المنبر الحر | هل يتوفر قطاع التعليم الخاص على شرعية دستورية ؟
بقلم: زهير أهل الحسين
بمناسبة الدخول المدرسي 2023، ارتأيت أن أخصص هذا المقال لأحد المحاور المهمة التي تهم السياسة العمومية للتعليم، وحين نتحدث عن سياسة عمومية، فإننا نشير بالدرجة الأولى إلى الفاعلين والمشروعية والموارد المتاحة والإكراهات والاستراتيجيات والمفاهيم الكبرى التي تؤطر السياسة العمومية مثل التجانس والتنسيق بين الفاعلين والقيم المشتركة بين الفاعلين.
ومن ضمن هؤلاء الفاعلين في مجال التعليم، نجد القطاع الخاص الذي أصبح متواجدا بقوة في المنظومة التعليمية من خلال عدد التلاميذ المسجلين، ومساهمته في الاقتصاد الوطني من خلال خلق فرص شغل مباشرة وغير مباشرة، سواء تعلق الأمر بالمدرسين أو بالسائقين والمرافقين الاجتماعيين، ناهيك عن انتعاش قطاع العقار.
ومن فرط الحماسة التي بلغت ببعض الوزراء حد التسويق السياسي والإعلامي للقطاع الخاص، ما دام أن منهم من له مدارس خاصة، فمنهم من اعتبره شريكا مهما في السياسة التعليمية، بل يوسع دائرة العرض التعليمي ويساعد في التقليص من الاكتظاظ، وهذا في خدمة المواطن المغربي، لكن إذا افترضنا بأن كل هذه المؤشرات والمصوغات تصب في صالح القطاع الخاص للتعليم، فهذا يقتضي أن الجانب القانوني يتماهى مع هذه المعطيات، وبما أن الدستور هو أسمى القوانين، فهذا يقتضي أن المشرع الدستوري أفرد له نصوصا تزكي هذا الطرح، والعكس صحيح، إذا لم ينص المشرع الدستوري على القطاع الخاص، فهذا يبين أنه لا يعترف به ويعترف فقط بالتعليم العمومي الذي يدخل ضمن السياسات العمومية الهوياتية، حيث يتم تشكيل هوية التلميذ لسنوات عديدة من خلال تلقينه القيم ومميزات الحضارة المغربية وكل ما من شأنه أن يساهم في تعزيز الروافد الهوياتية للتلميذ، لكن أن يتم تدريس التلميذ خارج الفضاء الهوياتي، فهذا تناقض فظيع يجعل من يقوم به غير ذي مصداقية أمام الرأي العام، وهناك العديد من الوزراء الذين تقلدوا حقيبة التعليم، وأبنائهم يدرسون فيما يعرف بالبعثات أو فيما يعتبرونه أرقى المدارس الخاصة، حسب رأيهم، فوقعوا في حيص بيص أمام الرأي العام أو من خلال الإجابة عن تساؤلات البرلمانيين.
من أجل الإجابة عن هذه التساؤلات، نقوم بالتركيز على الفصول التي تشير إلى قطاع التعليم، ومنها الفصل 31 والفصل 33 من الدستور.
ينص الفصل 31 من الدستور على ما يلي: ((تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في الحصول على تعليم عصري ميسر وذي جودة، والتنشئة على التشبث بالهوية المغربية، والثوابت الوطنية الراسخة))، أما الفصل 33 فينص على: ((على السلطات العمومية اتخاذ التدابير الملائمة لتحقيق ما يلي: مساعدة الشباب وتقديم المساعدة لأولئك الذين تعترضهم صعوبة في التكيف المدرسي أو الاجتماعي أو المهني)).
نلاحظ أن المشرع الدستوري، في الفصل 31، حصر فاعلي السياسة العمومية للتعليم في الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، ولم يتحدث عن فاعل اسمه القطاع الخاص، وربط دورهم بتسهيل استفادة المواطنين المغاربة على قدم المساواة من الحصول على تعليم يجب أن يكون عصريا وذا جودة، وأن يتم تنشئة التلميذ على الارتباط بالهوية المغربية والثوابت التي تشكل بنية المجتمع المغربي، كما أوجب المشرع على السلطات العمومية، في الفصل 33، مساعدة الشباب المتمدرس على تجاوز العقبات، ومنها محاربة الهدر المدرسي وتوفير النقل المدرسي، وأن تكون المؤسسات التابعة للدولة، مثل دور الشباب ودور الثقافة، تساعد على إعطاء دروس في الدعم والتقوية للتلاميذ قبيل اجتياز الامتحانات، وهذا التوجه كان حاضرا في سنوات “العز”، عندما كنا نتلقى دروسا بالمجان من طرف أساتذتنا أو من طرف بعض الطلبة المجازين قبل أن تغزو بدعة الساعات الإضافية مجال التعليم ويفسح المجال للقطاع الخاص من أجل الاستثمار في التعليم عوض توجيههم إلى الاستثمار في السياحة أو النقل أو الصيد البحري، أي السياسات العمومية ذات الطابع التقني.
وهكذا يتضح أن المشرع الدستوري لم ينص بشكل ضمني أو صريح على القطاع الخاص للتعليم، ما يعني أنه لا يتوفر على شرعية دستورية يمكن أن يستمد من خلالها مشروعيته في بناء السياسات العمومية للتعليم، ولو أردنا استنكاه روح المشرع المغربي، فإنه يمكن القول بأن التعليم حق دستوري للجميع، ومجاني، ولا يمكن أن يخضع لمنطق الرأسمالية التي تربط الخدمة بالأداء وتتعامل معه وفق منطق السوق وليس وفق منطق الديمقراطية، كما أن المشرع يريد أن يوصل رسالة إلى الحكومة المغربية بأنها ارتكبت أخطاء استراتيجية في فتح المجال للخواص باقتحام أحد أبرز السياسات العمومية ذات الطابع الاجتماعي والوطني، لذلك تحاول تدارك الموقف من خلال العديد من التدابير التي لا يمكن إلا أن أشيد بها، من قبيل التعليم الأولي والمدارس الجماعاتية والمدارس الرائدة والنقل المدرسي وتوزيع الألبسة، وغيرها من التدابير الإيجابية التي ستسحب البساط شيئا فشيئا من تحت أقدام القطاع الخاص، كما أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الطبقة المتوسطة، قلصت هذا الموسم أعداد الملتحقين بالقطاع الخاص لحدود 58 في المائة، بعدما كانت المؤسسات الخصوصية تستقبل أعدادا كبيرة، وهذا يبين أن “الزلط” ينعكس إيجابا على الطبقة المتوسطة التي لا تخلق الثروة وإن خلقتها تسارع إلى وضعها في يد الرأسماليين، لهذا هناك من يعرف الرأسمالية بـ”استغلال الأذكياء للأغبياء”.