حوار | اعتراف إسرائيل بمغربية الصحراء لم يخضع لأي مقايضة
وزير من حكومة التناوب يعلق على التطورات الجديدة

وصف الوزير السابق في حكومة التناوب، سعيد اشباعتو، قرار اعتراف إسرائيل بمغربية الصحراء، بالقرار العادي، معتبرا أنه موقف قانوني، منسجم مع القانون الدولي، وكلمة حق، وأن القرار لم يخضع لأي مقايضة.
وأضاف اشباعتو الذي واكب تطورات العمل السياسي منذ السبعينات، أن “المغرب بقي متشبثا بالقضية الفلسطينية”، وأن “المغرب يتوفر على رأسمال كبير متمثل في تصرف الملك الراحل محمد الخامس الذي رفض تسليم اليهود للنازية”.
كما أكد اشباعتو، الذي ترأس لعدة سنوات جهة مكناس تافيلالت، وجمعية جهات المغرب، أن موقف إسرائيل سيدفع الجزائر إلى تغيير موقفها حتما، لأن “الشعب الجزائري يعرف أن الصحراء مغربية”، وقال من خلال دردشة بسيطة مع “الأسبوع”، في معرض حديثه عن بعض المعطيات التاريخية، أن أهم مؤسسي البوليساريو ندموا على اختيارهم للطرح الانفصالي، بعد “التغرير” بهم من طرف نظام القذافي الذي دعم المحاولة الانقلابية ضد الحسن الثاني سنة 1971.
الرباط. الأسبوع
♦ كيف تلقيتم قرار اعتراف إسرائيل بمغربية الصحراء ؟
» هذا موقف قانوني منسجم مع القانون الدولي، وكلمة حق.. لكن رغم ذلك، فالمغرب متشبث بالقضية الفلسطينية.. ولا يمكن إغفال الدور الملكي الذي لعبه أمير المؤمنين الملك محمد السادس ورئيس لجنة القدس في هذا الصدد، كما لا يفوتني التذكير في هذا الصدد بالقرار التاريخي للملك محمد الخامس، الذي رفض تسليم اليهود للنازية، وهو رأسمال كبير تركه الملك الراحل، جعل بعض اليهود يتشبثون بالمغرب باعتباره الدولة التي لم تتخل عنهم.
♦ هل تعتقد أن هذا القرار صدر في وقته؟
» كان من الممكن أن يأتي هذا القرار قبل هذا التوقيت، لأن الأمر يتعلق بدولة موجودة في الأمم المتحدة، وهو نفس القرار الذي ننتظره من المجموعة الأوروبية، المطلعة على ملف الصحراء المغربية، ولابد من الإشارة إلى أن المغرب لم يمارس أي مقايضة بخصوص قضية الصحراء المغربية.
♦ ما مدى تأثير هذا القرار، في نظرك، على العلاقات المغربية الجزائرية، خاصة وأن هذا البلد الأخير يؤكد أن أحد أسباب التوتر هو التقارب المغربي الإسرائيلي؟
» هذا الكلام يقوله حكام الجزائر والعسكر الجزائري، أما الشعب الجزائري الشقيق، فقد تبين أن هناك من يطرح ضرورة الحساب فيما يتعلق بصرف أموال الشعب الجزائري على قضية غير معقولة، وليست في مصلحة بناء المغرب الكبير.. طبعا مثل هذا القرار يمكن توظيفه من طرف الرئيس تبون ومن معه، ولكننا نراهن على المثقفين الجزائريين والنخبة الجزائرية، فهم يعرفون التاريخ.. ويعرفون أن الصحراء مغربية، ولا تناقش، وأن اعتراف إسرائيل بالقضية اعتراف عادي مثلها مثل جميع الدول.
♦ هل يمكن من خلال تجربتكم أن تحكي لنا عن حدث تاريخي يؤكد أهمية العامل التاريخي في قضية الصحراء المغربية؟
» في سنوات السبعينات، كنت طالبا في كلية الحقوق بالرباط، وكنت في تعاضدية الكلية، وعقدنا تجمعا طلابيا حضره حوالي 1500 طالب سنة 1971، تحت رئاسة المرحوم الطيب بناني، الذي كان يرأس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وحضر معنا وقتها الوالي مصطفى السيد (واحد من أهم مؤسسي البوليساريو)، وكان ناشطا معنا في هذا الإطار، وأخذ الكلمة لما يناهز ساعة ونصف، خصصها لتحفيز الطلبة على التعاون من أجل تحرير المناطق الجنوبية المغربية، وكان صديقنا وقتها محمد سيداتي، وزير ما يسمى خارجية البوليساريو حاليا، وكان صديقا لأخي حسين اشباعتو، الذي كان ملازما في الجيش وقتها، وهو متقاعد حاليا برتبة كولونيل ماجور بميدلت، وكنا نخرج مع والده السي ماء العينين سيداتي، الذي كان وكيلا لجلالة الملك في طانطان، وهو مغربي قح متشبث بوطنيته.. في تلك المرحلة، كنا نشتغل جميعا على تحرير الأقاليم الجنوبية..
♦ (مقاطعا) ما الذي حدث حتى تغيرت المواقف؟
» الحدث الذي وقع، هو الانقلاب الفاشل ليوم 10 يونيو 1971، في ذلك اليوم اتخذ معمر القذافي موقفا لمساندة الانقلابيين، لكن عندما فشل الانقلاب واسترجع الملك الراحل الحسن الثاني المبادرة، ظل القذافي يبحث عن طريقة للإساءة إلى المغرب، وكانت الورقة الأولى هي هؤلاء الناس “الجبهويين” داخل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، حيث لم يكن وقتها سوى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ديال السي عبد الله إبراهيم و”الجبهويين”، الذين خرجت منهم فيما بعد حركة “إلى الأمام” ومنظمة “23 مارس”.
وفي صيف 1971، كانت قد طرحت فكرة تأسيس “الكتلة”، وبعض الأحزاب كانت تفكر في المشاركة في الحكومة، لمعالجة عدد من القضايا.. وهنا يقول البعض إن الأشخاص المشار إليهم، فيما يتعلق بتبرير الفكر الانفصالي، حاولوا الاتصال ببعض زعماء الأحزاب ولم يتم استقبالهم.. ولكني لا أعتقد ذلك، فقد كان وقتها الاتصال مع القذافي قد بدأ فعلا، وبدأ الاتصال أيضا مع المعارضين الذين كانوا ضمن صفوف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية مع ليبيا، وهنا أحيلكم على الاستجواب الأخير للسي محمد بودرقة، العضو البارز في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وقتها، هذا الأخير حكى عن لقائه مع الوالي مصطفى السيد سنة 1974، عندما حاول جره إلى أطروحة الانفصال، لكن الاتحاديين المعارضين رفضوا ذلك، والسي بودرقة قال لهم: “إذا أردتم أن تدافعوا عن الديمقراطية فمرحبا بكم معنا، وإذا أردتم جرنا للانفصال فهذا ليس هدفا لنا”.. وقد حكى بودرقة أيضا كيف أن الوالي مصطفى السيد ندم على التحاقه بصفوف أعداء الوحدة الترابية..
بعض الانفصاليين يقولون أيضا (ضمن مبرراتهم) أنهم نظموا مظاهرة في دجنبر 1971، وليس سنة 1972 في طانطان، وتعرضوا للقمع، فعندما رجع محمد سيداتي كطالب للكلية، قال إن السلطات المغربية تدخلت ضدهم بقوة، لكني أعتقد أن تدخل السلطة المغربية مرتبط بمحاولة نشر الفكر الانفصالي القادم من عند معمر القذافي، حيث لا يمكن للسلطة أن تتحرك لمواجهة مظاهرات وحدوية، أما بالنسبة للجزائر، فلم يسبق وقتها للهواري بومدين أن عبر عن أي موقف بخصوص الصحراء المغربية.. وهنا لا يجب أن ننسى أن حكام الجزائر فيما بعد كانوا يحلمون بأن يصبحوا هم قاطرة المنطقة، كما كانوا يبحثون عن مخرج في اتجاه المحيط الأطلسي، لكن المغاربة تعاملوا بذكاء قبل وقوع معجزة المسيرة الخضراء، في وقت كانت للطرف الإسباني قدرات عسكرية كبيرة، فضلا عن الجيران الذين كان بإمكانهم الذهاب في نفس الطرح.. الحمد لله استرجعنا بلادنا وصحراءنا، ولولا ذكاء الحسن الثاني لاستمرت الحرب مع الجزائر منذ ذلك الوقت، وهنا لا يفوتني أن أشير إلى أن عدد الزعماء البارزين من الذين قتلهم بومدين من أعضاء جبهة التحرير، يفوق عدد الذين قتلتهم فرنسا، وهذا مرتبط بمحاولاته للانفراد بالحكم، والدليل على ذلك هو أنه بالإضافة إلى بنبلة، مسؤولان عن أول انقلاب عسكري في إفريقيا، حيث انقلبوا على الحكومة المؤقتة التي كان يقودها عباس فرحات، وكانا بصدد تهييء دستور يدخل الجزائر في مسار الديمقراطية..
♦ هل تعتقد بوجود دور إسرائيلي تاريخي في مواجهة الجزائر؟
» هناك تقريبا مليون إسرائيلي من أصل مغربي في إسرائيل، وهؤلاء لابد وأن لهم تأثيرا في مراكز القرار الإسرائيلية، وأظن فعلا بأن هناك دورا معينا يقومون به، ومن المستحب أن يكون هذا الدور في إطار الالتزامات التي يدافع عنها عاهل البلاد فيما يخص القضية الفلسطينية.. فكل من يمكنه مساندتنا وقراءة التاريخ بجدية، نحن معه كمغاربة.
♦ برأيك، ما هو الأثر القريب لاعتراف إسرائيل بمغربية الصحراء؟
» الأكيد أنه رغم أن قادة الجزائر سيستمرون في نشر خطابهم، لكنهم بالتأكيد سيراجعون حساباتهم، خاصة وأن هذا القرار سيفرض على عدد من الدول مراجعة مواقفها لتنسجم مع التاريخ والقانون.