المنبر الحر

المنبر الحر | هل تتراجع مدريد عن دعم موقف المغرب تحت ضغط اليمين واليسار ؟

قضية الصحراء المغربية.. 

بقلم: سعيد إدى حسن

محلل سياسي وباحث بجامعة كومبلوتنسي بمدريد

    في خضم السجال السياسي المرافق لمحاولة اليمين الإسباني تشكيل حكومة ائتلافية بعد تكليف الملك فيليبي السادس لرئيس الحزب الشعبي ألبيرتو نونييس فييخو للقيام بهذه المهمة، طفى على السطح نزاع الصحراء المغربية كواحد من الملفات الساخنة التي من المنتظر أن تكون حاضرة بقوة خلال الولاية التشريعية الحالية، والتي ستكون بمثابة سيف “داموقليس” مسلط على رقبة زعيم الحزب الاشتراكي بيدرو سانشيز، بسبب دعمه لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية.

تتمة المقال بعد الإعلان

نونييس فييخو، الذي تصدر حزبه الانتخابات التشريعية ليوم 23 يوليوز الماضي، وخلال خطابه أمام البرلمان يوم الثلاثاء 26 شتنبر، لتقديم نفسه كمرشح لرئاسة الحكومة الإسبانية المقبلة، طرح عدة ملفات شائكة من بينها نزاع الصحراء بين المغرب والجزائر، لخلط الأوراق وإحراج خصمه زعيم الحزب الاشتراكي بيدرو سانشيز، بعد تيقنه من استحالة حصوله على الأغلبية المطلقة (176 صوتا من أصل 350 نائبا في الغرفة السفلى للبرلمان) التي تمكنه من تشكيل حكومة أغلبية.

وقد حول فييخو خطاب الترشح لرئاسة الحكومة إلى خطاب لحجب الثقة عن الحكومة اليسارية التي لم تتشكل بعد، لأنه يعلم علم اليقين أن الأحزاب التي قبلت بدعمه في إطار ائتلاف حزبي لتشكيل تحالف يميني داخل البرلمان، لن تتمكن من الوصول إلى الأغلبية المطلقة وعدد نوابها مجتمعين ثابت لا يتغير وهو 172 نائبا: 137 نائبا للحزب الشعبي و33 نائبا لحزب “فوكس” اليميني المتطرف ونائب واحد لكل من اتحاد شعب نافارا وتكتل كانارياس، وهما حزبان جهويان.

وبعد فشل زعيم الحزب الشعبي، في تكوين الأغلبية، سيكون الطريق مفتوحا أمام غريمه رئيس الحكومة المنتهية ولايته، بيدرو سانشيز، لتقديم ترشحه لرئاسة الحكومة المقبلة، خلال الأسبوعين الأخيرين من شهر أكتوبر الجاري، بعد تكليف من العاهل الإسباني، سيكون الطريق مفتوحا، لكنه طريق محفوف بالمخاطر والمطبات السياسية، بسبب المقابل الباهظ الذي تطالب به الأحزاب الانفصالية بمنطقة كتالونيا مقابل دعمها للحزب الاشتراكي وتمكينه من تشكيل حكومة ائتلافية يدعمها خليط من الأحزاب اليسارية والقومية والانفصالية.

تتمة المقال بعد الإعلان

فالحزب الاشتراكي لا يتوفر سوى على 121 مقعدا وحليفه في الحكومة الائتلافية السابقة، حزب “بوديموس” اليساري الراديكالي، الذي غير اسمه إلى حزب “سومار”، يتوفر فقط على 31 مقعدا، ولتشكيل حكومة يسارية يحتاج الحزبان إلى دعم عدد من الأحزاب القومية والانفصالية، وهي الحزب الجمهوري الكتلاني )7 مقاعد( وحزب “جميعا من أجل كتالونيا” الانفصالي )7 مقاعد( وحزب “بيلدو” المقرب من منظمة “إيتا” الباسكية الانفصالية )6 مقاعد( والحزب القومي الباسكي )5 مقاعد( وتكتل إقليم غاليسيا )مقعد واحد(.

بيدرو سانشيز لا زال يفاوض الأحزاب الانفصالية والقومية من أجل الحصول على دعمها والتمكن من تشكيل حكومة يسارية مع حزب “سومار”، لكن الأحزاب الانفصالية الكتلانية أفصحت عن المقابل الذي تطلبه كثمن لأصواتها داخل البرلمان: “عفو شامل عن كل القادة الانفصاليين بمن فيهم الرئيس الأسبق للحكومة المحلية بإقليم كتالونيا، كارلوس بوجديمون”، الفار إلى بلجيكا بعد متابعته من قبل القضاء الإسباني لتنظيمه استفتاء غير قانوني لاستقلال الإقليم سنة 2017، وفي إطار المزايدات السياسية والتنافس المحتدم بين الأحزاب الانفصالية، رفع الحزب الجمهوري الكتلاني سقف شروطه ليطالب سانشيز بالموافقة على تنظيم استفتاء لاستقلال إقليم كتالونيا.

فزعيم الحزب الشعبي على يقين من أن سانشيز لن يكون أمامه خيار سوى الرضوخ لمطالب الأحزاب الانفصالية الكتلانية، ولهذا فهو يضغط على الحزب الاشتراكي ويحذره من أن العفو الشامل على قادة مسلسل استقلال كتالونيا سيكون بمثابة خرق للدستور الإسباني الذي لا ينص على مثل هذا النوع من العفو، أما تنظيم استفتاء من أجل استقلال إقليم كتالونيا، فهو خط أحمر قد يستدعي تدخل مؤسسات أخرى في الدولة مثل القصر الملكي والجيش والجهاز القضائي، لتفادي تفككك إسبانيا وانشطارها إلى دويلات، في ظل وجود مشاريع انفصالية مماثلة في بلاد الباسك وإقليم غاليسيا وجزر الكناري.

وأمام استحالة حصوله على أغلبية برلمانية لتشكيل حكومة يمينية، سيسعى زعيم الحزب الشعبي إلى استعمال كل الملفات الساخنة لإضعاف حكومة سانشيز المرتقبة، حيث أعلن نونييس فييخو عن نيته استعمال ملف الصحراء المغربية لخلق تصدعات داخل الائتلاف الحكومي المقبل وإجبار سانشيز على التراجع عن موقفه الداعم لمقترح الحكم الذاتي الذي تطرحه الرباط كحل للنزاع حول السيادة على الصحراء بين المملكة المغربية من جهة، وجبهة البوليساريو المدفوعة من الجزائر، من جهة أخرى.

فخلال خطابه أمام البرلمان مؤخرا، اقترح فييخو تشكيل لجنة تحقيق برلمانية لمعرفة الأسباب التي دفعت حكومة بيدرو سانشيز إلى تغيير موقف إسبانيا بشأن نزاع الصحراء، حيث غير سانشيز في شهر أبريل 2022 موقف بلاده، ليتحول من الحياد السلبي إلى الدعم الإيجابي لحل سياسي على أساس مقترح الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب سنة 2007.

موقف سانشيز الذي اعتبر آنذاك مقترح الحكم الذاتي “أكثر الأسس جدية وواقعية ومصداقية لحل هذا النزاع الذي يراوح مكانه منذ أزيد من نصف قرن”، لقي معارضة قوية من طرف كل الأحزاب الإسبانية بما فيها حليفه في الحكومة “بوديموس”.

وفي مناورة سياسية ماكرة ترمي إلى إحداث شرخ داخل الائتلاف الحكومي المرتقب، قال فييخو إنه “على يقين أن البرلمان سيكشف الأسباب الكامنة وراء تغيير الموقف من الصحراء الغربية من خلال لجنة تحقيق”، مردفا أن حزب “سومار”، حليف سانشيز، سيصوت لصالح هذا المقترح.. فهل سيصمد سانشيز أمام ضغوط اليمين من جهة واليسار الراديكالي والأحزاب الانفصالية من جهة أخرى، أم أنه سيثبت على موقفه الجديد الداعم لمقترح الحكم الذاتي كحل لنزاع الصحراء ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى