المنبر الحر

المنبر الحر | هل المجتمع المغربي مجتمع قيمي ؟

بقلم: زهير أهل الحسين

    أثير مؤخرا في النقاش العمومي موضوع القيم، وهو موضوع قديم جديد، كمن يضع نفس الماء في كأس جديد، وحين نتحدث عن القيم، فالأمر يتعلق بسلوكيات إيجابية يجب على الفرد ممارستها في سلوكياته التي يجد مصدرها في القيم الأخلاقية والقيم الوطنية والقيم العلمية والقيم الإدارية والقيم الاقتصادية وغيرها من القيم التي تشكل مرجعا له في سلوكه اليومي.

لكن الحديث عن القيم سيكون غير ذي معنى إذا لم نقرنها بنقيضها اللاقيم، لأنهما توأمان، لكن بجينات مختلفة، لذلك نطرح الإشكاليات التالية: هل المجتمع المغربي مجتمع قيمي أم لا؟ فإذا كان المجتمع المغربي مجتمعا قيميا، فهذا يقتضي أننا لدينا سلوكيات حضارية نجسدها على أرض الواقع، ولربما وقع تراكم إيجابي وإبداع في القيم، بل وانتقلنا إلى قيم القيم، حسب المهدي المنجرة. وإذا كان المجتمع المغربي هو مجتمع لاقيمي، فهذا يقتضي أن هناك تراكما سلبيا في موضوع اللاقيم، ومن تم فلماذا نراهن على مجتمع القيم مادام أن مجتمع اللاقيم هو المهيمن؟ وهل يمكن بناء مجتمع تتعايش فيه ثنائية “المقدس والمدنس”، وثنائية “المسجد والحانة”، أي هنا الله أكبر ولا إله إلا الله، وهناك “داويني بالتي كانت هي الداء”، وهذا ما يعرف باصطدام القيم واللاقيم، حيث مداخيل الخمر تساهم بشكل كبير في مالية الدولة، لكنه يساهم في إنتاج الاضطرابات النفسية والعقلية وتفكك الأسرة وتشرد الأبناء وإثقال كاهل القضاة بالملفات المرتبطة بالسكر العلني وما يصاحبه من ارتكاب جنح أو جنايات عندما تفعل الخمرة فعلتها بصاحبها، فيجد نفسه في ضيافة الشرطة.

تتمة المقال تحت الإعلان

من أجل الإجابة عن هذه الإشكالية، نحتكم إلى التحليل الواقعي في تحليل موضوع القيم واللاقيم بعيدا عن المثالية الفارغة والطوباوية الدينية بكوننا مجتمع إسلامي…

واقعيا، المجتمع المغربي يعيش على إيقاع هيمنة اللاقيم السلبية، مثل النفاق الاجتماعي، والكذب، والأنانية، والجبن، وثقافة الخوف، والاحتجاج الداخلي، وهيمنة منطق السوق، والانتهازية، وشهادة الزور، والغش في الامتحانات، وتزوير الوثائق.. في المقابل، فإن القيم الإيجابية مثل الجدية وضبط المواعيد والتضامن والتآخي ونكران الذات والشفافية، هي قطع نادرة في سلوكيات بعض أفراد المجتمع المغربي، بل نحن في مرحلة جد متقدمة من الخطورة على مستوى القيم: فمن يتمثل الجدية في سلوكه، يقول عنه مجتمع اللاقيم “معقول بزاف”، ومن يكون مهموما بهموم هذا الوطن، يقال عنه “هازها منين تقالت”، بل نحن في مرحلة أخطر: من يفكر خارج الصندوق، ننعته بكونه “فتان ومثير للقلاقل”، ومن يقول الحق، ويضع الأصبع على موطن الداء، يقول عنه مجتمع اللاقيم “جريء إلى درجة الوقاحة”.

في سياق آخر، يتعامل المجتمع المغربي مع القيم بمنطق أزماتي، ومنطق مناسباتي: منطق أزماتي مرتبط بالكوارث الطبيعية، مثل ما وقع مع زلزال الحوز، حيث المساعدات من كل فج عميق، ومنطق مناسباتي، له علاقة بما هو ديني، فحين يأتي شهر رمضان، تجد المجتمع المغربي يتقمص قيم التضامن مع الفقراء، وصلة الرحم مع الأقارب، لكن بمجرد انتهاء الشهر، تختفي هذه القيم ونعود إلى منطق الفردانية، وحين يأتي عيد الأضحى، حيث القيم الدينية تكون حاضرة بقوة على المستوى النظري، لكن عندما تنزل إلى السوق من أجل شراء أضحية العيد، تصطدم بمنطق رأسمالي صرف، حيث تجد أن شراء كبش لثلاثة أيام، جد مكلف لا علاقة له بالسياق الديني، دون أن تتدخل الدولة في البيع بأسعار معقولة، وهنا يحس المواطن كأنه غير محمي من طرف الدولة ولو رمزيا.

تتمة المقال تحت الإعلان

أصل الداء، هو ثقافي بامتياز، يتجلى في الخلل الناتج عن عدم تجانس المؤسسات المنتجة للسلوك المجتمعي، فالأسرة هي أصل الداء: حين يقول الأب لابنه إذا سأل عني شخص ما فقل له بأنني غير موجود”، وحين ينهر الأب ولده يقول له بكل وقاحة: “أجي ياديك ولد الحرام”، وحين يدخل التلميذ المدرسة يقول له المعلم: “ما صاب اللي يقرا غير انت يا راس ……ر”.

أما عن مؤسسة الإدارة، فالأمور أكثر سلبية، ومنها أن الرئيس المباشر دائما على صواب و”دوي غير على راسك “ولا تقل “نحن بل أنا”.. لكن عندما تريد الإدارة تمرير خطاب يخدم مصالحها، تقول أنه يجب أن نتضامن من أجل إعطاء صورة مشرفة، لا سيما وأن الظرفية تقتضي ذلك، وأما عن مؤسسة الدين، فنحن مسلمون ولسنا بمؤمنين: تجد المساجد عامرة وقت الصلاة، وبمجرد الخروج من المسجد، تجد سلوكيات لا علاقة لها بما هو ديني، وكلام ابنة بائعة اللبن، في عهد عمر بن الخطاب، وقع في قلبه موقع السهم حين يصيب الهدف، حين قالت لأمها: “إذا كان عمر لا يرانا، فرب عمر يرانا”، فهي بقيمتها هذه، تمثلت قيمة فوقية لا زمانية ولا مكانية، فما كان من عمر إلا أن زوجها إحدى أبنائه، مما يبين أن العبرة بتمثل القيم وليس بالحديث عنها، وهنا أستحضر قولة للمفكر الإسلامي محمد عبده: “في باريس رأيت إسلاما بلا مسلمين، وفي مصر رأيت مسلمين بلا إسلام”، وما يريد قوله، هو أنه رأى سلوكيات قيمية تعاش، فعندما تضرب موعدا مع شخص غير مسلم، يأتي في الوقت المتفق عليه، أما الشخص المسلم، فسيقول لك “هاني قريب نوصل، نصف ساعة وانا معاك”.

حاصل القول، مجتمع اللاقيم هو المهيمن، لأنه من السهل اكتساب لاقيمة سلبية مثل الكذب، لكن من الصعب أن تكون صادقا، وحتى لو أردت أن تكون صادقا فلا توجد ضمانات لصدقك، لذلك أقول دائما أن التغيير مستحيل كفرضية حتمية وجد صعب كفرضية غير حتمية، لأن العقليات لا تتزحزح إلا بعد مرور ردح من الزمن، لاسيما مع تواجد الأمية البسيطة والمركبة في أمة “اقرأ” التي تنتسب إلى أعظم من مشى على هذه الأرض، وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي قال ((من غشنا فليس منا))، غير أن الغش هو اللاقيمة السائدة في المجتمع المغربي، بل يعتبرها البعض نباهة.

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى