الرأي

رأي | أمريكا ترعى مصالحها الاقتصادية ولا تهتم بحقوق الإنسان

بقلم: حسوني قدور بن موسى
محامي بهيأة وجدة

    أعلن مسؤول في منظمة اليونيسيف، عن استشهاد أزيد من 700 طفل في غزة وإصابة 1600 آخرين منذ الاعتداء الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر بدعم عسكري وسياسي واسع النطاق من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين، وارتفع عدد شهداء العدوان الصهيوني على قطاع غزة إلى 4137 مواطنا فلسطينيا وإصابة 13162 بجروح مختلفة، ويشكل الأطفال في غزة نصف السكان البالغ عددهم أكثر من مليوني مواطن، وشملت الاعتداءات والانتهاكات التي تمارس ضد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة من طرف الصهاينة، الاحتجاز والسجن والاعتداء الجسدي وتدمير المنازل فوق رؤوس السكان، وتقييد حريات الأطفال في الحركة والتنقل والحرمان من الحقوق الأساسية، بما فيها الحق في التطبيب والتعليم.

فمنذ احتلال فلسطين سنة 1948 والكيان الصهيوني يمارس عدة أشكال من التمييز خلافا لما تنص عليه اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة، والتي تنص خاصة على عدم التمييز وعلى حق الحياة والبقاء والنمو، وألزمت كل الحكومات بأن تتأكد من بقاء الطفل على قيد الحياة كي يكبر بأفضل طريقة ممكنة، وعلى الحماية من الاختطاف والحماية من العنف، وعلى احترام عقيدة الطفل وثقافته ولغته والجوانب الأخرى من حياته، وحصول الأطفال اللاجئين على المساعدة والحماية إذا لم يعد البقاء في الوطن آمنا، ويحق للأطفال الحصول على أفضل رعاية صحية ممكنة ومياه نظيفة للشرب وطعام صحي وبيئة نظيفة وآمنة، ويجب أن تتوفر لهم الظروف من أجل البقاء آمنين، وأكدت الاتفاقية على حماية الأطفال أثناء الحروب، لكن أمريكا التي تزعم أنها رائدة الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم هي التي تعطي الضوء الأخضر لإسرائيل لقتل الأطفال والنساء والشيوخ في غزة، وليس بالمجان، بل من أجل حماية مصالحها الاقتصادية.

بانتهاء الحرب الباردة، ازدادت أطماع أمريكا وأهمية المنطقة العربية بالنسبة لمصالحها، بسبب ازدياد أهمية النفط، لأن منطقة الخليج تحتوي على 65 في المائة من المخزون المؤكد للنفط في العالم في الوقت الذي يزداد فيه اعتماد الاقتصاد العالمي واقتصاد أمريكا بالخصوص، على النفط، فهي تعد أكبر مستهلك للنفط في العالم، إذ تستهلك 25 في المائة من النفط المنتج في العالم، أي ما يزيد عن 18 مليون برميل في اليوم، في حين أنها تنتج 12 في المائة فقط، يعني ما يعادل 8 ملايين برميل في اليوم، وذلك من أجل الحفاظ على مخزونها النفطي إلى ما بعد استنزاف المخزون النفطي في منطقة الشرق الأوسط.. هذه هي السياسة الاستراتيجية لأمريكا بتشجيع من بعض الحكام العرب المستبدين المستفيدين هم كذلك من خيرات البلدان العربية.

تتمة المقال تحت الإعلان

إن المبدأ الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة العربية، هو حماية مصالحها البالغة الأهمية والتي تتمثل في أمن أصدقائها وفي مقدمتهم إسرائيل، وفي التدفق الحر للنفط بأسعار مستقرة، ولهذا الهدف بالذات قامت أمريكا بدور شيطاني عن طريق زرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي ليكون حارسا وفيا على مصالحها الاقتصادية في المنطقة بكاملها، ويظل مبدأها الأساسي في الشرق الأوسط هو حماية مصالحها فقط، والتي تتمثل في أمن أصدقائها وبالأخص إسرائيل، التي تستطيع بواسطتها الحصول على التدفق الحر للبترول، ومن أجل تحقيق ذلك، فإن أمريكا تركز في استراتيجيتها على مجموعة من الأهداف الرئيسية هي:

1) الحد من قدرة إيران العسكرية والسياسية والاقتصادية في المنطقة، عن طريق فرض عقوبات اقتصادية عليها ومنعها من التطور التكنولوجي، لأنها – حسب اعتقادها – تشكل تهديدا لمصالحها في المنطقة.

2) تعزيز القدرات الدفاعية لأصدقائها في المنطقة وفي مقدمتهم إسرائيل، الحارس الأمين لمصالحها.

تتمة المقال تحت الإعلان

3) القضاء على منظمة “حماس” في غزة و”حزب الله” في لبنان، لأنهما يهددان مصالحها، وبالتالي يحرمونها من نهب وسرقة خيرات المنطقة العربية.

4) العمل على تكرار نكبة 48 وإنهاء القضية الفلسطينية عن طريق التصفية العرقية، وذلك بتهجير الشعب الفلسطيني خارج أرضه وتوطينه في دول عربية مجاورة إلى الأبد حتى لا يعودوا إلى فلسطين مرة أخرى.

لقد ساهمت الدول الغربية في احتلال فلسطين، إذ جاء في رسالة ملك بريطانيا إلى شعب فلسطين بمناسبة إصدار مجلس الحلفاء في سان ريمو، بتاريخ 1920.4.20، قراره انتداب بريطانيا على فلسطين: ((إن الدول المتحالفة والمشتركة قررت أن تتخذ التدابير لتضمن تأسيس وطن قومي يهودي في فلسطين بالتدريج))، أما أمريكا التي يعتمد عليها العرب المطبعون، فإنها اعترفت بالكيان الصهيوني بعد 5 دقائق من إعلان قيام دولة الكيان الصهيوني في 14 ماي 1948 منتهكة بذلك العرف الدولي بخصوص الاعتراف بالدولة الجديدة، فكشفت عن التواطؤ الذي كان قائما بينها وبين المنظمات الصهيونية، وفي سنة 1946، قال الرئيس الأمريكي ترومان: ((إن الولايات المتحدة الأمريكية اتخذت موقفا لا تزال تلتزم به، ألا وهو إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين))، كما استخدمت أمريكا نفوذها السياسي والاقتصادي لحماية إسرائيل عندما حملت مجلس الأمن، باعتبارها عضوا دائما فيه، على إصدار قرار بوقف القتال في 29 ماي 1948، كما ظهر التواطؤ الأمريكي مع إسرائيل عندما عارضت في 19 مارس 1948 صدور قرار من مجلس الأمن يتضمن اتخاذ الإجراءات التنفيذية لضمان حقوق الشعب الفلسطيني ضد سياسة التوسع التي بدأت إسرائيل تمارسها. لم ولن يتغير دور أمريكا فيما يتعلق بدعمها العسكري والسياسي للكيان الصهيوني، إذ ظل الرؤساء الأمريكيون على مر العقود يلقون خطابات أمام المؤتمر السنوي للجنة الأمريكية للشؤون العامة لإسرائيل (أيباك)، من أجل مساندتهم لإسرائيل، وفي هذا الإطار قال الرئيس السابق بيل كلينتون، أمام الكنيست الإسرائيلي    في أكتوبر 1994: ((نحن معكم على الدوام ورحلتكم هي رحلتنا، وضمان أمن إسرائيل هو أكثر من موقف سياسي.. إنه التزام شخصي لن أتخلى عنه أبدا))، فأمريكا وحلفاؤها الغربيون، كانوا ولا زالوا يدعمون إسرائيل بجميع الوسائل أمام صمت الحكام العرب الذين يتفرجون على المذابح الجماعية في قطاع غزة ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين، واليوم، ها هو الرئيس بايدن ووزير خارجته بلينكن يصرحان بأن ((إسرائيل تدافع عن نفسها ضد الجماعات الإرهابية)).. هكذا انقلبت المعايير وأصبح الصهيوني المحتل الغريب عن الأرض معتدى عليه، وأصبح صاحب الحق معتديا.

تتمة المقال تحت الإعلان

لقد ظلت الولايات المتحدة الأمريكية تسيطر على المنطقة العربية، الأمر الذي أدى إلى الفشل في الوصول إلى حلول جذرية للقضايا الساخنة في منطقة الشرق الأوسط التي وضعت العالم على شفا حفرة من اندلاع حرب عالمية ثالثة، بل ظلت أمريكا تهيمن على العالم بأكمله وتتدخل في الشؤون الداخلية للدول المستقلة ذات السيادة للحفاظ على مصالحها الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية، ولا غرابة في دعم أمريكا للعدوان الصهيوني لقتل الأطفال الأبرياء في غزة وهدم البيوت على رؤوس سكانها، فهي نفسها التي استعملت القنبلة النووية ضد ناغازاكي اليابانية سنة 1945 والتي قتلت 74 ألف شخص بعد ثلاثة أيام من الهجوم بواسطة السلاح النووي الفتاك المحرم دوليا، ودمرت مدينة هيروشيما بكاملها، ورغم خطورة السلاح النووي والنداءات الدولية لحظره، لم توقع أمريكا وإسرائيل على معاهدة حظر السلاح النووي.

فأمريكا متزعمة الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم هي نفسها التي استعملت العنف وقتلت الأطفال والنساء ودمرت دولا عديدة عن طريق التدخل العسكري في كوبا وغواتيمالا والدومينكان و كمبوديا والعراق وأفغانستان وليبيا والصومال ورواندا وهايتي ودولا أخرى ذات سيادة، وكان التدخل العسكري في العراق بتأييد من بعض الدول العربية الخليجية التابعة لأمريكا دون تفويض من مجلس الأمن انتهاكا للمادة 7 من الميثاق والتي تسمح باتخاذ تدابير زجرية في الوقت الذي أعرب فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن رفضه المطلق لهذا التدخل العسكري، وانتهكت أمريكا سيادة العراق ودمرت اقتصاده وبنياته التحتية تحت غطاء امتلاك أسلحة نووية، حيث تبين فيما بعد أنها كذبة صنعتها أمريكا غطاء للتدخل الهمجي الذي أدى إلى خسائر بشرية وصلت إلى أكثر من مليون قتيل ومصاب وملايين المشردين، ولا زال العراقيون يعانون من مخلفات الغزو الأمريكي لبلادهم، وكان هذا التدخل العسكري العنيف يهدف إلى محافظة الدول الاستعمارية وعلى رأسها أمريكا، على مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية في منطقة الخليج.

للتذكير، فإن قوات حلف شمال الأطلسي بقيادة أمريكا استخدمت أثناء الحرب العالمية الثانية، القصف الجوي على المدن المكتظة بالسكان، ذهب ضحية هذا العدوان أكثر من مليونين ونصف قتيل، 800 في مدينة برلين وحدها، وارتكبت مجازر رهيبة ضد الإنسانية وجرائم حرب بشعة وقتل الأسرى في ألمانيا واليابان ولم يتم التحقيق فيها إلى يومنا هذا، وقد أكدتها دراسات مثل كتاب “معركة نورماندي دي – داي” وكانت أمريكا تنظر إلى أسرى الحرب على أنهم وحوش غير آدميين، وهناك جرائم حرب ارتكبتها وموثقة لدى البنتاغون، من ضمنها مجزرة “ماي ماي” في الفتنام الجنوبية، حيث بلغ عدد القتلى فيها 504347 مدنيا أغلبهم من النساء والأطفال الأبرياء، حيث استخدمت أمريكا السلاح النووي والرش الكيماوي البرتقالي والأزرق والأخضر لتدمير وحرق وإتلاف البشر والحقول الزراعية، ومن أجل مصالحها الاقتصادية، تستطيع أمريكا المصابة بجنون العظمة والكبرياء تدمير حتى الطبيعة، حيث صرح الرئيس الأسبق جورج بوش، بمناسبة المؤتمر الدولي للمناخ، بأنه ((لا يستطيع إغلاق مصنع تنبعث منه الغازات المسببة للاحتباس الحراري من أجل أن يعيش عصفور في الغابة)).

تتمة المقال تحت الإعلان

إن المشكل الذي يعرقل المقاومة من أجل تحرير فلسطين ليست السياسة الأمريكية وحدها، بل إن المشكل يكمن في سياسة الدول العربية المطبعة مع إسرائيل والتي تشكل الخطر الكبير على القضية الفلسطينية، لذلك، فهذه الدول مطالبة بإعادة النظر في سياسة التطبيع التي تشجع إسرائيل على المزيد من ذبح أبناء الشعب الفلسطيني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى