أرباب العمل، والجماعات الحكومية، الذين استاؤوا من الشكل الجديد من النشاط السياسي والاقتصادي، ومع أن النقابات واجهت جميع أصناف العقبات، إلا أنها تطورت وانتشرت.
لقد عرفت أوروبا، أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، اندفاعا قويا وعاشت صراعا مريرا بين الرأسمالية المتوحشة والطبقة العاملة توج بالاعتراف رسميا بالعمل النقابي كمدافع أصيل عن المصالح الاقتصادية والصناعية والتجارية والفلاحية للطبقة العاملة سنة 1848 بفرنسا، وسنة 1871 ببريطانيا، ليتم تعميمها بعد ذلك في باقي أوروبا وغيرها من بلدان العالم.
وتؤكد العديد من المصادر، أنه في المغرب كان أول تشريع يتعلق بشأن النقابات سنة 1936، إلا أنه كان يمنع المغاربة من الانتماء النقابي ويقصره فقط على الأوربيين، بل صدر ظهير بتاريخ 24 يونيو 1938 يحدد عقوبات زجرية في حق المغاربة الذين ينخرطون في نقابة ما، وبالرغم من هذا المنع، فإن المغاربة المنخرطين في النقابات كان عددهم في ازدياد متواصل، إلى أن صدر ظهير 12 شتنبر 1955، الذي نص صراحة على السماح للمغاربة بالانتماء النقابي، حيث ظهر أول تجمع نقابي خاص بالمغاربة بشرق المملكة.
وتعتبر قرية سيدي بوبكر بناحية وجدة، ومدينة جرادة، البلدتين المنجميتين، أول المؤسسين للعمل النقابي في المغرب، في بداية خمسينات القرن الماضي، بفضل نضالات المنجميين المغاربة الذين عملوا بـ”مفاحم شمال إفريقيا” بجرادة ومنجم “زليجة” بسيدي بوبكر للرصاص في عهد الحماية.. هؤلاء النقابيين الذين انخرطوا في صفوف الكونفدرالية العامة للشغل الفرنسية بجرادة، تمكنوا بنضالهم من أن ينفصلوا عن نقابة المستعمر ليؤسسوا “الجامعة الوطنية لعمال المناجم بالمغرب” بعد صراع مع سلطة الحماية التي كانت ترفض لهم الترخيص بتأسيس نقابة منجمية مغربية، وتعتبر الجامعة الوطنية لعمال المناجم بالمغرب النواة الأولى لنقابة الاتحاد المغربي للشغل بداية الاستقلال، ومن بين المناضلين الذين أسسوا الجامعة الوطنية لعمال المناجم بالمغرب في عهد الحماية بجرادة، أذكر المرحومين الطيب بن بوعزة الذي عمل بمكتب محامي بوجدة، والمكي بوبكري الذي كان محاسبا بشركة “مفاحم شمال إفريقيا” بجرادة وكاتبا للمكتب النقابي بجرادة، وبعدها بـ”زليجة” بمنطقة سيدي بوبكر، كما كان حكما بارعا في كرة القدم، ومؤطرا رياضيا كبيرا لحكام كرة القدم، له باع وصيت في هذا المجال، حيث تم توسيمه من طرف الراحل الحسن الثاني سنة 1969.
فميلاد الحركة النقابية العمالية الحرة بالمغرب مرتبط بشخص المكي بوبكري الذي كان ينادي بصوت قوي بتأسيس نقابة مسلمة مغربية مستقلة عن النقابات الفرنسية، وشخص الطيب بن بوعزة بشكل خاص، أي بشرق المغرب، وقد اشتغل القائد المناضل الطيب بن بوعزة، كما جاء في جريدة “المناضل”، لدى محامي بمدينة وجدة، ثم بالمصلحة الإدارية لشركة “مفاحم جرادة” سنة 1944، كمنظم لنقابة عمال المناجم، واعتقل ثم أطلق سراحه بلا متابعة سنة 1948، وأصبح عضوا بمكتب الاتحاد العام لنقابات المغرب في الدار البيضاء، في نونبر 1950، وأحد الكاتبين العامين، ثم كاتبا عاما في ماي 1951 إلى حين اعتقاله في نونبر 1952 إلى شتنبر 1954 بسجن القنيطرة، حيث جرى بينه وبين المحجوب بن الصديق، تحضير تأسيس الاتحاد المغربي للشغل، وناضل أولا في حزب الاستقلال، ثم في الحزب الشيوعي في الفترة 1946ـ1947، ثم عاد إلى حزب الاستقلال، وفي بيته، انعقد يوم 20 مارس 1955 مؤتمر تأسيس الاتحاد المغربي للشغل، وكان نائبا للمحجوب بن الصديق.
وقد عايشنا بأنفسنا كمناضلين في القاعدة، في سنوات السبعينات وبداية الثمانينات، رجالات بحق قادة ضحوا بكل نفيس وغالي لأجل مصلحة الشغيلة، جزاهم الله خيرا، واليوم يعيش العمل النقابي بالمغرب وضعا مزريا وتشتتا مستفحلا، كما يقول المناضلون من القواعد بأنفسهم، يزيد من تأزيم الوضع الاجتماعي للبلاد، ويكرس معاناة الطبقة الشغيلة المهضومة الحقوق، المسلوبة الكرامة والمُضَيَّقِ عليها في الأرزاق، وفي نفس الوقت، يعطي الفرصة لأرباب العمل والأغنياء لاستنزاف طاقة الأجير واستغلاله بشكل بشع بمباركة أصحاب القرار.
يرى بعض المناضلين النقابيين ومعهم ثلة من المحللين السياسيين، بأن هذا الوضع الكارثي ساهمت فيه مجموعة من الأسباب، يمكن حصرها في بعض العلل الأساسية:
1) غياب الديمقراطية الداخلية؛
2) طغيان الانتماء الحزبي على الشأن النقابي؛
3) الحصار والتضييق على العمل النقابي الجاد؛
4) الانبطاح والاستغلال؛
5) الريع؛
6) و”بيع الماتشات”.