تحقيقات أسبوعية

متابعات | مواجهة جديدة بين أخنوش وبن كيران في ملعب الأحوال الشخصية

بين المحافظين والحداثيين

عاد النقاش والجدل بقوة خلال الأيام الأخيرة حول مدونة الأسرة والنقط السلبية التي تتضمنها، والتي لم تحقق أي إضافة بالنسبة للأسرة المغربية بعد مرور عدة سنوات على تطبيقها، حيث أكد الملك محمد السادس أن هناك اختلالات وسلبيات أبانت عنها التجربة السابقة للمدونة انحرافا عن بعض بنودها وأهدافها، قائلا: ((إذا كانت مدونة الأسرة قد شكلت قفزة إلى الأمام، فإنها أصبحت غير كافية لأن التجربة كشفت وجود عدة عوائق أمام استكمال هذه المسيرة، وتحول دون تحقيقها، ومن بينها عدم تطبيقها الصحيح، لأسباب سوسيولوجية متعددة، لاسيما وأن فئة من الموظفين ورجال العدالة لا زالوا يعتقدون أن هذه المدونة خاصة بالنساء فيما هي تخص الأسرة كلها)).

إعداد: خالد الغازي

    قضية تعديل مدونة الأسرة يراها الحداثيون ضرورة ملحة من أجل معالجة بعض الإشكاليات المطروحة، خاصة فيما يتعلق بالولاية الشرعية، ومنع زواج القاصرات، والمساواة بين الجنسين، بينما يعارض المحافظون المس بنظام الإرث في الإسلام، والذي تؤطره نصوص قرآنية قطعية يعتبرونها مسألة مقدسة، مثلا “للذكر مثل حظ الأنثيين” لا يجب المس بها لأنها تعد تطاولا على الدين وشرع الله، مستدلين بتحفظ المغرب خلال العقود الماضية على المادة 16 من اتفاقية “سيداو”، والتي تتحدث عن الإرث.

تتمة المقال بعد الإعلان

وقد تحول النقاش حول مراجعة مدونة الأسرة إلى صراع سياسي بين عبد الإله بن كيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وعزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، من خلال الخطابات السياسية والتنافس حول إقناع الرأي العام بمنهجية هذه التعديلات المرتقبة، حيث يؤكد بن كيران على ضرورة الحفاظ على القيم والمبادئ التي ينص عليها ديننا الحنيف والمذهب المالكي، وذلك لحماية الأسرة بمفهومها الشامل، بينما أصبح أخنوش يحمل مشعل الحداثيين المطالبين بالمساواة والمناصفة في جميع الحقوق داخل المدونة بما فيها الولاية، والإرث.

فقد دفع موضوع “المناصفة في الإرث” بن كيران، إلى الخروج من جديد بتصريحات قوية ضد الحداثيين المطالبين بتحقيق المناصفة بين المرأة والرجل في الميراث، معتبرا أن من يطالبون بذلك “هم أناس معروفون بمواقفهم الشاردة عن الإجماع الوطني فيما يخص الدين، وكما هو منصوص في المذهب المالكي، ويؤكد أن المطالبين بهذا لا يفهمون لا في التاريخ ولا في الدين ولا في أي شيء”.

وقال بن كيران في كلمة خصها لموضوع هذه الندوة، السبت 4 مارس 2023، أن “ديننا الإسلامي واضح في مسألة الإرث، وهو دين غير جامد في قضايا المرأة والمجتمع عموما، ومرن في كل ما لا يصطدم مع الثوابت المنصوص عليها في القرآن والسنة”، وأضاف: “فكرة المناصفة بمنظور هؤلاء مبنية على فكرة خاطئة، وهي المساواة التي لا تعي خصوصيات المرأة والرجل، وتتعارض مع نص قطعي الثبوت والدلالة، وهو المعمول به منذ مجيء الإسلام ومستمر إلى الآن”.

تتمة المقال بعد الإعلان

واتهم بن كيران “جهات خارجية” بـ”الوقوف وراء دعوات المناصفة في الميراث بين الذكور والإناث في المغرب، لها فلسفة تسير في اتجاه أنه ليس هناك رجل وامرأة، وإنما هناك الكائن البشري الذي يجب التعامل معه بنفس الطريقة في كل شيء”، موضحا أن “جهات خارجية تشتغل على هذا الموضوع، وهي التي ترى أن الرجل والمرأة كائن بشري دون النظر إلى الجنس”، معتبرا أن “هذا التصور ظلم شديد للإنسان وجهل كبير أيضا بما يخلفه من شقاء للمرأة والرجل والأسرة والمجتمع كله”.

وأكد بن كيران، أن تعديل نظام الإرث، ونزع صبغته الشرعية والدينية، وإضفاء الصبغة القانونية عليه، لن يجعل الشعب يقبل أو يرضى به، لأن المجتمع سيرفضه ويعترض عليه، منبها إلى أن هذا التعديل الذي يدفع به هؤلاء، سيخلق العداوة بين الإخوة، وسيدخلهم منطق الصراع والقطيعة عوض الرحمة والتعاون، لكون الأخوة أمر أساسي في استقرار المجتمع، ولذلك فإن الدعوات إلى تعديل الإرث هي ضربة قاسية وقاصمة للمجتمع، ذلك أن “إقرار تعديل الإرث يعني أن القرآن وأحكامه لم تعد لهما قيمة في حياتنا”، يقول بن كيران، موضحا: “إذا أزلنا هذه الشرعية عن القرآن، فستذهب الدولة في مهب الريح، وسيخلق إشكال سياسي كبير، لأن ذلك يتعارض مع صفة الملك أميرا للمؤمنين”، مسجلا أن المجتمع لم يطالب بهذا التعديل الخطير على الأسرة، والذي يمثل أيضا خطرا على الشرعية والقداسة المتحققة لكتاب الله.. إن أي مطلب يجب أن يبنى على الشرعية الدينية، أو على أسس الديمقراطية عبر أخذ رأي الشعب، والشعب رافض لهذا، لأنه يرفض الاصطدام مع الدين، فالعديد من الدول الإسلامية تجرأت على الأحكام الإسلامية وضمنها أحكام الإرث، لكن عاقبتها هي ما ترون، ومنها تونس والعراق وسوريا والسودان، مشيرا إلى أن المغرب له بنية صمدت رغم كل ما مر به منذ فترة الاستعمار أو بعد الحصول على الاستقلال، وأيضا إبان الربيع العربي، معتبرا أن الأسس الشرعية هي التي ضمنت خروج البلاد بسلام من كل المحطات.

واستند بن كيران إلى قول الملك في خطابه أنه “لن يحل حراما أو يحرم حلالا”، والذي يتنافى مع ما يصبو إليه دعاة تغيير الإرث، الذين هدفهم باختصار هو إلغاء حكم الشرع، مما يشكل حسب رأيه خطرا على الدولة وبنيتها السياسية، وتخريب للعمران والاستقرار السياسي والمجتمعي المتحقق أساسا بفضل أسس الدولة الشرعية ومرجعيتها الإسلامية.

تتمة المقال بعد الإعلان

وأبدى بن كيران استعداد حزبه لمناقشة بنود مدونة الأسرة لرفع الضرر عن المرأة والطفل والرجل دون المس بالأحكام القطعية للشريعة، لكون المدونة ليست نصا مقدسا، ولكنها تحتوي على بنود مقدسة يجب عدم الاقتراب منها، وذلك عبر الإعراض عن دعوات المناصفة في الميراث.

بالمقابل، حمل عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار ورئيس الحكومة، مشعل الحداثيين والمنظمات النسائية المطالبة بتحقيق المناصفة والمساواة في مدونة الأسرة، قائلا: “الإجراءات والتدابير التي شهدتها العشرون سنة الماضية، حصلت من خلالها المرأة المغربية على مكتسبات ثورية يتحتم تسجيلها باعتزاز، حيث يعود الفضل الأول فيها لحكمة وتبصر الملك، غير أن عقدين من الممارسة القضائية لمدونة الأسرة أظهرت بعضا من مظاهر القصور في مواكبة التطورات والتراكمات الحقوقية والمجتمعية المكتسبة خلال السنوات الماضية”.

تتمة المقال بعد الإعلان

وأضاف أخنوش، أن “الولاية الشرعية تحولت في بعض حالات الطلاق إلى موضوع شائك ومعقد أصبح يفرض إعادة النظر في بعض الجوانب، بتغليب مصلحة الأطفال أمام أي اعتبار خلافي ضيق بين الطليقين”، مردفا “مثل هذه الأمور – على سبيل الذكر لا الحصر – أصبحت تشكل تحديات لروح مدونة الأسرة وأسمى غاياتها، ألا وهي حماية الحقوق الأساسية للمرأة والطفل وتحصين الأسرة من الانزلاقات ونزعات التمييز”.

كما أن الاجتهاد الفقهي المغربي الذي أبان عن تفرده في إطار إمارة المؤمنين -يقول أخنوش – سيبدع مجددا إصلاحات تواكب التحولات الاقتصادية والاجتماعية، سترتقي إلى مستوى الطموحات الحقوقية، مؤكدا أن الحكومة تعمل على تفعيل دور المؤسسات الدستورية المعنية بحقوق الأسرة والمرأة، وتحيين الآليات والتشريعات الوطنية للنهوض بوضعيتها تنفيذا للتعليمات السامية لجلالة الملك، وأن المدونة جسدت تميز المدرسة الفقهية المغربية القائمة على الاجتهاد، كما وازنت بين التمسك بجوهر العقيدة الإسلامية والانفتاح على الواقع المعيش والمحيط الحضاري.

وأكد رئيس حزب الأحرار على “ضرورة مباشرة إصلاح شمولي لأقسام قضاء الأسرة، والتفكير في محاكم مستقلة لقضاء الأسرة، بحكم أن واقع الحال يقتضي أنه إلى جانب المقاربة التشريعية فمن الضروري وجود مقاربة حقوقية واجتماعية ودينية، مبنية على انخراط ذوي الاختصاص، من خبراء في علم النفس وفي علم الاجتماع، وعلماء الفقه والشريعة، لمواكبة مكونات الجسم القضائي حتى يكون بذلك قضاء الأسرة بنية مكتملة الأركان ومستقلة على غرار المحاكم الإدارية والتجارية، ونبه إلى أن الملك دعا إلى تحيين الآليات والتشريعات المرتبطة بالمرأة والأسرة.

تتمة المقال بعد الإعلان

وأعلن أخنوش عن اتجاه حزبه لإعداد مقترحات حول تعديل مدونة الأسرة وكافة القوانين المتعلقة بالمرأة، داعيا فيدرالية المرأة التجمعية إلى إعداد “كتاب أبيض” يتضمن توصيات ومقترحات تخص الصيغة الجديدة المنشودة لمدونة الأسرة، مبرزا أن “الكتاب الأبيض” الذي طالب به سيصبح الأرضية الترافعية للحزب فيما يخص قضايا المرأة.

قضية المرأة والأسرة استأثرت باهتمام العديد من الفعاليات والهيئات، حيث دعا “إعلان الرباط”، المشترك بين مؤسسة التواصل الدولي والمركز الدولي للدبلوماسية”، إلى إصلاح مدونة الأسرة بما يضمن التوازن بين الشرعية الدينية والانفتاح على الحداثة، مع تغيير الصور النمطية التي تضر بصورة المرأة، وكذا تغيير بعض مصطلحات المدونة التي تتضمن تمييزا ضد النساء، وذلك بإعمال مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في كل فصول المدونة.

وطالب “إعلان الرباط”، في توصياته، باستكمال إجراءات المصادقة على البروتوكولات الأخرى الملحقة بالاتفاقيات الأساسية وملاءمة التشريعات الوطنية مع مقتضيات القانون الدولي ذات الصلة، لا سيما مراجعة مدونة الأسرة والقانون 103-13، وكذلك الأحكام المتعلقة بالقانون الجنائي،  وحذف المادة 148 من مدونة الأسرة التي تعتبر البنوة غير الشرعية باطلة للأب، مع اعتبار التجربة الجينية عبر الحمض النووي كأساس لحقوق الأبوة، وليس فقط كوسيلة لإثبات الأبوة على أساس الزواج، ومنع تزويج القاصرين دون سن 18 بشكل قطعي ونهائي، بشكل يحذف المادتين 20 و21 من مدونة الأسرة، واعتماد لغة واضحة حول منع تزويج القاصرين، وشدد على أهمية “إطلاق حملات توعوية لتغيير السلوكيات الثقافية التي تساهم في زواج الفاتحة، والشيك والكونطرا (عقد عرفي) والاعتراف بالدين، وإدراج عقوبات في القانون الجنائي على هذه الممارسات، واعتبار التمثيلية القانونية (جميع القرارات المتعلقة بالطفل) المتعلقة بالتعليم، أو الصحة، أو بالذمة المالية، كحق مشترك بين الوالدين أثناء العلاقة الزوجية وبعد نهايتها داخل الأسرة، ضمانا للمصلحة الفضلى للطفل، داعيا في سياق متصل، إلى تعويض الفصلين 173 و175 من مدونة الأسرة بفصول تمكن المرأة المتزوجة مرة ثانية من الحصول على الحضانة المشتركة، مع تحديد تعريف دقيق لشروط الحضانة.

وفي هذا الصدد، قرر المجلس الوطني لحقوق الإنسان إحداث “مجموعة عمل حول مقترح مراجعة مدونة الأسرة”، تتولى التداول والنقاش التعددي بين مختلف الكفاءات الوطنية في أفق إعداد مذكرة ورؤية شاملة لإصلاح المدونة وإزالة الثغرات القانونية التي تشوبها، مضيفا – في بيان له – أن تكوين هذه المجموعة يهدف إلى إثارة الإشكالات المرتبطة بمقتضيات مدونة الأسرة، باعتماد مقاربة قضايا الأسرة وحقوق المرأة والطفل، وتقديم مقترحات تعزز فعلية الحقوق على مستوى مدونة الأسرة والقوانين المرتبطة بها.

وقال المجلس الوطني، أنه اعتمد على معايير في اختيار الأعضاء، منها تعدد الاختصاصات، والعمل الميداني، والكفاءة والالتزام، لأن النقاش داخل المجموعة سينصب حول بنود المدونة وسبل مواءمتها مع المواثيق الدولية والمقتضيات الدستورية التي تقر المساواة بين الجنسين، حيث تتكون المجموعة من مليكة بن الراضي، نزهة حسوس، لطيفة الجبابدي، جميلة كرمومة، أمينة لطفي، حسن رحو، محمد الساسي، وعاطفة تيمجردين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى