المنبر الحر

المنبر الحر | هل تحل التنسيقيات محل النقابات ؟

بقلم: محسن زردان

    تعيش التمثيليات النقابية أزمة غير مسبوقة، فسرعان ما وجدت نفسها مُستبعدة وغير مرغوب فيها من طرف هيئات الشغيلة، خصوصا في قطاع التعليم، ذلك أن الاحتجاجات التي أفرزها خروج النظام الأساسي لوزارة التربية الوطنية من طرف أغلب الفئات المكونة للشغيلة التعليمية، وسَخَطها عن مخرجاته، عززت من امتيازات فئات على حساب أخرى.

هذه الفئوية المستفحلة كان يراد بها تقسيم وإضعاف كتلة الشغيلة التعليمية، لكن الأمور انقلبت على غير المتوقع واتخذت كل فئة مسارا مستقلا من خلال تأسيس تنسيقيات منفصلة تنأى بنفسها عن الانتماء للنقابات للدفاع عن مصالحها الفئوية.

تتمة المقال بعد الإعلان

فالمسارعة إلى إنشاء تنسيقيات كبديل عن النقابات، جاء نتيجة معطيات موضوعية ملموسة، تتمثل في نجاح تنسيقية الأساتذة المتعاقدين في إرغام الحكومة على اتخاذ خطوات متقدمة نحو الحل، وكذا تمكن نقابة المفتشين المستقلة عن باقي النقابات من تلبية أغلب مطالبها في جل المحطات التي تدخل الوزارة الوصية في مفاوضات مباشرة معها.

إن المتأمل للوضع الداخلي الذي تعيشه النقابات، يبدأ بتقلد قيادات طاعنة في السن تغيب عنها الكاريزما القيادية والقدرة على الدفاع عن آرائها المستقلة ومجابهة ضغوط الحكومات، مرورا بتبعية أغلبها للأحزاب السياسية، وصولا إلى تطويقها بملفات فساد مالي، نتيجة لحصولها على دعم من الدولة بالمليارات.

هذا الوضع يجعل من الصعب على أغلب النقابات أن تكون أمينة في الدفاع عن مصالح شغيلتها، ويجعلها توقع وتقبل باليسير وتعتبره إنجازا ونصرا لا يشق له غبار، على خلاف الهدف الذي وجدت من أجله حسب مقتضيات الفصل الثامن من الدستور، وهو الدفاع عن الحقوق والمصالح الاجتماعية والاقتصادية للفئات التي تمثلها، وفي النهوض بها.

تتمة المقال بعد الإعلان

خروج فئات الشغيلة التعليمية للاحتجاج مؤخرا، يعني أن الحوار بين النقابات والحكومة لم يكن حوارا حقيقيا، بل مجرد تفاهمات لتمرير قرارات أحادية، وبالتالي، فمخرجات النظام الأساسي لوزارة التربية الوطنية ليست نابعة من مطالب وانشغالات الشغيلة التعليمية.

إن المشهد الماثل أمامنا اليوم، هو نقابات شبه فارغة من المناضلين، وبدون امتداد جماهيري، ولا تتوفر على قواعد صلبة في الساحة الوطنية، مما يظهرها في صورة العاجزة عن التحكم في وتيرة الاحتجاج.

وفي الجهة المقابلة، ترفض الوزارة الوصية التفاوض مع التنسيقيات، وبالتالي، لا تعترف بها ولا تريد إلباسها لُبوسا قانونيا، على الرغم من تزايد وزنها وكتلة حضورها في ساحة الاحتجاج، سعيا لإنقاذ ماء وجه النقابات التي سحب البساط من تحتها، وتفادي الدخول في مفاوضات مع تنسيقيات تصدر قراراتها بناء على مبادئ التشاور والرجوع إلى القواعد قصد الحسم في قراراتها وفق الآليات الديمقراطية على عكس النقابات التي يسهل احتوائها.

هنا سيطرح التساؤل العريض: مع من ستتحاور الحكومة في ظل تهديد مجموعة من التنسيقيات الفئوية بخوض سلسلة من الاحتجاجات والإضرابات، مما يُنذر ويهدد الموسم الدراسي للتلاميذ بانتكاسة جديدة؟

موضة التنسيقيات والتكتلات الفئوية، امتدت إلى المسؤولين في القطاع، حيث يتم الحديث عن عزم بعضهم إنشاء تكتل في خطوة غير مسبوقة للمطالبة برفع التعويضات تماشيا مع إقرار الزيادات الجديدة في صفوف المفتشين ومديري المؤسسات، وهو ما أفرز وضعا إشكاليا أصبح فيه المرؤوس يتقاضى تعويضات أكثر من الرئيس.

أمام هذا الوضع، باتت الوزارة الوصية في مواجهة خيارات أحلاها مر: إما الاستمرار والإصرار على تنزيل القانون الأساسي الجديد بعد خروجه في الجريدة الرسمية كإنجاز يُحسب للوزير الجديد، على الرغم من تصاعد احتجاجات الشغيلة، والرهان على عامل الوقت لخفوت وهج الاحتجاجات، ومحاولة إقناع شركائها بأن الظرفية الاقتصادية المالية الصعبة للبلاد، تسمح فقط بما تم تحقيقه كحد أقصى، وإما إرجاء تنزيل هذا المرسوم إلى وقت آخر، في انتظار إجراء بعض التعديلات، خصوصا وأن بعض النقابات التي وقعت الاتفاق تراجعت عنه تحت الضغط، وإما أن ترضخ الوزارة لضغوط التنسيقيات وتقبل بفتح الحوار معها في ظل انفلات الأمر من يد النقابات “الأكثر تمثيلية” وعجزها عن التحكم في ضبط أشكال الاحتجاج، وقد تتحول للعب دور الوسيط بينها وبين الوزارة، وهو ما ترفضه تلك التنسيقيات.

إذا كان خروج النظام الأساسي للشغيلة التعليمية يُراد به حل المشاكل العالقة، فإنه على العكس من ذلك، أثار الفتنة بين فئاتها، واحتجاج أغلب الفئات التعليمية يشير إلى أن صياغته غير مدروسة ومتسرعة، وأعطت صورة أن الفئات القوية في القطاع شرعت لنفسها قوانين تعزز امتيازاتها ومكاسبها، في حين وجد الأستاذ نفسه كحلقة أضعف ومن أكثر الضحايا تضررا بأجر زهيد لا يوازي مكانته الاعتبارية في المجتمع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى