المنبر الحر

المنبر الحر | موعد مع الزلزال

بقلم: محسن زردان

 

    الحادية عشر وإحدى عشرة دقيقة من منتصف ليلة الجمعة 9 شتنبر 2023، فجأة تحركت الأرض من تحت أقدام المغاربة، لم يصدقوا الأمر بداية، لكنها المباني تتمايل، وكل ما على اليابسة يتململ ويزداد تحركا، إنه الزلزال بعظمته ورهبته اختار أن يهز أركان البلد.

تتمة المقال بعد الإعلان

هول الزلزال كان هائلا، امتد صدى تأثيره إلى نصف أرجاء التراب الوطني، ليضرب أغلب مدن وسط وجنوب المملكة التي تحسست مروره.

الارتباك والذهول والخوف كان حاضرا جاثما على مشاهد ليلة الزلزال، الناس في حيرة من أمرهم، ماذا عساهم فاعلون؟ وأي وجهة يقصدون؟ فكان المبيت في العراء ملجأهم.

بعد حين، أدرك الجميع أن لطف الله كان رحيما، فبؤرة الزلزال ضربت عمق منطقة جبال الأطلس الكبير، حيث الكثافة السكانية القليلة، وإلا لكان هول الخسائر البشرية والمادية أفدح في حالة اقترابها من بؤرة المدن الكبرى ذات التجمعات السكانية الكثيفة.

تتمة المقال بعد الإعلان

قدر الله أن تتضرر من قوة الزلزال المناطق القروية الجبلية النائية لمدن مراكش والحوز وتارودانت وشيشاوة وورزازات، فانهارت قُرى معزولة بأكملها على رؤوس سكانها البسطاء، ليلقوا حتفهم مع بهائمهم تحت الأنقاض، فتنكشف عورة تنمية القرى في البلد، وتنفضح شعارات النهوض بالعالم القروي التي يروجها الإعلام.

الأطفال والنساء والشيوخ كانوا أكثر الضحايا من الأموات، لقرى هجرها شبابها للمدن الكبرى بحثا عن فرص الشغل وهربا من البطالة القاتلة التي ترزح تحت لهيبها تلك المناطق.

هؤلاء الشباب المهاجرين هم من هرعوا في الساعات الأولى للزلزال إلى عين المكان، أملا في إنقاذ عائلاتهم، نظرا لوعورة تضاريس المنطقة، وكذا تأخر وسائل الإنقاذ والإسعاف لقرى مجهولة على الخريطة.

ظهر بجلاء حجم تضامن وتآزر المجتمع المدني مع المناطق المنكوبة، حيث كانت أكثر فعالية وسرعة في الوصول ومد يد العون والمساعدة لسكان القرى المتضررة، في حين أبانت السلطات عن ارتباك وبطء في التعامل مع وضع يتطلب سرعة في التدخل لإنقاذ الأرواح أكثر من التدخل في حد ذاته، حتى أن أهالي الضحايا وجدوا صعوبة في دفن الموتى بسبب تعقيدات المساطر الإدارية.

المساعدات الدولية الإنسانية للإغاثة كانت بدورها حدثا أثار ومازال يثير النقاش، حين اعتذر المغرب عن قبول المساعدات الإنسانية للمجتمع الدولي واكتفى بقبول مساعدات أربعة دول فقط، فهناك من اعتبر الأمر مسألة سيادية محضة، ترتكز على مبدأ التمييز بين الدول الصديقة وغير الصديقة المعادية للمصالح العليا للمملكة، فضلا عن دواعي تنظيمية ترمي إلى تفادي حدوث الفوضى وسوء التنسيق في حالة نزول دول عديدة لساحة الميدان، وهناك من اعتبر هذا القرار تسييسا لكارثة إنسانية يُفترض أن تنأى بنفسها عن منطق الحسابات السياسية، وهفوة غير محسوبة للدبلوماسية المغربية التي أوصدت الأبواب أمام مجموعة من الدول، التي سيصعب التعامل معها في المستقبل لأنها لن تُمرر هذا الموقف بسهولة ولن تقبل أي مساعدة معروضة عليها من طرف المغرب في مثل هذه الظروف، خصوصا وأن المغرب في أمس الحاجة للانفتاح بإيجابية أكثر على المجتمع الدولي لكسب أصوات مؤيدة لقضية الصحراء المغربية.

الصورة كانت حاسمة في نقل الأحداث، عدسات الهواتف النقالة والكاميرات استطاعت أن ترصد معاناة الضحايا بتفاصيلها، فيما جموع أجراء نادي “اليوتيوب” يُهرولون إلى أعالي الجبال لتقديم مساعدات يصرون على أن تكون مصورة علنا لضمان لفت الانتباه والحضور في سباق بورصة المشاهدات.

الإعلام العمومي بعيد كل البعد عن أبجديات تغطية الحدث في حينه، ومازال حبيس بيروقراطية عتيقة، فيما الناس مشدودة للقنوات الأجنبية لمعرفة ما حصل والتوصل بالمعلومات والمعطيات المتوفرة حول الزلزال.

الحكومة بدورها في الساعات الأولى الحرجة للزلزال نهجت سياسة الصمت والتفرج، لكونها مقيدة بحسابات الخوف والتوجس من أخذ زمام المبادرة قبل استشارة وموافقة ذوي القرار، وكذا تجنب الإدلاء بتصريحات غير مدروسة، تأخذ في أحيان كثيرة أبعادا سلبية، كاشفة عن ضعف أعضائها في امتلاك ملكات التواصل، فضلا عن تخبط وتباين في مواقفهم من الأحداث.

كلنا أمل أن يخرج من باطن هذا الحدث الفاجع زلزال اقتصادي تنموي يرتد بحسناته على تلك المناطق المنسية الفقيرة، ويخرجها من براثين الإهمال والتهميش، ورجاؤنا ألا تتحول الأموال المخصصة لدعم الضحايا وبناء ما دمره الزلزال، إلى مشاريع وصفقات استثمارية في أيدي فاسدة للرأسمال المسيطر من تجار وبارونات الأزمات للتَرَبُّح على مآسي الضحايا، كما أنها فرصة للتفكير في توسيع هامش التضامن بالتناوب بين الجهات وجمع التبرعات لمناطق أخرى مصنفة في خانة المناطق الأكثر هشاشة وفقرا، والتي لا تحتمل وقوع كوارث طبيعية تزيد في محنتها حتى يتم الالتفات إليها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى