روبورتاج

روبورتاج | عندما كانت الأحزاب توجه قرارات الحسن الثاني

بقلم الباحث: الزاكي عبد الصمد

 مقدمة

 يكشف هذا التقرير الأمريكي، درسا للحكومات والسياسيين المغاربة الحاليين، وهو أن كل ما يدور بينهم وبين المبعوثين أو الزوار الأجانب للمغرب، يسجل في محاضر ويرسل إلى الأطراف المعنية، كما ينص على ذلك هذا التقرير الذي أرسلت نسخة منه إلى السفير الأمريكي في مدريد.

تتمة المقال بعد الإعلان

هذا التقرير يكشف أسرار ما دار بين وزير الخارجية المغربي الطيب بنهيمة، والسفير المغربي أحمد السنوسي، وكيف أن وزير الخارجية المغربي كان على مستوى عال يحاول من خلال كلامه، إقناع الأمريكيين بضرورة الجلاء عن المغرب، بعد مشاركة غير مشكوكة، للأمريكيين في الانقلاب العسكري الثاني ضد الحسن الثاني سنة 1972.

————————-

تتغنى الولايات المتحدة الأمريكية دائما بشعار: “ليس هناك صديق دائم، ولكن هناك مصالح دائمة“. وتنطبق هذه الحالة على المغرب في مرحلة السبعينيات، خصوصا مع الحدثين البارزين وهما المحاولتين الانقلابيتين اللتين تعرض لهما الملك الحسن الثاني على التوالي بين سنتي 1971 و1972. وقد أظهرت المحاولة الانقلابية الأولى مدى الهوة بين الملك والجيش، كما أظهرته وحيدا وخصوصا بعدما ساهم في القضاء على المعارضة السياسية، أو قتل الأحزاب الوطنية بتعبير الباحث الفرنسي في العلوم السياسية كلود بلازولي، صاحب دراسة “الموت البطيء للأحزاب السياسية المغربية”. ولقد راقبت أمريكا ما حدث وفهمت أنه عليها أن تدعم الجيش الملكي ليقوم بانقلاب على الملك، وعلى هذا الأساس فقد دعمت المحاولة الانقلابية الثانية، حيث أثبت الباحث محمد لومة ذلك.

تتمة المقال بعد الإعلان

أما هذا التقرير فهو محاولة لرسمصورة حية عن العلاقات المغربية الأمريكية بعد أي محاولة للتدخل من الجانب الأمريكي في الشؤون المغربية، خاصة وأن الولايات المتحدة كانت ماتزال في كثير من الحاجة إلى قواعدها الجوية الموجودة فوق التراب المغربي. والمغرب من جانبه في حاجة إلى تدخل أمريكا في قضية الصحراء لصالحه. والمقالة عبارة عن قراءة في وثيقة رسمية صادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية.  

والوثيقة عبارة عن تقرير حول اجتماع دار بين وزير الخارجية المغربي أحمد الطيب بنهيمة، والسفير المغربي أحمد السنوسي، وسكرتير وزارة الخارجية الأمريكية لدى شؤون شمال إفريقيا “دافيد ناوسم” “Newsom David“. وقد أرسل هذا التقرير إلى كل من سفيري الولايات المتحدة الأمريكية بالرباط ومدريد. وهو مؤرخ بـ12 أكتوبر 1972 أي بعد شهرين فقط من المحاولة الانقلابية التي قادها الجنرال محمد أوفقير. وقد رفع عنه طابع السرية بتاريخ 24 شتنبر 1998.

 

طمأنة أمريكا باستمرار العلاقات بعد تدخلها في انقلاب غشت 1972

 

يلاحظ من خلال هذه الوثيقة أن ما غلب على الأسلوب المغربي في هذا الاجتماع هو اللباقة في التعامل مع أمريكا ولو بعد محاولة سافرة للتدخل في قلب النظام، حيث أخبر وزير الخارجية المغربي أحمد الطيب بنهيمة سكرتير الولايات المتحدة لدى شمال إفريقيا بأن الملك لديه ثقة مطلقة في الولايات المتحدة، وخصوصا بعد أن بدأ يشار إلى مسؤوليتها في المحاولة الانقلابية الفاشلة، كما أكد الوزير المغربي خلال هذا اللقاء أن جميع التقارير الصحفية التي حاولت أن تشوش على العلاقات بين البلدين ليست صحيحة.

غير أن الوزير المغربي حاول أن يوبخ أمريكا بطريقة غير مباشرة، حيث أخبر نظيره الأمريكي أن الملك يقوم بتحركات بهدف توسيع الحكومة المغربية وإدخال عناصر من المعارضة إليها، كما أكد أن من شأن ذلك أن يجعل موقف المغرب بشأن بعض القضايا يتصلب. وفي هذا الصدد أكد وزير الخارجية أنه لا بد من إعادة النظر في مسألة القواعد الأمريكية بالمغرب، في أقرب وقت. وأكد أنه من المتوقع أن تزداد ضغوط الحكومة الجديدة التي من المرجح أن تتشكل في الأشهر المقبلة، والتي يسعى من خلالها الملك إلى إدخال فرق من المعارضة إلى الحكومة الجديدة.

وخلال هذا اللقاء أعرب وزير الخارجية المغربي بنهيمة عن رغبة الملك في أن يقوم الأمين لوزارة الخارجية الأمريكية بزيارة للمغرب. وفي المقابل كان جواب الأمين العام أنه حريص على زيارة للمغرب، وأنه يسعى للتمتع بجولة من الجولف مع الملك. وكان جواب بنهيمة بأن الملك مشغول جدا بأمور أخرى، غير أنه أكد بأنه سيكون على استعداد لتنظيم مباراة من هذا النوع.

 

محاولة تلميع صورة الحياة السياسية الداخلية

 

عند استعراض التطورات السياسية الداخلية بالنسبة للمغرب، فقد استعرضها وزير الخارجية، من خلال أهم حدثين ميزا المشهد السياسي المغربي خلال العامين، وهما: المحاولتين الانقلابيتين. ولم يفوت الوزير الفرصة للتذكير بأن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد مغامرة من فئة قليلة من الجيش، مبرزا بذلك بأن الجيش مازال بكامله خلف الملك، وليس كما يظن البعض بأنه قد تخلى عنه وانقلب عليه، حيث وصف المحاولتين بأنهما جاءتا عن طريق رجال موثوق بهم من طرف الملك. كما أكد أن الأسباب غير واضحة تماما، وأن الجيش ككل لم يشارك في هذين العملتين، حتى وإن اقتصر الأمر على البعض. كما أكد أن الملك اتخذ الطريق المستنير والصحيح لدراسة كافة السبل قصد ضمان الاستقرار. كما أعرب عن تذمره من الصحافة العالمية التي لم تقدم وصفا دقيقا للمشهد السياسي الراهن في المغرب.

ولم يفوت الفرصة ليؤكد أن الملك يعمل في تعاون وثيق مع عناصر من المعارضة التي من شأنها أن تدعم المؤسسات المغربية الأساسية. كما قال بأن الحكومة المغربية تأمل في أن المباحثات مع المعارضة ستؤدي إلى توسيع الحكم والعودة إلى النظام البرلماني. وفي هذا توضيح وإشارة واضحة إلى الحكومة الامريكية بعدم التدخل في شؤون المغرب الداخلية، حيث أبرز الوزير بأن الوضع السياسي الداخلي متحكم فيه من جراء دخول الملك مع المعارضة في مفاوضات ستؤدي إلى تشكيل حكومة مغربية جديدة، كما قال بنهيمة.

كما تناول الوزير المغربي ما تتناوله بعض الصحف الفرنسية والصحف العالم الثالثية التي قامت بالعديد من التقارير “والقصص الكاذبة” المتعلقة بالعلاقات المغربية الأمريكية بعد المحاولة الانقلابية الثانية 1972، وعاد الوزير ليطمئن محاوره بأن الملك لديه ثقة مطلقة في الولايات المتحدة، وعلى عكس جميع التقارير التي تعتبر ضرب من الخيال.

في حين أكد السكرتير العام للولايات المتحدة الأمريكية بأن بلاده تضع قيمة عالية بخصوص علاقتها مع المغرب، كما أعرب عن تمنياته أن يرى المغرب محافظا على الاستقرار ومواصلة التقدم. وقال السكرتير العام في هذا اللقاء بأن الرئيس وأعضاء آخرين في الحكومة الأمريكية يكنون احتراما كبيرا للملك. كما أعرب الأمين العام عن أمله في أن يظل الملك يقوم بمهنته في قيادة البلاد نحو التقدم بنجاح، كما أعرب عن متمنياته في أن الأحداث المؤسفة في الماضي لن تتكرر.

 

التلويح بورقة جلاء القواعد الأمريكية الموجودة على التراب المغربي

 

انتهت مرحلة الخطابات غير المباشرة في هذا اللقاء، واتجه الوزير المغربي نحو الخطابات المباشرة، حيث أنذر مخاطبه الأمريكي بأن الحكومة المغربية في حالِ ما إذا شاركت فيها المعارضة فإن مواقفها بخصوص قضية القواعد الأمريكية بالمغرب ستتخذ منحى آخر، حيث ستطالب الحكومة الجديدة بجلاء القوات الأمريكية بالمغرب.

كما أضاف بنهيمة بأن المشهد السياسي العالمي تغير بشكل كبير منذ عام 1963، أي السنة التي أصدر فيها البيان المشترك للقواعد الأمريكية بالمغرب، حيث أكد الوزير المغربي أنه في هذه المرحلة أي سنة 1972 لم تعد الحاجة ملحة إلى بقاء القواعد الأمريكية بالمغرب، وقال وبصريح العبارة بأن الحكومة المغربية تود فرصة مبكرة لإعادة النظر في المسألة برمتها مع الولايات المتحدة الأمريكية. مؤكدا أن المغرب لا يسعى إلى إغلاق جميع القواعد أو الاستغناء عن كافة الفنيين الأمريكان، ولكنه سيتجه إلى إمكانية تخفيض العدد من ثلاث قواعد إلى اثنين مع احتساب قاعدة القنيطرة. متعللا في ذلك بأنه عندما يشارك الملك الحسن الثاني في اجتماعات خاصة بمنظمة الوحدة الإفريقية، أو دول عدم الانحياز، ينتقده البعض للسماح للولايات المتحدة الأمريكية بالإبقاء على قواعدها في المغرب.

وقد أكد الوزير أن الملك لا يمكن أن يجادل من وجهة نظر مصلحته الذاتية. لأن هناك ترتيبات معروفة في حالة وجود قواعد أمريكية في أي بلد مثل المساعدة المالية والعسكرية التي تقدمها أمريكا لأي بلد توجد به قواعدها. وفي المغرب اعتبر الوزير أنه لا يوجد لمثل هذا التبرير، لأنه وإن سمح لأمريكا بإقامة قواعد في المغرب فذلك فقط بسبب الصداقة التي تجمع بينهما. كما أضاف بنهيمة أن المغرب لا يستفيد اقتصاديا ولو بشكل غير مباشر من هذه القواعد، حيث أن التقنيين الأمريكان في القنيطرة تصلهم كل الامدادات من الولايات المتحدة.

أما من جانب الأمين العام لوزارة الخارجية الأمريكية فقد تساءل عن كون الانتقادات الموجهة للمغرب من جانب بلدان أخرى بخصوص وجود القواعد الأمريكية فوق التراب المغربي ألا يشكل تدخلا في الشؤون الداخلية المغربية. وقد وافقه الوزير المغربي، حيث أكد أن الملك أظهر استقلاليته من خلال الحفاظ على القواعد الأمريكية طيلة هذه السنين بهدف مواجهة ضغوط البلدان الأخرى. بيد أن بنهيمة عاد للتأكيد على أن العالم قد تغير في العشر سنوات الأخيرة التي أمضى المغرب في سياقها البيان المشترك بشأن القواعد الأمريكية، كما أشار إلى أن الولايات المتحدة قد أغلقت بعض قواعدها في بعض الأماكن الأخرى من العالم.

محاولة اللعب على ورقة المعارضة

 

كانت أحزاب المعارضة في مجملها تنادي بجلاء القواعد الأمريكية، منذ حصول المغرب على الاستقلال، وربما كان يضايق أمريكا وجود هذه الأحزاب في الحكومة، التي لا شك أنها ستطالب أو ستقرر جلاء القواعد الأمريكية. وقبل إغلاق هذا الملف شدد بنهيمة على أنه يجب أن يعاد النظر في مسألة القواعد الأمريكية قبل دخول المعارضة إلى الحكومة، لأنه إلى حدود تلك اللحظة يمكن للحكومة المغربية أن تأخذ بعين الاعتبار مصالح الولايات المتحدة، قبل أن تزداد من جديد ضغوط الحكومة من جراء دخول المعارضة لها. وقد سأله السكرتير الأمريكي عن موعد ظهور الحكومة الجديدة. غير أن الوزير المغربي أكد له أن الأمور غير واضحة بعد، مع إمكانية أن تظهر قبل شهر أبريل 1973. ويبدو أن الوزير المغربي كان فقط يلوح بورقة المعارضة.

 

قلق الحسن الثاني من تعاطي إسبانيا مع قضية الصحراء

 

وبعد إغلاق ملف القواعد الأمريكية بالمغرب الذي حاول من خلاله المغرب أن يوجه إنذارا “خفيف” اللهجة لأمريكا من جراء محاولاتها التدخل في شؤون المغرب. فتحت قضية أخرى وهذه القضية مازالت تشغل بال المغرب وأمريكا وكل دول العالم وهي قضية الصحراء المغربية. وبخصوصها أكد بنهيمة خلال هذا اللقاء بأن هناك قضية إضافية تقلق الملك وهي الصحراء، حيث يرى المغرب أن إسبانيا لا تقارب الموضوع بطريقة مطمئنة تماما. حيث إن المغرب اتفق مع إسبانيا لجعل القضية بين يدي الأمم المتحدة. غير أن إسبانيا امتنعت عن جميع قرارات الأمم المتحدة خلال العامين الماضيين. كما أن كل مكونات الشأن السياسي والرأي العام بالمغرب قلقون للغاية، بما فيهم أحزاب المعارضة وغيرهم، ويلومون الملك ويوجهون له انتقادات بشأن سياسته في الصحراء، وكذلك عدم استشارته معهم بهذا الشأن.

 

عدم رغبة الحسن الثاني في توظيف قضية الصحراء من أجل خلق إجماع وطني

 

يبدو من خلال هذا اللقاء ما الذي كانت تعنيه قضية الصحراء، إذ اعتبرت منذ تلك المرحلة رهانا سياسيا يلعب عليه الملك من أجل خلق وحدة وطنية، حيث أخبر بنهيمة السكرتير الأمريكي بأن الملك في إمكانه أن يحقق الوحدة الوطنية بشكل سريع جدا، من خلال تحدي إسبانيا بشأن قضية الصحراء، وخلق التفاف من طرف الأحزاب المعارضة. ولكن الوزير أكد خلال هذا اللقاء أن الملك لا يريد أن يتسرع أو يستبق الأحداث بالاعتماد على هذه القضية. حيث إنه في تلك الظرفية كان يخطط وعلى استعداد لإعطاء إسبانيا حق المشاركة في فوسفاط الصحراء، وحتى إقامة قواعد تساعد على حماية مكانتها في جزر الكناري.

 

قلق من نشاط بعض الدول في الصحراء

 

وخلال هذا الاجتماع، أكد الوزير أن المغرب قلق بشكل بالغ إزاء زيادة النشاط الليبي في الصحراء، موضحا أنه إذا قدم الليبيون السلاح لبعض الحركات الموجودة في الصحراء فإن ذلك من شأنه أن يضر بالمغرب، ويجعله في موقف حرج. كما أشار إلى أن لجان من الصين الشعبية والاتحاد السوفياتي تنشط في المنطقة، إضافة إلى لجان من الجارة الجزائر.

 

رفض أمريكا التدخل في قضية الصحراء

 

وفي الأخير، طلب بنهيمة من الولايات المتحدة أن تشارك في قضية الصحراء، حيث أعرب عن أمله في أن تعمل على مساعدة المغرب في إقناع إسبانيا أن تتخذ موقفا أكثر مسؤولية بشأن قضية الصحراء. غير أن السكرتير الأمريكي قال له بأن الولايات المتحدة لا يمكن أن تشارك في هذه القضية، وأنه لا ناقة لها ولا جمل فيها. وتعلل السكرتير بأن الأمر يقف على تطور القضية بين إسبانيا والمغرب، كما أكد أنه سيقول نفس الكلمة لإسبانيا، وأن بلاده لن تقف إلى جانب إسبانيا أيضا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى