المنبر الحر | حماس نضالي ونقابي في الوقت الضائع
بقلم: بنعيسى يوسفي
خاضت الشغيلة التعليمية بمختلف أطيافها، الخميس الماضي، المتزامن مع اليوم الأممي للمدرس، إضرابا وطنيا مرفوقا بوقفة أمام البرلمان وبمسيرة احتجاجية صوب مقر الوزارة الوصية على قطاع التربية الوطنية بمدينة الرباط، للرد على جملة من النواقص والعيوب والاختلالات التي أتى بها “النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية”، والذي يبدو أنه مدعم من طرف تنسيقية ونقابتين هما “الجامعة الوطنية للتعليم” و”الجامعة الوطنية لموظفي التعليم”، وعدد من التنسيقيات التي تمثل الإطار الذي يضم مختلف الفئات من موظفي التعليم بمختلف أسلاكه ممن يعتبرون أنفسهم مهضومي الحقوق، وتشكل فيها فئة المتعاقدين نسبة مهمة. فإذا كان الإضراب حقا دستوريا لا يستطيع أحد أن يعدمه، والوسيلة الوحيدة التي يملكها الأجير للدفاع عن حقوقه وتحسين وضعيته الإدارية والمالية، والقناة الوحيدة التي يتم سلكها للحفاظ على مكتسبات سابقة قد يُتربصُ بها، ومن جهة أخرى، لانتزاع أخرى التي يخال أنه من حقه الحصول عليها، كل هذا وغيره لا اختلاف حوله، ولا يحتمل الجدال، لكن وارتباطا بموضوع إضراب يوم الخميس ودواعيه، وهذه الاستعدادات الكبيرة التي سبقته لإنجاحه، والتعبئة غير المسبوقة في صفوف الشغيلة التعليمية بكل تلاوينها لجعل هذه المحطة قوية وذات زخم، وهذا الطموح الجارف في تبليغ رسالة قوية للجهات المعنية بأن الشغيلة صامدة ولا يمكن أن تتراجع قيد أنملة للمطالبة بحقوقها، وأن النظام الأساسي الذي تم التطبيل له من طرف الوزارة الوصية ومعها النقابات المحترمة المعروفة، والتي وافقت على كل ما يحتويه هذا النظام من بنود ومقتضيات ونصوص ومواد وعقوبات، وحتى هذه الأمور التي تبدو بعيدة كل البعد عن الطموحات والتطلعات، وقس على ذلك التعابير والمقولات التي تعكس الرفض التام لسياسة الأمر الواقع التي تريد الوزارة ومعها النقابات “العتيدة” فرضها على الشغيلة التعليمية، كل هذا جميل ولا يمكن إلا أن نصفق لهذه الاستفاقة المتأخرة، أو هذا الوعي الذي يأتي مع الهزيع الأخير من الليل، ولكن هل يمكن لها أن تأتي بشيء لصالحها أم لا ؟
قد يلومني البعض على هذا التعبير، الذي قد يُفْهم منه أني أثَبط العزائم أو شيئا من هذا القبيل، لكن دعوني أقدم لكم تبريراتي لذلك، ولماذا سميتها بالاستفاقة المتأخرة، ومن ثم يمكن أن تعذرونني، فلا شك أن الشغيلة التعليمية بمختلف انتماءاتها النقابية أو حتى التي ليس لها انتماء، كانت تتابع عن كثب وبشغف كل ما يطبخ على نار هادئة بخصوص محتويات النظام الأساسي، وكانت تعلم أنه لن يستجاب لكل مطالبها، وكان معلوما لدى القاصي والداني أن هذا النظام لن يكون منصفا ولا موحدا كما كان يُرَوج له، وكنت قد كتبت مقالا قلت فيه أن النقابات التي تفاوض حول موضوع النظام الأساسي، أمامها فرصة أخيرة لإنقاذ ماء وجهها بعد العديد من الإخفاقات التي لاحقتها نتيجة تدبيرها لملفات عديدة، وبشكل خاص ملف التعاقد، ولهذا أتساءل والحالة هاته: أليس من الأجدر أن تخوض الشغيلة إضرابات وازنة من قيمة هذا الذي قامت به يوم الخميس، إضرابات قوية كان من الممكن أن تغير الكثير من الأمور والمعطيات في حينها؟ لماذا انتظرنا وقت خروج النظام الأساسي إلى العلن وأصبح قاب قوسين أو أدنى من المصادقة عليه، وحينئذ نستجمع القوى ونشرع في الدعوة إلى إضراب كبير وإنزال قوي؟ ألا يبدو أنه قد فات الأوان وأنه من الصعب – حتى لا أقول من المستحيل – أن تضيف الوزارة شيئا أو تغير سطرا من مضمونه مهما كانت حدة درجة ضغط هذه الإضرابات؟ وهل إضراب يوم واحد كفيل بأن يدفع الوزارة إلى تغيير أو تعديل ما تراه الهيئات الداعية إلى الإضراب قابلا لذلك؟
صحيح أن العديد من النقابات والهيئات دعت إلى إضرابات كثيرة تزامنا مع جلسات الحوار التي كانت تعقدها الوزارة مع بعضها، ولكن كم كانت تبلغ نسبة المشاركة؟ لماذا نرى اليوم هؤلاء الممتنعين عن خوض إضرابات سابقة انخرطوا بشكل عفوي وبنسب جد مرتفعة في هذا ومستعدون لخوض تجارب أخرى أكثر حدة وضراوة؟ ماذا تغير يا ترى بين الأمس واليوم؟ هنا أريد أن أذكر كل من له ذاكرة قصيرة، أنه حينما تمت المصادقة على نظام 2003، تعالت الاحتجاجات والأصوات المعارضة له ولم يكن عليه إجماع إطلاقا من طرف الوزارة المعنية والنقابات، ومع ذلك تم تبنيه رغم أنف الجميع، وهذا السيناريو هو الذي سيتم استنساخه – دون شك – مع النظام الجديد وكأن التاريخ يعيد نفسه للأسف الشديد، وسواء اعتبرنا النقابات التي كانت تفاوض حول هذا النظام قد خانت الشغيلة أو العكس، لكن يبقى جوهر الإشكال هو أننا ابتلعنا الطعم جميعا وأصبنا بنوع من التراخي حينما أصبح في علم الجميع أن هناك اتفاقا في استحداث درجة جديدة لصالح أساتذة الابتدائي والثانوي الإعدادي، وأظهرت الأيام وكأن هاتين الفئتين مقتنعتين بهذا المكسب وكأنه هو السقف الذي تتمناه، وهنا برز ذكاء الجهة الوصية على القطاع وبإيعاز من شركائها النقابيين في التسويق بما يكفي لهذا المكسب، وفي الخفاء تطبخ باقي المضامين التي لن تنال منها الفئتان أي شيء، خصوصا فيما يتعلق بالتعويضات مثلا إسوة بباقي الفئات التربوية الأخرى، وهنا يحضرني سؤال آخر وهو: ألم يكن هذا التوزيع غير العادل لهذه التعويضات سببا مباشرا للدعوة إلى إضراب يوم الخميس؟
لقد كانت الوزارة الوصية ذكية في استباق كل ذلك بإجراءات أسالت لعاب الكثير من نساء ورجال التعليم في السلك الابتدائي على وجه التحديد، وكنا أول المنبهين إلى ذلك في إبانه، ويتعلق الأمر بما يسمى بـ”مدرسة الريادة” و”التعويضات الهزيلة” التي قد يتحصل عليها الأستاذ الرائد أو الفريق التربوي عامة، وقلنا لا مناص من التريث حتى يخرج النظام الأساسي إلى الوجود وحينئذ لكل مقام مقال، لكن، يبدو أننا ابتلعنا الطعم على مهل، ولم يبق لنا الآن إلا النحيب، أو خوض إضرابات في الوقت الميت.