الحقيقة الضائعة

الحقيقة الضائعة | رسائل السلاطين المغاربة إلى إقليم توات

المناورات الأجنبية ضد السيادة المغربية "الحلقة 23"

تفاجأنا في “الأسبوع” بكم هائل من رسائل القراء، وخصوصا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تطالبنا بالاستمرار في نشر كتابات مؤسس جريدتنا، المرحوم مصطفى العلوي.

وتلبية لطلب هؤلاء القراء الأوفياء المتعطشين لصفحة “الحقيقة الضائعة” التي غابت عنهم هذا الشهر، تعود هذه الصفحة بقلم الراحل مصطفى العلوي لتقديم جزء مما تركه من مؤلفات ذات قيمة تاريخية.

كتاب “المناورات الأجنبية ضد السيادة المغربية” الذي صدر في خمسة أجزاء، نستهلها بنشر الجزء الأول الذي يهتم بالمراحل التي كان عليها المغرب قبل الاحتلال، أيام السلطان الحسن الأول، ثم مراحل الاحتلال، ومراحل مقاومة الاحتلال، ثم الاستقلال في الأجزاء التالية، حيث سيجد القارئ عناصر تنشر لأول مرة.

بقلم: مصطفى العلوي

    سمعت في الصغر بالقنادسة إلى أحد شعراء الملحون من الغنانمة، ويسمى محمد الغنانمي، قصائد يرددها على أنغام ربابته، ويذكر فيها قصة تأديب قبيلته من طرف جلالة الملك الحسن الأول.

أما قصور قبائل الغنانمة، فقد ورد ذكرها مفصلة في كتاب “تقييد ما اشتمل عليه إقليم توات من الإيالة السعيدة من القصور ووثائق أخرى”، وذلك بالصفحة العاشرة منه، وهي كما يلي: بني عباس، تمترت، إديغ، بوحديد، ألواتة، بوخلوف، وامسة، ماجر، أنفير، أكدال، كرزيم، ابن يخلف، الزاوية الكبرى، زاوية كرزاز، ثيمود، أولاد خضير، أولاد رافع، القصر، تمغرن، المنصور، القصابي.

وجاء في تعليق الكتاب فيما يخص قصور الغنانمة ما يلي: ((هذه القصور ليست من إقليم توات، بل هي من إقليم فجيج، وإنما ذكرت في هذا الكناش لأنها كانت طريق الذاهب والآيب من إقليم توات وإليه)).

وبعد التثبت من موقع ديار الغنانمة وقصورهم، ننتقل إلى مراسلات ملوك المغرب إليهم، ولنبدأ بالوثيقتين اللتين أوردهما العلامة ابن زيدان في “أتحافه”، وقد سبقت الإشارة إليهما:

1) جاء في الظهير الرحماني المؤرخ في 24 محرم الحرم 1236هـ، والمنعم به على رئيس الزاوية الكرزازية بأعشار بني عباس وزكواتهم، ما يلي: بعد الحمدلة والصلاة، ثم الطابع السلطاني بداخله عبد الرحمان بن هشام بن محمد وفقه الله، وبعد:((أنعمنا بحول الله وقوته على محبنا المرابط البركة، سيدي محمد بن محمد القائم بأمور الزاوية الكرزازية، بجميع أعشار بني عباس وزكواتهم، القاطنين بوادي الساورة وما إليه، ليستعين بذلك على مؤونة زاويتهم المباركة، فنأمرهم أن يدفعوا له ذلك، ولا يتراضوا فيه، أعانهم الله والسلام.

في رابع وعشرين محرم الحرام عام 1236 المؤرخ بـ 24 محرم الحرام1239)).

2) ((بعد الحمدلة والصلاة والطابع،مقدم الزاوية الكرزازية المباركة، المحب محمد بن بوعزة، السلام عليك ورحمة الله وبعد:

فقد ورد على حضرتنا الشريفة، المرابط البركة المجد الصالح سيدي محمد بن محمد، وأثنى عليك خيرا، وذكر لنا محنتك في جانبنا العالي بالله تعالى، وسعيك فيما يرضي الله ورسوله ويرضينا، فالله يرشدك وها نحن وقرناك واحترمناك، وأسدلنا عليك ذيل المبرة فلا يحوم أحد حول حماك، ولا يروم والواقف على كتابنا هذا، يعمل بذلك، ولا يسلك غيره من المسالك والسلام.

في 24 من محرم الحرام عام1239)).

3) ومن الظهائر التي كانت توجه من ملوك المغرب إلى رجال قبيلة الغنانمة، هذا الظهير الحسني المؤرخ في 6 رمضان عام 1291 هجرية، الذي يوصيهم فيه جلالة المغفور له الحسن الأول، بحفظ الطريق، وتأمين المارة.

((الحمد لله وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه،

(الطابع الحسني)

خدامنا الأنجاد، قبيلةالغنانمة كافة، وفقكم الله وسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فقد بلغنا وقوفكم في الصلاح والخير، فنأمركم أن تدوموا على ذلك، وتكونوا عند حسن الظن بكم في حفظ الطريق بكم وتأمين المارة كما ينبغي، وقد كلفنا محبنا المرابط الخير، عبد الكبير الكرزازي، بأن يطلع علمنا الشريف بأموركم، ويرفع إلى حضرتنا العالية بالله شؤونكم، فكونوا عند الظن بكم، أصلحكم الله ورضي عنكم والسلام.

في 6 رمضان المعظم عام 1291 هجرية)).

هذه الوثيقة أيضا

4) ومن الوثائق الهامة أيضا، هذه الرسالة الحسنية إلى أعيان قبيلة الغنانمة، التي يستقدمهم فيها جلالة المغفور له الحسن الأول، للنظر في شؤون قبيلتهم، وهذا نص الرسالة:

((الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم،

(الطابع الحسني)

خدامنا أعيان الغنانمة من وادي الساورة، خصوصا الشيخ علة بن منصور الحمومي، والشيخ محمد بن إبراهيم ولد حيداني الزروكي، والشيخ المبروك بن بوخني النسب، والشيخ جبار بن حداد العطواني، والشيخ الغالي المختار النسب، والشيخ عمر الخضيري، وفقكم الله وسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد، فنأمركم أن تقدموا لحضرتنا الشريفة، بقصد النظر فيما يكون به صلاحكم، ويظهر به إن شاء الله نجاحكم ويتمهد به على أساس الخير حالكم، ويصح بمباشرته اعتلالكم، فقد رجونا أن ينتعش بحول الله ذلك القطر وأهله، ويصح نظامه في مرضاة الله ويسكن هوله، وحاولنا أن يكون لكم التقدم في مساق الهداية، والاعتصام بما استقبلناكم به من مقاصد الرفق والرعاية، فلتنهضوا للقدوم على بركة الله عزما، والسلام.

في 26 جمادى الأولى 1309 هجرية)).

هذه بعض من ظهائر ورسائل كثيرة وجهها سلاطين المغرب وملوكه إلى قبيلة الغنانمة، ففي النص الأول، رأينا أن السلطان مولاي عبد الرحمان رحمه الله، ينعم على شيخ زاوية كرزاز بأعشار بني عباس وزكواتها، وقصور وادي الساورة، فهي واحة كبيرة غنية بمياهها وأشجارها وفواكهها، إلى جانب غابة نخلها المشهور بجودة تموره، وسكان بني عباس متدينون أذكياء، وقد كتبنا عنهم مقالا في العدد 50 من “الجنوب”، وقد جعلها الراهب الفرنسي شارل دي فوكو، مقر العمل التمهيدي لاحتلال تلك الربوع من طرف الجيش الفرنسي الذي استعان بتوجيهاته واستطلاعه.

وفي النص الثاني، رأينا أن السلطان مولاي عبد الرحمان يصدر قراره بضرورة احترام وتوقير مقدم “الزاوية الكرزازية”، التي لا زالت إلى الآن معقلا للتصوف والعبادة، وصلح ذات البين بين الناس، وإطعام القاصدين والمساكين.

وفي النص الثالث، رأينا أن جلالة الملك الحسن الأول رحمه الله، يراسل قبيلة الغنانمة، ويهتم بأمرها، ويوصيها بتأمين الطريق والمارة، لتكون عند حسن ظن جلالته.

وفي النص الرابع، رأينا جلالته أيضا، يدعو بعض أعيان الغنانمة للقدوم إليه، للتشاور فيما يخص مصلحة القبيلة وقطرها و”قصورها”.

وبعد هذه العجالة عن هذه القبيلة المغربية الماجدة، لا شك أن القارئ الكريم أخذ نظرة عمومية عنها، وعن اهتمام أسلافنا الكرام بالقبائل المغربية المعروفة بالمواقف الحاسمة، وبخدمة البلاد وملوكها.

 

يتبع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى