الرأي

نافذة للرأي | لماذا يهاجم السلفيون المدرسة ؟

بقلم: أحمد عصيد

    يتساءل مواطنون كثر عن الأسباب التي جعلت المدرسة والتعليم العصري عموما، هدفا للهجمات العنيفة للسلفيين والإخوان في الآونة الأخيرة، والحقيقة أن ما يجري، هو ردود أفعال على عوامل عديدة نبرزها في ما يلي:

1) هناك سبب تاريخي يفسر كراهية السلفيين للمدرسة الحديثة، وهو كونها مؤسسة عصرية وُجدت لتلبية حاجات الدولة الحديثة الناشئة، ومكنت من تعويض رجال الدين في مناصب الترؤس والمسؤولية الإدارية بموظفين مدنيين، حيث أصبحت الدولة الحديثة تستمد أطرها من المدارس والمعاهد الحديثة عوض التعليم التقليدي الأصيل الذي كان وحده في القرون الغابرة مصدر أطر الدولة الدينية، من كتاب وقضاة ومستشارين، ولعل أهم خطوة في علمنة الدولة وتحديثها، كانت هي جعل العلوم الحديثة (السياسية والاقتصادية والقانونية) أساس الترقي الاجتماعي في مناصب الدولة، ما أدى إلى تراجع قيمة العلوم الشرعية التقليدية مع تقلص مجال اعتماد المرجعية الدينية في تدبير الشأن العام.

تتمة المقال تحت الإعلان

هذه الصدمة التاريخية جعلت رجال الدين عموما يُكنون حقدا دفينا للتعليم العصري وللعلوم الحديثة التي حاربوها في البداية، ثم سكتوا عنها بعد ذلك بسبب انعدام تأثيرهم في مجريات الأحداث التي تجاوزتهم.

2) السبب الثاني يعود إلى عزم الدولة المغربية منذ سنة 2003، على القيام بمراجعات كبيرة في المقررات والبرامج الدراسية للتربية الإسلامية، بغرض تطهيرها من المضامين السلفية المتشددة، التي كان الملك الراحل الحسن الثاني قد أقحمها في النظام التربوي عنوة منذ سنة 1979، لمواجهة اليسار من جهة، ومن جهة ثانية، بغرض الانخراط في المعسكر السعودي ـ الأمريكي لمواجهة المد الشيعي بعد الثورة الإيرانية، وقد تجدد التعبير عن رغبة الدولة في هذه المراجعة بشكل واضح سنة 2016، بعد أن عبر الملك محمد السادس في خطاب رسمي، عن ضرورة القيام بمراجعة شاملة لمقررات التربية الدينية بسبب ما تشتمل عليه من توجهات متطرفة ولا تربوية، مكلفا لجنة ملكية بالقيام بتلك المراجعة، ما أدى إلى فقدان التيار المحافظ للكثير من المضامين التي كان يعتبرها داعمة لتوجهه داخل المدرسة العمومية.

3) السبب الثالث، هو استهداف السلطات للعديد من المدارس القرآنية السلفية بعد أن ثبت تأثيرها السلبي في بعض مرتاديها، وكذا بسبب تعبير بعض مشايخها التابعين للسعودية، عن مواقف متشددة ضدا على اختيارات الدولة والتزاماتها الحقوقية والقانونية، وذلك مثل تعبير الشيخ المغراوي مثلا عن إيجابية تزويج الطفلات في عمر تسع سنوات.

تتمة المقال تحت الإعلان

4) ومن الأسباب المؤثرة في مواقف المحافظين أيضا، ما تضمنه تقرير النموذج التنموي الجديد من توجه واضح نحو إعادة نظر جذرية في فلسفة ومضامين درس التربية الإسلامية، الذي تميز خلال العقود الماضية بمعاكسته للمواد الدراسية الأخرى العلمية منها والأدبية، ما أدى إلى خلق شرخ كبير داخل المدرسة ساهمت في إفشال التعليم ببلادنا، ولعل جعل وظيفة هذا الدرس الجديدة مرتبطة بأهداف التربية على المواطنة وإكساب القيم العليا للعيش المشترك، قد أثارت حفيظة التيار المحافظ الذي يعتبر درس التربية الإسلامية إطارا للتجييش الديني للأجيال الصاعدة، وهو تأطير معاكس لأهداف المدرسة العصرية ولالتزامات الدولة وبرامجها التنموية.

5) ويأتي السبب الأخير المتمثل في هزيمة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة، وهي الهزيمة التي إن كانت قد أزاحت الحزب من موقع رئاسة الحكومة، إلا أنها لم تمنعه من تحريك أذرعه الاجتماعية بغرض إحداث البلبلة في أمور كثيرة، أهمها التعليم، حيث شرع أتباع الحزب في الآونة الأخيرة في البحث عن ذرائع، ولو واهية، للقيام بحملاتهم ضد المضامين الحقوقية الجديدة للكتب المدرسية التي تتعارض مع توجههم الإخواني والسلفي.

خلاصة هامة :

تتمة المقال تحت الإعلان

إن استمرار التعليم موضع صراع ومواجهة بين التيارات الإيديولوجية، يعود بالدرجة الأولى إلى عدم قيام الدولة المغربية بالحسم المطلوب في اختياراتها العليا والخروج من التناقضات القاتلة، ذلك أن التعليم في البلدان الراقية، يعد ورشا وطنيا لا مجال فيه للمزايدة أو التصادمات غير المنتجة، وهدفه الرئيسي بناء المواطن الحر، المنتج، والمبادر، اعتمادا على المرتكزات الديمقراطية الكبرى المعلنة في الدستور والتي تشكل اللحام الوطني بين جميع الفرقاء وأطراف الدولة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى