الرأي

رأي: كيف تحول جمهور كرة القدم من “جوكير” إلى رقم مزعج

بقلم: بوشعيب حمراوي

 

    انتظر الكل بشوق كبير إعادة افتتاح وانفراج الملاعب الرياضية وعودة الجماهير الغفيرة لإضفاء الروح الحقيقية على المنافسات الكروية.. عودة كما لها إيجابياتها فإنها تحمل دائما مجموعة من السلوكيات التخريبية التي لا تمت بصلة لأهداف وروح الرياضة والمنافسات الشريفة، والسبب هو ذلك الوباء والبلاء الذي أصاب بعض من يدعون عشقهم لكرة القدم.. هؤلاء الذين حولوا اللاعب رقم 12 من “جوكير” داعم ومحفز لكل اللاعبين ومساهم في الرفع من جودة العطاء الرياضي، إلى مجرد رقم مزعج، منتج للانحراف والإجرام، ومحبط لآمال وطموحات اللاعبين والأندية الرياضية، حيث بات الرأي العام الوطني والدولي يهتم بتغطية وتقييم مباريات التخريب والإجرام التي تخوضها عصابات منتحلة صفة الجماهير، عوض الاهتمام بتفاصيل المباريات الكروية.. قتل وتنكيل وإحراق للسيارات وتخريب للأملاك العمومية والخاصة، تعنيف طال حتى عناصر الأمن الوطني والقوات العمومية، عصابات تعترض الجماهير خارج أسوار المركبات الرياضية بعد انتهاء المباراة، أو تفاجئ بعضها البعض فوق المدرجات، لتعيث إجراما وتخريبا، بل إن فسادها بدأ يمتد إلى الطرقات والشوارع والأزقة، ويضر بكل المغاربة.

الحقيقة التي يجب الاعتراف بها، أنه بات لبعض الأندية الرياضية، جماهير منظمة، وإلترات تعمل وفق برامج ومناهج أذهلت كل رواد وعشاق الكرة المستديرة، مدرجات الملاعب الرياضية بدأت تعطي الدروس في الوطنية والتلاحم والتماسك وتدق أبواب الساسة من أجل التصحيح والإنصاف، لكن للأسف، هناك نماذج بشرية تسير عكس التيار الآدمي.. لا هي ممارسة لكرة القدم ولا هي ذواقة لإبداعات نجومها.. نماذج تستغل تجمعات وقوافل الجماهير لكل مباراة، من أجل المتاجرة في نفوس وأجساد الأطفال والشباب، ببيعهم المخدرات والأقراص المهلوسة والأسلحة البيضاء، وتغذيتهم بالتفاهات وكل مظاهر الانحراف، والدفع بهم لارتكاب الجرائم، ليتحول عشق الجماهير لكرة القدم إلى عشق جارح لاذِع ومُؤْلِم يكلفنا الأرواح البشرية، ويتسبب في نزيف الدماء والعاهات المستديمة والدمار.

جماهير الكرة تتحسر على فترات من مجد الكرة المغربية أو ما ينعته البعض بالزمن الجميل، والذي كان ممتعا برغم ما كان يدار ويطبخ داخل الأندية وبمحيطها، كان جميلا بتواجد مجموعة من الممارسين الوطنيين، الذين كانوا يستمتعون بانتصاراتهم، وتمثيل أنديتهم ووطنهم أحسن تمثيل رغم هزالة التعويضات والمداخيل المالية، وأجمل ما كان فيه اللاعب رقم 12.. جماهير معشوقة العالم، التي كانت تجمع بين أخلاقيات الفرجة وسمو الاستمتاع، وطهارة المنافسة الجادة، وكرم الضيافة، كان الزمن جميلا بمن اعتادوا تزيين كراسي المدرجات، الملتزمون بميثاق شرف تشجيع فرقهم واحترام الفرق المنافسة الضيفة وإكرام جماهيرها.. كان جميلا بصفوف وطوابير من كانوا يقتنون التذاكر ويركبون القطارات والحافلات ومختلف وسائل النقل المتاحة في نظام وانتظام وسعادة مشتركة.. مضى الزمن الجميل بعد أن انتشرت مظاهر الميوعة والعبث، وأصبحت بارزة على مستوى التدبير الإداري والمالي للأندية والعصب والجامعة الوصية، وعلى مستوى الممارسة والبيع والشراء، وهو ما أحبط الجماهير وصرفها عن المدرجات، وأغضب ممثلي الإعلام الجاد، وبدأوا يغيبون عن متابعة المباريات من أجل التغطية الصحفية، بل يلجون المدرجات من أجل الفرجة والاستماع كأي عاشق ولهان.. تعددت الأسباب واختلفت بين رداءة العطاء الرياضي والتلاعبات التي واكبت وتواكب المباريات والتسيير الإداري والمالي للأندية، والسمسرة في اللاعبين والأطر التقنية، وبين الأكاذيب والادعاءات التي يطلقها مجموعة من المدربين ورؤساء الأندية واللاعبين لوسائل الإعلام، تضاف إليها النظرة السلبية والمفاهيم الخاطئة التي يكونها مجموعة من اللاعبين والمدربين والمسيرين، على ممثلي المنابر الإعلامية، والتي تتجسد في طرق تعاملهم معهم باعتماد أساليب قذرة لا تمت للمهنة بصلة، حيث تجد صفحات أو برامج رياضية تتحدث عن سيرة ومسيرة ومميزات لا وجود لها في أرض الواقع، وحوارات وبورتريهات من وحي خيال بعض الصحافيين لتسويق وتلميع وجوه رياضيين ومؤطرين ومسيرين، وفرض الاهتمام بهم.

فقد فرضت كرة القدم حبها على معظم الشعوب، كما فرضت هيمنتها على باقي أنواع الرياضات، فرضت إحداث جامعات واتحادات وعصب وتحولت إلى منجم ذهب يغرف منه اللاعب والمدرب والمسير والوكيل أو “السمسار”، كما فرضت إحداث جرائد وإذاعات وقنوات تلفزيونية وطنية وعالمية خاصة بالرياضة، مكنت من نهضة شعوب وتقوية اقتصاد عدة دول، وفتحت الطرق والمسالك للغنى الفاحش لنجومها، وجعلت بعضهم يوظفون أموالهم في أعمال خيرية ودعم فقراء بلدانهم، ومكنت آخرين من تسلق مناصب المسؤولية والتموقع بقمة عدة أهرامات بما فيها قمة هرم التدبير السياسي، وحولت آخرين إلى سفراء للسلام والدفاع عن مطالب شعوبهم..

لكن – وللأسف الشديد – فقد ظل شعارها بالمغرب وفيا للتخريب والإجرام والإحباط وكأن هناك من قرروا ركوب موجة كرة القدم من أجل ضرب المغرب في شبابه وزعزعة أمنه واستقراره.

ألم ندرك بعد أن كرة القدم ليست لعبة، لنترك تدبيرها لمن هب ودب، وأنها الرياضة الأولى في العالم التي لا تكتفي بإسعاد عشاقها وممارسيها، ولكنها تكسب المال والجاه والسلطة وتقوي اقتصاد الدول وسمعتهم وسط الأمم؟

ألم يحن الوقت لإعادة النظر في كيفية تشكيل المكاتب المسيرة للأندية، وطرق الانخراط في تلك الأندية والتي تتم وفق منطق الزبونية والانتقائية والولائية الحزبية والسياسية، وأن تخضع باستمرار للمراقبة المالية والإدارية؟

بفحص بسيط داخل مكاتب الأندية الرياضية بالمغرب، نجد أن معظم الفرق الكروية يقودها رواد أحزاب سياسية.. فمتى يترك السياسي المجال الرياضي للكفاءات والخبرات؟ ومتى يتم فرض شرط “عدم الانتماء السياسي” لشغل مهام داخل المكاتب المسيرة للأندية للرياضية؟ ومتى تتمتع بعض الأندية باستقلاليتها في التسيير والتدبير بعيدا عن ابتزازات واستفزازات المنتخبين الداعمين وغيرهم؟ ألم يحن الوقت لتغيير اسم نادي الجيش الملكي، وإبعاده عن القوات المسلحة الملكية التي هي قوة الشعب كله وليس جزء منه؟ ومن العيب والعار أن نقرأ أو نسمع في منابر إعلامية عبارات من قبيل “هزيمة الجيش الملكي”، “عصابات الجيش الملكي” وغيرها؟ ألم يحن الوقت لتقنين إدارة نادي شباب المسيرة، بتحويله إلى نادي عادي يدبر أموره مدنيون منتخبون في جموع عامة واضحة وشفافة كباقي الأندية المغربية بعيدا عن القوات المساعدة وقادتها، وعن كل ما هو ابتزاز سياسي؟

بسبب العنف والإجرام، لم تعد كرة القدم الوطنية تطرب بعضا من جمهورها الذي فضل الاحتجاب عن الملاعب الرياضية وفسح المجال للأطفال والمنحرفين الذين حملوا قميص اللاعب رقم 12، ليعبثوا به داخل وخارج الملاعب الرياضية، لاعب جديد مشحون بالعنف والشغب لم يكتمل بعد نموه العقلي والنفسي، فالشغب قائم كلما كان الحضور الجماهيري غفير، والمشاغبون أدخلوه ضمن طقوسهم الخاصة ولم يعد مرتبطا بفوز أو خسارة، وبالتالي، فبعض الجماهير العاشقة لكرة القدم باتت تتابع مباريات الأندية الوطنية عبر المذياع والتلفزيون والأنترنيت، وأقسمت على عدم ولوج الملاعب الرياضية، لما يرونه من سلوكيات غير مسؤولة، وما يسمعونه من ألفاظ نابية وما يتعرضون إليه من عنف أبطاله أطفال أصبحوا يشكلون جمهورا خليعا.. تلكم معاناة كرة القدم مع العشق الجارح.    

عندما تتابع مشاهد العنف والإجرام والتخريب بقلب العاصمة الإدارية للمملكة، عبر القنوات الرسمية أو مواقع التواصل الاجتماعي، أو حتى تعيش أطوارها مباشرة، كالتي عاشها أخيرا المركب الرياضي مولاي عبد الله، فإنك تخرج بخلاصة وحيدة مفادها أن هؤلاء الجناة لا يمكن أن يدخلوا ضمن خانات المواطنين المغاربة، ولا حتى ضمن الكائنات البشرية، وتدرك حق الإدراك أن هؤلاء خريجو مدارس ومعاهد خاصة بالانحراف والإجرام، وأنه لا دور للتعليم ورواده بالمغرب.. حان الوقت لوقف نزيف الأرض والعرض، وحان الوقت لإعادة النظر فيما يجري ويدور داخل المؤسسات التعليمية التي باتت مسالكها تنتج المنحرفين والمجرمين.

كما أنها رسالة واضحة وصريحة للوصيين على كرة القدم، والذين يساهمون في ملء أدمغة عشاق المستديرة بالاحتقان والغضب والإحباط بقراراتهم غير الصائبة والخاضعة للنخب والابتزاز.. تلاعبات في المباريات وتلاعبات في انتقاء لاعبي المنتخبات الوطنية، والنموذج من كيفية تعاملهم مع مجموعة من اللاعبين البارزين عالميا (زياش، حمد الله، مزواري، الزلزولي…)، تارة يتهجمون عليهم وتارة يدعون أنهم قاموا باستدعائهم وهم لم يتواصلوا أصلا معهم، بل راسلوا فقط أنديتهم.  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى