شخصيات

حوار الأسبوع | الراضي حكم علي بالإعلام وهناك طلب صريح لولاية ثالثة من أجل إدريس لشكر

عبد الحميد الجماهري في حوار الذكرى 30 لوفاة عبد الرحيم بوعبيد:

اسمه عبد الحميد الجماهري، قيادي اتحادي يجيد المناورة بالكلمات، وله “سوابقه” الكثيرة في الإعلام، وهي التي جعلت عبد الواحد الراضي يقول له ذات يوم، بعد توزيع المناصب الحكومية(..): “أما أنت، فمحكوم عليك بالإعلام”، فسمعها هو كما حكاها في هذا الحوار بأنها “حكم بالإعدام”.

في الذكرى 30 لوفاة عبد الرحيم بوعبيد، يقول الجماهري وهو الذي يشغل منصب مدير النشر والتحرير بجريدة “الاتحاد الاشتراكي”، بأن ((بوعبيد بقي برمته داخل الحزب، وأن الاتحاديين سيحتفون به في مارس المقبل، بمناسبة مرور مائة سنة على ميلاده، باعتباره “حالة حضارية في تاريخ المغرب”، كما يوضح بعض ملابسات دفاعه الوطني عن عودة السلطان محمد الخامس، ورفضه لـ”مقترح الاستفتاء” من منطلق “أن الاستفتاء كان يحتاج لاستفتاء”، وهل يقبل به المغاربة أم لا)).

بين الأمس واليوم.. يوجد الاتحاديون في قلب معركة تنظيمية، تتميز بكثرة الترشيحات، فضلا عن النقاش حول إمكانية تسيير الحزب لولاية ثالثة من طرف إدريس لشكر، وفي هذا الصدد يقول الجماهري: ((لا يمكن أن ننكر وجود طلب معلن وفي الفضاء العمومي، من طرف برلمانيين، كما يوجد طلب داخلي صريح لكي يقدم لشكر ترشيحه لولاية ثالثة، ولحد الساعة لم يقدم الأخ الكاتب الأول أي رد، لا سلبي ولا إيجابي على هذا الطلب الحزبي المعلن والعمومي… ولعل الوازع المؤسساتي هو المتحكم اليوم في ذلك)) وأضاف: ((أعتقد بكل صدق أن المؤسسة العليا، أي المؤتمر، هي التي ستحسم في العديد من القضايا والمآلات.. وقتها لكل حادث حديث كما تقول العبارة المسكوكة…)) حسب قوله، كما يوضح أن الحزب لم يفقد قوته الاقتراحية، ولا يخفي تعاطفه مع “مدبري” التفاوض الحكومي، ويقول: “الله يحسن عوان اللي كيفاوض”.

تتمة المقال بعد الإعلان

 

حاوره: سعيد الريحاني

 

تتمة المقال بعد الإعلان

» حلت قبل أيام الذكرى 30 لوفاة الرمز التاريخي لحزب الاتحاد الاشتراكي، عبد الرحيم بوعبيد، كيف تستحضر هذه المناسبة؟ وماذا بقي من الرجل في حزبكم؟

»» عبد الرحيم بوعبيد هو حدود ما تستطيعه القدرة النسبية للإنسان من مطلق في العمل السياسي، فقد كان يدرك ضرورة الجمع بين إكراهات الواقع وبين ما يمكن أن تفعله الأحلام الكبرى للإنسانية في تاريخ بلاد مركبة ومعقدة.. واستطاع أن يصنع جيلا سياسيا في الوطنية والديمقراطية والتحرر، بإعطاء النموذج وبنائه، وعبد الرحيم هو حالة حضارية في تاريخ المغرب، وأعني بذلك أن  وجوده في بناء حزب وطني يساري كبير، كان خدمة لبلاده كما هو خدمة للفكرة التقدمية والحداثية فيها، جعل من مهامه في الحياة خدمة هذه البلاد بصدق وعمل بناء، مدركا حدود كل مجهود بشري في بلاد كبلاد المغرب، ضاربة في التاريخ ومحكوم عليها بالمستقبل والغد المتجدد، وأنا من جيل أعتبر أن الإيديولوجيا هي البيولوجيا الوحيدة في بناء التنظيمات السياسية، وليس من النضج السياسي أن نقتل الأب عبد الرحيم لنصنع أسطورتنا الشخصية أو بديلنا الجديد، ولهذا لا نسلم بأن شيئا ما ذهب وشيئا ما بقي من عبد الرحيم، ككيان رافقنا في كل طبقات التفكير والممارسة وفي صناعة الحركية.. والمرجعية الفكرية له لا تنضب.. غير أن عبد الرحيم ليس هو عبادة الأصنام، فقد كان يرفض الاحتفاء به ما فوق الإطار الإنساني للمحبة أو التقدير، رفض نقل التقدير الذي حظي به إلى التقديس الذي قد توحي به  قدرته على تجاوز الصعاب أو قد يجيء به الحنين إليه..

يمكن أن أقول بأن الجواب على الجزء الثاني من سؤالك يكمن في الجزء الأول منه، ما تبقى من بوعبيد هو بوعبيد برمته، سيرته الوطنية الكفاحية، القيم  التحررية، العدالة الاجتماعية، الفكرة الدينامية في تدبير الخلاف، العقلية التحررية، المرجعية الحداثية، الصورة المثقفة، العميق الثقافة والمتشبع بفكرة عميقة عن السياسة… ولعل المؤشر الواضح في فعله السياسي، هو إصراره على الفعل والمنطق المؤسسين كقاعدة لتقوية التمثيلية والتعددية المنتجة، وحسم الجدليات المتناقضة التي عصفت بالحزب مرات عديدة، عبر ثنائية الداخل والخارج، داخل الوطن وخارجه، وداخل الحزب وخارجه..

تتمة المقال بعد الإعلان

ومن أجل استرجاع التوهج المرجعي لعبد الرحيم بوعبيد، قرر الاتحاديون والاتحاديات الاحتفاء في مارس المقبل، بقرن من زمان بوعبيد، مائة سنة على ولادته وتجدد ولاداته الفكرية والسياسية والمبدأ العام في فهم التاريخ والوطن في علاقة بجدلية الإبداع الشخصي في اللحظات الصعبة..

» ارتباطا بذكرى بوعبيد، الذي كان يرفض الاستفتاء وفي ظل تطورات القضية الوطنية.. كيف تقرأ موقف رفض الاستفتاء؟ وهل كان الراحل عبد الرحيم سابقا على زمانه؟

»» تلك كانت من النقط المضيئة في حياته ومن النقط المؤلمة أيضا في حياة البلاد. لا يُفهم الموقف من الاستفتاء دون الوقوف عند الموقف الوطني الأصلي عنده، فهو كان أحد أصغر الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال، وأيضا أحد أصغر السياسيين منذ البداية، المشبع بالفكرة الوطنية كما بالفكرة التحررية.

تتمة المقال بعد الإعلان

كان جوهر ما يَهْديه في تفكيره، هو السيادة الوطنية، ولعلك تجد هذا القلق السيادي في سيرته منذ وثيقة 11 يناير وانتقالا إلى مفاوضات الاستقلال، والتي تشبث فيها بالسيادة الوطنية من خلال رمزها المغفور له محمد الخامس، وقد روى الفقيد الكبير امحمد بوستة، قصة نقاشاته مع إدغار فور، الوزير الفرنسي الذي كان يفاوض من أجل استقلال البلاد دون عودة محمد الخامس في المرحلة الأولى، ورفض عبد الرحيم لهذا الفصل، مما دفع إدغار فور إلى القول: “لم أكن أدري أن عبادة الطوطم موجودة حتى في شمال إفريقيا؟”.. هذه السيادة تجدها أيضا في أول حكومة يسارية، وتكريس السيادة الوطنية من خلال تحرير الاقتصاد وبناء النموذج التنموي الأول في البلاد، إلى جانب الفقيد عبد الله إبراهيم وباقي الأطر الوطنية.. في كل موطن من مواطن الدولة هناك بصمة لعبد الرحيم في بناء السيادة.

وعليه، ليست السيادة عند بوعبيد معطى مجزأ أو منفصلا.. وإلى جانب ذلك، كان يدرك أن الاستفتاء لم يكن هو الأسلم لقضية المغرب المركزية، بل فيه، أخلاقيا، تشكيك في السيادة عبر عرضها للنقاش والتصويت، وفيه، سياسيا، مغامرة غير محسوبة العواقب، ولهذا طالب بأن يخضع الاستفتاء نفسه لاستفتاء: “هل يقبل به المغاربة، أم لا؟»، وهو في ذلك كان يحتمي بالتعاقد الكبير بين الملكية والشعب من أجل الدفاع عن الوطن منذ سنة 1944، والذي كان قد تجدد في المسيرة الخضراء في سنة 1975.. وعليه، فإن السردية الوطنية لعبد الرحيم بوعبيد متماسكة وتسند بعضها بعضا.

لقد اتضح بالفعل أن القول بالاستفتاء كان خطئا، ولعل الملك الراحل قد ضَمَّن هذا الاعتراف أحد حواراته، ولعله كان مع “لو نوفيل أوبسرفاتور”، وحدث أن الخطأ ثبت من بعد، بعد العجز الأممي عن تنظيم الاستفتاء، ثم في محاولة جعله الطريق إلى الانفصال.. واليوم، حصلت القضية الوطنية على مكاسب جمة، كان عبد الرحيم بوعبيد، رحمه الله، سيشيد بها ويحتفي بما يتحقق لفائدتها، وهو الذي كان يعتبر أن السيادة هي الحل الوحيد وليس هناك حل آخر.

تتمة المقال بعد الإعلان

ويسعدنا كاتحاديين أن نسمع وزير الخارجية، ناصر بوريطة، يخاطب العواصم الكبرى في العالم، مدريد وباريس وبروكسيل، والقوى الإقليمية الأوروبية، بعبارة بوعبيد: “مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس”..

الروح الاستكشافية والتي تتوقع المستقبل قبل حدوثه، غالبا ما تكون قد صقلتها   تجاربه، وأسعفها حدسه النضالي، فهو كان مسكونا بوطنيته ومن خلالها كان يقرأ التحولات والوقائع، ولهذا، كان بالفعل سابقا لزمانه.

المطلوب في تقديري اليوم، هو العودة إلى أصل ما كان يؤمن به من ضرورة دفع الأمم المتحدة – كما يحصل اليوم – إلى إقبار خيار الاستفتاء كما وقع في القرارات الأممية منذ ثلاث سنوات، ومن خلال القرار 2602، ثم تكرس من خلال الاعتراف بسيادة المغرب وطي صفحة الانفصال نهائيا بقرار أممي واضح..

 

بين الجزائر وإسرائيل

» ارتباطا بموضوع الصحراء، كيف تنظر إلى المفارقة بين تطور العلاقات مع إسرائيل نحو استئناف التعاون مقابل صدور مواقف أكثر عدائية من لدن الجزائر؟

»» لا أعتقد أن المغرب ينظر إلى الأمور من زاوية تفضيلية، زاوية المقارنة بين نظام عسكري شغل نفسه بنا طيلة نصف قرن وما زال يعتبر أن مشروعه الوحيد هو تفكيك المغرب، وبين علاقات الرباط مع تل أبيب ضمن ثلاثية استراتيجية لها دوافع أعمق وأبعد من “البوليميك” مع الجار الشرقي.. لقد كان مطلوبا من المغرب أن يجمع بين الملاك والشيطان، على حد قول محمود درويش وهو يتحدث عن ياسر عرفات، وعن دفاعه عن عدالة القضية الفلسطينية.. والمغرب في التركيب “المونتاج الدبلوماسي” لفائدة قضاياه المطروحة، قرأ التحولات التي تحدث في العالم وفي منطقته، تلك القراءة التي يجب أن تتقدم بها قضيته: “هنا وطن يقاتل من أجل استكمال ترابه، وفي فلسطين وطن يقاتل من أجل استكمال حرية بلاده، أي أنهما شعبان لهما قضية استكمال الدولة بترابها وقضاياها، مما يعني وحدة الحرية والوحدة الترابية في قيام الدولة عند الشعبين.. وهو ما كان الحماس الشعبي يجمعه في شعار “فلسطين عربية” و”الصحراء مغربية”.

العداء الجزائري النظامي، لم يكن في حاجة إلى الاتفاق الثلاثي بين المغرب والولايات المتحدة وإسرائيل، ولا كان في حاجة إلى استئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية لمهاجمة المغرب، ولا للاتفاقيات العسكرية والأمنية لكي يأجج من سعاره ضدنا.. فهو يجد لكل مقام مقاله وشعاره الفضفاض.. والعدواني.

وقد كان واضحا أن المغرب، ضمن سردية دبلوماسية جديدة، يسقط الكثير من الطابوهات في علاقاته السابقة، ويحتكم إلى منطق واحد ووحيد، هو الإقرار بسيادته على أرضه في الفرز بين الصديق والعدو، وبين الخصم والصديق، كما أن هذا التوجه، في تنويع الشراكات الاستراتيجية شرقا وغربا، كان تحولا جوهريا لم يكن مستشارا، وما زالت بعض القوى الدولية الصديقة لم تستشره بدورها، وهي بدورها أدخلت إسرائيل في المعادلة المناهضة للمغرب من خلال إعادة التجسس على المغرب بنظام “بيغاسوس” الإسرائيلي..

إذن، هذا التحول العميق هو الذي يسمح للمغرب بأن يتموقع في الريادة الإقليمية، إفريقيا ومغاربيا ومتوسطيا، وهو ما يقلق الجزائر حقا منذ الحرب الباردة، وليس منذ 22 دجنبر 2020!

 

الاتحاديون و”الأجندة الإسرائيلية”

» سبق للإعلام المحسوب على حزب العدالة والتنمية، أن اتهم زعماءكم ومنهم عبد الرحيم بوعبيد، بخدمة الأجندة الإسرائيلية، ما هو تعليقك على مثل هذا الكلام؟

»» هذا كلام فارغ حقا.. وإذا فهمت خلفية السؤال، فإن الأمر يعود إلى فترة حكومة التناوب، عندما استضاف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الأممية الاشتراكية بالدار البيضاء.. وقتها تجمع أمام الفندق الذي استضاف المؤتمر الدولي، كل قادة “البيجيدي” يتقدمهم الراحل عبد الكريم الخطيب رحمه الله، والعثماني وغيره كثيرون.. وحقيقة الأمر، أن الانضمام إلى الأممية الاشتراكية، التي تعد إحدى أكبر المنظمات السياسية في العالم، وأحزابها تقود الدول والتكتلات الإقليمية، كان في ثمانينات القرن الماضي بطلب من الراحل ياسر عرفات، لقيادة الحزب ليكون صوت فلسطين مسموعا في ذلك المحفل الكبير.

والحقيقة أيضا التي لا يريد المغرضون أن يعرفوها، هي أن أول مقر كان لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية في شخص الفقيد الهمشري، كان هو مقر الاتحاد في باريس، وما زال الشهود أحياء، بل إن جزء من القادة الاتحاديين انضموا إلى صفوف الثورة ومعسكراتها للتداريب فيها في جنوب لبنان كما في سوريا وغيرها.. لقد حدث أن سالت مياه كثيرة، وكان على قيادة “البيجيدي” أن توقع الاتفاقية الثلاثية.. ونحن لم نجعل من ذلك حصانا لطروادة انتقامية، أبدا، بل اعتبرنا أن رجال الدولة يتحملون مسؤولياتهم إزاء بلدانهم في الأوقات الحرجة بدون تقية ولا فقه المضطر..!

والحقيقة الأخرى، أن جزء من نخبة الحزب الكبرى، والتي تلقت، لظروف التعليم في الأربعينات والخمسينات تعليمها بالفرنسية وصارت نخبة فرنكوفونية، من قبيل الشهيد عمر بنجلون، عرَّبتها القضية الفلسطينية!

 

القوة الاقتراحية لحزب الاتحاد الاشتراكي

» الحديث عن حزب العدالة والتنمية يفرض “تكرار” السؤال الذي ينتقد فيه حزب الاتحاد الاشتراكي لكونه تحالف مع الأغلبية التي سبق أن قادها هذا الحزب، ما قولكم في هذا السياق؟

»» هناك جزء من النخبة الوطنية لم يعط للخلاف الذي وقع في تشكيل حكومة عبد الإله بن كيران، أو حكومة “البلوكاج” إذا شئنا، ما تستحقه من الانتباه الضروري..

كان السيد رئيس الحكومة المعين (عبد الإله بن كيران) يريد أن يتحكم في مصير الاتحاد والأغلبية، بمنطق أنه من يملك الحسم الأخير في احترام المنهجية الديمقراطية بتأويل خاص به، وكان يتأخر في إعلان الأغلبية مع وضع شروط مقابل دخول الاتحاد أو خروجه.. واختار في النهاية أن يُقرِن مصيره السياسي كرئيس حكومة بوجود الاتحاد من عدمه، والنتيجة مليئة بالدروس للجميع…

المشاركة كان لها مغزى سياسيا بالرغم من حجم الاتحاد فيها، وكان ضروريا أن يتضح من يملك منطق المؤسسات في تشكيل الحكومة ومن يضع نفسه فوقها، والواضح في الحكومة التي قادها سعد الدين العثماني، أن الأداء كان إيجابيا على العموم في كل القطاعات التي تولاها الاتحاديون والاتحاديات بالرغم من نقط خلافية كانت لها امتداداتها في الحزب وفي المجتمع معا.

وما يجب الاحتفاظ به، هو هل الاتحاد حافظ على قوته الإصلاحية، التي ميزت كل مراحل حياته، أم أنه فقدها عند وبعد تحمل المسؤولية؟ وأعتقد أن هذه القدرة كقوة اقتراحية في تطوير الإصلاحات، ما زالت سليمة، وهو أهم شيء بالنسبة لحزب ديمقراطي اشتراكي في بلاد تتطلع إلى أفق أوسع يليق بريادتها الإقليمية وأدوارها قاريا ومناطقيا.

» تدبير المشاركة في الحكومة والتحالفات كان رهينا بدور الكاتب الأول إدريس لشكر، هل تعتقد أنه أحسن المناورة والتدبير في السنوات الأخيرة؟

»» في الواقع، عشت جوانب بسيطة من تدبير الحكومات، سواء كمناضل تواجد في الإعلام وقت حكومة عباس الفاسي، وتم تدبير ملفاتها من طرف القائد المناضل السي محمد اليازغي، أطال الله عمره، أو كمسؤول في المكتب السياسي إبان تدبير موقع وزارة الثقافة من طرف الكاتب الأول عبد الواحد الراضي، والذي كان من نتاجه مجيء بنسالم حميش إلى التدبير الوزاري، وأذكر وقتها أن السي عبد الواحد الراضي قال لي: “أما أنت فمحكوم عليك بالإعلام..” ورنّت في أذني كما لو أنها “محكوم عليك بالإعدام”، واستوجبت جلسات طويلة من السمر المبهج والضحك والتسلية في ما بعد! ثم كان لي اطلاع شبه قريب على تشكيل  حكومة بن كيران الثانية وحكومة العثماني..

ما أعرفه، أن التدبير الحكومي في الاتحاد الاشتراكي، يكون قاتلا أحيانا كما حدث بعد حكومة عباس الفاسي.. لا يمكن القول بأنني كشخص أعرف تفاصيلها، والحديث بدون تدقيقات غير مفيد في بناء المواقف العقلانية، حسب ما تراكم لدي من معطيات من مختلف الأطراف، والتدبير الحكومي يقود في الكثير من الأحيان إلى مواقف حدية وقطعية تترك أثارا لا تنمحي وتتسبب في تمزقات وشروخ تصل إلى قتل الصداقات.. باعتبار أن التدبير الحكومي هو أرقى أشكال الارتقاء السياسي في الكثير من الأحيان.

ولعل مشكلة اقتسام السلطة، سواء كانت تنظيمية (كاتب فرع، كاتب جهوي، عضو كتابة جهوية، مكتب سياسي)، أو وزارية أو تدبيرية، أو تمثيلية (البرلمان، الجماعات)، كان في قلب الصراعات والتقاطبات الحزبية..

أقول أن المعطيات لا تتوفر لدينا دوما للحكم على ملف شائك ومعقد ومتداخل الأطراف مثل الوزارات.. تبعا لما نسميه في البلاغة “بنية السرد” المتحكمة في الشأن الحكومي.. لهذا عند الحديث عن تدبير المفاوضات، علينا أن نسأل: “هل الحكم يكون انطلاقا من تدبير موقع الحزب في التشكيلة الحكومية، أم موقع الواحد منا فيها، أم في توزيع السلطة المرتبطة بها بما يشبه ديمقراطية تدبير الطموحات لا الاختلافات الفكرية والسياسية؟”.

 

الولاية الثالثة.. لكل حادث حديث

إن الشجاعة الأدبية تقتضي أن نتحمل المسؤولية ككيان سياسي مسؤول، كمكتب سياسي يتحلى بالتضامن الجماعي ويتحمل مسؤولية ما ترتب عن تدبير  المفاوضات.. ليس من الحكمة في شيء أن نصدر الأحكام البسيطة في الأشياء المعقدة .. و”الله يحسن عون اللي كيتفاوض”.

» ونحن على أبواب المؤتمر، يتجدد اليوم النقاش حول إمكانية تسيير الحزب لولاية ثالثة من طرف إدريس لشكر، هل أنت مع “ولاية ثالثة”؟

»» أولا وقبل كل شيء، ليس من الحكمة أن نطرح على أنفسنا ضرورة البحث عن جواب لسؤال لم يطرح بعد.. فالمؤسسات كما المجتمعات، لا تطرح على نفسها سوى الأسئلة التي تستطيع الجواب عنها، والاتحاد لن يطرح على نفسه إلا الأسئلة، سواء سؤال الولاية الثالثة أو غيره، التي يستطيع الجواب عنها.

العنصر الثاني: هو كون الأخ الكاتب الأول لم يعلن ولم يقدم ترشيحه، وهو ذاته أعلن في المجلس الوطني عن توصل المكتب السياسي بترشيحات (كانت خمس تصريحات وأصبحت ستة)، ستحال عل لجنة التأهيل في حينها، ولم يكن منها اسمه.

ثالثا: لا يمكن أن ننكر وجود طلب معلن وفي الفضاء العمومي، من طرف برلمانيين، كما يوجد طلب داخلي صريح، لكي يقدم ترشيحه لولاية ثالثة، ولحد الساعة لم يقدم الأخ الكاتب الأول أي رد، لا سلبي ولا إيجابي على هذا الطلب الحزبي المعلن والعمومي.. ولعل الوازع المؤسساتي هو المتحكم اليوم في ذلك.

رابعا: بناء على ما سبق، تحدثنا من قبل على ميزات عبد الرحيم بوعبيد، رحمه الله، ولعلها ميزات ضرورية في الحكم على النقاش الدائر والموقف منه، ومن  هذه الميزات التي نتبناها، الحرص على المؤسسات والاحتكام إليها، والمؤسسات لحد الساعة لم تطرح هذا الموضوع بتاتا.. وقد تابعتم الحوارات والتصريحات والبيانات التي صدرت عن الإخوان والأخوات الذين تحدثوا باسم المؤسسات، إما المكتب السياسي أو اللجنة التنظيمية أو اللجنة السياسية أو اللجنة التحضيرية، ولم يصدر عنها إلا النفي بأن يكون موضوع الولاية الثالثة كما طرحته في سؤالك موضوعا على بساط النقاش الحزبي.

هناك مسار ورهانات تنظيمية تشكل كلا لا يتجزأ، ووجود رأي عام في الاتحاد يناقش الموضوع من خارج جدول أعمال المؤتمر طبيعة اتحادية تقريبا.. أعتقد بكل صدق، أن المؤسسة العليا، أي المؤتمر، هي التي ستحسم في العديد من القضايا والمآلات.. وقتها لكل حادث حديث كما تقول العبارة المسكوكة.

» خصوم الكاتب الأول يتشبثون بالقول أن بقاء إدريس لشكر فيه خرق للقانون الأساسي للحزب، هل هم على حق؟

»» ما هو مطروح ليس القرب من الحق أو القرب من الباطل، هذه ثنائية ميتافيزيقية، بل القرب من القانون أو الابتعاد عنه، والتزام المسطرة الديمقراطية في حال تغييره أو التزام الإرادة القسرية في ذلك.. الآن عندنا الترشيحات المعلنة للإخوان والأخت، وما يناقش كذلك تبعا للنقاشات التي أشرت إليها قبلا، قضية القانون الأساسي من عدمه، لم تمس، ولا يمكن أن تتغير إلا بمساطر محددة لا يد للواحد منا فيها حسب عفو خاطره وعاطفته.. كل الاتحاديات والاتحاديين بدون استثناء، لهم أن يقدموا ما يرونه ضروريا للوصول إلى الأهم، الذي هو الإصلاح الذاتي، وعتبته الضرورية هي الشجاعة في مواجهة المشاكل الذاتية، والحكامة الصارمة للحزب في بناء وعي جديد، والقدرة على الفعل السياسي، وجعل المحطة أكبر من رهانات “الكاستينغ” التنظيمي.

» ما رأيك في ظاهرة كثرة إعلان الترشح لمنصب الكاتب الأول؟ وما تعليقك على عودة بعض الشخصيات للمنافسة على المنصب رغم كونها كانت خارج الحزب؟

»» تعدد الترشيحات دوما يعتبر مسألة إيجابية، كما أن تدافع الأفكار والمشاريع هو مسألة تخصب التجارب الحزبية ومنها التجربة الاتحادية، بل إن التقاطبات كانت جزء من المكونات الوراثية للاتحاد، والحفاظ عليها مسألة تقوي المناعة الفكرية لحزب القوات الشعبية.. فالاتحاد كان سباقا لتنظيم هاته التعددية في مؤتمر سابق، والعمل بها اليوم مسألة إيجابية، والمرشحون، ذكورا وإناثا، إخوتي وأهلي ورفاقي.

يبقى المهم، هو أن الرغبة وحدها لا تكفي، بل لا بد من مقومات تسهر عليها المؤسسات، وهي هنا لجنة التأهيل ولجنة مهمتها تأمين المسار التعددي بالضمانات التي توافَقَ عليها الاتحاديون، ومنها ضمانات أخلاقية، كالمساهمات العملية في تصليب المؤسسة وتفعيل الحكامة الحزبية والموقف الموضوعي من مكتسبات الحزب حاليا، وعدم تبخيس رأسماله الرمزي والسياسي… إلخ.

غير ذلك، فسؤال الداخل والخارج جوابه، أن جدلية كانت دوما إغراء اتحاديا!  وأحيانا كان ثمنها باهظا للغاية كما وقع في فترة قيادة الداخل وقيادة الخارج، وكانت قيادة الخارج تعني الإخوان في المنفى، في وقت كانت فيه قيادة الداخل تدفع ثمنا رهيبا أحيانا لقرارات الخارج.. فلا مقارنة بطبيعة الحال مع وجود الفارق.

في الترشيحات الحالية، ومن وجهة نظر الثقافة الرفاقية في الاتحاد، لا فرق بيننا إلا بالتقوى كما يقول المأثور الديني.

عموما، لم تغلق الأبواب في وجه أي كان، وهذه حسنة تحسب على التعدد الحالي، والتعددية، سواء في المنافسة الديمقراطية في المجتمع أو في المنافسة الداخلية للحزب، تلزمها الفكرة المؤسساتية لكي تحميها وتقويها وتُصلّبها، وكلنا يجب أن نكرس ثقافة الإنجاز والنتائج كقاعدة في الحكم على أدائنا، وأعتقد أن هذا مشترك اتحادي لا بد من الحفاظ عليه.

» بعيدا عن الحسابات التنظيمية، يوجد حزبكم اليوم في موقع المعارضة، وقبلها كان في موقع الأغلبية، لماذا في رأيك تم دفعكم للمعارضة؟

»» لا أعتقد أن التناوب الذي دافع عنه الاتحاد وجعله شعارا للمرحلة والوعي به حتى صار قاسما مشتركا في الحقل السياسي، الرسمي والشعبي، كان يقتضي الإخراج الذي تمت به الأمور، وثانيا، أن عدم تقدير مساهمة الاتحاد لم يكن بديله سوى المزيد من انغلاق مساحة القرار السياسي، وقد تتغير المعطيات بعيدا عن التوازن الحكومي الحالي، بما يفيد أن تحليلات الاتحاد، ومعه الذين تابعوا صراعه الانتخابي بتعاطف كبير، كانت في صميم المعطى الوطني، والاتحاد أراد المشاركة كقراءة لنتائج التصويت، ثم لتفعيل البرامج التي دافع عنها في تدبيره للمرحلة، وأكثر من ذلك، أنه يرى أن المشاركة هي المدخل للتواجد في القرار السياسي الذي به يمكن قضاء مطالب الناس، والمشاركة في التخطيط لأجل رفاههم.

 والمهم من كل هذا، خارج موقع المشاركة وعدم المشاركة من منطق الطهارة والنجاسة التي رافقت هذا النقاش في أوساط اليسار، أن المعارضة بالضرورة شيء ملائكي والمشاركة مسألة مشبوهة.

» ألا يمكن القول أن عدم الدخول للحكومة هو فشل للقيادة الحالية؟

»» لا تنس أن هناك من اعتبر إصرارها على المشاركة في القرار الوطني هو ضلالة، وهناك من اعتبر أن عدم المشاركة هي طريقة جديدة في الموت الرحيم!

الأمور حسب زوايا النظر..

» بالنسبة لك كمسؤول عن جريدة الحزب، كيف تعيش هذا الانتقال بين خطين تحريريين متناقضين، واحد مع الحكومة والآخر مع المعارضة؟

»» في الواقع، عندما يكون هناك احتكام إلى الحدود المتعارف عليها في التمييز بين الأجناس وبين الخبر والرأي، ونختار عن طواعية موقف صحافة الرأي، تكون الأمور ميسرة وواضحة، وأذكر أنه إبان تولي الأخ عبد الواحد الراضي مسؤولية وزارة العدل وكان وقتها كاتبا أول للحزب، كانت الجريدة تصدر بمانشيت الإضرابات التي تدعو إليها نقابة العدل.. ولم يكن في الأمر ما يخالف ذلك.. فالجريدة ملك للحزب، وهو الذي يقنع الرأي العام المتابع لها بمواقفه وآرائه وخط التحرير الذي يعبر عن خياراته في مرحلة من المراحل.. والمدير المسؤول جاد من قيادة الحزب، وهو جاد من التفكير الجماعي للحزب.. “باطرون” الجريدة.

» نتحدث اليوم في ظرف تطبعه جائحة “كورونا”، التي عمقت أزمة الصحافة، هل تعتقد أن الصحافة الحزبية ستنجو بعد هذا الوباء؟ وهل هناك مستقبل للصحافة الورقية برأيك؟

»» مؤمن ببقائها كما بقي الورق والكتاب والشجرة والأيادي، فقط لا بد من مجهود جبار غير مسبوق رسميا ومهنيا.

إننا تأخرنا في الثورة الرقمية في ارتباط مع الثورة في العالم، وأن الدولة يجب أن تختار تأهيل هذا القطاع ضمن السيادة الرقمية التي نتحدث عنها جميعا.. فهو القطاع أو قل “المزارع المائية للديمقراطية”.

 

متفرقات

» ما ردكم على اتهام بنبركة في تقارير إعلامية بالجاسوسية؟

»» عندما يصبح الوطني الذي طرد الاستعمار ويصبح القائد التقدمي الذي وحد العالم حول مشروع القارات الثلاث، ويصبح الشهيد في حاجة إلى الدفاع عن بردته وبياض سيرته وسريرته، من وراء موت غير مكتمل، انتظر كل السخافات وكل الأراجيف.. غريب، لقد جربوا فيه كل القصص وكل السيناريوهات، إلا سيناريو واحد: الحقيقة في اغتياله وبراءته!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى