تاريخ

تاريخ | عندما اعترفت فرنسا بمغربية الصحراء سنة 1962

هل تفرض الأوضاع سير ماكرون على خطى دوغول ؟

اعترفت عدد من الدول الشقيقة والصديقة بمغربية الصحراء، وفتحت قنصلياتها إما في مدينة العيون أو الداخلة، وهكذا خرجت تلك الدول من الموقف الذي اتسم بالضبابية، أو وقفت في المنطقة الرمادية، وكثر الحديث عن تأخير أو تماطل فرنسا في التصريح بمغربية الصحراء، ونشرت مختلف وسائل الإعلام الرسالة التي وجهها 94 نائبا برلمانيا وطلبوا من رئيس جمهوريتهم أن يبادر إلى الإعلان عن ذلك الاعتراف، والاقتداء بموقف الولايات المتحدة الأمريكية، وإسبانيا، والبرتغال وإسرائيل، ودول الخليج، وحوالي 34 دولة إفريقية، ودول من أمريكا الجنوبية، وأن التماطل والأزمة الناتجة عن تأخير الاعتراف الفرنسي أضرت ضررا بليغا بمصالح فرنسا وعلاقاتها المتينة والعريقة مع المملكة المغربية، وأن فرنسا لا يمكن أن تتخلى عن التعاون المثمر مع المغرب، إلى غير ذلك مما نشرته وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة..

بقلم: ذ. عبد الواحد بن مسعود
من هيئة المحامين بالرباط

    في مقال بعنوان: “الصحراء.. نواب فرنسا يطالبون ماكرون بالوضوح”، نشرته جريدة “الأنباء” عدد 15غشت 2023، وحسب ما اطلعنا عليه، نعتقد أن فرنسا سبق لها سنة 1962 أن اعترفت بمغربية الصحراء لما كان رئيس جمهوريتها هو الجنرال دوغول، وكانت له روابط متينة مع المغفور له جلالة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه، وكان دوغول يقدر ويثمن المجهودات التي بذلها المغرب لمساعدة فرنسا لتتحرر من النازية والسيطرة الألمانية، وسقوط العاصمة الفرنسية تحت الاحتلال الألماني، والتاريخ يسجل أن سرية أو فيلقا من الجيش المغربي شارك في معركة تحرير فرنسا من النازية، وقد قتل عدد منهم وجرح آخرون، ولا زال أحرار فرنسا يتذكرون تلك الأحداث، وكيف كانوا يكرمون من هؤلاء الجنود وممن لا زال على قيد الحياة، وأصبح يطلق على الجنرال دوغول والملك محمد الخامس “أصدقاء التحرير”، وفق موضوع اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء منذ 5 يوليوز 1962، ذلك أن الجنرال دوغول كان يعلم جيدا أن فرنسا لما استعمرت الجزائر استولت على الصحراء المغربية وعلى مدنها وساكنتها، وألحقتها بولايات الجزائر، لتصبح جزء من الأراضي الفرنسية، ولما استقلت تونس، والمملكة المغربية، اندلعت الثورة الجزائرية، وتأسست الجبهة الوطنية لتحرير الجزائر، ولما اشتدت المقاومة، وما نتج عنها من خسائر في الأرواح، اقتنع الجنرال دوغول بفتح مفاوضات مع الجبهة الجزائرية، وشكل الوفد الفرنسي والوفد الجزائري، وعقدت جلسات المفاوضات بين الوفدين في مدينة إيفيان، وهي قريبة من الحدود الفرنسية والسويسرية، ومن الطبيعي أن كل وفد يكون خاضعا لتعليمات رئيس الدولة أو الجهة التي يتبعها، وأن السلطة العليا تواكب سير المفاوضات، وفي هذه المفاوضات الفرنسية الجزائرية، رجحت كفة  الاستفتاء وتقرير المصير، واتفق المتفاوضون على الاستفتاء وتقرير المصير، وأكثر من ذلك، اتفقوا على المدن والقرى الجزائرية التي ستشارك في عملية الاستفتاء وتقرير المصير، وحددت الولايات التي يتكون منها القطر الجزائري، وهي التي ستجري فيها عملية الاستفتاء وتقرير المصير، وختمت المفاوضات بإبرام اتفاق أو معاهدة بين الجانبين، ووقع التنصيص وبكل وضوح أن العملية تشمل خمسة عشر ولاية التي تتكون منها الجزائر، ولم تكن تسمى دولة وإنما ولايات، وفرق بين العناصر المكونة للدولة والعناصر المكونة للولاية، وتلك الاتفاقية أطلق عليها اسم “اتفاقية إيفيان” وبموجبها تأسست الجزائر سنة 1962  ولأول مرة، أما الولايات التي شملها الاستفتاء وتقرير المصير: باتنة، عنابة، قسنطينة، مدية، مستغانم، الواحات، وهران، الأصنام، سعيدة، الساورة، سطيف، تيارت، تيزي وزو، تلمسان، ولم يأت أي ذكر للأقاليم الصحراوية، وكان الجنرال دوغول على علم تام ويقيني بمحتوى الاتفاقية، ووافق عليها، ولم يتعرض على عدم ذكر الأقاليم الصحراوية، لأنه كان يعلم جيدا أن الصحراء هي أراضي مغربية، وتابعة للسيادة المغربية، ومرتبطة بالولاء والبيعة لملوك المغرب، وأن اقتطاعها من الأراضي المغربية كان تحت ضغط ظروف، وبتحرير الجزائر، زالت تلك الظروف، وأن الصحراء ومدنها وسكانها يجب أن يعودوا إلى الأصل، إلى الوطن الأصلي، وتلك الاتفاقية نشرت في الجريدة الرسمية، وبها يحصل العلم بمحتواها للكافة، وبالرجوع إلى “اتفاقية إيفيان”، وإلى القسم الثاني المتعلق بشروط الانتخاب، نجد أن مادة تنص على ما يلي: “يستطيع الناخبون المقيدون في جدول الانتخابات بالجزائر…”، وقطعا لم يكن سكان الصحراء المغربية من ضمن المقيدين في جداول المشاركين في عمليات الاستفتاء وتقرير المصير، فهم أجانب ولا يحملون لا الجنسية الفرنسية ولا الجنسية الجزائرية، ونجد في مادة سابقة ما يلي: “يشترك جميع الأفراد الذين لهم حق الانتخابات ويقيمون في الجزائر…”، وسكان الصحراء هم أجانب ولا حق لهم في المشاركة في ذلك الانتخاب، وتنص مادة أخرى على شروط التسجيل في جدول الانتخابات لممارسة حق الانتخاب، فهل يستطيع نظام الحكم العسكري أن يدلي بنسخة من جداول تسجيل سكان الصحراء الغربية المغربية وسكان الصحراء الشرقية المغربية ليمكن لهم المشاركة في عملية الاستفتاء وتقرير المصير، وأهم ما نصت عليه الاتفاقية وبصفة نهائية في الصفحة 16 المعربة، المادة 10: تتكون الأراضي الجزائرية التي تمارس عليها الهيئة التنفيذية المؤقتة اختصاصاتها، من خمسة عشر ولاية وهي: الجزائر، باتنة، عنابة، قسنطينة، مدية، مستغانم، الواحات، وهران، الأصنام، سعيدة، الساورة، سطيف، تيارت، تيزي وزو.

إذن، خرج من تكوين الأراضي الجزائرية الصحراء المغربية الشرقية بمدنها وقراها، والاتفاقية اعتراف والاعتراف سيد الأدلة، والاتفاقية حجة كتابية، تحصنت من كل طعن، نقول الصحراء المغربية الشرقية، لأن الصحراء الغربية المغربية حسم أمرها، ورجعت للوطن، ودخلت تحت السيادة المغربية، أما  بالنسبة لماكرون، فسواء اعترف بمغربية الصحراء أو لم يعترف، فإن اعترافه من باب تحصيل الحاصل، نغتنم هذه الفرصة لنشكر البرلمانيين الفرنسيين وعددهم 94، على تفهمهم وشجاعتهم وحرصهم على سلامة العلاقات التي تربط بلدهم بدولة صديقة لها وزنها الدولي، دولة ذات حضارة عريقة وسجل تاريخي ضارب في القدم بالمفاخر والمنجزات.

تتمة المقال تحت الإعلان

وفي مقال سابق يحمل عنوان “الجنرال دوغول والسيادة الجزائرية”، ذكرنا أن المفاوضات بين فرنسا والوفد الجزائري أسفرت بتاريخ 5 يوليوز 1962 عن الإعلان عن تأسيس الدولة الجزائرية لأول مرة، ثم أبرم الطرفان “اتفاقية إيفيان”  باللغة الفرنسية، واطلعنا على ترجمتها باللغة العربية، وهي ترجمة تنسب للأستاذ عبد الرحمان صدقي أبوطالب ومراجعة الدكتور راشد البراوي، وهي ملحقة بكتاب “ثورة الجزائر” للمؤلف الأمريكي جوان حليبي، اتفاقية تتعلق بما سيكون عليه الوضع الداخلي بعد القيام بعملية الاستفتاء وتقرير مصير الجزائر مع فرنسا، وكيف ستصبح العلاقات بين الطرف المستعمر ـ سابقا ـ والجزائر المحررة، وخاصة التعاون في الميدان السياسي، والاقتصادي، والثقافي، والتقني، واستغلال الموارد الطبيعية والثروات الباطنية، والتنقل بين البلدين، ونظام العملة، والتعاون العسكري، وكذلك التسهيلات التي تمنح للقوات العسكرية الفرنسية وتحركاتها طول البلاد وعرضها، والمراكز أو المواقع الاستراتيجية التي تحتلها وتسيرها فرنسا مثل المطارات والموانئ، والتنقيب عن الثروات الباطنية، ومن الأمور المهمة التي نصت عليها الاتفاقية، الولايات التي تتكون منها الدولة الجزائرية، حيث ذكرت بالتفصيل وبتحديدها اسما وموقعا، أي أن ما لم يذكر في تلك الاتفاقية من ولايات أو أراضي أو مدن حضرية أو بدوية أو صحراوية أخرى، لا تعتبر أراضي جزائرية، ولا تخضع لسيادتها أو لنظام حكمها، ولعل هذا ما تنبهت إليه محكمة العدل الدولية حينما ذكرت في حكمها أن المناطق الصحراوية لم تكن خلاء، وأنها مرتبطة برابطة البيعة لملوك الدولة العلوية في المغرب، وأن سكانها لم يكونوا كسكان الغابات، ومجتمعهم لا يحكمه قانون أو شريعة أو دين.

فرحات عباس

إن الاتفاقية في الصفحة 66، تكلمت عن الاستفتاء وتقرير المصير، وأن هدف الاستفتاء في القطر الجزائري كله ـ ونضع خطا أحمر على القطر الجزائري كله ـ هو معرفة ما إذا كان الناخبون يرغبون في الاستقلال عن فرنسا، وفي هذه الحالة، فيما إذا كانوا يرغبون في قيام تعاون بين فرنسا والجزائر حسب الشروط التي حددتها هذه الاتفاقية، ثم جاءت الفقرة “ب” بما يلي: “سيجري هذا الاستفتاء في القطر الجزائري كله، في الولايات الخمسة عشر المذكورة في بداية النص، وستجمع مكاتب الاستفتاء نتيجة ذلك الاستفتاء، وتعلن عنها في كل قطر، وهذه الاتفاقية – ولا شك – توجد نسخة منها في أرشيف هيأة الأمم المتحدة، ونسخ منها في المنظمات الدولية، كالجامعة العربية، ومجلس الجامعة الإسلامية، ومنظمة الاتحاد الإفريقي، والمنظمات المتفرعة عن هيأة الأمم المتحدة، ونستنتج مما جاء في تلك الاتفاقية، تكرار ذكر الولايات التي يتكون منها القطر الجزائري بأكمله، أي الولايات الخمسة عشر فقط التي تتكون منها دولة الجزائر، أي أن الاتفاقية لم تأت على ذكر الصحراء المغربية الغربية، والصحراء المغربية الشرقية، ومدنها كمدينة كلومب بشار، ومدينة تندوف، والساورة والداورة، لأن سكانها مغاربة، قدموا البيعة لملوك الدولة العلوية، لذلك، لم يكن ممكنا عقلا وقانونا، أن يشاركوا في عملية الاستفتاء وتقرير المصير يخص دولة أجنبية، فمصير المغاربة أولا بيد الله، وبيد من قلدهم تدبير أمور دينهم ومعاشهم.

إن الاتفاقية لم تبرم بواسطة من هب ودب، بل جاءت نتيجة للمفاوضات بين الحكومة الجزائرية المؤقتة الممثلة في جبهة التحرير الوطني، وبين الحكومة الفرنسية ممثلة في شخص وزيرها المكلف بالشؤون الجزائرية، وتحت مراقبة وإشراف رئيس الجمهورية الفرنسية الجنرال دوغول، والعالم تتبع عملية الاستفتاء وتقرير مصير الجزائر، والاستفتاء تمخض عنه تأسيس دولة الجزائر لأول مرة سنة 1962، ومما يعطي لتلك الاتفاقية وضعا دوليا لا يمكن تغييره، فقد كانت المفاوضات تجري بحضور وفد جزائري رفيع المستوى وعالم بخبايا الأمور، وتلقى تعليمات وتوجيهات، وكان يتكون ولو بالتناوب من: كريم بلقاسم، رضا ملك، سعد دحلب، محمد الصادق بن يحيى، الطيب بولحروف، العقيد بن مصطفى عودة، وأحمد بومنجل، وكان رئيس الجمهورية المؤقتة فرحات عباس، يتابع سير المفاوضات خطوة خطوة، لأنه في تاريخ 1960.7.5، وجه للشعب الجزائري نداء ذكر فيه الصعوبات التي كان يصادفها الوفد الجزائري الذي يتفاوض مع الوفد الفرنسي الذي كان منذ البداية يرفض الدخول في المفاوضات، ووقع الاستفتاء في الولايات المحددة على سبيل الحصر، واختار الجزائريون الاستقلال مع ربط التعاون واستمراره وإحكام عقدته مع الدولة التي كانت تستعمرهم عسكريا ونجحت في استعمارهم إلى اليوم تجاريا واقتصاديا والشراكة في ثرواتهم، وفرض نظام تعليمهم، وفتح مدارسهم وتعليم لغتهم، واحتلال مراكز استراتيجية، وأصبحت الجزائر بتلك الاتفاقية تعترف اعترافا صريحا وواضحا بأن دولتها محصورة في الولايات المذكورة في تلك الاتفاقية، والاتفاقية عبارة عن عقد، والعقد شريعة المتعاقدين، وكما يقال “من أدلى بحجة فهو قائل بما ورد فيها”، ونتيجة الاستفتاء في تلك الولايات المختلفة جمعت وأعلنت في كافة القطر كما جاء في الاتفاقية، كما أن العالم أخذ علما بنتيجة الاستفتاء وكيف دارت عملياته، ولم يكن هناك اعتراض أو طعن، أو مجرد تذكير بأن الاستفتاء لم يشمل جميع سكان الأراضي التي تعتبرها الجزائر تابعة لها، لأن الوفد الجزائري كان يعلم جيدا أن فرنسا اقتطعت من المغرب صحراءه الغربية والشرقية وضمتهما للجزائر على اعتبار أن الجزائر مقاطعة أو ولاية تابعة لفرنسا، وأن تلك الولاية لن تخرج عن سياسة أمها ولن تشق عصا الطاعة، كما أن الوفد كان مقتنعا والتزم بحل مشكل الحدود مع المغرب بصفة حبية وودية، وأتمنى نظرا لطول المدة، وتغيير المسؤولين السياسيين، وعدم إطلاعهم على “إتفاقية إيفيان”، لو كان ممكنا، أن يعاد توزيع تلك الاتفاقية على أعضاء مجلس الأمن، ونسخة منها للمكلف بإيجاد حل لمشكلة مفتعلة وطال أمدها، مبعوث الأمين العام إلى الصحراء، ستيفان دي ميستورا، وعلى جميع ممثلي الدول في الجمعية العامة لهيأة الأمم المتحدة، ليعرفوا الولايات التي تتكون منها دولة الجزائر وحدودها الحقة.

تتمة المقال تحت الإعلان

كما جاء في الاتفاقية، أنه سيعلن العفو فورا ويطلق سراح المعتقلين، والمهم جاء في الفقرة الموالية، سيستطيع الأشخاص اللاجئون في الخارج العودة للجزائر، وستعد لجان مقرها في المغرب وتونس لتسهيل عودتهم، ونسجل أن الاتفاقية تعترف بأن المغرب فتح باب الهجرة لكل جزائري ضاقت به الأحوال في الجزائر إبان احتلالها من طرف فرنسا، ولم يطلب من المهاجرين مغادرة المغرب والالتحاق بوطنهم بعد الاستقلال، وها هي اتفاقية وخلال المفاوضات تعترف بما يقدمه المغرب من مساعدات، ولكن تلك المساعدات تقابل من طرف حكام النظام العسكري بنكران الجميل، وبمؤامرات على الوحدة الترابية للمملكة، والمهم أنه بيد المغرب وثيقة رسمية لم يقع الطعن في حجيتها، تؤكد الولايات التي تدخل تحت السيادة الجزائرية، وليس من ضمنها الأقاليم الصحراوية، وهذه الوثيقة كافية لطي ملف هذا النزاع وغلق باب المناقشة في موضوعه، ولأن المغرب اقترح حلا اعتبرت الدول المحبة للسلام والاستقرار أنه يتمتع بالمصداقية، وأن يطوى ملف هذا النزاع طي الكتاب، وفي متابعة نقاش هذا النزاع مضيعة للوقت وإهدارا للطاقات، وليبقى المغرب يتابع خطوات تقدمه وازدهاره بثبات تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس دام عزه ونصره، وإن تنصروا الله ينصركم ولا غالب إلا الله، ونكرر المقولة: المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها، والسلام على من اتبع الهدى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى