المنبر الحر

المنبر الحر | من يحمي الثروة الغابوية من الانقراض ؟

بقلم: عثمان محمود

    ظل ذكر الغابة إلى عهد قريب مرتبطا بالحطاب الموفر لما تحتاج إليه البيوت من حطب في الليالي الباردة على الخصوص، وبحارسها الشديد البأس الحامي لحماها، وبعض الثمار الموسمية التي يكون لها حضور في الأسواق القريبة منها بالأساس، والحيوانات التي تعيش بين أشجارها وأدغالها، هذا فضلا عن ظلالها الوارفة التي تكون في العادة ملاذا للراغبين في الاستجمام والترويح عن النفس، غير أن هذه النظرة العامة للغابة التي عمرت طويلا، تتراجع اليوم في ظل الآفات التي باتت تلاحقها على الخصوص في أيام فصل الصيف الحارقة، حيث تشغل النيران التي تلتهم الهكتارات من الغطاء النباتي داخلها، الرأي العام، وتبذل الجهود المضنية، وتصرف الأموال الطائلة للتحكم في بؤرها العديدة وما تخلفه من خسائر يستمر تأثيرها في الآتي من الأعوام والعقود.. في ظل هذه الأوضاع التي أمست شبه حاصلة في عز كل صيف بفعل التغير المناخي الذي لا ينكر تأثيره الخطير على الأرض وما عليها إلا جاحد بيِّن جحوده، وجب إدخال موضوع الغابة في دائرة الاهتمام التام، لا عند اندلاع الحرائق، فذاك لحظتئذ من أوجب الواجبات التي لا مناص منها، بل ينبغي أن يكون ذاك الاهتمام طيلة العام، حيث آن الأوان للعمل على تسهيل الطرق الوعرة حتى تصبح سالكة من خلال الاشتغال عليها في أوراش متواصلة، لأن في مثل تلك الطرق تيسير عملي للقضاء على بعض العوامل المساهمة في اشتعال النيران المدمرة وتأجيجها، وتأتي في طليعتها الأعشاب التي من المفروض استئصالها قبل أن تجف وتصير طعما سهلا للنار ومنه إلى الأشجار، وهو ما يلزم الجماعات المحلية التي في محيطها الترابي الغابة، الاشتغال عليه بكل إصرار وعزيمة متى اشتد عود ذلك العشب، وفي كل ذلك خير فهو من جهة يوفر الأعلاف للماشية، كما أنه فرصة لتشغيل أبناء المنطقة لكذا من الأيام، وفي معية إزالة هاتيك الأعشاب ينبغي إزالة الأشجار التي يبست جذوعها وأغصانها بعد رصد دقيق لها وتحديد أماكنها، حتى لا تمتد الفأس إلى الأخضر وتترك اليابس، وهو في الغالب الذي يحرك شهية لهيب النيران إلى باقي الأشجار، وفي ارتباط آخر بإزالة العشب داخل الغابة واليابس من شجرها، تأتي عمليات التشجير المبنية على دراسات وبحوث وتعهد مستمر إلى أن تصير الشجيرات أشجارا راسخة تطاول السماء، مما يعيد التوازن للغطاء النباتي في الغابة، كما لا ينبغي إغفال حفر الآبار في مناطق معينة منها تخصص لعمليات الإطفاء في حال اندلعت النيران لا قدر الله، هذا فضلا عن الاشتغال على طرق ناجعة لجعل منازل الأهالي وممتلكاتهم في مأمن متى طرأ طارئ.

إذا كانت الغابة ثروة يصعب استرداد ما ضاع منها في أقرب الآجال، وإذا كانت في طليعة الضحايا التي يجلدها سوط الاحتباس الحراري بلا هوادة، فإنه من اللازم أن تتكاثف الجهود تلو الجهود لوقايتها قبل حلول الآفات والكوارث، كل من موقع مسؤوليته، فالمقررات الدراسية مطالبة بأن تأخذ موضوع الغابة من مختلف الجوانب للوقوف على أهميتها وواجب المواطن نحوها، والإعلام من جهته ملزم بتناول قضاياها في كل أشهر السنة لتكوين وعي مسؤول بأمر حمايتها من كل ما يتهددها، والمجتمع المدني في مفهومه الواسع مطالب هو الآخر بأن يدخل الغابة في دائرة اهتمامه بشكل عملي يقلل من نسبة الأضرار التي تتسبب فيها النيران التي لا تشبع نهمها الأشجار التي تلتهمها على مدار اليوم نهاره وليله، والمجالس المنتخبة وكذا السلطات المحلية، مطالبة هي الأخرى بتكثيف الجهود في الأشهر التي تسبق فصل الصيف من أجل الحد من آفة اندلاع الحرائق المدمرة، والفرق الساهرة على حماية الغابة في أمس الحاجة إلى تطوير أساليب تلك الحماية يكون فيها للمعدات التكنولوجية والرقمية تواجد فعلي.

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى