شخصيات

حوار العدد | الدعم الاستثنائي للصحافة لم يكن منصفا والمغرب في حاجة إلى جبهة وطنية ضد التفاهة

نور الدين مفتاح رئيس فيدرالية الناشرين في حوار صريح مع "الأسبوع":

لا حديث في الأوساط المهنية الإعلامية إلا عن إشكالات الدعم العمومي لهذا القطاع، رغم أن وزير الشباب والثقافة والتواصل، المهدي بنسعيد، يواصل جولات حوار مع “الناشرين” لحل الإشكال، بعد أن خلفت جائحة “كورونا” عدة تبعات لا زال القطاع يعاني منها منذ اليوم الذي قررت فيه الوزارة الوصية “توقيف طبع الصحف”، علما أن نكبة الجائحة ضربت أيضا قطاع الصحافة الإلكترونية(..).

في هذا الصدد، يقول نور الدين مفتاح، رئيس الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، أن “الدعم العمومي (الدعم الاستثنائي)، الذي أعطي خلال السنتين الماضيتين، والذي تم توجيهه مباشرة للعاملين في المؤسسات الصحفية، تميز بتفاوتات كبيرة، وبعدم الإنصاف”.. وعن إمكانية “معارضة” صيغة هذا الدعم مستقبلا من طرف الفيدرالية، قال مفتاح بأن “هذه الصيغة لا يمكن أن تعود، لأنها مخالفة للقانون”، بالمقابل، انتقد القرار الصادر عن الحكومة سابقا، والقاضي بمنع طبع الصحف بدعوى انتشار الجائحة، حيث أن المغرب والأردن هما البلدان الوحيدان اللذان اتخذا هذا القرار..

وفي تقييمه لتجربة المجلس الوطني للصحافة، قال مفتاح في حوار خاص مع “الأسبوع”: إن تقييم التجربة من الناحية التأسيسية يعد إيجابيا، وعن سؤال الأخلاقيات، دعا إلى خلق جبهة وطنية ضد التفاهة، باعتبارها السبيل الوحيد لإنقاذ الوازع الأخلاقي، حيث لا يعقل أن يكون هناك شرطي أخلاق على رأس كل ناشر، حسب قوله.

 

حاوره: سعيد الريحاني

 

 أين وصلت مفاوضاتكم حول دعم الصحافة ؟

◀ بعد اللقاء الذي تم بمبادرة من السيد وزير التواصل، وبحضور السيد الوزير المنتدب في المالية، كان هناك لقاء آخر لإخراج التصور الجديد للدعم العمومي، بعد أن قضينا سنتين في دعم استثنائي تمثل في أداء أجور العاملين في مقاولات صحفية، وهذا اللقاء انكب على قضايا تقنية تتعلق بالمقاولة الصحفية، وخصوصا الجانب التنظيمي، وهل يمكن أن تكون هناك طرق للتخفيف من الأعباء الضريبية لمساعدة المقاولة الصحفية من أجل النهوض بالأعباء المهنية المنوطة بها، كما تم الاتفاق قبل نهاية هذا الشهر، إن شاء الله، على التوافق بين وجهات النظر المختلفة بين ناشري الصحف، لأن يكون هذا التطور الجديد على أساس أن يطلق هذا الورش قريبا، على الأقل لمواكبة المقاولات الصحفية في هذه الظرفية الصعبة، على مدى 10 سنوات المقبلة.

▼ (مقاطعا) ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، قبل الحديث عن الضريبة، يتعلق بشكل الدعم، وإمكانيات استمراره.. قبل الحديث عن الضريبة ؟

◀ نحن نعتقد أن موضوع الضريبة يمكن أن يكون موضوعا مفيدا، ولكنه ليس أساسيا، بل الأساسي هو وضع تصور شمولي للمواكبة والنهوض بقطاع الصحافة.

في هذا الصدد، التشخيص موجود، ونحن نتوفر على عدد كبير من التوصيات والاقتراحات العملية القابلة للتنفيذ، وعلى رأسها الدعم العمومي (الدعم الاستثنائي)، حيث كان من الواجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، لأن هذا الدعم الاستثنائي الذي أعطي خلال السنتين الماضيتين، تم توجيهه مباشرة للعاملين في المؤسسات الصحفية، ومن جهة ثانية، فقد تميز بتفاوتات كبيرة، وبعدم الإنصاف، ونتمنى أن تتاح الفرصة لتعلن النتائج التفصيلية لهذا الدعم، كي يؤخذ ذلك بعين الاعتبار في التصور القادم، مع التشديد على أن الدعم العمومي لا يشكل إلا ما بين 10 و20 في المائة من رقم معاملات الصحافة المغربية، كما أن كلفة إنتاج المنتوج الصحفي تبقى أغلى من كلفة بيعه، إذا كان هنالك بيع أصلا، لأن ما ننتجه اليوم يعرض في غالب الأحيان بالمجان، مع انخفاض كبير في أرقام المعاملات.

 

▼ في هذا الصدد، هل تتفقون مع القول بأن الصحافة الورقية على سبيل المثال، وهي الأكثر تضررا في زمن الجائحة، سيكون لها مستقبل ؟

◀ نحن اليوم نتحدث عن “بقاء الصحافة الورقية”، أما في التجارب المقارنة، لا يطرح سؤال البقاء، بل إن الصحافة طورت نفسها خاصة فيما يتعلق بقنوات انتشارها، بدل الاقتصار على القنوات التقليدية المتمثلة في الأكشاك.. التطور الذي حصل في البلدان الغربية هو الاعتماد على pdf (نسخ للتحميل)، والاشتراك الرقمي، لأن الصحافة الورقية أو الصحافة المكتوبة، لها خاصيتها التي تجعلها منتوجا مختلفا عن الصحافة الإلكترونية كما هو مختلف عن منتوج الراديو والتلفزيون، أما الحديث عن إمكانية تعويضه بمنتوج آخر، فهو فقدانه تماما.. وهذا ما يجب الاشتغال عليه بجدية مع أن المشكل المطروح اليوم في المغرب، هو مشكل التوزيع، حيث توجد شركة واحدة، مغلوب على أمرها، تراكم الخسارات، ونقط البيع تتقلص، والجريدة لا يجدها الشخص الذي يبحث عنها إلى جانبه، وهاته مشكلة عويصة وخطيرة انضافت إلى “توقيف الطبع” في بداية انتشار “كورونا”، حيث كان هناك ضرر كبير لم يتم جبره إلى الآن..

▼ هل تعتقد أن توقيف طبع الجرائد عند بداية الجائحة كان خطئا ؟

◀ نعم كان هذا خطئا، والدولتان الوحيدتان اللتان اتخذتا هذا القرار هما المغرب والأردن.. ومبرر انتشار الوباء لم يكن صحيحا، لأن الناس ظلوا يتداولون على سبيل المثال الأوراق النقدية وأوراق التلفيف.. وتداعيات هذا الأمر لا زالت مستمرة لحد الآن، لأن 20 في المائة من مبيعات الصحف كانت تذهب لصالح الاشتراكات، وهذا الرقم اختفى..

صحيح هناك تأثير على عادات القراءة في المجتمع، وكثير من الناس استبدلوا القراءة بهواتفهم النقالة… إلخ، ولكن مع ذلك، فهذا الأمر لا يفسر الانهيار من 200 ألف نسخة تقريبا إلى 40 ألف نسخة فقط، وهذا يجب الانكباب عليه بشكل جدي وعميق، ويجب أن تأخذ الإجراءات المتخذة لإنقاذ الصحافة، المنتوج والتأثير والقيمة، بعين الاعتبار، وألا تنكب فقط على مسائل حسابية، فنكون كمن يصب الماء في الرمل..

▼ قلتم عن فترة الدعم في زمن “كورونا” أنها تميزت بعدم الإنصاف، هل معنى ذلك أن فيدراليتكم، وهي أكبر تنظيم للناشرين، قد تعارض صيغة الدعم إذا تكرر بنفس الطريقة ؟

◀ أنا أعتقد أن الدعم الاستثنائي كان استثنائيا بمفهوم الكلمة، ولا يمكنه أن يعود بذلك الشكل، لأنه مخالف للقانون، وخاصة المادة 7 من قانون الصحافة، والمرسوم الناتج عنها، لذلك، فإذا كانت صيغة الدعم هي أن تذهب مباشرة للعاملين في قطاع الصحافة، فيجب تغيير هذا القانون، وهنا يطرح سؤال: ماذا سيستفيد الصحفيون إذا جاءتهم أجورهم من الحكومة؟ فضلا عن كونها مسألة معيبة، وفيها مس باستقلالية الصحافة من الناحية المبدئية، بالإضافة إلى أن المقاولات هي التي يجب أن تؤدي أجور العاملين فيها وأن تتحكم في مكافأتهم وتطوير أدائهم، بل ما نطلبه هو أن تأتيهم أجورهم من مقاولاتهم، وأن نعمل مع الحكومة على أن نحسن من أوضاع هؤلاء العاملين..

▼ قال الوزير المهدي بنسعيد، أنه لا يفضل الحديث عن “الدعم” ويفضل تغييره بتسمية أخرى، ما رأيكم ؟

◀ إذا كان السيد الوزير يتحدث عن مسألة اصطلاحية، يمكن أن نتفق معه، ويمكن أن نتحدث عن “المواكبة” و”المصاحبة”، ولكن المشكل ليس مشكلا اصطلاحيا، بل هو مشكل مضمون ما سينتج عن هاته المشاورات التي نحن بصددها، حيث يجب أن نبني على التراكم الذي دام على الأقل منذ ما يناهز 20 سنة.

أعضاء المكتب الوطني للفدرالية المغربية لناشري الصحف

▼ لطالما كانت فيدرالية الناشرين بمثابة المفاوض الوحيد، لكن هذه السنة تميزت بتعدد المحاورين الذين يتحدثون باسم الناشرين، كيف تنظر إلى هذا الأمر ؟

◀ هذا بلد التعددية، وكل الناس لهم الحق في خلق منظمات تمثيلية، والمهم ليس هو التعدد، ولكن من المهم أن يكون هناك توافق حول الهدف السامي، وهو النهوض الصادق والحقيقي بأدوار الإعلام وخدمة المواطن عبر صحافة حقيقية وعصرية..

دعني أقول لكم إن الأزمة القاسية التي مرت منها الصحافة، أدت إلى شرخ تنظيمي داخلي، ونحن دائما كنا خلال هذه السنة، أو أكثر، نحاول لم الشمل، وكانت يدنا ممدودة، والمفاوضات لا زالت جارية لجمع الشمل من جديد، وهذا يبدأ من تنسيق العمل وتوحيد وجهات النظر فيما يتعلق بالملفات المطروحة، والذهاب بأقصى حد من التوافق حول الملفات المطروحة على الحكومة، لأن هناك ملفات أخرى لا علاقة لها بالحكومة، مثل “ملف الإشهار” و”ملفات التوزيع” و”العلاقة مع المطبعة”، و”ملفات المجلس الوطني للصحافة” و”التنظيم الذاتي”.. في كل هذه القضايا نحن نحاول أن نجد توافقا، وقد تفاجئون إذا عرفتم أن 99 في المائة من مطالبنا متطابقة.. ولكن السؤال الوجيه الذي يطرح، هو لماذا يوجد هناك أكثر من إطار؟ لذلك لماذا لا نساعد أنفسنا ونساعد الآخرين الذين يريدون مساعدتنا حتى نكون موحدين؟

▼ هل تعتقد أن الاجتماع في إطار واحد ممكن ؟

◀ تعرفون أن الناشرين منذ سنة 1962، والناشرون هم الذين أسسوا النقابة الوطنية للصحافة، إلى حدود منتصف الثمانينات حيث دخلها الصحفيون، وبعدها، كانت غرفة للناشرين داخل النقابة، وبعدها تأسست الفيدرالية، وهو ما يعني أن الناشرين ظلوا موحدين منذ سنة 1962.. أعتقد أن هذه “فاصلة” فقط، ولدي قناعة بأنها ستزول، لأن الأصل هو أن نبقى موحدين، وأنا أعتقد أنه في المنظور القريب، يمكن أن نعود إلى وحدتنا وقوتنا..

▼ الحديث عن الصحافة يدفعنا كذلك إلى الحديث عن الصحافة الإلكترونية التي عرفت انتشارا كبيرا في الفترة الأخيرة، في غياب الموارد اللازمة وفي غياب شروط العمل والمهنية في بعض الحالات، كيف تقرأون هذا التطور ؟

◀ أعتقد أن الصحافة الإلكترونية عرفت “انفجارا” غير منظم قبل بدء العمل بمدونة الصحافة التي تمت المصادقة عليها، حيث كنا إزاء 5000 صحيفة إلكترونية، لكن كان هناك مجهود لتحصين الولوج إلى المهنة، بالخصوص في المادة 16 من مدونة الصحافة، التي اشترطت على الأقل أن يكون مدير النشر مهنيا وحاملا لشهادة جامعية..

واليوم توجد هناك حوالي 700 جريدة إلكترونية منتشرة عبر ربوع المملكة، فيها الغث والسمين، والمهيكل والجاد وغير الجاد.. شأنها شأن الصحف الورقية، فهذه المسألة ليست مرتبطة بالعدد والحجم، ولكنها مرتبطة بالضمير المهني، وبالوازع الأخلاقي والكفاءة المهنية.. وأعطيكم مثال، في الهند توجد 180 ألف صحيفة، ولم تتأثر بالجائحة.. نحن في بلد لا يتجاوز فيه عدد بطائق الصحافة 3500 بطاقة، وهذا الرقم هو عدد الصحفيين الذين يوجدون في مؤسسة واحدة في الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط، وثلث هذا العدد من أصل 3500 موجود في مؤسسات عمومية والباقي موزع على كل ما نتحدث عنه اليوم، بما فيها الصحيفة الإلكترونية، التي نقول أنها منتشرة بشكل غير معهود..

▼ اليوم، يطرح كثير من المغاربة سؤال الأخلاقيات، وقد صدرت عدة بيانات تنبه إلى تعامل الصحافة الوطنية مع أحداث كبرى، مثل تغطية حادث الطفل ريان على سبيل المثال ؟

◀ أعتقد أن هذه القضية مؤسفة، وفي قضية ريان على سبيل المثال، لا يجب أن يخفي ذلك الانزلاق الذي حصل في كثير من المحطات، ويجب التنويه بالمجهود الجبار الذي لعبته الصحافة الوطنية في نقل هذا الحادث من الوطنية نحو العالمية، حيث كان هنالك زملاء أبدعوا، ولكن كانت هناك حالات نشاز يجب التصدي لها مجتمعيا..

هل معنى ذلك أننا يجب أن نضع شرطي أخلاق على رأس كل ناشر؟ أبدا، يجب أن تكون هناك مناعة لدى المجتمع لرفض مثل هذه الممارسات، ثانيا يجب الانتباه فيما يتعلق بالمسألة الأخلاقية إلى تأسيس المجلس الوطني للصحافة، لكن هذا التنظيم له مشكل قانوني، حيث يجب أن يكون هناك متضرر يقدم شكاية لهذا المجلس، وهناك إمكانيات للتصدي التلقائي، لكن هذه الإمكانية لا زالت في بدايتها، ولا يمكن للمجلس ولا للعقوبات أن تصلح هذا الضمير المهني والوازع الأخلاقي، بل ما يصلحه هو جبهة وطنية تتكتل ضد التفاهة وضد خرق أخلاقيات المهنة، أما إذا كنا نحابي وننافق، ونعطي وجها هنا ووجها آخر هناك، ونتساهل مع هذا التحلل، فإنه سيعيش وستصبح جبهة التسيب أقوى من هذه الجبهة التي نتحدث عنها اليوم.

لقد عشت في مرحلة سابقة، وكانت هناك صحف ورقية تسمى صحافة الرصيف، استطاعت أن تتفوق في بضع سنوات على صحف عريقة من حيث انتشارها، وكان هنالك خوف من أن يغرق المغرب في الدكاكين الصحفية، التي تقتات على عاهات المجتمع، لكن هذه الصحافة ماتت، لذلك أعتقد أن المسؤول الأول عن هذه الموجة، هو بعض الزملاء أنفسهم الذين يجب أن يتحصنوا بقانون المهنة والتنظيم الذاتي..

▼ كيف تقيمون الفترة الأخيرة التي تأسس فيها المجلس الوطني للصحافة ؟

◀ إذا اعتبرناها مرحلة للتأسيس، فأنا أقيمها بشكل إيجابي، حيث استطاع المجلس أن يأخذ اختصاصا من اختصاصات السلطات العمومية، واستطاع أن يمر بشكل سلس، أما بالنسبة لصلب وجود المجلس، وهو تحسين الأداء الأخلاقي للصحافة المغربية، فقد تأخر صدور النظام الداخلي لمدة سنتين، علما أن عمر المجلس أربع سنوات، لكن رغم العوائق، يمكن أن نقول إنه تصدى لكثير من الملفات على قلتها، واستطاع أن يقوم بتشخيص غير مسبوق، وأن يعطي صورة دقيقة لواقع المقاولات الصحفية، وواقع الصحفيين، وكانت هناك كثير من الإجراءات القانونية الجاهزة للتنفيذ.. أنا أعتقد أنها مرحلة تأسيس إيجابية، والمرحلة القادمة، ونحن مقبلون على انتخابات بعد 4 أشهر، يجب أن تكون مرحلة الإقلاع وتعديل القوانين، لأن فيها الكثير من الثغرات التي تبينت من خلال الممارسة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى