المنبر الحر

المنبر الحر | زلزال الحوز.. دعوة صريحة للاهتمام بالعالم القروي

بقلم: بنعيسى يوسفي

    الآن وقد مرت على زلزال الحوز مدة قصيرة، تلك الفاجعة التي أيقظت المغرب من سبات عميق، وفجّرت ينابيع التضامن والتآزر بين أفراده من مختلف الأطياف، وأعطت للعالم صورة راقية عزّ نظيرها عن المحبة والتكافل الاجتماعيين اللذين يتميز بهما هذا الوطن العظيم، وهذا ليس بغريب عن مجتمع جُبل على هكذا قيم منذ الأزل، مرّت هذه المدة على الكارثة وبدأت الصورة تتضح أكثر عن هَوْلِها وحجم الدمار الذي خلفته في العمران والنفوس على حد سواء، والأمور أخذت تعود رويدا رويدا إلى حالتها الطبيعية رغم أن الجرح لن يندمل بسهولة، وتبعات كل تلك المشاهد المؤلمة ستبقى راسخة ليس في أذهان الذين عايشوا النكبة بأم أعينهم وتجرعوا مرارتها وحسب، ولكن حتى في أذهان أفراد المجتمع قاطبة صغارا وكبارا، الذين عايشوا بكل جوارحهم وأحاسيسهم هذا المصاب الجلل، وسيبقى ذكرى قاسية لن يمحوها التاريخ بسهولة.

وقد عرّى الزلزال على حقائق فظيعة وواقع بئيس كان يعيشه هؤلاء الناس الطيبين المرابطين والمحاصرين وراء الجبال على مستويات عدة، مما يستدعي سؤال المحاسبة وتحديد المسؤوليات، وقد يقول قائل أننا الآن بصدد لملمة الجراح والحد من أثار النكبة، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإيواء المتضررين، وإشفاء المعطوبين والجرحى، وإيجاد حلول عاجلة لإعادة الأمور إلى سابق عهدها، مما يعني تسخير جميع الجهود في هذا الاتجاه، وبالتالي، إرجاء المحاسبة إلى وقت لاحق، يمكن أن نتفق مع هذا الطرح ولو على مضض، لكن هذا لا يعفينا من طرح العديد من الأسئلة المحيرة، التي تستهدف السياسات العمومية والقطاعية والمجالية: ما حظ العالم القروي ومناطق المغرب العميق الذي تعتبر المداشر والدواوير المنكوبة جزء منه من التنمية؟ ما حظ هذه المناطق من البنية التحتية والطرقات والمستشفيات وما إلى ذلك من التجهيزات والمرافق الأساسية التي توفر للإنسان العيش الكريم؟ هل السياسات الحكومية المتعاقبة كانت عادلة ومنصفة وتضع نصب أعينها هذه المناطق وحاجياتها الملحة، أم أن الدولة لها تصور آخر؟

تتمة المقال تحت الإعلان

إن الذي يتابع الظروف التي تعيشها الساكنة في هذه المناطق، قد يساوره اعتقاد راسخ يطرح معه السؤال السوريالي والمستفز في آن واحد: هل لا زال في مغرب القرن الواحد والعشرين، وزمن العولمة والتكنولوجيا، مواطنون يعيشون تلك الأوضاع، وفي تلك الحالة؟ هل لا زال المغرب في القرن الواحد والعشرين يعيش هذه المستويات من الفقر والهشاشة؟ الهشاشة في كل شيء والتي لم تساعد حتى في إيصال المساعدات الإنسانية إلى تلك المناطق في الوقت المناسب، فلو كانت الطرق سالكة إليها، وكانت المسالك مفتوحة، وكانت بعض البنيات موجودة ولو في حدها الأدنى.. لربما كانت الخسائر والأضرار أقل مما سجل، فمن المسؤول عن كل هذه المشاكل وهذه الأزمات يا ترى؟

إن هذا الحدث الأليم والمفجع يدفع المرء لطرح سيل من الأسئلة لا حصر لها، ومساءلة مسؤولين في قطاعات مختلفة، دون أن ننسى مسؤولية الأحزاب السياسية التي لا أعتقد أنها قامت بما يكفي من مجهودات لانتشال هذه المناطق من براثين التهميش والإقصاء، واتضح أن هذه الدواوير أصوات انتخابية ليس إلا، لا يتم اللجوء إليها أو التفكير فيها أو التواصل معها إلا حينما يهل موسم الانتخابات، فكم من حزب تقرأ برنامجه وتجده مخصصا حيزا هاما للعالم القروي وتنميته، ويستعمله كورقة انتخابية لكسب أصواته، لكن سرعان ما تنتهي الانتخابات لتبقى دار لقمان على حالها، وهناك من الأحزاب من ينسب العالم القروي إليه، ويقول أن الحزب، حزب العالم القروي بامتياز، وهو لا يربطه بهذا العالم إلا الخير والإحسان.

إن الأحزاب في هذه المناطق تستغل بساطة وقلة ذات اليد وأمية الساكنة لتحقق أغراضها ومصالحها، أما الوعود فتبقى مثل أحلام الليل التي يمحوها نور الصباح، فمنذ الاستقلال إلى اليوم، لو قام كل مجلس جماعي أثناء ولايته ولو بجزء ضئيل من الإنجازات الحقيقية على أرض الواقع كيفما كانت طبيعتها، والذي يليه يقوم بنفس العمل، والذي يليه إلى اليوم.. لفككنا العزلة عن تلك المناطق والتحقت بركب التنمية، لكن للأسف، جل تلك المجالس لم تحقق أي شيء على أرض الواقع لصالح الساكنة التي تئن تحت وطأة الظروف الطبيعية والاجتماعية القاسية، وهناك مجالس تمر ولايتها كاملة والمحصلة صفر إنجاز، كل ما تتقنه هو النقاشات الهامشية الفارغة والخصومات وتبادل التهم في تضييع وإهدار للزمن السياسي الذي لا يقدر بثمن، والذي تذهب فيه بذلك مصالح المواطنين أدراج الرياح، فأين تصرف تلك الميزانيات الضخمة التي ترصد لتلك الجماعات؟

تتمة المقال تحت الإعلان

من المؤكد أن هذا الزلزال العنيف الذي ضرب بلدنا مؤخرا، سيجعل الكثير منا يعيد حساباته مع نفسه، ويعيد ترتيب أوراقه، واستخلاص العبر والدروس، ونفس الشيء مع كل الجهات المعنية التي تسير شؤون هذه البلاد، فإذا كان من المستحيل جدا مجابهة مثل هذه الكوارث لطبيعتها الفجائية، لكن في المقابل يجب على الأقل التوفر على حد أدنى من المقومات والإمكانيات للتخفيف من أثرها وعواقبها، وما حدث في تلك المناطق النائية هو دعوة إلى جميع المسؤولين المعنيين، إلى تصويب بوصلتهم شطر العالم القروي لتأهيله والاهتمام به، لأنه فعلا يشكو خصاصا مهولا ومدقعا على كل المستويات، لقد بات الاهتمام في السنوات الأخيرة بالمدن وتم نسيان القرى والبوادي، وهذه فرصة لإعادة النظر في هذه المقاربة، كما يعتبر هذا الحادث أيضا، دعوة إلى المنتخبين في تلك المناطق، إلى العمل على جلب الاستثمارات للمنطقة، خاصة وأنها سياحية بامتياز، وتوفير فرص شغل للقاطنين بها، وعلى رجال الأعمال والمقاولين المغاربة الكبار أيضا، الالتفات إليها والتفكير فيها، وذلك للحد من هذه الفوارق المجالية التي غالبا ما تنتج عنها أزمات عديدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى