
ارتبط المغرب بالأندلس بعلاقة تاريخية طويلة واستثنائية، ساهمت الجغرافيا في بنائها وتطورها ورسم خطوطها بشكل حاسم، حيث كان المغرب أقرب دولة إسلامية للأندلس، التي وجدت فيه الدولة الصديقة و”الحليفة” أثناء “حرب الاسترداد” التي شنتها القوى الكاثوليكية لتصفية المسلمين من شبه الجزيرة الإيبيرية، وبالفعل، فقد كان المغاربة عند مستوى اللحظة التاريخية، وأبانوا عن مواقف وسياسات وبطولات تبعث على الفخر والاعتزاز والتأسي، ما تزال مثالا ودرسا تاريخيا عميق المغزى في الوعظ الديني وقيم الوطنية الصادقة.

أستاذ باحث في التاريخ والفكر
لقد تم التأسيس لمشروع سياسي “استراتيجي” طموح جعل الجهاد بالأندلس ضمن أولويات السياسة الخارجية للدول الثلاث التي حكمت المغرب الوسيط (المرابطون، الموحدون، المرينيون).. مشروع كان إحدى الثوابت التي سارت عليها هذه الدول، مع الفارق في السياق التاريخي والحصائل لكل منها، ويأتي ذلك في إطار التضامن الإسلامي الذي يفرضه الجوار ورابطة الدين، لمدافعة العدو عن رقاب المسلمين ونصرة دار الإسلام، كما مثل الجهاد في الأندلس فرصة لكسب المشروعية الدينية وتمتين قواعد ومشروعية الدولة، والقصد هنا الدولة المرينية، التي لم يكن لها في بداية أمرها – خلافا للمرابطين والموحدين – سند ديني يعضدها ويمنحها صفة المشروعية، فكسبت من ورقة الأندلس ما أرادت.
رعي الجمال خير من رعي الخنازير
بدأ العد العكسي في التاريخ الأندلسي مع نهاية الخلافة الأموية بالجزيرة، وانقسامها بين ملوك الطوائف إلى ولايات وأقاليم مستقلة عن بعضها البعض، وكانت الفرقة والخلاف سيدا الموقف في هذه المرحلة من تاريخ الأندلس، كما تغلبت المصالح الذاتية الضيقة على مصلحة الوطن، وقد شكل هذا الضعف الذي دب في الجسد الأندلسي، مناسبة لاستقواء العدو المرابط على الحدود يتحين الفرصة للانقضاض على الثغور الإسلامية.. فقد سقطت طليطلة سنة 1085م، وحوصرت إشبيلية لمدة طويلة حتى كادت أن تسقط في أحضان ألفونسو السادس.
في هذا السياق، انعقدت قمة أندلسية جمعت ملوك الطوائف، للتداول في شأن كيفية مواجهة المتغيرات الجديدة التي بدأت تعصف بالمنطقة، أي المدن الأندلسية، وقد خلصت القمة إلى إقرار المعتمد بن عباد الاستعانة بالمرابطين في المغرب الأقصى، رغم أن هذا القرار شكل عامل توجس وتردد لدى بقية الملوك مخافة أن ينفرد المرابطون بالبلاد الأندلسية، وهنا أطلق المعتمد بن عباد قولته المشهورة: “رعي الجمال خير من رعي الخنازير”، فاتفق المعتمد بن عباد مع صاحب بطليوس، المتوكل بن الأفطس، وصاحب غرناطة، عبد الله بن بلقين الصنهاجي، على إيفاد وفد يضم ثلاثة قضاة من المدن المذكورة، إضافة إلى وزير المعتمد بن عباد، أبو بكر بن زيدون، يحمل رسالة من المعتمد بن عباد إلى السلطان يوسف بن تاشفين، يطلب مساعدته لمواجهة التهديدات النصرانية: ((… فإنا – نحن العرب – في هذه الأندلس قد تلفت قبائلنا، وتفرق جمعنا، وتغيرت أنسابنا بقطع المادة عنا من ضيعتنا، فصرنا شعوبا لا قبائل، وأشتاتا لا قرابة ولا عشائر، فقل نصرنا، وكثر شماتنا، وتولى علينا هذا العدو المجرم اللعين ألفونسو، وأناخ علينا بطليطلة ووطئها بقدمه، وأسر المسلمين، وأخذ البلاد والقلاع والحصون، ونحن أهل هذه الأندلس، ليس لأحد منا طاقة على نصرة جاره ولا أخيه… وقد ساءت الأحوال، وانقطعت الآمال، وأنت أيدك الله سيد حمير، ومليكها الأكبر، وأميرها وزعيمها، نزعت بهمتي إليك واستنصرت بالله ثم بك، واستغثت بحرمكم لتجوز بجهاد هذا العدو الكافر وتحيون شريعة الإسلام وتدينون على دين محمد صلى الله عليه وسلم، ولكم عند الله الثواب الكريم على حضرتكم السامية…))، وبعد تلاوة السلطان النص على أهل الحل والعقد، أجمعوا على نصرة الدين وإغاثة إخوانهم المستضعفين، فكان الرد المرابطي كالتالي: ((… فنحن يمين لشمالك ومبادرون لنصرتك وحمايتك، وواجب علينا في الشرع، وفي كتاب الله، وإنه لا يمكننا الجواز إلا أن تسلم لنا الجزيرة الخضراء…)).
وبالفعل، وافق بن عباد على الشرط وجعل الجزيرة هبة تحت تصرف المرابطين، الذين جعلوها قاعدة عسكرية لتسهيل عمليات الإنزال، وغيرها من العمليات اللوجستية.
يوسف بن تاشفين وانتصار “الزلاقة”
عبر يوسف بن تاشفين البحر سنة 1086، واستقبل بحفاوة من قبل السكان، وخاصة من لدن المعتمد بن عباد، وفي هذه الأثناء كان ألفونسو ضاربا حصارا على سرقسطة مطالبا صاحبها ابن هود بالمال مقابل فك الحصار، بيد أن توصله بخبر الجيش المرابطي أجبره على ترك المدينة، وإعلان الاستنفار العام في طليطلة، فحجت إليه أفواج غفيرة من النصارى معتبرا أن الأمر يتعلق بحرب “مقدسة”.
وقبيل المعركة، راسل ابن تاشفين ألفونسو قائلا: ((بلغنا يا أذفونش أنك نحوت الاجتماع بنا، وتمنيت أن تكون لك فلك تعبر البحر عليها إلينا، فقد جزنا إليك، وجمع الله في هذه العرصة بيننا وبينك، وترى عاقبة ادعائك، وما دعاء الكافرين إلا في ضلال))، فاستفز هذا الكتاب ألفونسو فقال: ((أبمثل هذه المخاطبة يخاطبني وأنا وأبي نغرم الجزية لأهل ملته منذ ثمانين سنة؟)).
كانت المعركة يوم الجمعة، علما أن ألفونسو كاد أن يخدع المرابطين عندما أخبر ابن تاشفين بأنه لا ينوي القتال في الأيام المقدسة لدى الديانات الثلاث، ومن ضمنها طبعا الإسلام، بما تمثله الجمعة من دلالات ومعاني دينية، لكن المعتمد بن عباد فطن لخطة ألفونسو وحذر ابن تاشفين من مغبة تصديق ذلك، وأكد له أن المعركة قائمة يوم الجمعة لا محالة، وفعلا، فقد زحف الجيش النصراني تجاه الفرقة الأندلسية في يوم الجمعة، وكانت الغلبة في البداية لصالح الجيش النصراني، لكن ما هي إلا لحظات حتى انقلبت الموازين إلى صف المسلمين، حينما التف يوسف ابن تاشفين بفرقته على مؤخرة العدو، فأتى على الخيام والحرس، وقد كان لتوظيف تقنية قرع الطبول والجمال أثر كبير في نتيجة المعركة، حيث ذعر الأعداء وخارت عزائمهم، لاسيما أنهم لم يعتادوا هذا الأسلوب في القتال، وبالأخص توظيف الجمل الذي صدم العدو.. وهكذا فر ألفونسو مدحورا خائبا نحو طليطلة، بعدما كبده المرابطون خسائر فادحة في الأرواح، بينما زف خبر النصر إلى إشبيلية كالتالي: ((اعلم أنه التقت جموع المسلمين بالطاغية ألفونسو اللعين، ففتح الله للمسلمين وهزم على أيديهم المشركون والحمد لله رب العالمين)).
بين انتصار يعقوب المنصور وهزيمة الناصر
كانت الخطة الحربية في موقعة “الأرك” من اقتراح عبد الله بن صناديد، أحد زعماء الأندلس، نظرا لخبرته ودرايته بتقنيات الحروب وخدعها، كانت الخطة تقضي باختيار قائد واحد عام على الجيش، تجنبا لحالة الارتباك والفوضى التي وقعت في السابق، ثم تكليف الجيش النظامي المتكون من الأندلسيين والمغاربة/ الموحدين بمواجهة الهجوم الأول للعدو، فيما تبقى بقية الفرق الأخرى المتكونة من البربر والمتطوعين غير النظاميين في الاحتياط، وأخيرا أن يرابط السلطان الموحدي أبو يوسف المنصور بقواته وراء التلال قرب حصن الأرك، حتى يتسنى له الالتفاف على مؤخرة العدو، ولعل هذه الخطة تذكرنا بأسلوب المرابطين في الزلاقة.
بدت المعركة في البداية كأنها في صالح القشتاليين، حيث قتل عدد كبير من المسلمين وتناقص عدد الجند، رغم ذلك واصل المسلمون القتال متكئين على الشجاعة والإيمان والشهادة، وفي لحظة تمكن السلطان الموحدي من النفاذ إلى قلب الجيش النصراني فتمكن المسلمون من الإطاحة بالفرسان النصارى، وبعد اشتداد عود المسلمين وتقدمهم في المعركة، فر ألفونسو كعادة أسلافه.. هكذا أذيع خبر النصر في كافة الربوع الأندلسية والمغربية، وغنم المسلمون غنائم وافرة، كما جسد يعقوب المنصور الموحدي أجلى صور التسامح، حينما ترك أسرى الحرب دون فدية، وفي هذا السياق المشحون بالنصر والبطولة، واصل يعقوب المنصور فتوحاته ففتح عددا من الحصون والقلاع، كما حاصر طليطلة على أمل استرجاعها لحضن “الوطن” الأندلسي، بيد أنه لم يفلح في مسعاه.
لكن يبدو أن هذا النصر لم ينل من عزيمة وإصرار التكالب النصراني على الثغور الأندلسية، ذلك ما سيدفع الموحدين إلى خوض جولة أخرى من المواجهات مع الجيش المسيحي في محطة سميت بالعُقاب، وفي هذا الصدد نتساءل: هل سيتمكن الموحدون من إحراز نصر ثان على شاكلة “الأرك”، أم أن نتيجة المعادلة ستكون مغايرة هذه المرة لصالح الطرف الثاني؟ وإذا كانت الحصيلة كذلك، فبأي ثمن؟ بمعنى ما هي التداعيات القريبة والبعيدة لنتيجة هذه المعركة على الأندلس وعلى المغرب أيضا؟
يخبرنا المقري في “نفح الطيب”، أن ((وقعة العقاب المؤرخة بـ 609هـ/ 1212م، كانت هي الطامة على الأندلس، بل والمغرب جميعا))، والسبب في هذه الهزيمة، الأولى من نوعها، التي حلت بالمسلمين/ الموحدين، حسب نفس المؤرخ، مرده إلى سوء التدبير، حيث استخف الملك الموحدي الناصر بالنصائح والتوجيهات التي أسداها له رجالات الأندلس باعتبارهم أدرى بالإفرنج وكيفية قتالهم ومنازلتهم، من خلال احتكاكهم بهم ومعايشتهم لهم، وإذا كانت الضرورة التاريخية والمصلحة العليا، أي نصرة دار الإسلام، تفرض على الناصر الأخذ بتلك النصائح والإرشادات كما سبق وأخذ بها سلفه في معركة “الأرك”، فكان الفوز حليف المسلمين، فإن الاستعلاء والتكبر والثقة الزائدة في النفس حملته على إعدام بعض أولئك الرجالات، فتبرمت الأنفس وفقدت الثقة وروح الوحدة والمصير المشترك، وطبيعي جدا في هذه الظروف أن تكون الهزيمة أمرا حتميا.
وقد كانت لهذه الهزيمة تداعيات خطيرة على مستقبل الوجود الإسلامي بالأندلس، حيث شجعت العدو على استملاك جل المدن الأندلسية، فيما بقيت آخر القلاع الإسلامية منحصرة في أقصى الجنوب الشرقي للأندلس، يتعلق الأمر بمملكة غرناطة التي باتت تبذل قصارى جهدها في مقاومة مناوشات النصارى، أما على صعيد المغرب، فقد ((كانت هذه الوقعة أول وهن دخل على الموحدين، فلم تقم بعد ذلك لأهل المغرب قائمة))، فمن تبعات هذه الهزيمة تعرض السواحل المغربية لاحقا للغزو الإيبيري، لعل أبرزها احتلال سبتة من لدن البرتغال عام 1415م.
أبو الحسن.. آخر السلاطين المغاربة جهادا بالأندلس
من المعلوم أن المرينيين عند دخولهم للمغرب كقوة لها طموحات سياسية بعد ضعف الموحدين، لم تكن لهم دعوة دينية يسعون إلى نشرها أو مذهب يضمرون شيوعه كالمرابطين والموحدين، لذلك، فقد وجدت الدولة المرينية في فكرة الجهاد بالأندلس فرصة لكسب المشروعية الدينية التي تفتقدها، فاحتلت مسألة الجهاد هاته حيزا أساسيا في “برنامجها السياسي”، ولعل ما يؤكد هذا الطرح، مقولة يعقوب لابن الأحمر، لما تنازل له عن الغنائم في إحدى الغزوات بالأندلس قائلا: ((يكون حظ بني مرين من هذه الغزوات الأجر والثواب مثل ما فعل يوسف ابن تاشفين – رحمه الله – مع أهل الأندلس يوم الزلاقة)).
إذا كانت صنهاجة اللثام (الدولة المرابطية) قد أرهبت العدو في موقعة “الزلاقة” (479هـ/1086م)، ومصمودة (الدولة الموحدية) وطدت الهيمنة الإسلامية في “الأرك”، فإن زناتة المرينية تقاعست عن كسر شوكة الحلف النصراني في وقعة “طريف” (741هـ/1340م)، والتي مني فيها جيش أبو الحسن هزيمة حملته على ركوب البحر والقفول إلى سبتة دون عودة.
ويعزى سبب موقعة “طريف” أو “ريو ديسلادو” بالمفهوم الإسباني، إلى اتصال أبو الحسن بخبر هلاك ابنه أبي مالك أمام التكتل النصراني، ما حمل أبو الحسن على الشروع في تجهيز أساطيله وبعثه في أخرى إلى أصهاره الحفصيين بإفريقية، الذين وافوه بستة عشر أسطولا حتى اصطفت الأساطيل تناهز المائة، ثم شرع الأسطول المريني في مواجهة أسطول الطاغية، فكان النصر حليف أبو الحسن، فاغتر بهذا النصر المبدئي فشرع في إجازة العساكر المتطوعة والمرتزقة، وانتظمت الأساطيل سلسلة واحدة من العدوة إلى العدوة، عازما على مناجزة الطاغية وتقليم أظافره، ونزل السلطان وحشمه بموضع يدعى طريف. بالتزامن مع ذلك، جهز العدو أسطولا لقطع المؤونة عن معسكر المسلمين، حتى فنيت أقواتهم، فدب الضعف والاضطراب في صفوف المرينيين، مما دفع العدو إلى الزحف نحوهم، وخلال الليل، سرب شرذمة من جنده وكمنها في معسكر المرينيين إلى حين المعركة، وهكذا برز الجيش الكمين أثناء المعركة وقصدوا محلة السلطان وقتلوا النساء زوجات السلطان أبو الحسن وأضرموا المعسكر نارا، وما إن فطن المرينيون لخطة العدو، حتى اختل مصافهم وارتدوا على أعقابهم، وأُسر الأمير تاشفين ابن السلطان أبو الحسن، فانكفأ أبو الحسن نحو المغرب خائبا.
لقد شكلت هذه الهزيمة نهاية الجهاد المغربي عامة في الأندلس، فلم تطأ قدم مغربية بقصد الجهاد أرض الأندلس، إلا إذا استثنينا المساعدات المالية والأسلحة لأهل الأندلس لمساعدتهم على المقاومة.
لعل من صدف التاريخ المحمودة، أن تزامن ضعف الأندلس مع ظهور قوى وازنة في معادلات الصراع في المغرب الأقصى، فالدولة المرابطية ثبطت الطموحات الصليبية في “الزلاقة”، ثم في مرحلة ثانية استكملت الدولة الموحدية المشروع المغربي في حفظ بيضة الإسلام بجزيرة الأندلس، من خلال تألقها وانتصارها البطولي في محطة “الأرك”، لكن في المراحل اللاحقة، خاصة مع فترة الدولة المرينية، تراجع الجهاد وتزايدت حركة الاسترداد الإسبانية، بل إن المغرب الذي ظل منطلقا وقاعدة الجهاد في الأندلس، بات هو الآخر عرضة للتوسعات والأطماع الإيبيرية، وفوق هذا وذاك، تشهد هاته الشواهد التاريخية، أن المملكة المغربية كانت عبر التاريخ إمبراطورية مناصرة للإسلام والمسلمين في عدة مناسبات ومناطق مختلفة، باعتبارها قوة تعدى إشعاعها حدودها الطبيعية.
Hhhhhhhhhh sebta et mililia ça fait cinq siècles ils sont sous l’occupation espagnol, deux villes vous n’êtes pas capable de les récupérer, et vous parlez de l’Andalousie!!!!!!, vous n’avez pas de couilles, vous avez que la grande gueule et l’hypocrisie, continuez dans votre prostitution politique et historique, un peuple bizarre vraiment