الحقيقة الضائعة

الحقيقة الضائعة | عندما طلب الإسبان من السلطان حمايتهم في الساقية الحمراء

المناورات الأجنبية ضد السيادة المغربية "الحلقة 19"

تفاجأنا في “الأسبوع” بكم هائل من رسائل القراء، وخصوصا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تطالبنا بالاستمرار في نشر كتابات مؤسس جريدتنا، المرحوم مصطفى العلوي.

وتلبية لطلب هؤلاء القراء الأوفياء المتعطشين لصفحة “الحقيقة الضائعة” التي غابت عنهم هذا الشهر، تعود هذه الصفحة بقلم الراحل مصطفى العلوي لتقديم جزء مما تركه من مؤلفات ذات قيمة تاريخية.

كتاب “المناورات الأجنبية ضد السيادة المغربية” الذي صدر في خمسة أجزاء، نستهلها بنشر الجزء الأول الذي يهتم بالمراحل التي كان عليها المغرب قبل الاحتلال، أيام السلطان الحسن الأول، ثم مراحل الاحتلال، ومراحل مقاومة الاحتلال، ثم الاستقلال في الأجزاء التالية، حيث سيجد القارئ عناصر تنشر لأول مرة.

بقلم: مصطفى العلوي

    رغم أن واجهة الجبهة الداخلية كانت لا تقل خطرا عن جبهات الحدود، حيث كان المستعمرون يندسون عن طريق منح حماياتهم للمواطنين المغاربة، فإن الحسن الأول كان يعرف أن الجبهة الداخلية أقل خطرا بالنسبة لما يمكن أن يتسرب عمليا عن طريق الحدود، وطبعا كانت النقط الحساسة في الحدود ثلاثة:

تتمة المقال بعد الإعلان

– حدود وجدة؛

– حدود توات وكورارة؛

– حدود الصحراء الغربية.

لقد كانت وجدة على بعد ثلاثمائة كيلومتر من فاس بينما كانت توات على بعد ألفي كيلومتر، والصحراء الغربية تزيد عن ثلاثة آلاف كيلومتر.

تتمة المقال بعد الإعلان

فعلى واجهة وجدة، كان الفرنسيون، بعد احتلال الجزائر، يريدون ضمان وجودهم على التراب الجزائري بكسب مواقع عسكرية في التراب المغربي، بل إن الفرنسيين سبق لهم بقيادة الجنرال بوجو، أن حاولوا احتلال وجدة في 19 جوان 1843، واستمرت تلك المحاولات في عهد الحسن الأول، مما جعله يفاجئ الكونت الفرنسي أوبيني، عند زيارته لفاس، باحتجاجه الصارم على الرغبة الفرنسية في التوسع، وهو الاحتجاج الذي سبق أن نشره على رؤوس الملأ في سنة 1876، وردت الحكومة الفرنسية على احتجاج الحسن الأول بأن حدودها الممضاة بعد حرب إيسلي غير آمنة، لكن الفرنسيين كانوا يلمسون مدلول غضبة الحسن الأول فتركوا المشكل للأيام.

أما على الجبهة الجنوبية الشرقية، فقد كانت سياسة الحسن الأول تعتمد على التواجد العسكري المحض..

وعلى الجبهة الجنوبية، فقد كانت مخططات إسبانيا لاحتلال الصحراء مفضوحة إلى حد أن القنصل الإسباني بالصويرة كتب إلى عامل الحسن الأول في الساقية الحمراء، يحتج لديه على أعماله العدائية ضد “التجار” الإسبان، ويطلب منه الكف عن التنكيل بهم.

وكتب عامل الساقية الحمراء الحبيب بن امبارك الوادنوني، شيخ قبيلة التكنة، رسالة إلى السلطان يطلعه فيها على احتجاج القنصل الإسباني، فرد عليه الحسن الأول برسالة تتطاير شررا مؤرخة بـ 18 يناير 1877، لا زالت موجودة إلى الآن بعد أن حملها حفدة العامل الصحراوي إلى الرباط قبل المسيرة الخضراء وقدمت لمحكمة العدل الدولية في لاهاي، يقول الحسن الأول في ختام رسالته الطويلة: ((أما تسليم سيدنا رحمه الله المسلمين مطلقا، أحرى من هم من رعيته، فلا أصل له، ولم يكن، وحاشى وكلا ومعاذ الله أن يصدر منه ذلك)).

الضرب على أيدي المسؤولين المتخاذلين

    بينما يصل لعلم الحسن الأول أن الألمانيين أخذوا بدورهم يبعثون جواسيسهم لدراسة الطرق قصد اقتطاع أراضي من الصحراء الجنوبية، وأن أحد الألمان تكلف بهذه المهمة، وأنه استعان في جوسسته بأحد الجزائريين(…)، تتحرك الروح الإدارية في أعماق الملك الحازم، فيبحث عن المسؤول عن السماح للأجانب بالقيام بمثل هذه الأعمال، وطبيعي أن رجل السلطة المحلي هو المسؤول الأول عن حماية مناطقه من العناصر المتسربة، ويكتب الحسن الأول رسالة إلى عامل أكادير في 26 ماي 1880، لا زالت محفوظة بالوثائق الملكية تحت رقم 500، وهي غنية عن كل تعليق وهذه بعض الفقرات منها:

((خديمنا الأرضى الحاج عمر بن سعيد المتوكي، وبعد،

بلغنا أن رجلا ورد لرودانة، سمى نفسه علي بوطالب وذكر أنه من أقارب الحاج عبد القادر ومعه نصراني من دولة الألمان، وأنهما يريدان الذهاب لبلاد السودان (تمبكتو) بأمر شريف زعما أنه عندهما، وإنما سافرا يوم الخامس عشر من الشهر المذكور، وأن خليفتك وجه معهما من يصحبهما من تراب إيالتك، وهذا كله من غباوة ذلك الخليفة وتهوره وبلادته وعدم تفكيره في عواقب الأمور، وكان من حقك ألا تجعل خليفة عنك هناك إلا من ثبت أنه من أهل النجدة والذكاء والفطنة والدهاء، الذين جربوا الأمور وجربتهم وعرفوا الأيام وعرفتهم، لكون ذلك المحل إقليما معمورا بأنواع المسلمين على اختلاف ألسنتهم وألوانهم من الأعراب والبربر، وفيه من أهل الخير والدين والصلاح والعلم ما لا يحصى، فينبغي أن تجعل لهم مقابلا يماثلهم ويناسب حالهم، فإن خليفتك المذكور ارتكب أمرا إمرا وأرهق نفسه عسرا واقتحم هذه العقبة الكؤود بمساعدة المذكورين في السفر لتلك النواحي كأن له إذنا في ذلك)).

وبعد أن ضرب السلطان بهذه التعبيرات الصريحة اللاذعة على أنامل عامله الذي لا يحسن اختيار أعوانه، وبعد أن أغرق الموظف بأوصاف البلاهة والبلادة والجهل والغباء، شرح في آخر رسالته أسباب غضبه وحقيقة مرارة فعله، وسر بلاهة وجهل العامل وخليفته، فقال في آخر رسالته:

((والحاصل، لا يعد لمثل ذلك، وليتفطن لما ذكرناه، فإن النصارى اليوم منذ نزل الإنجليز في سواحل وادنون، تشوقوا لهناك، ويمرون بالمكاتب لولد هاشم ونحوه من كبراء أولئك القبائل وأنت في غفلة عن هذا وكأن أولئك خارجون عن عمالتك، فما لك ولهذا؟)).

ويعيد الحسن الأول الكرة في التأكيد على ضرورة الحرص على الحدود فيقول للعامل في المقطع الأخير من الرسالة:

((وعليه، فاجعل الجواسيس والأرصاد على من يرد منهم لهناك، ومن ظفرت به فحذره وأنذره، وسد الأبواب في وجوههم وبالغ في صدهم عن ذلك القطر ما أمكنك، وكن على بال من هذا الأمر المهم، واعرف ما أنت مكلف به فيه، إن ربي على كل شيء حفيظ)).

الحسن بن محمد

فنعم النموذج هذا، لحرص الحسن الأول على كل نقطة من حدوده، ونعم الحزم، هذا الذي يبرهن عنه الحسن الأول وهو الذي علم بوسائله الخاصة، أن جاسوسين تسربا إلى الصحراء وعلم بوسائله الخاصة أن أحد نواب العامل قدم لهما المساعدة لعبور الصحراء في اتجاه الحدود المالية، تمبكتو، التي كانت تسمى السودان، وهو الذي علم بوسائله الخاصة أسماء الجاسوسين وعلم أيضا بمهمتهما.

أفيمكن بعد هذا لعامل آخر أن ينشغل عن حماية حدوده ومراقبة عمالته، أم يمكن بعد هذا لأجنبي أن يغامر في اجتياز الحدود المغربية ؟

يتبع

النشرة الإخبارية

اشترك الآن للتوصل كل مساء بأهم مقالات اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى