المنبر الحر | حتى تكون للأرقام والإحصائيات مصداقية داخل مؤسساتنا التعليمية
بقلم: عثمان محمود
أصبح للرسوم البيانية والأرقام والإحصائيات حضور فعلي في الأكاديميات الجهوية للتربية والتعليم، ومعها بالطبع المديريات الإقليمية، وقبلهما المؤسسات التعليمية، حيث يطال الإحصاء والتصنيف العديد من الجوانب، بدء بعدد المتمدرسين والمتمدرسات، مرورا بنسب الناجحين والناجحات والفاشلين والفاشلات، وانتهاء بأعلى وأدنى المعدلات المحصل عليها، وغيرها من العمليات التي أوكلت إلى الحاسوب الذي يتغذى على الأرقام فينتج على ضوء ما قدم له نسبا وجداول ورسومات قابلة للقراءة والتحليل والاستنباط، وهو ما يؤكد على أهمية صدق ودقة ما يقدم له حتى تكون للنتائج المحصل عليها مصداقية، ولاستثمارها فعالية على المدى القريب والبعيد، لأنه في الغالب الأعم تظل الأرقام والإحصائيات على الخصوص داخل إدارات المؤسسات التعليمية وما إليها، مجرد أرقام يستشهد بها عند الضرورة، ويدلى بها في حينه عند الحاجة، دون توظيفها التوظيف الأمثل فيما يخدم العملية التعليمية والتربوية.
فنسب النجاح والفشل – على سبيل المثال – لا تدرس بالشكل المطلوب لمعرفة ما ينبغي فعله على ضوء الأرقام والنسب للحفاظ على مؤشر التفوق الحقيقي المبني على أسس متينة في أعلى مستوياته، والسعي الدؤوب للتقليل، إن لم يكن الحد الكلي، من نسب التعثر المفضي إلى الفشل، أضف إلى ذلك، فإن الانشغال التام بعدد التلاميذ وتصنيفهم حسب الجنس والعمر والمعدل المحصل عليه وسنوات التكرار وغير ذلك، يحجب رؤية قضايا وظواهر بعينها تتخلل العام الدراسي طيلة مراحله المترادفة، من الجدير الاهتمام بها وإخضاعها هي الأخرى للإحصاء والتتبع قصد دراستها بالشكل المطلوب، حتى يتم حسن التعامل معها في ما يأتي من الأيام أو السنوات، إذ لا تمضي سنة دراسية – على سبيل المثال – دون تسجيل أعمال عنف داخل الفصول أو الساحات أو أمام المؤسسات بين التلاميذ أو التلميذات، أو من قبل المدرسين في حق بعض تلاميذهم أو العكس، غير أنه على الرغم مما تحدثه تلك الأعمال العنيفة من ردود فعل تتناقلها المنصات والمنابر الإعلامية وقد يصل صداها إلى ردهات المحاكم، فإنها لا تخضع البتة للإحصاء والتصنيف والتشخيص والدراسة من جميع الجوانب، من أجل استئصال شأفتها بالطرق المناسبة التي يكون فيها للجانب القانوني والاجتماعي والتربوي حضور فعلي.. وها هي ظاهرة الغش التي أضحت تعكر صفو أجواء الامتحانات الإشهادية سنويا، يقتصر انشغال المسؤولين التربويين بأمرها إبان الامتحانات، ومتى ما انتهت صار ذاك الغش والأساليب التي اعتمدها البعض من التلاميذ والتلميذات لممارسته، طي النسيان، من غير النظر إلى هذه الظاهرة السلبية أبعد من مجرد إحصاء عدد الحالات التي تم ضبطها، فيغيب حينئذ التفكير الجدي في دراستها وتحليلها والعمل على الإحاطة بمسبباتها وطرقها وظروفها العامة والخاصة، لتطويقها وفق خطط تربوية وبيداغوجية تسهم في الرفع من مستوى العملية التعليمية، وتعلي من نسبة مصداقيتها، والنتائج التي تحققها عاما دراسيا بعد آخر.
حقا إن الأرقام لا تكذب، شريطة أن يتوفر لها عنصران أساسيان: حسن الجمع، وحسن الاستنطاق.. فكيف لا تكذب أرقام وضعت بشكل خاطئ أو مبالغ فيه أو مقصر فيه، أو حاضر فيه شيء من الغش والتحايل والخداع؟ وكيف تكون صادقة إذا لم يتم استنطاقها بطريقة مثلى تسمح باستثمار ما نطقت به على الوجه الأكمل الأتم؟ بدون هذا، فإنها تظل مجرد أعداد تعطي نظرة عامة عن نسب معينة في حدود ضيقة، بعيدة كل البعد عن الغاية المرجوة من الاستشهاد بالأرقام والإحصائيات في الظروف والمناسبات التي تستدعي ذلك.